مجلة الرسالة/العدد 366/الفروق السيكلوجية بين الأجناس البشرية
→ الحديث ذو شجون | مجلة الرسالة - العدد 366 الفروق السيكلوجية بين الأجناس البشرية [[مؤلف:|]] |
هذه هي الساعة. . .! ← |
بتاريخ: 08 - 07 - 1940 |
للأستاذ عبد العزيز عبد المجيد
قد لا يكون من الحكمة أن نتعجل بحث الفروق السيكلوجية بين الأجناس البشرية من قبل أن نعرف: ما هو المقصود بالجنس؟ وما هي أنواع الأجناس المختلفة التي يدور البحث حولها؟
والموضوع من التعقيد بمكان، فقد شغل فقهاء اللغة، وعلماء الأجناس وعلماء الاجتماع والسياسة، ولا يزال يشغلهم حتى الآن، ولم يوفقوا بعد إلى رأي نهائي. وكل ما وصلوا إليه إنما هو حدس وفرض. وسبب ذلك أن موضوع الأجناس البشرية يبحث في القديم من التاريخ وفيما قبل التاريخ.
وليس ثمة من الوثائق التاريخية أو الأثرية ما يكفي لتحقيق فرض أو إثبات نظرية، كما يبحث أيضاً في الأجناس الحاضرة. وما قام به العلماء من محاولات لكشف ما عسى أن يكون من صفات جسمية وعقلية وخلقية مشتركة تميز طائفة من البشر عن غيرها لم يؤد بعد إلى حكم جازم بأن هذه الطائفة - مثلاً - متميزة كل التميز عن تلك. وذلك لما حدث في الماضي من هجر بعض الشعوب مواطنها الأولى واستقرارها في مواطن أخرى وامتزاجها بسكان هذه المواطن الأصليين بالتزاوج والتناسل، حتى أصبح من العسير علمياً أن يقال إن هذه الطائفة من الناس نقية الجنس لم تختلط بغيرها. وهذا ما جعل تعريف الجنس نظرياً فقط لا واقعياً. وهم يقولون إن الجنس من الأجناس البشرية هو جماعة كبيرة من الناس تنتمي إلى أصل واحد قديم، وتتميز بخواص جسمية وعقلية وخلقية مشتركة تميزاً وراثياً
والمتأمل في هذا التعريف لا يستطيع أن يجزم بالحد الذي تكون به الجماعة (كبيرة) بحيث تكوِّن الجنس. فجماعة سكان استراليا الأصليين مثلاً لا تعتبر كبيرة إذا قارناها بالترك، مع أن علماء الطبائع البشرية يعتبرون السكان الأصليين لأستراليا جنساً مستقلاً، بينما الترك فرع من الجنس المنغولي. وعلماء النفس لا يُقرون - كما سنرى - القول بوجود تلازم بين الخواص الجسمية والعقلية أو الخلقية. فإن وجود أنواع من الأجناس البشرية، تتميز بصفات جسمية خاصة، لا يدل مطلقاً على وجود تميز عقلي أو خلقي لهذه الأجناس، ذكاء المرء أو خلقه لا يمكن أن يحكم عليه عادة بشكل جسمه، ولأنا إذا سلمنا بوجود اختلاف بين الأجناس في العقل والخلق كنتيجة ملازمة لاختلافها في الشكل والمنظر، كان معنى هذا أن الأفراد يختلفون بالضرورة عقلاً (أعني ذكاء) وخلقاً باختلاف مناظرهم وإشكالهم. وقد أثبتنا في المقالات السابقة أنه لا توجد علاقة تلازمية بين الخواص الجسمية وبين الذكاء، ولا بينها وبين الخلق
ولقد كان الرأي السائد حتى منتصف القرن الماضي أن الأسرة البشرية إنما تنقسم إلى ثلاثة أجناس: سامي وحامي، ويافثي. وهذه هي نظرية التوراة المذكورة في قصة نوح، فإنه لما استوت فلكه على الجودي كان معه من أبنائه الناجين سام وحام ويافث (وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث. وحام هو أبو كنعان. هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح. ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض). ولقد شك كثير من العلماء في صحة رواية التوراة، وأيدوا شكهم هذا بحجج منها أن التوراة تجعل الكعنانيين من الحاميين مع أنهم أقارب الإسرائيليين وتربطهم بهم روابط عنصرية ودموية ولغوية وثيقة. كما تأثر فقهاء اللغات بهذه النظرية فقسموا لغات البشر إلى ثلاث طوائف: السامية والحامية واليافثية. ولكن العلماء الآن لا يرون ضرورة وجود علاقة بين اللغة والجنس. فالعرب - كما يقول الأستاذ مرجليوث - ليسوا ساميين لمجرد أن العربية هي إحدى اللغات السامية، فقد يشترك في تكلم اللغة الواحدة أكثر من جنس واحد. وإلى هذا يشير الكاتب الإنجليزي العالمي هـ. ج. ويلز بقوله: (وقد حدث أن خلط فقهاء اللغة بين اللغات والأجناس فافترضوا أن الأقوام الذي يتكلمون لغة واحدة مشتركة لا بد أن يكونوا من جنس واحد مشترك، وهذه ليست الحقيقة. ومن السهل على القارئ أن يعرف هذا إذا عرف أن زنوج أمريكا يتكلمون الآن الإنجليزية، وأن الأيرلنديين - إذا استثنينا استعمالهم للغة الأيرلندية القديمة لأسباب سياسية - يتكلمون الإنجليزية أيضاً كما يتكلمها سكان ويلز ببريطانيا بعد ما فقدوا لغتهم الكِلتية القديمة. وكل ما تدل عليه اللغة المشتركة بين الأجناس المتباينة هو حدوث اختلاط اجتماعي في الماضي بين متكلميها مختلفي الأجناس، واشتراكهم في مستقبل واحد، ولا تدل على أصل مشترك واحد
