مجلة الرسالة/العدد 386/مسابقة الجامعة المصرية
→ أخلاق القرآن | مجلة الرسالة - العدد 386 مسابقة الجامعة المصرية [[مؤلف:|]] |
في الاجتماع اللغوي ← |
بتاريخ: 25 - 11 - 1940 |
لطلبة ألسنه التوجيهية
للدكتور زكي مبارك
الإنجليز في بلادهم
كتب إلي أحد الزملاء يقول إنه كان ينتظر أن أكتب كلمه أنقد بها الطريقة التي اختيرت بها كتب المسابقة، وأجيب بأن هذا يعطل المشروع بعض التعطيل، وهو مع ذلك لن يغير الواقع، فلن تعدل الوزارة مشروع المسابقة في هذه ألسنه، ولن تلتفت إلى انصراف فريق من الطلبة عن بعض تلك المؤلفات، فلم يبق إلا أن نؤجل الكلام عن نقد طريقة الاختيار، وأن نمضي في هذه الدراسات إلى آخرالشوط، تحقيقاً للغرض الذي رمينا إليه وهو توجيه أولئك الطلاب.
وحديث اليوم عن كتاب (الإنجليز في بلادهم) لمعالي الأستاذ حافظ عفيفي باشا، فمن المؤلف؟ وما غرضه من تحبير تلك الفصول الطوال؟
نشر هذا الكتاب سنة 1935. أما مواده فقد جمعت بين سنة 1931 وسنة 1933، وكان هذا الرجل سفير المصري في لندن، فهدته فطرته السليمة إلى التفكير في تعريف المصريين بالإنجليز، (الإنجليز في بلادهم) لئلا يعترض معترض بما يضاف إلى الإنجليز خارج تلك البلاد، وكذلك كان التوفيق حليف المؤلف حتى في العنوان
لا أجد ما أقوله في حافظ عفيفي بعد الذي قلته في كتاب (الأسمار والأحاديث) ولكن يجب النص على أن حافظ عفيفي من الشخصيات الدبلوماسية التي تتجه إليها الأنظار من حين إلى حين، وكتابه عن (الإنجليز في بلادهم) صوره من صور الدبلوماسية، ولكن بمعناها الحق، لا بمعناها المألوف، فهو يريد أن نعرف الإنجليز في محاسنهم التي خلا وصفها من الترفق والتلطف، وفي مساويهم التي سلم وصفها من التزيد والافتراء.
و (دبلوماسية) حافظ عفيفي طراز جديد، لأنها تقوم على أساس التعارف الصحيح، وتنأى عن شوائب المصانعة والدهاء؛ ولهذا الطراز من الدبلوماسية عيوب، لأنه يعوق صاحبه في كثير من الأحايين، ولكن العواقب الحميدة لن تكون إلا من نصيب الدبلوماسية القائ على المصارحة فيما جل ودق من شؤون السياسة وشؤون الاقتصاد، ومن هنا جاز أن تقع في كتاب حافظ عفيفي عبارات لا يقولها رجل كان سفيرنا في إنجلترا بالأمس وقد يكون سفيرنا عندها في الغد، كالذي وقع حين نص على (أن إنجلترا لم تدخل ميدان الاستعمار لإغراض إنسانية كتمدين الشعوب المتأخرة ولا لفائدة المهاجرين الأوربيين بل سعياً وراء الريح من الاتجار في محاصيل المستعمرات والحصول على ما تحتاج إليه من المواد الأولية، وإيجاد حموله لأسطولها التجاري وسوق لتصريف محصولاتها ومصنوعاتها). وكالذي وقع منه حين أيد هذا الحكم بالقوانين التي أصدرتها إنجلترا، القوانين القاضية باحتكارها للتجاره الخارجية للمستعمرات بالنسبة لأهم المحاصيل، وتحريم تصدير الدخان والسكر والقطن الخام والأصباغ الطبيعية والنحاس ومواد بناء السفن على المستعمرات، والقوانين القاضية بتحريم نقل ما يصدر عن المستعمرات أو يرد إليها على السفن الإنجليزيه، وبعض القوانين التي كانت تحرم على المستعمرات إنشاء بعض الصناعات التي قد تنافس الصناعات الإنجليزية، كصناعة الحديد مثلا؛ وبعض القوانين التي كانت تحرم على المستعمرات تصدير بعض المصنوعات التي تزاحم المصنوعات الإنجليزية
فهذا كلام لا يقوله دبلوماسي (مصقول)، وإنما يقوله دبلوماسي (صريح) والصراحة عيب جميل، ان جازت مجاراة الزمن المقلوب في عدها من العيوب!
