الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 410/في مهرجان التاج

مجلة الرسالة/العدد 410/في مهرجان التاج

بتاريخ: 12 - 05 - 1941


فاروق. . .

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

فلَكٌ بِحُبِّكَ في الشَوَاطئ دَائِرُ ... أَمَلُ الحَيَاةِ بهِ عَتيٌّ هَادِرُ. . .

رَقَصَتْ لَهُ الأَيَّامُ وازدَحَمتْ عَلَى ... كَفَّيْه مِنْ سِحْرِ الخُلْوُدِ بَشَائِرُ

وَتَنَفَّسَ الوَادِي بهِ. فَكَأَنَّهُ ... نَغَمٌ مِنَ الفَجْرِ المُهَلَّلِ طَائرُ

فإِذَا رَأَيْتَ النِّيلَ قُلتَ مُتَوَّجٌ ... الدَّهْرُ صَوْلَجَهُ القُوِيُّ القَاهِرُ!

وَإِذَا رَأَيْتَ الحَقْلَ قُلْتَ قَصِيدَةٌ ... خَضْرَاء وَقَّعَها الرَّبِيعُ السَاحِرُ

وَإِذَا رَأَيْتَ الطَّيْرَ قُلْتَ مَلائكٌ ... لِلْحُبِ في فَمِهَا نَشِيدٌ طَاهِرُ!

وَإِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ خُلْتَ بِهِمْ هَوَى ... ممَّا يُحَمِّلُهُ المَشُوقُ السَاهِر

مُهَجٌ يَرِفُّ بها سَنَاكَ كَأَنَّهَا ... ظَمَأٌ يَدِفُّ إِلَيْهِ نَبْعٌ زَاخِرُ

وَدُعَاء أَلسِنَةٍ يَكادُ لِطُهْرِهِ ... تَرْفَضُّ مِنْهُ عَلَى الوُجُودِ مَجامِرُ

وَيَكاَدُ يَنْقُلُهُ إلى شفَةِ الرُّبَى ... وَيِعيدُ نَغْمَتَهُ الحَمْامُ الذَّاكِرُ

وَأَكادُ في مَوْجِ الضِّفَافِ أَرَى لَهُ ... رَجْعَاً يُرَدِّدُهُ الرَشَّاشُ الثَّائِرُ

وَأَكادُ أَسْمَعُهُ جَنِينَا لَمْ تُذِعْ ... أَصْدَاَء لِجَّتِهِ إِلَيْكَ سَرَائِرُ

أَنَا مُرْعِشُ الأسْرارِ في كَبِدِ الدَُجى ... واللَّيْلُ عَرَّافُ الظَّلاَمِ مُحاذِرُ

شِعْراً هُوَ الدَّمُ لوْ لَمَسْتُ خَيَالهُ ... فِي الروحِ أَحْرَقَني الهُدُوءُ السَّاعِرُ

أَرْسَلْتُ في فارُوقَ آيةَ حُبِّهِ ... إِعجْازَ فَنٍّ وَحْيُهُ يَتَوَاتَرُ

إِنْ لَمْ أُذِعْ لِلنَّجْم سِرَّ جَلالِهِ ... حَتّى يَهِيمَ بِهِ الشُّعَاعُ الطَّائِرُ

إِنْ لَمْ أُرِقْ لعُلاَهُ أَحْلامَ الضُّحَى ... حَتّى أَرَى الدُّنَيا بهِ تَتَسَامَرُ

إِنْ لَمْ يَطِرْ نَغَمي إِلَيْهِ عَلَى رُؤىً ... بَيْضَاَء يَحْمِلُها الصَّباحُ العَّاطِرُ

إِنْ لَمْ أَرَّ الأَفْلاكَ تُصْغِ لِمِزْهَرِي ... وَأَنَا أُغنِّي التَّاجَ مَا أَنا شَاعِرُ!

فاروقُ يا حَادِي العَظائِم فِي حِمّىً ... بِكَ نَجْمُهُ فَوْقَ العَوَالمِ سَائِرُ

في ضَجَّةِ الأيامِ وَالدنيا غَدَتْ ... بُرْكانَ هَوْلٍ نارُهُ تَتَطَايَرُ

وَالحَربُ عَاجَلَتِ القِيَامَةَ يَوْمَهَا ... فَمشَتْ بها بيْنَ العِبَادِ تُقامِرُ نَقَلتْ جَهَنَّمَ لِلشُّعُوبِ وَإِنما ... حَمَلَ الخَطِيئَةَ فِي لَظاها الطَّاهِرُ

إِنْ حَلَّ جَاحِمُهَا بأَرْضٍ أَصْبَحَتْ ... وَبها القُصُورُ الشاهِقَاتُ مَقَابرُ

