الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 406/حول السنوسيين

مجلة الرسالة/العدد 406/حول السنوسيين

مجلة الرسالة - العدد 406
حول السنوسيين
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 14 - 04 - 1941


للأستاذ محمد الأخضر العيساوي

جاء في الرسالة الغراء عدد 385 مقال عنوانه (السنوسيون) للأستاذ حسين جعفر بعضه صحيح وبعضه مبالغ فيه وبعضه الآخر خطأ.

وإلى القارئ ما جاء من أخطاء في مقاله الأول، قال: (خلف السيد السنوسي الكبير المولود بالجزائر ببلد مستغانم سنة 1202هـ والمتوفى بالجغبوب سنة 1276هـ ولدين الأكبر محمد الشريف والثاني محمد المهدي) والصواب العكس لأن السيد محمد المهدي هو الكبير حيث ولد بماسة بالجبل الأخضر سنة 1260هـ والسيد محمد الشريف هو الصغير لأنه ولد بمدينة درنة سنة 1262هـ

وقد استمر الكاتب في الكلام إلى أن قال: (ويقال إن الولد الأصغر أظهر ذكاء وكفاءة أكثر من أخيه ولذلك قرر الوالد أن يختبرهما أمام جميع الأخوان في الجغبوب فأمر ولديه أن يتسلقا نخلتين عظيمتي الارتفاع وسألهما باسم الله ورسوله أن يقفزا إلى الأرض، فقفز المهدي في الحال ولم يصب بسوء في حين رفض الأكبر): والحقيقة أهذه القصة كلها لا أصل لها، وقد جاء فيه أيضاً: (ويجب إلا يخفى أن الثورة التي كانت حدثت في سنة 1888 سنة 1889 في (دارفور) من الخليفة عبد الله التعايشي كانت باسم السنوسي) وحقيقة الحال انهم لم تكن باسمه ولا كان له دخل فيها. والدليل على ذلك ما جاء في جريدة (الجزيرة) التي تصدر بشرق الأردن بتاريخ 23 ذي القعدة سنة 1359 الموافق كانون الأول سنة 1940 بقلم المجاهد الكبير علي باشا العابدية المهاجر بتلك الديار وهو من أتباع السنوسيين المطلعين على بواطن الأمور حيث قال فيها (تنبؤ السنوسيين بمستقبل الإنكليز) عند قيام مهدي السودان على المصريين والإنكليز سنة 1888 أرسل إلى السيد المهدي السنوسي رسولاً في إعلان الجهاد وإن يكون خليفة من بعده، ولكن السيد المهدي رفض ذلك لسببين (الأول) أن الحكومة المصرية حكومة إسلامية (والثاني) أنه كان يعتقد أن الطليان سيستولون على طرابلس وبرقة وأنه سيأتي يوم يقوم فيه الإنكليز بمحاربة الطليان في طرابلس وبرقة وسيمدون إلى الأمة الطرابلسية البرقية يد المساعدة لتخليصها من محنتها. . . الخ). وكتاب السيد المهدي لعبد الله التعايشي في هذا الموضوع مذكور ف تاريخ مصر، فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه. نعود إلى المقال الأول، قال فيه أيضاً: (وفي (واداي) كان خلف السلطان يوسف وهو السلطان إبراهيم الذي تولى سنة 1898، كان يهمل نصائح الشيخ متشجعاً في ذلك بهزيمة الخليفة عبد الله التعايشي في أم درمان. وكان رد السنوسي على هذا أن حرم على أهل واداي تدخين التبغ وشرب المريسة (البيرة الوطنية)، فأرسل السلطان إبراهيم إلى السنوسي بأن شعبه يحارب ويموت في سبيل المريسة، وأنهم ينبذون تعاليم السنوسية ليشربوها. وكان السنوسي المهدي حكيماً في تنازله عن رأيه، معلناً أن الله أجاب على صلاته بأنه جل شأنه قبل أن يستثنى أهل واداي من هذا التحريم)؛ فكان حقاً على الأستاذ إلا يذكر هذه الأسطورة التي يمجها السمع ويأباها العقل السليم والنقل، لأن مثلها يتحاشاها أجهل الجهلاء، فكيف بأعلم العلماء وأتقى الأتقياء وهو السيد المهدي السنوسي الذي أشتهر بالتقوى والصلاح أن يحلل ويحرم من عند نفسه، سبحانك هذا بهتان عظيم.

