مجلة الرسالة/العدد 412/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 412 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 26 - 05 - 1941 |
كتب قيمة
في تاريخ الأخلاق، الرسالة للإمام الشافعي، إمتاع الأسماع
للأستاذ محمد عبد الغني حسن
في تاريخ الأخلاق
يعجبني من الأستاذ الشيخ محمد يوسف موسى المدرس بكلية أصول الدين توفره على العلم وإكبابه على الدرس وشغفه بالمطالعة، وهو يجمع إلى ذلك حركة المصلح المجدد وحظوة العاقل المتزن. وقد ذكره أستاذنا الجليل الزيات مع جماعة من شباب الأزهر العلماء الذين يرجى الخير فيهم وتعلق الآمال عليهم. وفي السيد الزيات فراسة لا تخطيء واستكناه لا يكذب.
وقد أخرج الأستاذ كتاباً (في تاريخ الأخلاق) لم يمل فيه إلى أن يكون جمعاً صرفاً، وإنما هو دراسات صغيرة مختصرة لتطور مسائل هذا العلم وتعدد مذاهبه والموازنة بين مذهب ومذهب، وفكرة وفكرة.
وليس عجيباً أن يقف اليوم شيخ من شيوخ الأزهر، يعرض المسائل الأخلاقية المتصلة بالفلسفة في القديم والحديث، وفي الشرق والغرب، فيبسطها بسطاً ويصورها تصويراً يدلان على الفهم والهضم، لا على الحفظ (والصم).
ليس عجيباً ذلك، فقد تغيرت اليوم طريقة الأزهر في العلم وتغيرت نظرته إلى الحياة، وسبيله إلى المعرفة؛ وأصبحنا نقرأ لفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت وكيل كلية الشريعة بحثاً في (القرآن والمسلمين) يحمل مع خلوص النية، وصدق الطوية جرأة في الدعوة، ومرارة في النقد، واستقامة في القصد. وصرنا نقرأ للأستاذ العالم الشيخ محمد محمد المدني مقالاً (في الإسلام بين السلف والخلف) فنرى فيه الغيرة على الدين، والوضاحة في العقيدة، والشجاعة في قوله الحق، من غير خوف من تأويل مؤول.
الحق أن في الأزهر نهضة تستمد عناصرها من حُرية شيوخه ويقظة علمائه، يقظة يودعون بها إغفاءة العهد القديم.
الرسالة للإمام الشافعي
الرسالة للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي كتاب يقع في 670 صفحة من القطع الكبير، قام بتحقيقه وشرحه الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي. وجرى في ذلك مجرى لم يقف عند الشرح والتحقيق، بل اقتضى إخراج ذلك الكتاب على الصورة الكاملة التي خرج عليها جهداً متصلاً، وصبراً طويلاً، وبصيرة في الفقه الإسلامي، وإحاطة بالتشريع، وذوقاً في الأدب، وأصالة في اللغة، وتمكناً في التاريخ.
والحق أني ما قلبت صفحة من ذلك الكتاب إلا عجبت من صبر الأستاذ على البحث، وسرعة تقصيه للمسائل، وتتبعه للأصول، وكثرة رجوعه للمظان وغير المظان، مما دل على اطلاع واسع وإلمام تام.
وقد يكون إخراج كتاب قديم عملاً هيناً، وأمراً غير إدٍّ عند من لا يرقبون أمانة العلم، ولا يخشون حرمة الحق. وغرضهم من ذلك أن يطاعوا على السوق بعمل عملوه، ولو كان ناقصاً غير كامل، ومعيباً غير سالم.
أما الأستاذ الشيخ أحمد شاكر فبعيد من ذلك كله؛ فإذا عمل فلله، وإذا حقق فللعلم، وإذا أكب فهو موف على الغاية ومشرف على النهاية، لا يثنيه عن ذلك صعوبة بحث أو إعنات درس.
ويظهر في الكتاب مزية الإخراج العلمي الحديث. ففي الأول: مقدمة وافية عن الرسالة وقيمتها وقيمة الشافعي، ونسخ الكتاب المخطوطة والمطبوعة، وأصل الربيع صاحب الشافعي وكاتب رسالته، ووصف النسخة التي رجع إليها الشارح وذكر أصحابها، ووصف نسخة ابن جماعة. ويلي المقدمة باب السماعات التي رتبها الشارح وحذف المكرر منها، ووضع لها فهرساً مرتباً على حروف المعجم.
ويلي ذلك الرسالة وقد زينت بحواش مفيدة وتعليقات طيبة؛ ويلي ذلك جريدة المراجع التي استعان بها الشارح ورجع إليها، وتمتاز عن كل ما رأينا من جرائد المراجع بحسن تنسيقها وذكر أجزاء الكتاب، واسم المؤلف ووفاته، وتاريخ طبع الكتاب ومكان طبعه.
