مجلة الرسالة/العدد 362/في موكب المحرومين
→ رسالة الشعر | مجلة الرسالة - العدد 362 في موكب المحرومين [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 10 - 06 - 1940 |
بيداء. . .!
للأديب محمود السيد شعبان
(الحب يشهد أني إنما أغني لك وحدك يا (بيداء). . . وحسب
قلبي عزاء أن يكون أغنية تبدأ منك ولا تنتهي إلا إليك. . .
أنت يا من أسعدت روحي بنعيم الحرمان!)
(هو)
بَيْدَاءُ!. . . يا لَحْنَ الْ ... هُدَى وَالطُّهْرِ في أَعْماقِ قلبي!
يا سِرَّ أَشْوَاقيِ وَمَعْ ... بَدَ لَهْفَتِي وَمَرَادَ حُبِّي
في صَمْتِكِ الهادِي قلوبَ الْ ... حائرينَ عَبَدْتُ رَبِّي!
أَهْوَاكِ يا بيْداء. . . لَ ... كِنِّي أَخَافُ عَليْكِ جَدْبي!
بيْداءُ!. . . يا مَهْدَ الْهَوَى ال ... عُذْرِيِّ أَهْوَى فيكِ لَيْلَى!
أَناَ لَم أَكُنْ قيْساً وَل ... كِني لقيْسٍ كنتُ ظِلاّ
صَاحَبْتُهُ وَسَبَحْتُ في ... مَلَكُوِتهِ قلباً وعقلاَ
فأخذتُ عنهُ الحبَّ تق ... دِيساً وتضحيةً وَنُبْلاَ
بيْداءُ!. . . يا محْرابَ أَوْ ... هامِي وَإِلْهامي وَقُدْسيِ
شَيَّعْتُ آمالي إِليكِ ... فليتني شيَّعْتُ نفسي
وَنَسيِِتُ عندَكِ يا صَفاَ ... َء الرُّوحِ حِرْمَاني وَتَعْسي
وَحَيِيتُ للِغَدِ مثلما ... أَحْيَا عَلَى الدُّنيا لأمسي
يا مَعْبَدِي!. . . كم فَوْقَ هَ ... ذا التُّرْبِ طال بيَ السّجُودُ
وَالْحُبُّ دُنَيا للِسَّعادَةِ مَا ... لَها أبداً حُدُودُ. . .!
أَناَ إنْ رَجَعْتُ إليْكِ يا ... بيْداءُ طابَ لِيَ الوُجُودُ
لكنَّ ديِنَكِ أَنَّ حِرْمَاني ... مِنَ الأوهامِ جُودُ! بيْداءُ!. . . هأنذا سَكَبْ ... تُ عَلَى ثَرَاكِ دِمَائِيَهْ!
ضَيَّعْتُ عُمْرِي فِيكِ ل ... كِني وَجَدْتُ بَقاَئِيَهْ. . .!
سِرُّ الَحْيَاةِ هو الفَنَا ... ءُ!. . . وَأَنتِ سِرُّ حَيَاتِيَهْ
وَالْجَدْبُ يَبْقَى كالخلودِ ... لَهُ الحياةُ الثانِيَهْ!
أَنافي هَواك مُشَرَّدُ الآ ... مالِ. . . لكِنِّي أُغَنِّي!
جِئْنا إلى هَذا الوُجُودِ ... معاً فكَيْفَ كَبِرْتِ عني؟
تَسَعينَ أوْهامَ الحياةِ ... وفي غَدٍ تَسَعينَ فنِّي!
إن كُنْتُ مِنْكِ فأنتِ يا ... بَيْدَاءُ - لوْ تدْرِينَ - مني!
ما كُنْتِ في ماضيكِ إلاَّ ... فِكْرَةً في الْغَيبِ مِثلْي
أَلْقَتْ بِنَا الأقدارُ في ... الدُّنيا معاً فَوَصَلْتِ قبلي!
وَسَبَقْتِنيِ لمَّا تَنَكَّرَ ... لِلْحَيَاةِ دَميِ وَعَقْلِي. . .
هَلْ كانَ عِلْمُكِ - يا ابنَةَ ... الأحْقابِ - إلا بَعْضَ جَهْلي!
يا مَنْ بَدَأْتِ مِنَ الْفَنَاءِ ... سَتَنْتَهينَ إلي الْخُلُودِ!
صَاَنَتْكِ كَفُّ اللهِ منْ ... بَطْشِ الرَّدَى وَأَذَى اللُّحُودِ
مُتِّعْتِ بالْجَدْبِ الْعَقِيمِ ... وَإِنَّهُ بَدْءُ الوُجودِ!