نَشَرتْ خَرِيف الموتِ في سَاحَاتِها ... فَجَمَاجِمُ الْهَلكَى بِهِنَّ أَزَاهِرُ

ذَبَحَتْ أَمَانيَهَا عَلَى رَاحَاتِهَا ... فَغَدُ الْمُؤَمِلُ فِي هَواهَا خَاسِرُ

وَغَدا بها سِيَّيْنِ فِي لَهب الرَّدَى ... ذُو رَحْمَةٍ يَخْشَى السَّماَء وَجَائِرُ

لا تَرْوِ لِلزَّيْتُونِ ذِكرْاً عِنْدَها ... فَحدِيدُهَا بِالسِّلْمِ جَانٍ كافِرُ

دَفَنَتْ شَرَائِعَهَا فَضَلَّلَ دَهْرَها ... فِي غَيْهَبِ الطُّغْيَانِ شَرْعٌ حَائِرُ

فِي لَيْلِها الداجيِ وَدُونَ قَتَامِهِ ... خَطْوُ الرِّياحِ الْهُوجِ خَطْوٌ عَاثِرُ

سَطَعَتْ بِكَ الأَوطانُ شَرقِي السَّنَا ... فَجْرُ البَشاَئرِ مِنْ يَمِينِكَ سَافِرُ

نَشَرتْ خُطَاكَ بها سَكِينَة مُؤْمِنٍ ... يَحْدُوهُ بَطَشٌ لِلْعَزَيمَةِ قَادِرُ!

أَنَّى مَشَيْتَ بدَتْ برَكْبِكَ آيةٌ ... لَيْسَتْ لَها في المالِكينَ نَظَائِرُ

حُبٌّ مَدَاهُ إِلى القَدَاسَةِ يَنتهيَ ... لوْ كَانَ لِلْحُبِّ المُقَدَّسِ آخِرُ!

أَذكاهُ شَعْبٌ في ظِلالِكَ سَابحٌ ... يا طَالَمَا أَغفَى وَطرْفكَ سَاهِرُ!

أَوَلَسْتَ آسِىَ جُرْحِهِ مِن بَعْد ما ... شُقتْ بِنَارِ الخُلْفِ منْهُ مرَائِرُ؟

أَولَسْتَ جَامعَ شمْلِهِ مِن بَعْد ما ... أَرَدَاهُ فِي لَهب الشقِّاق تَنافُرُ؟

أَولَسْتَ بَاعِثَ جِيلِهِ مِن رَقْدَةٍ ... بُوقُ النشُورِ لَها أَنِينٌ عَابِرُ؟

أَولَسْتَ قَائِدَهُ لعصرٍ أَبيضٍ ... آياتُ مُلْكِكَ فِي سَمَاهُ مَنَائِرُ

أَولَسْتَ فَجْرَ البَائِسِينَ بِشِطِّهِ ... وَزَمَانُهُمْ كالليْلِ دَاجٍ عَاكِرُ

أَولَسْتَ مِنْ مَاضِيِهِ بَعْثاً أَوْشَكَتْ ... أَيَامُ (فِرعونٍ) بِهِ تَتَفاخَرُ

أَولَسْتَ لِلشرْقِ المُجَرَّح بَلْسَماً ... يَا طَالَمَا بِنَدَاهُ قَرَّ الثائِرُ؟

يَأَيُّهَا الأَمَلُ الفَتِيُّ لأُمَّةٍ ... كَادَتْ يُشَيِّبُهَا الشَبَابُ السَّادِرُ

قُدْهَا إِلى الجَوزَاءِ أَنْتَ شَبَابُهَا ... وَمَعِينُ حِكْمَتِهَا الدَّفِيقُ الزَّاخِرُ

وَاسْبَحْ بِها فَوْقَ النُّجُوم فَطَرْفُهَا ... أَبَدَاً لِحَيَاةِ بِنُورِ عَرْشِكُ نَاظِرُ

قَالوا: وَعِيدُ التَّاج! قُلْتُ: تميمَةٌ ... لِلنِّيلِ تُنْشِدُهَا رُبي وَمَخَاضِرُ

إِنْ هَزَّتِ الأَوْتَارُ فيهِ غِنَاَءهَا ... وَتَرَنَمَتْ لِلشَّعْبِ فِيهِ قَيَاثِرُ فأَنَا بِقَلبِيَ جَدْوَلٌ مُتَدَفِّقٌ ... بالشَّدْوِ مَشْبُوبُ الأَغَاني ثَائِرُ

اللهُ ظَلَّلَهُ، وَكَرَمَ شدْوهُ ... تَاجٌ رَعَتْهُ مِن السَّماءِ مَقادِرُ

محمود حسن إسماعيل