مجلة الرسالة/العدد 438/إلى إمام الأزهر
→ كلمة صريحة | مجلة الرسالة - العدد 438 إلى إمام الأزهر [[مؤلف:|]] |
عَبْرَ كذا. . . ← |
بتاريخ: 24 - 11 - 1941 |
العقائد الوثنية
في الكتب الأزهرية
للأستاذ محمود أبو ريه
هذه كلمة خاصة نرجو أن تبلغ مسامع الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وأن تصيب مكان العناية منه فينهض بما أوتي من علم واسع وعزم قوي إلى العمل على تخليص العقائد الدينية من نزعات الوثنية، وتحرير العقول من رق التقاليد الخرافية، حتى تصبح هذه العقائد سالمة خالصة، وتنطلق العقول والأفكار إلى العمل على كل ما يعود عليها بالنفع والخير. وإنه إن يفعل ذلك يكون قد أقام الأصل الأول للدين الإسلامي وهو التوحيد الخالص، الذي هو (كمال الإنسان) كما قال أستاذنا الإمام محمد عبده، ووضع أساس الإصلاح في بلادنا إذ لا يقوم أي إصلاح في أي مرفق من مرافق الحياة إلا بعد تطهير العقائد وتحرير العقول. ذلك بأن العقائد الفاسدة كما لا يخفى تأخذ بأيدي معتقديها وأرجلهم، وتغل عقولهم عن التفكير الصحيح، وتصيب عزائمهم بالشلل الاجتماعي، فلا يعملون في الحياة ولا يُعدون لها عدتها. وأنى لهم العمل وقد (رموا الحمول. . .) على ما اتخذوهم أولياء بزعمهم فاستيقنوا أنهم يقضون حاجاتهم ويجيبون دعواتهم
وإن الذي جعل العقائد الوثنية تفشو ولا ريب بين المسلمين هم أكثر شيوخ الأزهر بما يبثونه في فتاواهم وأحاديثهم ودروسهم ومجلاتهم، ولولاهم لما وجدت الوثنية سبيلاً إلى عقائد المسلمين، ذلك بأنك ترى الرجل من دجاجلة الصوفية يدس عقائد الشرك بين من يسميهم مريديه، ويعبث ما شاء له الجهل أن يعبث بعقول هذه الطوائف الساذجة، فإذا التفت إلى الشيخ الأزهري، وهو الذي يرجى منه أن يعمد إلى ما يبنيه هذا الرجل الصوفي فيأتي عليه من القواعد، لتنظر ماذا يصنع إزاء ذلك وجدته يناصر هذا الدجال ويؤيده؛ وقد بلغ من بعضهم أن يمشي في ركابه ويدعو الناس إلى احترامه وإجلاله فيقول: إن العلم علمان: علم الظاهر وهو لنا، وعلم الباطن الذي هو علم الحقيقة وقد فاز به شيوخ الصوفية. وبذلك يصبح ذلك الرجل الجهول قطب وقته وولي عص ولقد كنت يوماً أناقش أحد شيوخ الأزهر فيما يصنعه هو وأمثاله من العمل على إشاعة العقائد الوثنية بين المسلمين، فكان مما أجاب به: إن هذه الأمور قد درسناها على شيوخنا في الأزهر علماً وأخذناها عنهم عملاً، وهي ثابتة في الكتب الأزهرية. وقد قرر شيخنا الدردير في الخريدة أن من لا شيخ له فشيخه الشيطان. وقال إمامنا البيجوري في حاشيته على الجوهرة: إن الله تعالى يوكل ملكا على قبر الولي يقضي حوائج الناس. فنحن لا نقول إلا عن علم ولا نفتى إلا بدليل. ثم التفت إلى متعجباً وقال: كأنك لم تقرأ ما ينشر كل يوم في المجلات الدينية من الفتاوي الدجوية، وآخرها فتوى فائدة الأربعاء القناوية. أو كأنك لم تطلع على القصيدة الصدفية في الاستغاثة بالحضرة الأحمدية البدوية التي نشرت بمجلة الرسالة الغراء! ألا فادرس العلم الصحيح من مصادره، وارجع إن أردت المزيد إلى ما أثبته الشيخان (الأكبران) الشرقاوي والبيجوري وهما ممن بلغوا درجة الإمامة وتولوا مشيخة الأزهر لترى كيف يكون علم العلماء المحققين. فغادرته ورجعت إلى هذه الكتب التي ذكرها لأرى ما فيها، وما كدت أعبر بعض صفحاتها حتى تلقاني علم زاخر وجدت أن لا قبل لي بملاقاة أمواجه، فقفلت راجعاً وقلت اللهم إن السلام في الساحل
أما الكتاب الأول فهو شرح الخريدة البهية (للقطب الكامل والغوث الواصل أبي البركات سيدي أحمد الدردير)
قال هذا القطب بعد أن ذكر من العقائد ما شاء له علمه: إن على كل مسلم (اتباع شيخ عارف قد سلك طريق أهل الله على يد شيخ كذلك إلى أن ينتهي إلى رسول الله)، ثم قال: (ومن لا شيخ له فشيخه الشيطان. وبعد ذلك أوجب على المسلمين تقليد الأئمة الذين ذكرهم اللقاني في الجوهرة بقوله:
وما لك وسائر الأئمة ... كذا أبو القاسم هداة الأمة
فواجب تقليد حبر منهم ... كذا حكى القوم بلفظ يفهم
على أن المسلم لا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع في هذا الأمر وهو يجد في كتب العلم مع هذا القول قولا آخر هو:
ألا كل من لا يقتدي بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجة
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد سليمان أبو بكر خارجة على أنا لا نعرض لذلك حتى لا نتحول عن تيار الحديث
ولما فرغ من وجوب تقليد الأئمة الأربعة قال باتباع أبي القاسم الجنيد ومن تبعهُ، لأن من عداهم (من جميع الفرق على ضلال)، ثم قال إن تمام النعمة في اتباع الأقطاب الربانيين أسياده أحمد الرفاعي وعبد القادر الجيلاني وأحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي ومحمد الخلوتي وعبد الله النقشبندي وأتباعهم (فهؤلاء كلهم سادات الأمة المحمدية)
وقد جاء الشيخ (المحشي) وهو (العلامة الكبير والفهامة النحرير سيدي أحمد الصاوي) فترجم لهؤلاء الأقطاب الربانيين وذكر مناقبهم. وقد أورد من مناقب الرفاعي أنه (أراد شراء بستان فأبى صاحبه ألا يبيعه إلا بقصر في الجنة)، فقال له: (قد اشتريت منك بذلك) وكتب له عقداً هذه صورته: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما ابتاع إسماعيل من العبد أحمد الرفاعي ضامناً على كرم الله قصراً في الجنة يحف به حدود: الأول لجنة عدن؛ والثاني لجنة المأوى؛ الثالث لجنة الخلد؛ الرابع لجنة الفردوس، بجميع حوره وولدانه وفرشه وأشربته وأنهاره وأشجاره عوضاً عن بستانه في الدنيا، والله شاهد على ذلك وكفيل) فلما مات إسماعيل دفن معه العقد فأصبحوا وإذا مكتوب على قبره (قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً)
ونقل من كرامات السيد البدوي أن ابن دقيق العيد اجتمع به فقال له إنك لا تصلي، ما هذا سَنَن الصالحين. فقال له اسكت وإلا طيرت دقيقك، ودفعه فإذا هو بجزيرة متسعة جداً، فضاق ذرعه حتى كاد يهلك، فرآه الخضر فقال له لا بأس عليك، إن مثل البدوي لا يعترض عليه. اذهب إلى هذه القبة وقف ببابها فإنه سيأتيك العصر يصلي بالناس فتعلق بأذياله لعل أن يعفو عنك، ففعل فدفعه فإذا هو ببابه
وساق من كرامات الدسوقي أنه يعرف جميع اللغات حتى لغات الوحش والطير، وأنه صام في المهد، ورأى اللوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين، وأنه ينقل اسم مريديه من الشقاوة إلى السعادة. ومن أراد أن يستزيد من معرفة مناقب هؤلاء الأبطال فليرجع إلى هذا الرسالة فإن فيها العجب العجاب
أما الكتاب الثاني فهو حاشية الشيخ الباجوري على شرح ابن قاسم وقد جاء في باب الجنائز ما يلي:
لو شاهدنا الملائكة تغسله (الميت) لم يسقط عنا (ولو غسل الميت نفسه كرامة كفى كما وقع لسيدي أحمد البدوي أمدنا الله من مدده)
والكتاب الثالث هو حاشية الشيخ الشرقاوي على متن التحرير لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وقد قال في باب الجنائز أيضاً: (ولو شاهدنا الملائكة يغسلونه (الميت) لم يسقط عنا الطلب بخلاف ما لو كفنوه) إلى أن قال: ولو غسل الميت نفسه كرامة كما نقل عن سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، وكذا عن سيدي عبد الله المنوفي المالكي كفى لأنه من جنس المكلفين. وكذا لو غسل ميت ميتاً آخر كرامة)
نكتفي بهذا خشية الإطالة، ونعرضه عرضاً بغير مناقشة ولا بحث يقرأه الناس، ويطلع عليه إمام الأزهر، وهو القيم على علوم الدين في هذه البلاد والمسموعَ الكلمة بين أرجاء العالم الإسلامي، وكل ما نرجوه أن يوجه عنايته الجبارة إلى الإصلاح الصحيح لعلوم الأزهر، وذلك بإصلاح الكتب الدينية التي تدرس فيه، وبخاصة كتب العقائد منها، وأن يقوم العمل على الأخذ بها والدعوة على ما جاء بها، فلا يعبد الطاغوت في هذا البلد من دون الله، ومن لا يدين بها ويؤمن بأصولها يحال بينه وبين التصدي للدعوة إلى الدين، لأن العالم أو الواعظ إذا لم يكن سالم العقيدة خالص التوحيد، فإنه يكون أضر على الأمة من الجاهل
هذا ما نرجوه من شيخنا الأكبر، حتى يكون المسلم مستحقاً لوراثة الأرض بصلاح، فيأخذ أمور الحياة بأسبابها، ويستغلها بتسخير نواميسها، ويتبع سنن من يعاصرنا من الأمم الراقية شبراً بشبر وذراعاً بذراع، ليتبوأ مكانه اللائق به من العزة والسلطان.
نفزع إلى شيخنا الأكبر في ذلك، ونحن نعلم أنه ليس له غيره، فهو المسئول عن حماية العقائد الدينية في هذه البلاد من عبث الجاهلين، وقد تهيأ له من أسباب إنفاذ الإصلاح ما لم يتهيأ لمن سبقه من الأئمة المصلحين، فلا عذر اليوم
(المنصورة)
محمود أبو ريه