مجلة الرسالة/العدد 394/لامرتين ولوروج
→ أومنُ بالإنسان! | مجلة الرسالة - العدد 394 لامرتين ولوروج [[مؤلف:|]] |
ويلات السَّلم. . .! ← |
بتاريخ: 20 - 01 - 1941 |
يمتدحان النبي عليه أفضل الصلاة والسلام
للأستاذ محمد توحيد السلحدار
الله يهدي من يشاء و (لمل نفس هوى في الدين يعنيها). فليس غريباً ألا يؤمن المسيحي إيمان المسلم؛ غير أن بعضهم جهل أو تجاهل، من كل وجه، فضل الإسلام على الإنسانية والمدنية وقدر نبي المسلمين. وشعر بعضهم، في أحوال شتى، بحاجة إلى تقرير جانب من الحق في شأن هذا الدين القيم وآثر الاعتراف بعِظم نبينّا الكريم. ومن هذا الفريق ريمون لوروج الذي ألف كتاباً عنوانه (حياة محمد)، طبعه فاسكيل سنة 1939، في باريس
وقد كتب السيد قدّور بن غبريت مقدمة ذكر ضمنها أن تقديم مؤمن لكتاب صاحب له غير مؤمن أمر دقيق، خصوصاً في مقدمة لموضوع ليس بد من أن يتضح اختلاف نطريهما فيه؛ وأنه لا يسلم من غير تحفّظ بالمعنى البشري البحت الذي تصوّره المؤلف في النبي، لبعد هذا المعنى عن الشهادة بالرسالة، ولاعتقاد المسلم أن الحوادث والأزمات قد تكون وجهت محمداً نحو الرسالة هي أمور فوقها ذلك النداء السماوي وكلمات الله نشرها الرسول بأمانة وإقدام بين الناس. وإن السيد، بعد أن تحفظ لهذا الخلاف على الأصل، هان عليه أن يحيي ضمير المؤلف ونبوغه في ترجمته النبي
وذكر أيضاً أن المؤلف فيلسوف لا تضطرب نفسه من مسائل الأجناس ولا من تعارض المذاهب؛ فهو يعيد المشاكل السياسية والاجتماعية كلها إلى مستوى المصالح المشتركة بين البشر أجمعين، لأنهم على رغم الاختلاف الثانوي المؤقت الذي يفرقهم فيه جهلهم وحدتَهم الأصيلة، ليس يمكن في الحقيقة تصورهم منقسمين انقساماً لا مرجع عنه
وذكر أن الكتاب يمثل جهداً من أصدق الجهود التي بذلت في جعل الكثيرين من غير المسلمين يعرفون قدر النبي ورفيع شأن الإسلام في تاريخ المدنية
وأهم ما جاء في هذه المقدمة كلام عن النبي للشاعر لامرتين يجانس الموضوع، أورده السيد قدّور و (عرف فضله لفرنسا) وقصد بإيراده أن يعجب به أبناء ملته. وقد نقله من (تاريخ تركيا) حيث قال ذلك السياسي الفرنسي ما ترجمته الحرفية:
(لم ينو إنسيٌّ قط، عن إرادة ذاتية أو غير إرادة، أن يبلغ غرضاً أسمى من غرض محمد إذ كان بلوغه فوق طاقة البشر: فهو تقويض الأباطيل التي جعلوها بين الخالق والمخلوق، وهداية الإنسان إلى الله، وإقامة معنى الربوبية المبني على العقل والتقديس في بهرة ذلك الزحم المختلط من آلهة الوثنيين المادية المسيخة. ولم يعتزم إنسي صُنعاً قط ويبدأه بوسائل على مثل ضعف وسائله ومثل هذا التفاوت بين قوى البشرية والعمل المنوي: إذ أن محمداً، في تصور مشروعاً على هذه الضخامة وفي إنفاذه، لم يكن له من وسيلة سوى نفسه، ولا من مساعد غير عدد قليل من الرجال في ركن الصحراء. وأخيراً لم يتم أنسيّ قط، في زمن أقصر من زمنه، انقلاباً في الدنيا على مثل هذه السعة وهذا الدوام: إذ لم يمض قرنان على الدعوة الإسلامية حتى كان الإسلام منادى به، مسلحاً، سائداً في ثلاثة البلاد العربية، فاتحاً للتوحيد فارس وخرا سان، ومصر وأثيوبية والمعروف من أفريقية الشمالية بأسره، وعدة من جزر البحر المتوسط، وأسبانيا وجانباً من فرنسا
