مجلة الرسالة/العدد 40/شهر بالغردقة
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 40 شهر بالغردقة [[مؤلف:|]] |
العالم المسرحي والسينمائي ← |
بتاريخ: 09 - 04 - 1934 |
3 - شهر بالغردقة
للأستاذ الدمرداش محمد
مدير إدارة السجلات والامتحانات بوزارة المعارف
- ما هذه يا دكتور كرسلاند؟
- هذه حدائقي المرجانية
- عجبا وما هذه الألوان الجميلة؟
- هذه ألوان المرجان نفسه
- ولكن عهدي بالمرجان - أن يكون شعبا صلبة من مادة جيرية بيضاء أو حمراء
- ما تقوله يصدق على بيوت المرجان بعد إخراجها من الماء وتعرضها للهواء والشمس
- إذن أرجو أن تزيدنا علما بهذه الكائنات العجيبة
- بكل سرور - المرجان كائن حي هلامي الجسم صغير جداً من فصيلة الحيوانات الدنيئة، وله القدرة على بناء بيت له من مادة جيرية يفرزها جسمه، وهذا البيت يعيش فيه الحيوان ويرتكز عليه وهو يتكاثر بطريقتين: طريق التوالد أي التلقيحوطريق الانقسام، أي أن الواحدة تصير اثنتين بطريقة تشبه الأزرار في النبات، وشانه في ذلك كثير من أنواع هذه الفصيلة - فالمرجان في تكاثره يشبه النباتات والحيوانات العليا معا، فهو مثل النباتات في أن كلا منهما يحتاج إلى رواكز ينمو عليها، كما انه ينتشر في الأماكن المتباعدة بطريقة تكاد تشبه طريقة الانتشار بالبذور، وهو مثل الحيوانات العليا في انه ينقسم إلى ذكر وأنثى - وتكاثر المرجان من الأمور المدهشة العجيبة، فالجزر تحت أقدامنا والشاطئ من السويس إلى المحيط الهندي والحاجز المرجاني العظيم شرقي قارة استراليا وكثير من جزائر المحيط الهندي والهادي ما هي إلا تكوينات مرجانية من نوع الخمائل التي ترونها الآن والتي تثير فيكم الإعجاب والدهشة - فمتى حان وقت اللقاح قذف الذكر من فمه سائلا لبنيا خفيفا ينتشر في الماء، فإذا وصل السائل المذكور إلى الأنثى واختلط بالبويضات في جوفها حصل التلقيح وأخذت البويضات في النمو على شكل كرات صغيرة جداً لا ترى بالعين العادية، وبعد تمام نموها تطرحها الأنثى في الماء بكميات عظيمة، فتعوم فيه بحركة ضعيفة بواسطة أهداب على جسمها تدفعها إلى الإمام، وبعد أيام أو أسابيع تستقر هذه الأجنة في قاع البحر بالمكان الملائم لنموها فتلتصق سريعا بالقاع، ثم تتطور فيتميز لها فم تحيط به اذرع لدفع الغذاء إلى الفم، ثم يتكون للحيوان هيكل جيري يأخذ في النمو سريعا فتقوى اذرعه ويكبر تجويفه حتى إذا اكتمل نموه بدأت عمليتا التوالد والتكاثر على نحو ما قدمنا فتتسع قاعدته وتطول شعبه، وتتفرع بالتزر كما يزرع نفسه في الأماكن المجاورة بالتوالد.
وهنا اقتلع الدكتور كرسلاند من الماء شعبة مرجانية زرقاء فانساب منها سائل هلامي شفاف له قوام كثيف ثم قال: إن هذا السائل عبارة عن أشلاء مئات الحيوانات المرجانية، تسقط عن هياكلها الجيرية بعد أن فارقت الحياة لأنها لا تقوى على البقاء خارج الماء، وأما هذه الشعبة - انظروا إلى الثقوب فيها فهي قرية أو مستعمرة مرجانية، وعما قليل يضيع لونها الأزرق وتصير سمراء ثم بيضاء - إنها قصفة تنكسر، بسهولة، وهذه المرجان لا يغرنكم شكله الجميل، فهو حيوان مفترس، فالكائنات البحرية الصغيرة التي يسوقها سوء الطالع بالقرب من اذرعه تلاقي حتما حتفها، فعلى الأذرع تنتشر ابر دقيقة تنتهي عند قواعدها بأكياس صغيرة تحتوي على سم شديد الفعل، فمتى انغرزت الإبر في جسم الحيوان شلته عن الحركة فيقف جامد فتمتد إليه الأذرع وتلصقه بها، ثم تدفعه رويدا إلى الفم، فمتى وصل إليه انفتح بالقدر اللازم لابتلاع الفريسة، ثم يطبق عليها وتبدأ عملية الهضم داخل التجويف، والمرجان من أكلة اللحوم فهو لا يتغذى بالنبات، وهو يتنفس مثلنا بالأوكسجين يأخذه من الماء ونحن نأخذه من الهواء.