وَالْعُقْمُ في دنُيا الهوَى ... الْعُذرِيِّ غايةُ كلِّ جُودِ!
هَلْ تَذكُرينَ حياتَنا الْ ... أُولى وصُحْبَةَ مُهْجَتَيْناَ؟
أيَّامَ كانَ الْغَيْبُ يَحْنوُ ... رِقّةً وَهَوىً عليْنا
وَالْعَقلُ طِفلٌ هَدْهَدَتهُ ... أَكُفُّناَ فَسَعى إلَيْنا
وَدَّعْتِهِ وَمَضَيْتِ مُسْ ... رِعَةً، وَسِرْتُ أَناَ الْهُوَيْنَي!
أَدْعُوكِ يا بيْداءُ والأق ... دارُ تَسْخَرُ مِنْ دُعَائي!
أَخُلِقْتُ في واديِكِ لِلأَشْ ... وَاكِ تَشْرَبُ مِنْ دِمَائي؟
أَرْجُو لها الْعَيْشَ السَّعِ ... يدَ وَترْتَجي أبَداً شقائي
دُنيا الطَّمُوحِ! أَناَ الذي ... ضَيَّعْتِ لي دُنيا عزائي!
بيْداءُ! كَمْ يْبنيكِ قَلْبٌ ... طالمَا أحْبَبْتِ هَدْمَهْ! ما كُنْتُ أَخْشَى حَرْبَ هذا ... الدَّهْرِ لكِنْ خِفْتُ سَلْمَهْ
فالْجَدْبُ في دُنيايَ مَعْنيً ... ذُقْتُهُ وَعَرَفْتُ طَعْمَهْ!
هُوَ نِعْمَةُ قَدْ ظَنَّها مَنْ ... لمْ يَسَعْهُ الْحُب نِقْمَهْ!
بيْداءُ!. . . هَأَنذا أَسِيرُ ... مَعَ الحياةِ إلى ترُابي!
وَغَداً سَأَرْوِي يا ابَنةَ ... الأوْهامِ خِصْبَكَ مِنْ يَبَابي
يا للَسَّعَادَةِ في الشَّقَاءِ! ... أَلَيْسَ ما بِكِ بَعْضَ ما بي؟
يَكْفِيكِ يا بيْداءُ أَنَّ مُصَا ... بَ رُوحِكِ مِنْ مُصَابي
بيْداءُ!. . . مَا ذُقتُ السَّعا ... دَةَ في حَيَاتي غَيْرَ مَرّهْ
يَوْمَ الْتَقَيْتُ بها وَكُنَّا ... في ضميرِ الْغَيْبِ فِكرَهْ!
يا لَلْهَوَى مِنْ ذَرَّةٍ قُدْ ... سِيَّةٍ هامَتْ بِذَرَّهْ. . .!
أَنَا للِشَّقَاءِ. . . وَإنَّما ... هِيَ للِسَّعَادَةِ وَالْمَسَرَّهْ!
يا ليْتنِي أَدْرِي بما بيْ ... نِي وَبَيْنَكِ مِنْ سُدُودِ!
أَفَنْيتُ عُمْرِي فيكِ أَجْ ... مَعَهُ لأِطرَحَ مِنْ قُيُودِي
فَعَرَفتُ فيكِ حَقِيقةَ الدُّن ... يا وَفلسفةَ الوجُودِ
لكنَّني لمَّا اهْتَدَيْتُ ... فَقَدْتُ مِنْ وَلَهِي حُدُودِي!
مَنْ عَاشَ لِلْحِرْمَانِ لَم ... يَحْفِلْ بما سَكَبَ السَّحابُ
وَلَقدْ يُصِيبُ المرْءُ في ... الدنيا فيُطرِبُهُ الْعَذَابُ
شَرُّ الْهِدَايَةِ مَا أَضَلَّ ... بِكَ السَّبِيلَ إليْهِ صَابُ
فَتَعالَ يا حِرْمَانُ ليِ. . . ... أَنتَ الحِجَا وَأَناَ التُّرَابُ!
بيْداءُ!. . . يا لَحْنَ الْهُدَى ... وَالطَّهْرِ في أعماقِ قلْبي
يا سِرَّ أَشْوَاقيِ وَمَعْ ... بَدَ لَهْفَتِي وَمَرَادَ حُبيِّ
فيِ صَمْتِكِ الهادِي قُلو ... بَ الحائرينَ عَبَدْتُ رَبِّي
أَهْوَاكِ يا بيْدَاءُ لكِني ... أَخَافُ عَليْكِ جَدْبي!
(القاهرة)
محمود السيد شعبان