مجلة الرسالة/العدد 43/الانقلاب الجمهوري في أسبانيا
→ الموت والحياة | مجلة الرسالة - العدد 43 الانقلاب الجمهوري في أسبانيا [[مؤلف:|]] |
هل لمصر طراز؟ ← |
بتاريخ: 30 - 04 - 1934 |
3 - حرب الريف إلى قيام الجمهورية
بقلم الأستاذ محمد عبد الله عنان
كانت حوادث مراكش كابوس السياسة الأسبانية منذ نهاية الحرب. وكان لها أكبر أثر في تطور الحوادث التي انتهت بظفر الديموقراطية وقيام الجمهورية، وما زلنا نذكر تلك الحرب التحريرية العجيبة التي شهرها عبد الكريم زعيم الريف على أسبانيا مدى أعوام، ودحر خلالها الجيوش الأسبانية مراراً، وكاد يظفر بسحق سيادة أسبانيا في شمال مراكش لولا أن تألبت عليه قوى الاستعمار أخيراً واتحدت فرنسا مع أسبانيا على محاربته وسحقه، فكان ما أراد الاستعمار.
وكانت أسبانيا تعاني في بلاد الريف (شمال مراكش) منذ احتلالها متاعب جمة من جراء ثورة القبائل وتضطر دائماً إلى الاحتفاظ بجيش ضخم، ولكن أول نكبة حقيقية نزلت بالجيش الأسباني في بلاد الريف، وقعت في أنوال سنة 1921، ففيها هاجم عبد الكريم زعيم الريف مراكز القوات الأسبانية في تلك المنطقة، وكانت تبلغ زهاء تسع عشرة ألفاً، فمزقها واستولى على مراكزها وذخائرها، وقتل منها نحو ستة عشر ألفاً، وفر الباقون في مختلف الأنحاء، وانتحر قائدها الجنرال سلفستر. وكان محمد بن عبد الكريم الخطابي من أبناء بني أراغيل، رباه أبوه تربية حسنة، ودرس اللغة الأسبانية، والتحق بوظيفة في الإدارة الأسبانية بمليلة؛ وفي سنة 1919 وقعت بينه وبين الجنرال سلفستر مشادة حادة وأهانه القائد، ففر من مليلة وهو يعتزم الانتقام ولحق به أخوه (محمد أيضاً) وهو مهندس درس في أسبانيا وكانت القبائل يومئذٍ تتحفز للانتقاض، وكانت قد تلقت أيام الحرب كثيراً من الأسلحة والذخائر التي هربت بواسطة الألمان، فكان ذلك أكبر عون لها على مقاومة القوات الأسبانية وإزعاجها من وقت لآخر. فلما فر عبد الكريم من مليلة داعياً إلى الثورة ألتف حوله عدة مئات من الرجال الأشداء، واستطاع بهذه القوة الضئيلة أن يدبر ذلك الهجوم الجريء على المراكز الأسبانية في أنوال وأن ينزل بها تلك الكارثة الفادحة (يوليه سنة 1921)، واستولى عبد الكريم على كميات هائلة من الأسلحة والذخائر مكنته من المثابرة في الحرب أعواماً. وكان للنكبة وقع عميق في أسبانيا، فاضطرم الرأي العام سخطاً واضطرت وزارة سالازار إلى الاستقالة، وألفت وزارة محافظة برياسة السنيور مورا. ولكن الرأي العام ظل على اضطرامه، وارتفعت الصيحة بطلب التحقيق في الكارثة، وحملت الدوائر العسكرية على البرلمان باعتباره مسئولاً عما وقع من الاضطراب والخلل في الخطط والتدابير العسكرية، وأرسل إلى مراكش جيش ضخم يبلغ مائة وأربعين ألفاً لتدارك الموقف وإنقاذ القوات المحرجة، وانتدبت الوزارة لجنة للتحقيق، ولكنها اضطرت إلى الاستقالة قبل أن تقوم اللجنة بمهمتها، فقامت وزارة محافظة أخرى برآسة السينور سانكيز جويرا، ثم تلتها وزارة حرة برآسة جراسيا بريتو؛ وفيها تولى وزارة الحربية موظف مدني هو الكالا زامورا الذي يتولى اليوم رآسة الجمهورية الأسبانية، ولكنه استقال غير بعيد وخلفه جندي هو الجنرال ايزبورو، وكان من أنصار العسكرية الرجعية وحلفائها، ومن خصوم النظام الدستوري، فأخذ يعمل بكل ما وسع لتوطيد النفوذ العسكري في شئون الحكم، وكان هذا النفوذ يشتد يوماً فيوماً، تغذية حوادث مراكش، وما أثارته من الاضطراب.
