الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 379/بمناسبة العودة المدرسية

مجلة الرسالة/العدد 379/بمناسبة العودة المدرسية

مجلة الرسالة - العدد 379
بمناسبة العودة المدرسية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 07 - 10 - 1940


اللغة العربية

في المدارس الأجنبية

(توجيهات لأحد المشتغلين بشئون التعليم)

تمهيد

الغرض من تقوية اللغة العربية بالمدارس الأجنبية هو الوصول بتلاميذ تلك المدارس إلى منزلة من المعارف اللغوية والأدبية والقومية تمكنهم من الحياة في المجتمع المصري حياةً لا يشعرون معها بأنهم أعاجم في أمة عربية، كالذي كان يقع لتلاميذ تلك المدارس من عهد بعيد إلى اليوم، وهي حال ضجّ منها آباء التلاميذ، وفكر في تغييرها نظار المدارس الأجنبية مرات كثيرة، ومن المأمول أن تغيّر تلك الحال بعد أن اهتمت وزارة المعارف بتقديم المعاونة الجدية لنظار تلك المدارس، وبعد أن أعلنت رغبتها في تشجيعهم على الوصول بمدارسهم إلى مكانة تسمح لأولئك التلاميذ بالقدرة على مسايرة الحياة العلمية والأدبية والاجتماعية بهذه البلاد.

ومن الواضح أن الوصول إلى تحقيق هذا الغرض يستوجب النظر في مناهج اللغة العربية بتلك المدارس نظراً جديداً يمكن به نقلها من حال إلى حال، ويستوجب أيضاً أن يقوى الروح المصري بتلك المدارس فيكون للغة العربية مكان ظاهر في النشاط المدرسي ويكون للرحلات الخاصة بدرس الآثار المصرية مقام ملحوظ، بحيث يشعر أولئك التلاميذ أن مدارسهم تدعوهم إلى تذوق الروح المصري في عهدهن القديم وعهده الحديث.

وخلاصة القول أنه يجب أن يزود تلاميذ تلك المدارس بنصيب وافر من اللغة العربية، ومن تاريخ مصر وجغرافية مصر وأنظمة مصر في الحدود الآتية:

اللغة العربية:

تنقسم الحياة المدرسية في أكثر المدارس الأجنبية إلى ثلاث مراحل: مرحلة التعليم الأولى الممثل في رياض الأطفال، ومرحلة التعليم الابتدائي، ومرحلة التعليم الثانوي.

وفي المرحلة الأولى يحسن أن تعتمد هذه المدارس على المعلمين المتخرجين في مدارس المعلمين الأولية، لأنهم أعدوا لهذا الغرض ولأن مرتباتهم بسيطة، وذلك يساعد على الإكثار من دروس اللغة العربية في رياض الأطفال.

أما في مرحلة التعليم الابتدائي ومرحلة التعليم الثانوي، فيجب أن يكون المعول على المدرسين الفنيين الذين أعدتهم الوزارة لهذين النوعين من التعليم.

ونفهم من هذا الطفل في المدرسة الأجنبية يرى مدرس اللغة العربية منذ اليوم الأول لعهده بالحياة المدرسية فيأنس سمعه ولسانه للغة العربية بحيث يمكن أن تكون هي اللغة الأولى وبحيث يرجى أن تقوى على منافسة ما يدرس معها من اللغات الأجنبية.

في رياض الأطفال

المنهج في رياض الأطفال يقوم على توجيه الأطفال إلى التعبير عن أغراضهم بعبارات عربية مقبولة، ولا مانع من أن تكون لغة التخاطب هي الأساس لتذهب الوحشة التي تقع من شعور الطفل بغرابة اللغة الفصيحة، ثم يتدرج المعلم رويداً رويداً فينقل لغة الطفل برفق من العامي إلى الفصيح ليشعر بعد عام أو عامين بشخصية جديدة هي شخصية من يتكلم بلغة أقوم وأرفع من لغة العوام ويستعد للانخراط في سلك الخواص.

وفي هذه المرحلة تكثر المحادثات كثرة ملحوظة، ثم تلقن المحفوظات السهلة والأناشيد القصيرة ويترنم بها الأطفال بطريقة جمعية تزيد أنسهم بالدرس وتشوقهم إلى طلب المزيد. وفي هذه المرحلة يترفق المعلم في تعليم القراءة والكتابة وفقاً للخطط المرسومة لرياض الأطفال.

وإذا استطاع المعلم في هذه المرحلة أن يفوق زملاءه من معلمي اللغات الأجنبية، وأن يكون أقرب منهم إلى أنفس أولئك الناشئين كان ذلك خطوة محمودة في خدمة اللغة العربية بالمدارس الأجنبية.