لم يتفق علماء الطبائع البشرية على الخصائص التي تميز جنساً من الأجناس البشرية عن جنس آخر، ولكنهم متفقون على أنه قد وجد في العصور القديمة جداً أجناس بشرية أولية متميزة، وقد انتشرت هذه الأجناس في الأرض وارتحلت من مكان إلى مكان، ومن مناخ إلى مناخ، ومن بيئة إلى بيئة، فخضعت لاختلاف البيئة الجديدة، وتأثرت بما فيها من رخاء وشدة، ومن طعام ومأوى مغاير، فتكيفت الأجسام والعقول تكيفاً يناسب البيئة الجديدة. وتطور هذا التكيف خاضعاً لقانون التنازع الدائم بين الإنسان وبين الطبيعة: يريد أن يخضعها وتريد أن تخضعه. فجدت أقوام تخالف أجناسها الأصلية، وامتزجت هذه الأقوام بغيرها من أقوام ذوي جنسيات أخرى. وهكذا استمرت الأسرة البشرية في تغير وتطور حتى صارت إلى ما هي عليه الآن. فلم تبق إذا تلك الأجناس البشرية الأولية محافظة على وحدتها وكيانها، ولكن جماعات أخرى جديدة تأثرت بعوامل البيئة المستمرة وتميزت عن غيرها، وإن كانت هذه الجماعات الجديدة لم تحتفظ بدمها الجنسي الأصلي. من أجل ذلك نجد اختلاطاً كبيراً في صفات الأجناس البشرية الحالية، فسكان استراليا الأصليون سود البشرة بينما شعرهم ومستقيم، وتقاطيع وجههم تشبه تقاطيع وجوه الأوربيين. وكذلك نجد بين سكان الأقاليم الشمالية من له شعر أسود، وبشرة ورقاء، وبين سكان أقاليم البحر الأبيض المتوسط بيض البشرة وسمرها وبالرغم من هذا كله فقد حاول علماء الطبائع البشرية أن يقسموا الأسرة البشرية الحالية إلى جماعات جنسية وفقاً لصفاتهم الجسمية الظاهرة: كشكل الجمجمة، وتقاطيع الوجه، ولون البشرة، ولون الشعر ولن العيون. وعلى أساس هذه الصفات الجسمية تنقسم الأسرة البشرية إلى ما يأتي:
الجنس القوقازي: هو يشمل سكان أوربا والبحر الأبيض وغربي آسيا، وهو جنس أبيض. وهذا الجنس ينقسم إلى جنسين أو ثلاثة أجناس: الجنس الشمالي، ويمتاز بالشعر الأصفر وبياض البشرة بحمرة وطول الجمجمة. وجنس البحر الأبيض المتوسط، ويمتاز بالشعر الأسود والبشرة البيضاء بسمرة والجمجمة المدورة، وبين هذين الجنسين جنس ثالث هو الجنس الألبي وهو وسط بين الجنسين. ومن الجنس القوقازي بعض السكان الأصليين للهند وإيران وما بينهما. شكل (1)، (2)، (3)
الجنس المنغولي: ويمتاز بصفرة البشرة وسواد الشعر واستقامته، وارتفاع عظام الخد، وتوسط القامة. ويشمل سكان آسيا الوسطى والشرقية، والأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر)، وجنساً يسمى الكالموك كان يسكن هضبة التبت حتى القرن السابع عشر الميلادي حين ارتحل إلى شواطئ الفلجا. وقد اختلط الجنس المنغولي بالجنس القوقازي في أواسط آسيا وشرقيها. شكل (4)، (5)، (6)
الجنس الزنجي: ويمتاز بسواد البشرة، وتفلطح الأنف، وثخن الشفتين، وتجعد الشعر. ويكون هذا الجنس سكان أفريقيا الأصليين. وقد تأثر هذا الجنس بما جاوره من الأجناس الأخرى. شكل (7)، (8)، (9)
الجنس الأسترالي الأصلي: ويمتاز بسواد البشرة، وقد تكون حواء، وبسواد الشعر واستقامته وكثافته، وبطول الجمجمة، وتفلطح الجبهة وانحدارها إلى الخلف. ويشمل سكان استراليا قبل كشفها، وسكان جنوبي الهند وسيلان وشبة جزيرة الملايو. شكل (10)، (11)
ويذهب بعض علماء الطبائع البشرية إلى القول بوجود جنس أخر أقدم من الأجناس السابقة كان موطنه منطقة البحر الأبيض المتوسط الأفريقية، ويمتد شرقاً إلى الهند فالمحيط الهادي، ثم يعبره إلى المكسيك وبيرو. ويمتاز بالبشرة البرنزية وهو صاحب أقدم الحضارات المسماة بالحضارات الهليوليتية ولعل الحضارات الأولى التي ظهرت في وادي النيل والفرات ودجلة كانت على صلة بتلك الحضارة الهليوليتية. . . ويظهر أن سكان صحراء الجزيرة العربية البدو كانت لهم حضارة هليولوتية)
هذا وتقسيم الأجناس الذي ذكرناه إنما هو رأي طائفة من العلماء. والحقيقة أن هذه الأجناس قد اختلط بعضها ببعض لدرجة يصعب معها أن نجد جميع مميزات كل جنس باقية من غير تغير. بل إن بين بعض أفراد الجنس الواحد من الفروق الجسمية ما هو أكثر من الفروق بين فردين من جنسين مختلفين.
وسنعالج موضوع الفروق العقلية بين الأجناس في مقال قادم
(بخت الرضا - السودان)
عبد العزيز عبد المجيد