مجلة الرسالة/العدد 389/رسَالة الشِّعر
→ كلمات. . . | مجلة الرسالة - العدد 389 رسَالة الشِّعر [[مؤلف:|]] |
رِسَالة الفَنّ ← |
بتاريخ: 16 - 12 - 1940 |
من وحي الحرب
أوراق الخريف. . .
(مهداة إلى الأستاذ (العقاد))
للأستاذ محمود الخفيف
يَا هَوْلَ مَا تُوحِيهِ مِن خَاطِرِ ... جُمُوعُهَا المَاثِلَهْ
الْمَوتُ في بَطْشٍ لَهُ قاهِرِ ... أَلْقَى بِهاَ ذَابِلَهْ
مَضْعُوفَةً بَعَد الصِّبا النَّاضِرِ ... مُصْفَرَّةً آلافُهاَ الرَاحِلَهْ
مَطْعُونَةَ الأوَّلِ وَالآخِرِ ... مَذعُورَةً مُعْجَلَةً ذَاهِلَهْ!
تَسَابَقَتْ في وَثْبِهاَ للِفْنَاَءْ ... صُفُوفُهاَ الوَاهِيهْ
كَأَنَّماَ يَدْفَعُهَا فِي الْخَفَاءْ ... لِحَتْفِهاَ طَاغِيَهْ!
أَوْ قَادَهَا للِمَوْتِ كُرْهُ الْبَقَاءْ ... في عِيشَةٍ تُفْضِي إِلى الهاوِيَهْ
الذُّلُّ في نَاحِيَةٍ وَالشَّقَاءْ ... وَالبَطْشُ وَالطُّغْيَانُ في نَاحِيَهْ
يَا سُوَء مَا تُوحِيهِ لي مِنْ خَيَالْ ... أَوْرَاقُ هَذَا الْخَرِيفْ
في حَشْدِها كَمْ ذَا أَرَى مِنْ مِثَالْ ... لِكُلِّ عَان لَهِيفْ
كَمْ مُوجَعٍ فِيهَا وَكَمْ ذِي كَلاَلْ ... مُهَدَّمٍ أَضنَاهُ كَسْبُ الرَّغِيفْ!
ياَ قُبْحَهَا! توُحِيِ لنَفْسِي المَآلْ ... لِكُلِّ فَيْناَنٍ بَهِيجٍ رَفيفْ
كَمْ صَوَّرَتْ رِيحُ الشَّماَلِ الطُّغاَهْ ... لَمْ تَلْوِهِمْ عَاطِفَهْ
مِنْ كلِّ عَاتٍ شَرُّ مَا في الْحَيَاهْ ... حَيَاتُهُ الْعَاصِفَهْ
أَصَمُّ كَمْ تُزْجِى المَناَياَ يَدَاهْ ... والأَرضُ مِنْ هَوْلِ الرَّدَى رَاجِفَهْ
مَا وَطِئَتْ أُذْنَيْهِ يَوْماً شَكَاهْ ... أَوْ عَطَفَتْهُ الرَّحْمَةُ اللاَّهِفَهْ!
جِنْكِيزُ أوْ تَيْمُورُ هَذا الزَّمَنْ ... في عَصْفِهاَ مَاثِلُ
يُتْرِعُ لِلْعَصْرِ كُؤُوسَ الْمِحَنْ ... زُعَافُهاَ عَاجِلُ
وَذَلِكَ المِسْكِينُ مَهْماَ افْتَتنْ ... في غَدِهِ مِنْ سمِّهاَ ناَهِلُ مَهْماَ يَكُنْ مِنْ هَوْلِ هَذِى الْفِتنْ ... عَمَّا قَرِيبٍ يَزْهَقُ الْبَاطِلُ
هَذِى الْجُمُوعُ الصُّفْرُ كَمْ نَبَّهَتْ ... شَجْوِىَ أَوْصَافُهاَ
لَشَدَّ عِنْدَ الَموْتِ مَا أَشْبَهَتْ ... بَنِيهِ آلاَفُهاَ
في غَمْرَةٍ مِنْ خَلْفِهِمْ مَا وَهَتْ ... أَيْدٍ بُرُوقُ الوَهْمِ أَهْدَافُهاَ
فَخَارُهَا في الْعَيْشِ مَا شَوَّهَتْ ... وَمُنْتَهَى الْعُمْرَانِ إتْلاَفُهاَ!
تَكْرُبُنِي أَشْلاَءُ تِلْكَ الْغُصُونْ ... تُذْرَي بِكُلِّ النَّوَاحْ
للرِّيحِ فِيهاَ مِنْ نَوَازِي الْجُنُونْ ... عَصْفٌ بِهاَ وَاجْتِيَاحْ
طَيْفٌ لِرُوحي مِنْ طُيُوفِ المَنُونْ ... الْوَيْلُ فِيِهِ وَالأَسَى وَالنُّوَاحْ
فِيِهِ الضَّحَاياَ سَاقَهاَ المُبْطِلُونْ ... أَشْلاَؤُهَا مِلْءُ الرُّبَى وَالْبِطَاحْ!
انْتَثَرَتْ أَوْرَاقُ هَذِى الشَّجَرْ ... وَأَوْحَشَتْ عَارِيَهْ
كَأَنَّهاَ في الأرْضِ بَعْضُ الأَثَرْ ... لِهَذِهِ الْغَاشِيَهْ!
لكِنَّهَا خَضْرَاَء لَمْ تُهْتَصَرْ ... تُكْسَى حُلاَهَا فِي غَدٍ ثاَنيَهْ
إِنْ أَوْحَشَتْ في الْعَيْن عِنْدَ النَّظَر ... فَفِي حَشَاهاَ تَكْمُنُ الْعَافِيَهْ
يَا وَيْحَ لِلإْنْسَانِ مَا إنْ لَهُ ... في غَيِّهِ مِنْ قَرِيعْ
تَنْثُرُ كَفُّ الدَّهْرِ آمَالَهُ ... وَمَا لَهُ مِنْ رَبِيعْ
وَالْبَغيُ كَمْ يُنْقِصُ آجَالَهُ ... وَالْعَيْش عَجْلاَن اللَّيَالِي سَرِيعْ
صَرِيعُ هَذا الْبَغْيِ ياَ وَيْلَهُ ... يَرْثِي جَنَانِي للِشَّقِيِّ الصَّرِيْع!
الخفيف