ما هو الغرض من هذا الكتاب؟
حافظ عفيفي لم يبتكر هذا الفن من التأليف، وإنما سار في طريق مسلوك عبده الأوربيون من أجيال طوال، فالأدب الفرنسي مثلا فيه عشرات من المؤلفات الجياد لتعريف الفرنسيين بحيوات الإنجليز والألمان والطليان والروس، وأهل مصر والشرق العربي يعرفون الكتاب الذي نقله فتحي زغلول عن الفرنسية منذ أكثر من ربع قرن عن (سر تقدم الإنجليز السكسونيين) وهو كتاب له نظائر وأشباه قد تصل إلى المئات إذا راعينا النشرات الطويلة والقصيرة التي أريد بها تعريف الفرنسيين بأهم أمم الشرق والغرب. . . ومؤرخو الأدب الفرنسي أم يفتهم أن ينصوا على التطور الذي صار إليه أدبهم بعد ذيوع كتاب مدام دي ستال عن الألمان
حافظ عفيفي لم يبتكر من الوجهة العالمية، وإنما ابتكر من الوجهة المصرية، فهو أظهر سفير مصري تعقب البلد الذي عاش فيه بالاستقراء والاستقصاء.
ومن الواضح أن في أدباء مصر رجالاً قدموا لبلادهم خدمات من هذا النوع، ولكن السفير يملك ما لا يملك الأديب من نواصي الوثائق والأسانيد، وله أفق يختلف بعض الاختلاف عن أفق الأديب، والمسئولية التي يحسبها السفير قد تجعله أدق من الأديب في الحكم على خصائص الممالك والشعوب
فهل يكون حافظ عفيفي قدوه لسفرائنا في أقطار الشرق والغرب؟ وهل ننتظر إلى أن تضاف إلى الأدب العربي ثروات من هذا الفن الطريف، فنعرف من كل سفير بعض ما عرفنا حافظ عفيفي؟
النظرة المصرية
إلى هنا عرف القارئ أن حافظ عفيفي يريد ضرب الأمثال، فأين نجد النضرة المصرية في كتاب هذا الباحث الحصيف؟
في كلام المؤلف عن الطبقات كلام ينفع أهل مصر، وهو الكلام الذي ينص على ألازمه الزراعية في بلاد الإنجليز. وفي كلامه عن الدستور البريطاني أحاديث تنفعنا أجزل النفع، وهي الأحاديث التي تشهد بقوه (التماسك الإنجليزي) وأريدُ بالتماسك القدوة الذاتي على مقاومة أسباب الضعف والانحلال، فللتقاليد الدستورية في نظر جميع الساسة البريطانيين احترام القانون (يرعاها الجميع حتى تحل محلها حقوق أخرى تكون أوفى منها في تأييد سلطه الأمة)، وتلك التقاليد تتغير دائماً مع الزمن، ولكنها تتغير في سكينه وهدوء. . . وسلطة البرلمان تستند إلى شخصية النواب ثم إلى التقاليد السياسية والسوابق أكثر مما تستند إلى المسطور من القوانين. . . والحركات الشعبية التي قامت في بريطانيا إنما كانت ترمي في أكثر الأحيان إلى رغبة الشعب في التمتع بحقوق الانتخاب أكثر مما كانت ترمي إلى زيادة سلطة البرلمان. . . ولم يحصل في إنجلترا أن يناط بفريق من المشرعين أو بهيئة نيابية مهمة تحرير دستور شامل يرغم على قبوله حاكم مستبد، ويكون فاصلاً بين عهد الاستبداد وعهد الحرية. . . ومع أنه لا يوجد في الدستور البريطاني نص يمنع الملك من حق الرفض لإمضاء إي قانون يقره البرلمان ولا