وجاء في الرسالة أيضاً عدد 386 مقال آخر، وإلى القارئ ما جاء فيه: (وقد عرفت شروط للاتفاق بين الإيطاليين وسيدي أحمد في النصف الأخير من سنة 1915، وكاد يتم الاتفاق لولا أن سيدي أحمد رفض أن يقبل مركز (باي) تحت الحماية)

والحقيقة أن الإيطاليين خطبوا وده كثيراً ومنوه بأماني معسولة، ولكنه لشرفه وأمانته وعلو همته أبى أن يصالحهم على شبر واحد من أراضي المسلمين ولو أعطوه ملء الأرض ذهباً.

وجاء فيه أيضاً: (ولذلك أرسلوا (أي الإنكليز) في نوفمبر سنة 1915 ابن عمه السيد محمد إدريس من الإسكندرية ليتفق معه (أبى سيدي أحمد) على أن يتخلص من مستشاريه الأتراك في مقابلة مبلغ من المال). فهذا أيضاً مخالف للواقع، وكان على الكاتب إلا يذكر شيئاً منه حتى يتصل بالسيد إدريس ليكون على بصيرة.

وجاء فيه أيضاً: (وأقر شيوخ الطريقة السنوسية سيدي محمد إدريس السنوسي على أن يكون السنوسي الأكبر إلى أن قال: وجد سيدي أحمد المقهور والمخلوع أن من الأفضل له أن يغادر طرابلس، فغادرها في غواصة ألمانية من مصراته إلى تركيا مع استمرار ادعائه أنه رأس الطريقة السنوسية) وهذا أيضاً بينه وبين الحقيقة مراحل، لأن رئاسة الطريقة السنوسية موكولة للأكبر الأرشد بنص وصية من مؤسس الطريقة السيد محمد بن علي السنوسي الكبير، والسيد أحمد وقتئذ هو أكبر العائلة وأرشدها، فهو أول بالرئاسة، وبأن يطلق عليه اسم السنوسي الكبير. وليس لأحد كائناً من كان أن يخلعه أو يقهره، لا من مشائخ الطريقة ولا غيرهم.

نعم ذهب إلى تركيا في غواصة كما قال الكاتب. لكن بدعوة منها وقد استفادت منه كثيراً، حيث فض لها مشاكل كثيرة وثورات في الأناضول كادت تقضي على حركة مصطفى كمال وهي في مهدها، ولولاء ما جنح الأكراد إلى الهدوء والسكينة بعد ثورتهم المشهورة.

وجاء أيضاً في آخر مقاله الثاني ما نصه: (في حين أنهم أبى السنوسيين يعترفون بأنهم على المذهب المالكي، فإن علماء القاهرة كثيراً ما كتبوا عن انحراف السنوسيين عن الإيمان الصحيح، ومعظم الاتهامات تنحصر في انهم فسروا القرآن الكريم والسنة بدون الاعتماد على مصادر معترف بها)

فأقول: إن هذا أيضاً مما لا ينبغي للكاتب أن يذكره، لأنه مخالف للواقع، فالسنوسيون سنيون مالكيون، وهاهي كتبهم بين أيدينا شاهد عدل على ذلك، فليراجعها من أراد الوقوف على الحقيقة. وهي (بغية المقاصد) و (إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن) و (شفاء الصدر بأرى المسائل العشر)، وكلها للسيد السنوسي الكبير، توجد في المكاتب الشهيرة بمصر وغيرها.

وإني أتحدى حضرة الكاتب أن يأتينا ولو بآية واحدة أو بحديث واحد مما زعم أن السنوسيين قرءوهما بدون أن يعتمدوا على مصادر معترف بها، كما أني أتحداه أيضاً أن يثبت لنا من هم أولئكم العلماء الذين كثيراً ما أفتوا بانحراف السنوسيين عن الإيمان الصحيح، وفي أي زمان ومكان حصل منهم ذلك؟ أظن الأستاذ يمكنه أن يثبت ذلك، ولو أجهد نفسه مدة حياته. هدانا الله وإياه للصواب.

محمد الأخضر العيساوي

عالم بالأزهر