وفي خريف سنة 1923 تمخض النضال بين العسكرية والديموقراطية عن نتيجة حاسمة. وذلك أن الدون مجويل بريمو دى رفيرا حاكم قطلونية العسكري أعلن الثورة ضد الحكومة وهدد أعضائها، وأيدته السلطات العسكرية في مدريد وسرقسطة، وأذاع في البلاد منشوراً نادى فيه بتحرير البلاد من الساسة المحترفين الذين يحملون تبعة ما أصاب البلاد من محن، وأعلن قيام إدارة عسكرية في مدريد، لإقالة البلاد من عثراتها وحل المسألة المراكشية (أوائل سبتمبر سنة 1923). وكان الفونسو الثالث عشر يعتقد أنه يستطيع انتهاز هذه الفرصة لإقامة الحكم المطلق واستئثار القصر بجميع السلطات ومن ورائه الجيش، ولكن زعماء الجيش أصروا على أن يتولى زعيم الثورة الجنرال دي رفيرا الحكم. وفي 15 سبتمبر دخل دي فيرا مدريد، واحتل دور الحكومة، وسيطرت العسكرية في الحال على كل شيء، وأنشئت الإدارة العسكرية وعلى رأسها دي رفيرا، وأعلنت أن البلاد في حالة حرب، واتخذت إجراءات شديدة لسحق كل معارضة، وعطلت البرلمان، وفرضت الرقابة على الصحف، وذهب وفد من زعماء الساسة الأحرار والمحافظين إلى الملك يناشده صون الحياة النيابية فرد، بخشونة. وقد وصف هذا الطغيان العسكري الجديد يومئذٍ بأنه (نظام يقوم على القوة بأكثر ما يقوم على السلطة، ذو نزعة مركزية قوية، يعتمد على مؤازرة الجيش، ويميل إلى عناصر الأحبار والكنيسة، ويصادق كبار الملاك، ويعطف على الاشتراكية في خصومتها للحركة النقابية) وتولى الجنرال دي رفيرا جميع السلطات والوزارات على مثل السنيور موسوليني وقضى على جميع الحريات الدستورية التي تمتعت بها أسبانيا أكثر من قرن، واستقبلت أسبانيا عهداً جديداً من الحكم الحديدي.
وكانت مسألة مراكش أهم وأخطر المسائل التي عنيت بها الإدارة العسكرية؛ وكان مركز أسبانيا يزداد حرجاً في الريف، وتستنزف مواردها تباعاً، ويتساقط جندها أمام هجمات عبد الكريم فرأى دي رفيرا أن يلجأ إلى الصراحة والجرأة في حل المسألة المراكشية، وقرر أن تنسحب القوات الأسبانية من المناطق الداخلية وأن تمتنع فيما يلي الشاطئ؛ وهكذا استطاع عبد الكريم أن يسيطر على إقليم الريف كله ما عدا تيطوان ومليلة، واجتمعت حوله القبائل، وأضحى قوة يخشى بأسها في شمال مراكش؛ ولم يبق استقلال الريف أمنية مستحيلة، ولم تبق على تحقيقها سوى مرحلة يسيرة، ولتكن الحوادث تطورت بشكل لم يكن يتوقعه عبد الكريم ولم تكن تتوقعه أسبانيا ذاتها. ذلك أن الفرنسيين تقدموا من حدود الريف الجنوبية، وخشى عبد الكريم عواقب هذا التقدم، فرأى أن يحول شطراً من اهتمامه إلى هذه الناحية. وفي سنة 1925 نظم عبد الكريم هجوماً شديداً على مراكز تازة ووجده داخل الحماية الفرنسية، وأثخن في بعض القبائل الموالية للفرنسيين وهدد مدينة فاس، فارتاعت فرنسا لتلك المفاجأة، وكانت لا تزال تلقى في مراكش متاعب جمة؛ واعتزم الجنرال ليوتي حاكم مراكش العام أن يسحق تلك القوة الخطرة؛ وفاوضت فرنسا أسبانيا في تنظيم العمل المشترك في مراكش ورحب دي رفيرا بهذه الفكرة، ونظمت الدولتان خطة مشتركة لتطويق عبد الكريم وسحق قواته وبعثت فرنسا أثنين من أعظم قوادها وهما بتان ونولان إلى مراكش على رأس جيشه قوامه نحو مائتي ألف مقاتل مجهز بأحدث الوسائل والعدد، وأنزلت أسبانيا جيشاً كبيراً في الحسيمة، ونظم الجيشان بادئ بدء خطة الاتصال. وهكذا طوق الزعيم الريفي في مراكزه ولم يك ثمة شك في مصير تلك الحرب التي تثيرها دولتان أوربيتان على زعيم محلى يعتمد على آلاف قليلة من البدو ويستمد موارده وذخائره من أيدي عدوه، وأدرك عبد الكريم من شدة المعارك الأولى أن المضي في القتال عبث، وأن الدائرة دائرة عليه بلا ريب، ففاوض الفرنسيين في التسليم بلا قيد ولا شرط، وفي 30 مايو سنة 1926 سلم نفسه إلى الجنرال بويشيت، ودارت بشأنه مفاوضة بين الحكومتين الفرنسية والأسبانية انتهت بتقرير نفيه مع أسرته إلى جزيرة رينيون من أعمال مدغشقر؛ وانهارت تلك الحركة التحريرية البديعة التي نظمها هذا الزعيم البربري الباسل، وعاد الاستعمار الأسباني فوطد سيادته في الريف، ووطد الاستعمار الفرنسي سيادته في شمالي مراكش؛ وخسرت الدولتان في تلك الحرب آلاف الرجال وملايين الأموال، ولكن الاستعمار لم يكن ليحجم عن بذل مثل هذه التضحيات الهائلة في سبيل القضاء على ثورة تحريرية تهدد مستقبله في تلك الأنحاء.
وهكذا حلت المسألة المراكشية. وكان حلها عاملاً قوياً في تأييد نفوذ الدكتاتورية العسكرية وهيبتها. وفي عهد الدكتاتورية أيضاً تحسنت الأحوال الاقتصادية. ولكن وطأة هذا النظام المطلق لبثت تثقل كاهل الشعب الأسباني؛ وكان ظمأه إلى الحريات الدستورية التي تمتع بها مدى قرن، يشتد كلما اشتد ضغط الطغيان العسكري؛ وكان هذا السخط ينفجر من آن لآخر في قطلونية وبعض الأنحاء الأخرى عن ثورات محلية كان دي رفيرا (أو المركيز دي استيلا كما لقب بعد) يقمعها بمنتهى الشدة والقسوة؛ وكانت الدكتاتورية مع ذلك تقوم دائماً على بركان مضطرم، حتى أن دي رفيرا أضطر أن يضع أسبانيا تحت الأحكام العسكرية (سنة 1926). وفي أوائل سنة 1927 حاول زعيم قطلونية المنفى الكولونيل ماشا أن يعبر الحدود الفرنسية مع جماعة كبيرة مسلحة من أنصاره ليسير إلى قطلونية؛ ولكن قبض عليه وعلى كثير من أصحابه عند الحدود. ورأى دي رفيرا أن يهدئ السخط العام بتخفيف وطأة النظام. وأن يعود إلى ظاهر من الحكم الدستوري، فأصدر في سبتمبر سنة 1927 قانوناً بإنشاء جمعية للشورى. ولكن هذه الجمعية لم تكن لها أية سلطة حقيقية، ولم تكن إلا ستاراً فقط تستر من ورائه الإدارة العسكرية. وعلى ذلك فقد فشلت هذه المحاولة، ولبثت المعارضة على شدتها واضطرامها. وكان الجيش أيضاً قد بدأ ينقلب على دي