الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 437/جميل نخلة المدور

مجلة الرسالة/العدد 437/جميل نخلة المدور

مجلة الرسالة - العدد 437
جميل نخلة المدور
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 17 - 11 - 1941

1862 - 1907

للأستاذ كوركيس عواد

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

4 - مؤلفاته

الذي لم يقف على شيء من ترجمة المؤلف قد يظن أنه رجل عراقي، وهذا أمر متوقع! فإن جميل نخلة المدور، عني عناية خاصة بتاريخ العراق، وخدمه خدمة مشكورة يحفظها له التاريخ على مدى الأيام، ويقدرها له أبناء العربية حق قدرها، وعلى الأخص أبناء العراق منهم

فلقد قضى ردحاً من حياته في تدوين تاريخ العراق قبل العهد الإسلامي وبعده بكتابيه: (تاريخ بابل وأشور)، (حضارة الإسلام في دار السلام) اللذين سنخصهما بجزء من كلامنا في ما يلي من هذا المقال. ودونك لمحة عن كل مؤلفاته:

1 - تاريخ بابل وأشور

لا نغالي إذا قلنا إن (تاريخ بابل وأشور) هو أول كتاب ظهر من نوعه في اللغة العربية!

والذي نعهده، أنه لم تشهد العربية منذ صدوره حتى يومنا هذا سوى كتابين في هذا الباب: أحدهما (تاريخ كلدو وأثور) للعلامة المأسوف عليه السيد أدي شير. وثانيهما رسالة بعنوان: (مقالة في مملكة أثور) للعلامة البطريرك رحماني. ولم نهتد إلى غير هذه التصانيف الثلاثة باللغة العربية مما يتعلق بهذا الموضوع الواسع النطاق. مع أن الكتب الموضوعة فيه باللغات الإفرنجية تكاد لا تحصى لوفرتها!

على أن الجميل نخلة المدور فضل السبق في هذا الميدان، فقد نشر كتابه أولاً في مقالات ظهرت على التوالي في اثنين وعشرين جزءاً من المقتطف. ثم جمعت تلك المقالات في كتاب خاص طبع ببيروت في المطبعة الأميركية سنة 1879 في 62 صفحة. ثم جدد طبعه بمطبعة الفوائد ببيروت سنة 1893 في 128 صفحة

ولا نرى للتعريف بهذا الكتاب خيراً من أن نقتبس من مقدمته الفقرة التالية على لس مؤلفها:

(. . . وألفت هذا الكتاب في تاريخ أشور وبابل، وقد جمعته من أشهر أقوال المؤلفين في هذا الأوان، مما وصلوا إلى تحقيقه بعد شهادة الاختبار والعيان، وقسمته إلى قسمين: أحدهما جغرافي يبين الحدود والمساحات، والآخر تاريخي ذكرت فيه ترجمة من اشتهر من ملوكهم وعظمائهم، وما اشتهر لهم من الفتوحات وعظائم الأعمال إلى حين انقضائهم. . .)

وهذا الكتاب (وقف عليه اللغوي الشيخ إبراهيم اليازجي فهذب عبارته وصحح مبانيه، فجاء نقيا من الكلف، بريئا من الكلف، قريب اللفظ على بعد مرامه)

وكم كنا نود، لو أشار المؤلف إلى المراجع التي استند إليها في تصنيف كتابه، التي نظنها كانت بالفرنسية، لإجادته هذه اللغة على ما أسلفنا الكلام عليه

وقد وقفنا منذ زمن على بحث للعلامة الأب أنستاس ماري الكرملي عنوانه: (سلوان الأسرى في إيوان كسرى)، فيه نظرات نقدية صائبة للأعلام الواردة في هذا الكتاب، وجهها بشيء من العنف، إلى مؤلف الكتاب، أو بالأحرى إلى مصححه اليازجي

ومهما يكن من أمر فان مباحث الكتاب أضحت في وقتنا هذا قديمة لا يركن إليها، نظراً إلى ما دخل هذا (التاريخ) من الحقائق الجديدة التي هي ولا مراء وليدة علم الآثار. ولا يخفى أن هذا العلم قد أحرز تقدماً مدهشاً في مختلف الميادين خلال هذه المدة التي أربت على الستين سنة! فإذا تركنا هذه الملاحظة جانباً وجدنا في الكتاب بعد ذلك دليلاً واضحاً على ما كان عليه ذلك العلم قبل أكثر من نصف قرن؟ وفي معرفة ذلك فائدة جليلة لمن يبغي دراسة تاريخ العلوم