والمرجان موجود في معظم بحار العالم، ولكن النوع الذي يبني الجزر والحواجز العظيمة لا يعيش إلا في البحار الاستوائية قليلة العمق، حيث يتوافر دفء الماء وصفاؤه، ومن صفات المرجان انه يموت إذا انكشف عنه الماء أو غطته رواسب كطمى الأنهار. والمرجان نوعان: نوع صلب وهو هذا، ونوع لين يكاد يشبه العشب البحري وله ملمس كالجلد، ثم أن النوع الصلب على اشكال، فمنه الريشي أي ذو الشعب، وهو أكثرها انتشارا وأجملها منظراً، ومنه ألوان كثيرة بديعة كالأرجواني والأصفر والأخضر والأسمر، ومن أشكاله أيضا النوع المخي وهو على هيئة تلافيف المخ، والنوع الطبقي وهو على هيئة أطباق صغيرة، والنوع الخيمي وهو على هيئة عيش الغراب.
ثم إن الدكتور كرسلاند بعد أن خطا بضع خطوات ونحن نتبعه وقف متفرسا وقال انظروا في الماء: انظروا إلى هذا الأسماك الصغيرة التي تعيش بين الشعب، أليست جميلة حقا؟ إن وصفها يحتاج إلى بلاغة اكبر الكتاب وخيال اعظم الشعراء وريشة امهر المصورين - انظروا إلى حركاتها الرشيقة وهي تتسلل بين الشعب - فهذه اسماك لا يزيد طولها على سنتيمتر ونصف ذات ألوان بديعة براقة بين أزرق وأخضر وبرتقالي وأصفر وأحمر وأرجواني وأسمر، وبعضها نصف جسمه بلون والنصف الأخر بلون، وبعضها مخطط بخطوط واضحة محدودة: أزرق وأبيض، أو أصفر وأسود، وبعضها جسمه رفيع وبعضها جسمه مبطط يكاد أن يكون شفافا.
ثم انظروا إلى هذه المحارة العظيمة، أنها من النوع ذوي المصراعين، إنها كذلك تعيش مختبئة هكذا بين المرجان - ثم أن السماكين يخشونها ويحاذرون أن تزل قدم فيسقط أحدهم بين فكيها، فإذا انطبق المصرعان على القدم فانه لا يخرج منهما إلا مهصورا مهشما.
ثم انظروا إلى هذا (السجق) الأسود والأبيض، انه كذلك من سكان هذه المنطقة، والصيادون يسمونه خيار البحر، وهو حيان وديع لا يؤذي أحداً، ثم انه يكون عديم الحركة، فهو لا يسعى للقوت بل يكتف بدفع ماء البحر مع الرمل إلى جهازه الهضمي وهو عبارة عن قناة بطول جسمه، فيدخل الماء من طرف ويخرج من الطرف الاخر، والحيوان يكفيه ما في هذا الماء والرمل من موادعضوية حيوانات صغيرة لتكون غذاء له.
ثم انظروا إلى هذه السمكة التي تحاول مسرعة أن تختفي منا بين المرجان الأخضر - أنها (الدرمة) أو السمك البالوني - أن لونها يكاد يكون كلون البيئة التي تعيش فيها: - ظهر أخضر وبطن أبيض - ثم أنظروا إلى رأسها الكبير، وخصوص الفم، إلا ترون أن لها منقارا كمنقار الببغاء - ثم انه أمر (خير الله) كبير صيادي المحطة باقتناصها، فبعد دقائق كان يسحبها من الماء، ولم تكد تخرج منه حتى انتفخ جسمها وصار كالكرة الكبيرة (البالون) ثم قال هكذا طبيعتها كلما خرجت من الماء فهذا هواء الجو تضغطه في جسمها فإذا عادت إلى الماء زفرته فيتقلص جسمها كما كان - ثم قال لا تلمسوها بأيديكم لان جسمها مغطى بأهداب بيضاء من مادة لاذعة تحدث في اليد تخديراً.
ثم انه أنطلق ونحن في أثره اقبل على بقعة غنية بأنواع المرجان فقال هنا تعيش حيوانات بحرية كثيرة، والجهاد للحياة بينها على اشده، فهي لا تنفك في هجوم ودفاع - إن الغذاء هنا وافر ولكن المنطقة مفتوحة للبحر فلا يجد فيها السمك الضعيف الحماية الكافية لصد هجمات السمك القوي فهو يعمد إلى الخديعة والحيلة - انظروا إلى هذا الثقب، إن حيوانا لا شك انه مختبئ هنا - ثم أنه ادخل في الثقب طرف عصاه فقفز منه شيء متحرك لم نميز فيه شيئاً - فمد الدكتور يده إلى الماء بخفة وحذر وانتشله منه فكانت دهشتنا كبيرة إذ رأينا سرطاناً بحريا (أبو جلمبو) في حجم الليمونة قد نما على ظهره عشب مائي غطى منه الرأس والأرجل حتى أنه إذا وقف على الأرض أو تعلق بالعشب أو اختبأ في ثقب فأنك لا تفرق بينه وبين قطعة من العشب إلا بعد جهد وأنعام نظر.
ثم أنه تقدم ونحن وراءه وقال: في كل خطوة مخلوق عجيب، وفي كل شبر كائن غريب، ولا حصر لعجائب مخلوقاته. فتبارك الله العظيم!
ثم ركبنا اللنش فعاد إلى المحطة وقد أنتصف النهار.
وفي المقال التالي سنتكلم إن شاء الله عن منابع الزيت ومناجم الفوسفات.
الدمرداش محمد
-