الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 4/لقاء

مجلة الرسالة/العدد 4/لقاء

لقاء
من طرائف الشعر
محمود الخفيف
بتاريخ: 01 - 03 - 1933


للأستاذ محمود الخفيف

هزها الشوق والخيال فغنت ... وحباها الغرام لحنا جميلا

أسرعت في مسيرها وتأنت ... ثم مالت لتستريح قليلا

أنظر الزهر كيف يرنو إليها ... والمح العشب كيف يبدو نضيرا

وارقب الغصن كيف يحنو عليها ... واسمع الطير كيف تشدو سرورا

فتن الكون كله بفتاة ... بث فيها الجمال سحراً حلالا

مذ تبدت على بساط نبات ... كست الكون بهجة وجلالا

هي كالزهر رونقا وبهاء ... وهي كالطير خفة ودلالا

هي كالماء رقة وصفاء ... صاغها الله للجمال مثالا

هي كالصبح روعة وابتساما ... وهي كالفجر ريبة وحياء

وهي كالشمس حدة واحتداما ... وهي كالبدر رقة وسناء

أطلقت في الخلاء صوتاً رخيما ... مثل سجع الحمام عند البكور

هادئا ناعما شجيا رخيما ... دق في الوصف عن أدق الشعور

ذكرت حبها وقالت كلاما ... من رقيق العتاب سامي البيان

لم ترد بالعتاب إلا سلاما ... وحديث العتاب جم المعاني

ضحكت برهة ولكن عراها ... أثر هذا السرور شيء عجاب

عبست فجأة وخارت ... وسعت الهم نحوها والعذاب

أنظر الدمع كيف يجري سخينا ... أغرق الخد يأبى انقطاعا

واسمع اللحن كيف صار أنينا ... يملأ القلب رأفة والتياعا

هتفت باسمي وهي تحسب أني ... لا أراها ولم أزل في بعادي

ويح قلبي! أيهرب القلب مني؟ ... ويح نفسي! أشعلة في فؤادي؟

أبصرتني فكفكفت مقلتيها ... وعراها وقد رأتني اضطراب

وعراني وقد هرعت إليها ... نشوة ثم رجفة واكتئاب

قد دهاني عند اللقاء إختبال ... وعصاني فلم يترجم لساني حين لم يبق للسان مجال ... ترجم الدمع عن أدق المعاني

أمهلتني هنيهة ثم قالت ... ويح نفسي لقد سمعت عتابي

واطمأنت لحيرتي ثم مالت ... تطل البعد وهي ترجو اقترابي

قلت مهلا ترفقي بفؤاد ... شفه الوجد والحنين إليك

جئت أسعى إليك بعد بعاد ... ووضعت الفؤاد بين يديك

لست أرضى الخلود عنك بديلا ... فحياتي رهينة بهواك

لا ولا المجد أرتضيه خليلا ... غاية المجد أن أنال رضاك

لك نفسي إذا أردت فداء ... أنت روحي وأنت غاية نفسي

لا أدرى في الوجود عنك عزاء ... أنت عيني وأنت سمعي وحسي

أطرقت عفة وأغضبت حياء ... إذ رأتني محدقا في اشتياق

وأرتني تمنعا وإباء ... وإباء الدلال حلو المذاق

لست أنسى جمال ذاك المحيا ... بين زهو الصبا وطهر العفاف

وحديثا وعاه قلبي شهياً ... أين من وصفه بليغ القوافي؟

لست أنسى طلاقة وبهاء ... وانتشاء وغفلة وابتساما

لست أنسى تعففاً وحياء ... وانتباها وفطنة واحتشاما

لست أنسى تلهفا وافتتانا ... وهي تصغي إلى حديث اغترابي

لست أنسى ترفقا وحنانا ... ما أحيلاه بعد طول الغياب!

إن هذا اللقاء يملأ قلبي ... كل حين مسرة وهناء

فأراها على البعاد وحسي ... ذاك حتى يجود دهري عزاء