2 - أتالا

صنف هذه القصة الخيالية الكاتب الفرنسي الشهير شاتوبريان سنة 1801 م باللغة الفرنسية وهي رواية انتزعها المؤلف من كتابه (عبقرية النصرانية)، ولم يكن يومئذ قد أكمله. والحادث الذي تدور عليه الرواية ورد في أميركا الشمالية، وذلك أن (شكتاس) أسره جيل من الناس كان عدوا لرفاقه فحكم عليه بالإحراق، وكانت (أتالا) ابنة الزعيم الأقوى للقبيلة المعادية، فعشقت الأسير وخلصته في الليل وفرت به إلى القفار. أما وصف المؤلف لم انتاب العشيقين من الخوف والأمل والحب ووخز الضمير الذي كان يعذب هذين الفارين الطاهرين، فمن القطع الأدبية الرائعة! ففي هذه القصة المؤثرة التي وصف فيها الغرام وصفاً بليغاً أوحى شاتوبريان إلى أوربة بعالم جديد. فقد ذكر البحيرات العظيمة والحراج الأبكار التي تغشى أميركة الشمالية، ثم انتقل إلى وصف قبائل هنودها وعاداتهم وأخلاقهم ومعتقداتهم، وبين ما بين الحياة الهمجية والحياة المدنية من التضاد، فزاد ذلك بما في الرواية من الإفادة

وقد نقلها جميل نخلة المدور إلى العربية، وطبعها في بيروت سنة 1882م

والذي نعرفه أن لهذه الرواية ثلاث ترجمات عربية اقدمهن للخوري عيسى بترو الأورشليمي الرومي، ومن هذه الترجمة نسخة خطية في خزانة باريس الوطنية 3680، والثانية لجميل نخلة المدور، والثالثة لفرح أنطون، وقد طبعت هذه الأخيرة في نيويورك سنة 1908 في 8 + 48 صفحة

3 - التاريخ القديم

هذا الكتاب مختصر في التاريخ، لم يعلم مؤلفه الذي جمع مواده من مراجع مختلفة، مبتدئاً به بسنة 4963 قبل الميلاد، ومنتهياً به بسنة 395 للميلاد، وقد رتبه على مقدمة وثلاثة كتب ينطوي كل منها على فصول، وسار فيه بحسب السنين

نقله جميل نخلة المدور إلى العربية، وطبعه في بيروت سنة 1895 في 356 صفحة

4 - حضارة الإسلام في دار السلام

هذا هو أسمى مؤلفات جميل نخلة المدور، وأعظمها شأناً، والقطب الذي تدور عليه شهرته. فقد ألفه بطريقة ربما لم يسبقه إليها أحد في اللغة العربية اشتغل في تصنيفه زهاء العشر سنوات. فقد نشر منه فصلاً في المقتطف سنة 1880 بعنوان (البصرة في خلافة المنصور). فوطأ محرر المقتطف حينذاك لهذا الفصل بالكلمة التالية:

(هذه النبذة من كتاب قد باشر تأليفه الشاب اللبيب جميل أفندي المدور. . . (إلى أن قال): فنطلب له تمام التوفيق إلى إنجاز هذا الكتاب الذي لا تحصى فوائده ولا تثمن فرائده)

ولم تظهر الطبعة الأولى لهذا الكتاب إلا في سنة 1889 م

وهنا ندع القول للمؤلف يفصح لنا عن الطريقة المثلى التي سلكها في تصنيف هذا الكتاب الخالد، قال في المقدمة:

(هذه رسائل، وضعت فيها عصراً من عصور الإسلام قد أشرق به نور العلم، وجرت فيه أعمال عظيمة قام بها رجال كبراء ملئوا العالم بآثار جمالهم، وجعلت الكلام فيها لرحالة (فارسي) طوَّفته معظم البلدان الإسلامية في المائة الثانية للهجرة وطوقته مناصب الدولة برعاية البرامكة إلى أن نكبهم الرشيد. . .)