يوافق عليه الملك، فإنه لم يستعمل ملك بريطاني هذا الحق من عهد الملكة آن. . . ومع أنه لا يوجد نص مكتوب في أي قانون دستوري يحدد مسئوليه الوزارة أمام مجلس النواب ويرغمها على الاستقالة إذا لم تنل ثقته، فمبدأ مسئولية الوزارة محترم كل الاحترام. . . ومع أنه لا يوجد نص دستوري يمنع الملك من رياسة مجلس الوزراء فقد روعيت سابقه وقعت في عهد جورج الأول وكان ألمانيا يجهل الإنجليزية، ولم تر فائدة من رياسته لمجلس الوزراء
وهنا أرجو طلبه السنة التوجيهية أن يقرءوا ما كتب في هذا الكتاب عن (الدستور البريطاني) قراءه فهم ونقد واستقصاء، لأن المجال يضيق عن تشريحه في هذا الحديث، والمهم هو ربط ما جاء في هذا الفصل بما درسه الطلبة في مرحله الثقافة العامة عن التربية الوطنية، فإن فعلوا - وسيفعلون - كان من السهل أن يدركوا مرامي المؤلف في هذه الشؤون
وأقول بصراحة إن المؤلف يهمه أن يبين قيمة الشخصية الإنجليزية من ناحية التماسك السياسي والاجتماعي، فأحوال إنجلترا تتغير من وضع إلى وضع، ولكن في هدوء وطمأنينة وثبات، ولولا ملكة التماسك لاستحال على شعب كان أفراده لا يزيدون على ثلاثة ملايين أن يملك شرف الاستقلال في آماد ترجع إلى عشرة قرون
وينبغي للطالب أن يقرن ما كتب عن الدستور البريطاني بما كتب عن الإمبراطورية البريطانية. فأقدم مستعمرة ظفرت بحقوق الاستقلال الذاتي هي المستعمرة التي وجد فيها سكان بريطانيون، ومعنى ذلك أن الإنجليزي ينقل مبادئه في الحرية إلى أي وطن ينتقل إليه، كما ينقل معه عقيدته الدينية. . . ومن فصول هذا الكتاب نعرف أن الإنجليزي حين يغترب لا ينسى خصائصه الذاتية، ونعرف أنه بطيء في التطور إلى حد الجمود، والبطء في التطور هو ما اسميه التماسك، لأن التطور السريع لا يخلو من ثورة على الشخصية الذاتية، وما يقال عن (البرود) الإنجليزي هو من ذلك، فالإنجليزي بارد أي بطيء التحول، وكذلك كان العرب سادة حين نعموا بمثل هذا (البرود) فكانوا في رياض الأندلس (متطبعين) بطباع أرباب الشيح والقيصوم، وكانت أخيلة الجزيرة العربية هي المثال في التشبيهات والاستعارات والكنايات، حتى صح لبعض الغافلين أن يقول أن العرب لم يتطورا في كثير أو قليل، وإنهم ظلوا مشدودين إلى وطنهم الأصيل
وقد قلت مرة أو مرات (إن العرب كانوا إنجليز زمانهم) ومعنى ذلك أنهم كانوا أوفياء لخصائصهم الذاتية، فكانوا يتكلمون كما كان يتكلم آباؤهم الأقدمون، وكانوا ينقلون المصحف والمسجد إلى كل أرض، كما ينقل الإنجليز الكنيسة والإنجيل إلى كل أرض. ولو كان التطور الشامل أداة من أدوات النفع لترك العرب قرآنهم في الأندلس، وترك الإنجليز إنجيلهم في الهند، فلم يبق إلا الاعتراف بأن التطور الشامل من صور الانحلال، وإن كان في نظر الغافلين من صور التحرر والاستقلال!