رفيرا، أولاً لأنه لم يوافق على مسلكه في المسألة المراكشية حيث قرر الانسحاب أولاً عن المناطق التي كان يحتلها الجيش، ثم تساهل بعد ذلك في الاتفاق مع فرنسا، وثانياً لأنه كان يبالغ في الاستئثار بالأمر ولا يرى في الجيش سوى أداة لتحقيق سياسته؛ وكان الفونسو الثالث عشر من جهة أخرى يشعر بوطأة هذا النظام الذي نزع العرش كل سلطاته. ومنذ سنة 1928 أخذت بوادر السخط والانتقاض تبدو في الجيش؛ وفي سنة 1929، ثارت فرق المدفعية بزعامة السينور سانكيز جويرا الزعيم المحافظ الذي تولى رياسة الوزارة فيما قبل؛ وانتهز الفونسو الثالث عشر هذه الفرصة فأصدر أمراً بعزل بريمودي رفيرا وحل الإدارة العسكرية؛ ولم يجد دي رفيرا سبيلاً للمقاومة فأذعن وغادر منصة الحكم بعد أن لبثت ستة أعوام يثقل كاهل الشعب الأسباني بطغيانه وعسفه. وفي مستهل سنة 1930، ألفت حكومة جديدة برياسة الجنرال برنجير، لتعمل على إعادة الحكم الدستوري؛ وهنا تنفس الشعب الصعداء، وتقدم زعماء الأحزاب المعارضة (المحافظون والأحرار والجمهوريون) بطلب إجراء الانتخابات العامة، فعارضت الحكومة في أجرائها. واشتد السخط حينما رأى الشعب أن الحكومة الجديدة لم تأت إلا لتستمر في تأييد نظام الطغيان والحكم المطلق. وفي ديسمبر سنة 1930، شبت ثورة جديدة، ولكن الجنرال برنجير استطاع أن يسحقها في الحال بيد أنه لم يلبث أن استقال؛ وخلفه الجنرال آزنار على رأسه حكومة شبه عسكرية أيضاً؛ وهنا تقدم الكونت رومانونيس زعيم الأحرار الذي تولى رياسة الوزارة مراراً من قبل، إلى الوزارة الجديدة، بنصيحة رآها كفيلة بحل الأزمة وتهدئة الخواطر، وهي أن تجرى الانتخابات البلدية على الأقل ما دام إنها لا ترغب في إجراء الانتخابات العامة؛ فنزلت الوزارة عند هذا النصح، وأجريت الانتخابات البلدية في جميع أسبانيا في العاشر من أبريل سنة 1931. وكان يوماً حاسماً في تاريخ أسبانيا في العاشر من أبريل سنة 1931. وكان يوماً حاسماً في تاريخ أسبانيا الحديث؛ ففيه خرج الجمهوريون في جميع الدوائر بأغلبية ساحقة، وغمر التيار الجمهوري كل شيء في البلاد، فاستقالت الوزارة في الحال. ورأى الفونسو الثالث عشر أنه لم يبق سبيل للمقاومة، ولم تبق للعرش قوة يستند إليها، فبادر بمغادرة مدريد مع أسرته وخاصته، وعبر الحدود إلى فرنسا قبل أن تمتد إليه يد خصومه؛ ولكنه لم ينزل عن شيء من حقوقه. وفي الحال نودي في أسبانيا بسقوط الملكية وقيام الجمهورية؛ وأقيمت حكومة جمهورية احتياطية برياسة الكالا زامورا وزير الحربية السابق ورئيس الشعبة المحافظة في الحزب الجمهوري؛ وأعلن في الوقت نفسه قيام جمهورية في قلطونية على رأسها الكولونيل ماشا؛ وفي 28 يونيه أجريت الانتخابات البرلمانية العامة، فأسفرت كذلك عن أغلبية جمهورية ساحقة، وتوطدت دعائم الجمهورية الجديدة بتأييد البلاد كلها.