وإذا كان سمو الغرض، وضعف الوسائل، وجلال النتيجة، أموراً هي ثلاثة المقاييس لعبقرية المرء، فمن ذا الذي يجرؤ على أن يوازن من الجهة الإنسانية بين محمد ورجل من عظماء التاريخ الحديث؟ فإن أشهرهم لم يقلّبوا غير أسلحة وقوانين وإمبراطوريات؛ ولم يؤسسوا، حين أسسوا شيئاً، سوى دول مادية كثيراً ما انهارت قبلهم؛ أما هذا فقد قلّب جيوشاً وشرائع وإمبراطوريات وشعوباً وبيوتات مالكة وملايين من الرجال في ثلث المعمور من الكرة؛ لكنه زاد فقلب مذابح وآلهة وديانات وأفكاراً وعقائد ونفوساً، وأسس قومية روحانية على كتاب أصبح كل حرف منه شرعة قومية روحانية تضم شعوباً من كل لسان وكل لون، وجعل لهذه القومية الإسلامية طابعاً لا يبليه الزمان بما نفث فيها من بغض للآلهة الزائفة، وحب لله الواحد المنزه عن المادة. وهذه الوطنية المنتقمة من الاستهانة بالله هي خاصة أتباع محمد وفضيلتهم. ولقد كان فتح ثلث الأرض لعقيدته معجزته، والأحرى أنها لم تكن معجزة رجل، بل كانت معجزة العقل. وإن معنى وحدانية الله التي نادى بها والناس في سأم من العبادات الوثنية كان معنى له في ذاته من القوة، حين تفجر على شفتيه ما أضرم معابد الأصنام العتيقة جميعاً، وأشعل بأضوائه ثلث العالم
. . . إن حياة محمد وتأمله الديني ولعناته الشديدة الفعّالة لأباطيل بلاده، وإقدامه على مواجهة حفيظة الوثنيين وحَنقهم مواجهة الجسَّار، وثباته على احتمالهم في مكة خمس عشرة سنة، وقبوله أن يُعد بين مواطنيه فضيحة علنية (يعني قدوة سيئة تثير السخط) حتى كاد يكون ضحّية، وهجرته أخيراً، ووعظه بلا انقطاع، وحروبه السجال، وثقته بالنجاح، وأمنه في الهزيمة أمناً فوق القدرة الإنسية، وحلمه عند الفوز، وطموحه الفكري الخالص البريء من طلب السلطان وصلواته بلا نهاية، وحواره في البُرحاء، ووفاته وظفره بعد القبر، كل أولئك يشهد بأكثر من الكذب بل يشهد بالإيمان، وكان هذا الإيمان هو الذي جعل له القدرة على إقامة عقيدة، وكانت هذه العقيدة مثناة: وحدانية الله وتنزّه الله عن المادة، فواحدة تقول إن الله موجود والأخرى تقول ما ليس الله به، واحدة هادمة بالسيف لآلهة زائفة والأخرى مُشهرة بالكلام سيرة
إن محمداً فيلسوف، خطيب، داع، مشرع، محارب؛ وهو فاتح أفكار، مقيم عقائد معقولة وعبادة بلا صور؛ وهو مؤسس عشرين دولة دنيوية ودولة واحدة دينية، ذلكم محمد! فأي إنسيّ كان أعظم منه بكل المقاييس التي يقاس عليها العِظم الإنساني
محمد توحيد السلحدار