ولن يصعب على الوزارة أن تجد المعلمين الصالحين لتأدية هذا الواجب تأدية صحيحة، فهؤلاء المعلمون سيأخذون من المدارس الأجنبية مرتبات أكبر من مرتبات المدارس الأولية، وذلك يمكن الوزارة من التخير، وقد تستطيع عقد المسابقات لتحقيق هذا الغرض الشريف.

في التعليم الابتدائي:

يصل الطفل إلى مرحلة التعليم الابتدائي وقد استعد لمتابعة دروس اللغة العربية وقدر على قراءة بعض الفقرات المفيدة مما يقع تحت بصره من الجرائد والمجلات. وقدر أيضاً على فهم بعض ما يذيع الراديو من أناشيد ومحاورات، وهو لا يصل إلى ذلك إلا بعد أن يعني به عناية وافية في مرحلة التعليم الأولى بحيث لا يقل ما يتلقاه في الأسبوع عن عشرة دروس.

وفي التعليم الابتدائي يجيء الدور الجدي في تعليم اللغة العربية فيقسم التلاميذ إلى فريقين: فريق يستعد للأقسام الثانوية المصرية وفريق يستعد للأقسام الثانوية الأجنبية.

وإنما فرضنا هذا التقسيم لأن تلاميذ المدارس الأجنبية يدخلون الأقسام الثانوية المصرية بتلك المدارس بدون أن يؤدوا امتحان الشهادة الابتدائية المصرية. ويكون في أثر ذلك أن يدخلوا تلك الأقسام وهم ضعاف في اللغة العربية ضعفاً يجعلهم من الذيول في الامتحانات العمومية، وقد يلازمهم هذا الضعف طول حياتهم فلا يكون منهم كتاب ولا شعراء ولا خطباء باللغة العربية.

ومنهج اللغة العربية في الأقسام الابتدائية التي تعد للأقسام الثانوية المصرية يجب أن يكون مماثلاً تمام المماثلة لمنهج اللغة العربية في المدارس الابتدائية المصرية مع زيادة عدد الدروس زيادة تعوض على التلاميذ ما يفوتهم من درس أكثر المواد باللغة العربية.

أما منهج اللغة العربية في الأقسام الابتدائية التي تعد للأقسام الثانوية الأجنبية فيكون أخف ويكتفي فيه بسبعة دروس في الأسبوع توزع على مواد اللغة العربية توزيعاً يضمن تمكن أولئك التلاميذ من القواعد والإملاء والمطالعة والإنشاء.

ومن السهل وضع هذا المنهج الخفيف، والمهم هو أن يشمل العناصر الأساسية من القواعد بحيث يستطيع التلميذ أن يلقي خطبة أو يكتب رسالة بدون أن يقع في أغلاط تشهد عليه بالتخرج في مدرسة أجنبية!

وإذا تجاوزنا اللغة العربية إلى الجغرافيا والتاريخ رأينا من الواجب على تلاميذ الأقسام الابتدائية التي تعد للأقسام الثانوية المصرية أن يدرسوا المقرر من هاتين المادتين في المدارس الابتدائية المصرية.

أما الأقسام الابتدائية التي تعد للأقسام الثانوية الأجنبية فتدرس جغرافية مصر بالتفصيل، ثم تدرس التاريخ المصري بإيجاز مع الاهتمام بتاريخ مصر الحديث وعلاقته بالأمم الغربية والشرقية.

وما دام الغرض هو التعاون فمن حق وزارة المعارف أن تشير على المدارس الأجنبية بدعوة فريق من تلاميذها إلى اجتياز امتحان الشهادة الابتدائية، فإن لم يسهل ذلك كان من الواجب على تلك المدارس أن تدقق في نقل التلاميذ من الأقسام الابتدائية إلى الأقسام المصرية الثانوية، فقد يساعد ذلك على تحسين النتائج في امتحانات النقل والامتحانات العمومية.

وبهذه المناسبة نذكر أن الليسيه فرانسيه بالإسكندرية رأت من المصلحة ألا تقبل في القسم الثانوي المصري إلا تلاميذ جازوا امتحان الشهادة الابتدائية المصرية، وسيكون لذلك تأثير حسن في نتائج الامتحان.

في التعليم الثانوي

وفي التعليم الثانوي نجد المدارس الأجنبية قد استغنت عن معونتنا في توجيه الأقسام المصرية، فهي تسير على مناهجنا خطوة خطوة، وتزيد عدد الدروس لتضمن نجاح تلاميذها في امتحانات النقل والامتحانات العمومية، ولا يبقى إلا اهتمام التفتيش بدروس التاريخ والجغرافية والأخلاق والتربية الوطنية، ولا موجب للنص على اهتمام التفتيش باللغة العربية، لأن أقل تقصير في ذلك يجعل اللغة العربية من المهملات في تلك المدارس، لأنها تملك وضع أسئلة امتحان النقل، وذلك قد يعفى بعض المدرسين من الحرص على تدريس جميع المقررات!