ويمتاز هذا الكتاب بكثرة مفاتيحه التي تسهل على القارئ الرجوع إليه في أوجز وقت، كما أن فيه فهرساً للفوائد اللغوية التي استنبطت من استعمالات الشافعي؛ وإن كنت لا أذهب مع فضيلة الشارح فيما رأى من وجوه لا أردها إلى علم الشافعي وجنحه إلى الضعيف من الأقوال والرديء من اللغات، ولكني أردها إلى خطأ في النسخ، ولو حاول فضيلته أن يبريء الكتاب من الخطأ.
إمتاع الأسماع
إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع:
المقريزي هو مؤلف هذا الكتاب، والأستاذ محمود محمد شاكر هو مصححه وشارحه، والسيدة قوت القلوب الدمرداشية هي القائمة بنفقات طبعه، ولجنة التأليف والترجمة والنشر هي المشرفة على إخراجه. فالكتاب مجدود من كل ناحية، ومحظوظ من كل وجه.
وقد تفضل الأستاذ أحمد أمين بك عميد كلية الآداب بتقديم الكتاب في بضعة أسطر لم تخرج عن أن تكون شكراً للسيدة المتبرعة، ولم يعودنا الأستاذ الكبير هذا الاختصار في التقديم، والإيجاز في التصدير.
وحبذا لو كان حدثنا عن الكتاب وقيمته بين كتب السيرة للمتأخرين وطريقة المقريزي فيه؛ والنسخ المخطوطة والمطبوعة لهذا الكتاب، والأصل الذي رجع إليه شارحه، كما عودنا حضرته ذلك في الكتب التي تولى القيام عليها وأحسن التعهد لها.
وللأستاذ محمود محمد شاكر فضل تصحيح هذا الكتاب القيم ومراجعته على الأصل تارة، وعلى أصول الحديث والتاريخ تارة أخرى، وهو فضل يتجلى في الهوامش الكثيرة التي لا تكاد تخلو منها صفحة واحدة، والتي تدل على موفور اطلاع وواسع قراءة ومصفى ذوق عرف عن شاكر الأديب اللبيب.
وليأذن لي الأخ الفاضل مصحح إمتاع الأسماع وشارحه بإبداء الملحوظات الآتية:
1 - في صفحة 222 كلام على هيئة الرجز لرسول الله ﷺ وهو يعمل في الخندق يوم الوقعة ونصه كما ورد في الإمتاع:
اللهم لولا أنت ما اهتدَينا ... ولا تصَدَّقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينةً علينا ... وثبِّت الأقدام إن لاقَينا
وزاد صديقنا الشارح البيت الآتي عن البخاري ج 5 ص 110
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبَيْنا والأستاذ شاكر وعروضي؛ فكيف فاته أن صواب البيت الأول:
(لا هُمَّ لولا أنت ما اهتدينا) ونداء اسم الجلالة بهذا الشكل وارد في كتب العرب. وكيف فاته أن البيت الثالث صوابه هكذا:
(إن الأُلى لقد بغوا علينا) أو (إن الذين قد بغوا علينا) ليستقيم الوزن الرجزي الذي كثيراً ما سمع عن رسول الله في الغزوات كقوله:
هل أنتِ ألا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيتِ
2 - في صفحة 224 (وما منهم ألا ابن خمس عشرة سنة) بكسرة على السين في خمس وهو خطأ مطبعي.
3 - وفي الصفحة نفسها (وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف) برفع ثلاثة والصحيح نصبها.
4 - في صفحة 248 (رفاعة بن سموأل) وقد حذف ألف ابن مع وقوعها في أول السطر، والصحيح إثباتها جرياً على المشهور من قواعد الإملاء. وقد كرر هذا الوهم نفسه في صفحة 250 - إلا أنه تجُنِّب في بقية الصفحات.
5 - في صفحة 297 (فجعل رسول الله ﷺ يخُفضهم). والضمة على الخاء لا محل لها هنا والصواب جعلها فتحة.
6 - في الصفحة 329 (واستشهد بخيبر خمسةُ عشر رجلاً) بضمة على التاء المربوطة من خمسة والصواب فتحها لبناء هذا العدد على فتح الجزأين.
7 - في صفحة 401 (من هو زان) وقد زادها الشارح للبيان. ولعلها (هوزان).
وبعد: فهذه هنوات لا تقلل من قيمة المجهود الذي بذله الأخ الكريم الأستاذ محمود شاكر في إمتاع الأسماع. ولعلها وردت ليصح قول القائل:
ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقِّيه من العين
محمد عبد الغني حسن