وهكذا انهارت دعائم الملوكية الأسبانية العتيدة؛ التي هي أقدم الملوكيات الأوروبية، والتي سطعت خلال قرون مديدة، وأخرجت ثبتاً حافلاً من الملوك العظام - ملوكية فرديناند الخامس وشارلكان وفيليب الثاني؛ تلك الملوكية التي لبثت تغالب العرب في أسبانيا ثمانية قرون، والتي انتهت بالقضاء على دولة الإسلام في الأندلس واسترجاع الوطن القديم كله. وهكذا ظفرت الديمقراطية الأسبانية ممثلة الشعب الأسباني باسترداد الحريات الدستورية كاملة شاملة بعد أن كاد يقضى عليها القضاء الأخير. وكان أول ما عنيت به الحكومة الجمهورية هو أن تضع لأسبانيا دستوراً جديداً لحماية المبادئ الجمهورية والحريات الشعبية، واضطلع الكورتيز (البرلمان الأسباني) بهذه المهمة منذ 14 يوليه وأتمها في ديسمبر؛ وكان من أهم المشاكل التي عالجها مسألة النظام الاتحادي الذي نشأ عن مطالبة قطلونية بالاستقلال الداخلي؛ وقد أقر الدستور هذا المبدأ، واعتبر أسبانيا جمهورية اتحادية واعترف باستقلال قطلونية الداخلي. وثمة مسألة خطيرة أخرى هي مسألة الكنيسة والدولة، وقد انتهى البرلمان بالموافقة على فصل الكنيسة عن الدولة (أكتوبر سنة 1931) ولكن هذا القرار أحدث أزمة وزارية، فاستقال السينور الكالا زامورا، وقامت وزارة جديدة برياسة الدون مانويل أزانا. وعانت أسبانيا خلال هذه الفترة كثيراً من المتاعب من جراء الثورات والمظاهرات المختلفة التي دبرتها أحزاب اليسار المتطرفة - الشيوعيون والاشتراكيون - ومن الاعتصابات العامة التي نظمت في كثير من أنحاء البلاد؛ وعانت الجمهورية الجديدة من جراء معارضة الكنيسة ودسائس الأحبار وفلول الملوكية؛ ولكن الحكومة الجمهورية أبدت حزماً وصرامة في قمع الفتن الشيوعية، وسحق دسائس الأحبار؛ وثار بين أسبانيا والفاتيكان خلاف كبير من جراء نزع أملاك الكنيسة ومطاردة الأحبار. وأصدرت الحكومة قانوناً خاصاً لحماية الجمهورية (20 أكتوبر) - وفي نوفمبر صدر قانون خاص باعتبار الفونسو الثالث عشر خارجاً على القانون وبوجوب مثوله ومحاكمته: وفي العاشر من ديسمبر أجريت الانتخابات لرآسة الجمهورية، فانتخب السينور أل لا زاموار أول رئيس للجمهورية الأسبانية الثانية. . وقد اضطرمت أسبانيا في الفترة الأخيرة بعدة ثورات وفتن محلية ودبرت عدة مؤامرات ملكية، ولكنها أخفقت جميعاً: وفي العهد الآخر رأت حكومة الجمهورية أن تستعين على قمع الفتن بالتشريع الصارم فأصدرت قانوناً بإعادة عقوبة الإعدام، وكان من جراء ذلك جدل حاد في البرلمان بين الحكومة والمعارضة بزعامة السينور مورا وكادت تحدث، أزمة وزارية جديدة، ولكن السينور ليرو رئيس الوزارة الحالية استطاع أن يتلافى الأزمة، وصدر التشريع الجديد، وما زالت الجمهورية الفتية سائرة في طريقها تغالب كيد خصومها من قبل الملوكية والأحبار الذين قضت على سلطانهم وامتيازاتهم. ولا ريب أن في ظفر الديموقراطية بأسبانيا إبان تلك الأزمة العصبية التي تعانيها في بلاد أخرى مثل ألمانيا والنمسا، دليلاً على أن الديموقراطية ما زالت تتمتع بحيوية كبيرة وأنها إنما تجوز أزمة وقتية لا تلبث أن تعود بعدها إلى سابق توطدها وازدهارها.
محمد عبد الله عنان المحامي