وأعتقد أن مبالغة التفتيش في تعقب دروس اللغة العربية لا يغض من كرامة تلك المدارس، فذلك أفضل من تعريضها لإلغاء الامتحان كما وقع في بعض الأعوام الماضية.

والموضوع المهم هو موضوع الأقسام الثانوية الأجنبية، والشبان في تلك الأقسام معرضون لأصعب الأخطار من الوجهة القومية إن لم يحرسوا حراسة أمينة من طغيان الدعايات المذهبية، ولا يعصمهم من تلك الدعايات إلا تزويدهم باللغة العربية تزويداً يمكنهم من مسايرة التيارات الأدبية والفكرية والاجتماعية بهذه البلاد، ولا يتم هذا التزويد الواقي من الأخطار إلا إذا ضمنا أن يدرسوا تاريخ مصر دراسة عميقة تصل بهم إلى الثقة بأنهم نشئوا في وطن له ماض في خدمة العلوم والآداب والفنون، وفي هذه الحال يكون من الذوق أن يعتمد الأجانب على المصريين في دراسة التاريخ المصري، وهم قد قبلوا في أكثر مدارسهم أن يدرس ذلك التاريخ باللغة العربية.

وما يقال في التاريخ يقال في الأخلاق والتربية الوطنية، فهذه المواد الثلاث لها اتصال وثيق بشؤون عربية وإسلامية لا يفقهها المدرسون الأجانب إلا في قليل من الأحابين، وهم حين يفقهونها لا يؤدونها بالروح الذي يؤديها به المدرسون المصريون.

وأعتقد أن الأجانب لا يمانعون في أن يتغلب العنصر المصري في مدارسهم، لأن ذلك يحقق التضامن بين المصريين والأجانب، وهو أيضاً يساعد على خلق جوٍ من التعاطف كان انعدامه سبباً في قلة التفاهم بين أولئك وهؤلاء.

والواقع أن الأجانب الذين عرفتهم يتمنون لو ظفروا بالثقة المصرية، فمن واجبنا أن ندلهم على السبيل لكسب هذه الثقة، وهي سبيل واضحة يسير فيها بأمان كل من يؤمن في سريرة نفسه بأن من واجبه أن يعين من يؤتمن عليهم من الشبان المصريين على التزود بأصول التثقيف الصحيح الذي يجعلهم من الوطنيين الصادقين.

الأدب العربي

وبعدما سلف من الإشارات إلى العناصر التي يجب أن توجد في منهج الدراسة في الأقسام الأجنبية نضع الأساس لدراسة الأدب العربي هنالك، ونرى أن تكون المحفوظات كلها من الشعر السهل المقبول الذي يقل فيه المهجور والغريب من الألفاظ.

أما مواد التاريخ الأدبي فتقصر على العصر الحديث مع الاهتمام بالفنون الأدبية الجديدة التي نشأت عن اتصال مصر بالثقافات الأوربية والأمريكية فيكون للشعر التمثيلي وللقصص مكان ظاهر في درس التاريخ الأدبي، ويعنى عناية خاصة بدرس الخطابة البرلمانية ودرس القضايا الشهيرة التي برزت فيها براعة المحامين، ويضاف إلى ذلك درس الصلات بين الأدب والمجتمع، بحيث يشعر التلميذ أن اللغة العربية لا تقل قدرة عن اللغات الأجنبية في الطب لأدواء المجتمع وتعقب أهواء النفوس وأوطار العقول.

ومن البين أنه يجب الاهتمام بدرس تراجم الكتاب والخطباء والشعراء الذين كان لهم تأثير في خلق التطور الحديث من الوجهة الاجتماعية والقومية والذوقية، لأن ذلك يساعد على الأنس بالأدب ويشعر أولئك التلاميذ بقيمة الحرص على المنافع الوطنية عساهم يصيرون في المستقبل من أقطاب المصلحين، وذلك هو المأمول من شبان تعترك في صدورهم جذوات الثقافة الشرقية والثقافة الغربية.

التعاون بين المصريين والأجانب

وحين تحقق هذه المقترحات يكون من الواجب أن نخطو خطوة جديدة في التقريب بين المدارس المصرية والمدارس الأجنبية فنراهم ويروننا في الحفلات وفي الرحلات، ويرفع الحجاب الكثيف الذي يجعل منا ومنهم أمتين مختلفتين، مع أننا نعيش جميعاً في ضيافة النيل.

والله عز شأنه هو ولي التوفيق.

(باحث)