من كتاب حافظ عفيفي نعرف أن الإنجليز تطوروا تطوراً ملحوظاً، ومن كتابه نعرف أنهم ظلوا برغم ذلك التطور الملحوظ إنجليزاً أقحاحاً، فما معنى ذلك؟ معناه أن الرجل الأصيل يحفظ خصائصه الذاتية وإن قهرته الظروف على التنقل من حال إلى أحوال
ومن كتاب حافظ عفيفي نعرف أن الإنجليز يلوحون دائماً بفكرة العدل - وما يهمني في هذا المقام تحقيق الغرض من هذا التلويح - وطواف الأذهان حول فكرة العدل له مدلول، فهو يشهد بأن الإنجليز يهمهم دائماً أن تكون سمعتهم بمنجى من الأقاويل والأراجيف، فكل مشكلة خليقة بأن تعقد لها لجنة أو لجان، وكل ثورة أهل بأن يطب لها بالترفق والاستبقاء، ومن هنا كان الإنجليز أساتذة الأمم في فن (الدعاية) وعنهم تعلم الطليان والألمان. وفن الدعاية يراد به (تحديد الموقف) وموقف إنجلترا في دعواها هو دائماً موقف المصلح المظلوم، وهي سياسة تدل على براعة أولئك الناس في التخلص من مواطن الشبهات. والسياسي الحق هو الذي يهتف في كل لحظة بأنه من الأبرياء، براءة الذئب من دم أبن يعقوب، وإن كان أعرف المخلوقات بمصدر العدوان على ذلك الشهيد!
فإن نظر طلبة السنة التوجيهية إلى كتاب حافظ عفيفي، كما نظرت إليه، عرفوا منه أشياء وأشياء، ولم يفهم غرض المؤلف فيما طواه بفضل براعته الفائقة من دقائق الشؤون، والسياسيون يطوون أغراضهم في بعض الأحيان!
أسلوب المؤلف
هو أسلوب علمي يخلو خلواً تاماً من التحسين والتجميل، ويمتاز بالوضوح والجلاء، وقد تقع فيه ألفاظ تحتاج إلى تعديل، كأن يقول (الجمعية الإنجليزية) وهو يريد (المجتمع الإنجليزي) وقد يقع في تعابيره شيء من الغموض، كأن يقول: (ولم يترتب على عدم وجود نصوص محدودة لسلطة مجلس النواب الإنجليزي تحديد في الواقع لسلطته)، فهذه العبارة تحتاج إلى تأمل قليل، ومن واجب الكاتب أن يجعل تعبيره أوضح من أن يحوج القارئ إلى تأمل ما يريد.