فالكتاب رسائل تبلغ العشر عداً، كتبها الرحالة الفارسي الخياني من سنة 156 إلى سنة 187 للهجرة؛ وقد سطر الأولى وهو في النهروان سنة 156، والثامنة وهو في بحر تونس سنة 186، والتاسعة وهو في المشاعر المباركة سنة 186 أيضاً. أما الرسائل السبع الباقيات فقد كتبها وهو في بغداد

وقد لخصه من خمسة وثمانين تصنيفاً تعد بحق من أسمى المؤلفات العربية القديمة الباحثة في علوم الدين واللغة والبلدان والأخبار والأدب وغير ذلك. وما لابد من ذكره هو أنه لم يدون حقيقة أو يسطر قضية إلا اسندها في الحاشية إلى المرجع الذي أخذها عنه، وأشار إلى الصفحة في كل مرة ينقل من هاتيك المؤلفات الخمسة والثمانين التي ألمعنا إليها. وفي هذا من المشقة ما لا يدركه إلا الذين عانوا مثل هذا التلخيص في كتاباتهم

ومن يطالع هذا الكتاب، يدرك أن الغرض من وضعه إظهار طرف من مآثر العرب ومفاخر الإسلام أيام هارون الرشيد والبرامكة. فهو يكشف للقارئ ما كان عليه القوم من علوم وآداب وعادات ومتاجر في بغداد وغيرها من البلدان. أضف إلى ذلك انه موضوع على منوال رحلة لرحالة متفقه بالعلوم والآداب المعروفة في ذلك الزمن، فهو يصف المدن والمعابد والمشاهد والمباني والسفن والموانئ وهيئات الملوك والوزراء والعلماء والشعراء والمغنين وغيرهم من الرجال، ويبين ما كانت عليه طباعهم وميولهم وأفعالهم كما وصفهم الواصفون من أبناء زمانهم المعاصرين لهم

وفي الكتاب، من الفكاهات والنوادر والأخبار المحققة والآراء الصائبة، ما تقر به العين وترتاح إليه النفس، لأنه جاء فيها بألفاظ مستعذبة وعبارات بليغة

فهذه المزايا أهابت - على ما نظن - بوزارة المعارف المصرية الجليلة إلى طبعه وجعله كتاباً للمطالعة، ولنعم ما فعلت! وقد أبدى أحد الكتاب ارتياباً في صحة نسبة هذا الكتاب إلى جميل المدور، فقال: (. . . وكان الشيخ إبراهيم اليازجي يصحح له (أي يصحح لجميل) ما يكتبه، وفي أصحابهما من يرى أن حضارة الإسلام لليازجي، وأنه نحله جميلاً في أيام إدقاع الأول وإثراء الثاني!)

غير أننا لا نميل إلى هذا الرأي، ولا نرى فيه ما يحملنا على تصديقه، لأن كتاباً ينفق من العمر في تأليفه نحو من عشر سنوات مما لا يجوز أن ينحل، خاصة وأن الشيخ إبراهيم اليازجي لم يكن بتلك الدرجة من الفاقة التي تدفعه إلى مثل هذا البذل العظيم!

5 - خاتمة

هذه هي مؤلفاته المطبوعة التي بوسع القارئ أن يرجع إليها إن شاء. ولديه تآليف غيرها لم تطبع، ولم نقف على شيء من أمرها سوى ما ذكره العلامة الأب شيخو من أن لجميل (في بيت أهله مخطوطات متفرقة أدبية وتاريخية وروائية)

ومما ورد في نهاية مقدمة كتاب حضارة الإسلام في دار السلام قوله:

(. . . وقد عقدت النية، إجابة لرغبة علماء المسلمين، ممن تفضلوا باستحسان هذا الكتاب، على متابعة سرد التاريخ الإسلامي في شكل هذه السلسلة من الروايات، وتنسيقها في مثل هذا السمط من درر الآيات البينات. . .)

والذي يؤسف له أن تلك النية الحسنة لم تتحقق. ولا نرى السبب في ذلك إلا اشتغاله بأمر الصحافة، أو إلى أن يد المنون امتدت إليه فأخترمته! ونحن واثقون من أن أمنيته لو كانت قد حرت مجرى التنفيذ لكنا نتمتع اليوم بذخائر كنز ثمين من الكتب ونرفل في جنة من الأدب فيها من كل فاكهة زوجان.

(بغداد)

كوركيس عواد