والذي ينظر في كتاب حافظ عفيفي لا يشعر أنه أجنبي يكتب عن الإنجليز، فقد ملك المؤلف ناصية الموضوع بحيث يظن القارئ أنه ينظر في كتاب ألفه أحد أبناء تلك البلاد، ومع ذلك نلمح في مواطن قليلة أن المؤلف أستأسر للمراجع، كأن يذكر عدد الجرائد في إنجلترا سنة 1828 وسنة 1886 وسنة 1909، وكان المنتظر أن يذكر عدد الجرائد في الوقت الذي ألف فيه الكتاب، ولكنه فيما نرجع وقف عند أحد المراجع التي نشرت من قبل ولم يشغل نفسه بتحديد ما جد في تطور الصحافة بعد ذلك الحين
توجيهات
ينقسم كتاب حافظ عفيفي إلى ستة ابواب، وتنقسم الأبواب إلى فصول، فضلاً عما فيه من مقدمات تشتمل على محصول نفيس. ولن يستطيع الطالب أن يقول إنه استفاد من مراجعة هذا الكتاب إلا إذا جمع لنفسه خلاصة وافية لما كتب المؤلف عن تاريخ الحياة الدستورية، وما قاله عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وما فصل من الحديث عن الصحافة والأحزاب، وحرية التجارة والحماية الجمركية، وما شرح من أحوال الميزانية ونظام البنوك، وما دون من أغراض التعليم وأنظمة الجامعات، وما قيد من خصائص القضاء وأنواع المحاكم ومجالس التشريع، وما تعرض له في سرد أطوار الإمبراطورية البريطانية
تلك ملامح هذا الكتاب، أما جوهر المحصول فهو ثمين إلى أبعد الحدود، وهو مع ذلك سهل المنال على الطالب الذي أجتاز مرحلة الثقافة العامة بوعي وإدراك
ولكن كيف يجمع الطالب لنفسه تلك الخلاصة الوافية؟ لنفرض أنه شرع في الباب الخاص بتكوين الرأي العام فقرأ الفصل الأول عن الصحافة الإنجليزية، فماذا يفيد حين يقرأ هذا الفصل؟
يفيد تطور الصحافة الإنجليزية من أول ظهورها إلى اليوم مع ملاحظة ما مر بها من تطورات مذهبية واقتصادية، ثم يقيد انتقالها من أيدي الأفراد إلى أيدي الشركات مع بيان السبب في هذا الانتقال، ثم يقيد عدد تلك الشركات، ثم يقف وقفة طويلة عند الكلام عن المنافسة بين الجرائد الشعبية وجرائد الآراء ثم يلتفت التفاته خاصة إلى ما أصيبت به شركة الديلي هرالد، ثم يتعقب ما ابتليت به الصحافة الإنجليزية من الانحطاط بسبب الانحدار إلى استغلال أهواء القراء، ثم يقيد الأخطار التي تعرضت لها السياسة الإنجليزية بسبب طغيان الجرائد الشعبية، ثم يقيد ما صنع فضلاء الإنجليز في تأمين جريدة (التيمس) وجريدة (الإيكونوميست) من جشع الجماعات التجارية، ثم يقيد الصلة بين الحكومة والصحافة ومراكز الصحفيين في تلك البلاد، ثم يقيد ما مر بالصحافة الإنجليزية من متاعب الجهاد في سبيل الظفر بحرية الرأي، ثم يقيد ما للصحافة في إنجلترا من أندية ومدارس (مع الفهم الصحيح لعناصر هذا الفصل الدقيق) ولنفرض أيضاً أنه قرأ الفصل الثاني عن الأحزاب الإنجليزية، فماذا يقيد وهو يقرأ هذا الفصل؟
من واجب الطالب أن يعرف الغرض الذي أنشئت من أجله الأحزاب في بلاد الإنجليز، وأن يعرف الفرق بين دعاية مصلحة الوطن ومنفعة الحزب، وأن يدرك كيف صارت الأحزاب في إنجلترا من الضروريات، وأن يقيد التاريخ الذي نشأ فيه النظام الحزبي بتلك البلاد
وهنا سؤال أو أسئلة:
ظهر في فرنسا كتاب لمؤلف معروف، فما أسم الكتاب؟ وما أسم المؤلف؟ وكيف أختصم الأحرار والمحافظون حول ذلك الكتاب؟ ومن الباحث الذي أتخذ منه دعامة لنظرية الأحرار؟ ومن الباحث الذي أتخذ منه دعامة لنظرية المحافظين؟ وما جوهر الخلاف حول فكرة ذلك المؤلف؟ وما السبب في وصف المحافظين بالجمود؟ وكيف حُرموا الظفر بالحكم زمناً غير قليل؟ ومن المفكر الذي أنتشل المحافظين من ذلك الجمود؟ وكيف ظهر حزب العمال؟ وما هي الفلسفة التي أوجبت ظهور هذا الحزب؟ ومن هو المفكر الذي خلق هذه النزعة؟ ومن أتباعه في بلاد الإنجليز؟ وكيف كان حظ العمال حين واجهوا الجمهور الإنجليزي أول مرة؟ وكيف تخوف بعض الكتاب من أتساع شقة الخلاف بين تلك الأحزاب؟ وكيف نجت إنجلترا من عدوان الاشتراكية؟ وما هي الأسباب التي قضت بأن يكون الاشتراكيون الإنجليز أقرب إلى المحافظة والاعتدال؟ ومن أشهر الرجال في حزب العمال وحزب الأحرار وحزب المحافظين؟ ومن الرجل الذي خرج على حزبه في إحدى ساعات الحرج فأصابه بضعضعة لم يسلم منها إلى اليوم؟ وما مسلك الإنجليزي الشريف حين يختلف مع الحزب الذي ينتسب إليه؟ وما أخلاق الإنجليز في مصاولاتهم الحزبية؟
فإذا ألم الطالب بهذه المشكلات كان من واجبه أن يدرك كيف يختلف الأحزاب حول السياسة الخارجية، والسياسة الإمبراطورية، والسياسة الاقتصادية والاجتماعية، وأن يعرف كيف تتكون لجان الأحزاب، وكيف تسيطر على الجمهور للظفر في ميادين الانتخابات
كلمة ختامية
قرأت كتاب حافظ عفيفي في ثلاث سهرات، ولم أجد في استيعابه أي عناء، لأنه مفصل أجمل تفصيل وبأوضح أسلوب، ولكن يخيل إلي أن الطلبة لن يدركوا مراميه في مثل الوقت الذي راجعته فيه، لأني على أرجح الأقوال سبقتهم إلى الدنيا بأعوام قصار أو طوال، وللتجارب تأثير في إدراك أمثال هذه الشؤون
فإلى أساتذة السنة التوجيهية أسوق الاقتراحات الآتية:
أولاً: يجب (إن أمكن) أن يحضروا مع تلاميذهم بعض جلسات مجلس النواب ومجلس الشيوخ ليمكنوهم من تصور الحياة الدستورية، وإلا فمن واجبهم أن يقرأوا معهم بعض (المضابط) التي تسجلها (الوقائع المصرية)
ثانياً - من السهل جداً أن يحضروا مع تلاميذهم بعض جلسات المحاكم الأهلية والشرعية ليعطوهم فكرة واضحة عن نظام القضاء
ثالثاً - ليس من الصعب أن يزورا مع تلاميذهم بعض البنوك ليروضوهم على تصور المعضلات الاقتصادية
رابعاً - من واجب المدرسين أن يطلعوا تلاميذهم على ألوان الصحافة وأنظمة الأحزاب ليعلموهم كيف تساس الجماهير في مختلف البلاد
خامساً - في أسبوع واحد يستطيع المدرسون أن يزوروا مع تلاميذهم معاهد التعليم في مراحله المختلفات، ليطلعوهم على الأساليب المعروفة في تكوين الأذواق والعقول
سادساً، وسابعاً، وثامناً، وتاسعاً. . . (؟!) إلى آخر الاقتراحات التي يراد بها أن يفهم المدرسون أن سطور الكتاب منقولة عن سطور الوجود، وأن المدرس الحق هو الذي ينقل تلاميذه إلى آفاق المشاهدة والعيان، ليهديهم سبيل الفهم الصحيح
وعندئذ لن يكون من الصعب أن يقرأ الطلبة كتاب حافظ عفيفي في حدود طاقتهم الفكرية والعقلية وأن يخرجوا منه بمحصول يرضى عنه أساتذة الجامعة المصرية، وسبحان من لو شاء لجعل أولئك الطلاب طلائع الهداية للجيل الجديد
زكي مبارك