مجلة الرسالة/العدد 36/من طرائف الشَعر
→ ابن سينا | مجلة الرسالة - العدد 36 من طرائف الشَعر [[مؤلف:|]] |
بائعة الزهر ← |
بتاريخ: 12 - 03 - 1934 |
عد إلينا
قطعة من البحر المديد
يا غريباً راح يطوي القفارا ... أين تمضى؟ هل كرِهت الديارا؟
أختياراً تقطع الأرض سيراً، ... أم طريقٌ سرتَ فيها اضطرارا؟
ولأَمرٍ في النهُّى مستقرٍّ ... بِتَّ تغشى الأرض داراً فدارا؟
أم لسِر غامض لست تدري ... كنهه أبعدَ عنك القرارا؟
أم لخطب داهمٍ قد تمادى ... بك حتى رحت تبغي الفرارا؟
إن تكن تبغي مراماً عزيزاً ... فلماذا أُصْلِىَ القلب نارا؟
ولماذا بعدَ نأي وهجرٍ ... لا تَنى للغائبين ادِّكارا؟
ودموعٍ مذرفات حنينا ... حائراتٍ في جفون حيارى!
عد إلينا آمناً مطمئنا ... تلقِ خِلاً ذا وفاءٍ وجارا!
يا غريباً راح يطوي القفارا ... عد إلينا وادن منا مزارا!
م. ع. م
وادي الأحلام
للشاعر الدمشقي أنور العطار
(يا آلهة الشعر! تأملي ضحيتك)
(الفونس دو لامارتين)
يا وادَي الأحلام فيك التقت بيضُ الأماني بأغاني المُهودْ
ليت فؤادي بلَّ منك الصدى ... وليت أيامَك يوماً تعودْ
يا مُقلَةَ الدهر أطيلي الكَرى ... وباركي الحُلْمَ لقلبي العميدْ
ومهِّدي للروح رحبَ المَدى ... فقد يضيقُ اليومَ عنها الأبيدْ
أُلحُلْم يُشْجيِني تَذكارُهُ ... إنْ زارني في غير يومِ سعيدْ يا مُقلةَ الدهرِ توارَىْ وما ... ألهاكِ عَمْن تاه في ذا الوُجودْ
لا تفجعي بالله تِرْبَ المنى ... فَمُبتَغى الأمِلِ سُؤْلٌ زهيدْ
توردُهُ الأطماعُ سبْلَ الردى ... فيُرمِضُ القلبَ العذاب الوكيد
يرضى من المغنم لو آب من ... آمالهِ وهو الحريب الشريدْ
لا يملك الأحلامَ من يأسه ... وماله عن ظلها من محيدْ
إنْ تستفيقي من دياجي الكَرى ... يَنهدُّ في نَعماهُ قصري المشيدْ
ففيه أحلامي في مهدها ... تَنعَمُ في الدنيا بعيشٍ رغيدْ
تَغمسُ في قلبي أفواههَا ... وتَسلب العين شعاع الخلودْ
غذاؤها من كبِدي ماؤها ... ولهوهُا من مَدْمَعي بالعقودْ
تزين بالأزهارِ تاجَ الصبا ... كموْجة الأطفال في يومِ عيدْ
ترى إذا ما نهِلتْ في غدٍ ... هل توِدعُ المبثوثَ عقداً فريدْ
أم تنثُرُ الأشعارَ في روضها ... فتخطفُ الأطيار منها القصيدْ
تَصوغُهُ والزهرَ أغرودةً ... فتانةً يصبيك منها النشيدْ
تُحِسُّ منها خطراتِ المُنى ... تَرُودُ بالرُّوح المطافَ البعيدْ
تُعيدُ للقلب كُنوزَ الهوى ... وكَنْزُها ليس له من مُعيدْ
وإنْ أضاعتْهُ فما ذنبُها؟ ... الطفلُ يُؤذيه المتاعُ النضيدْ
أهَبْتُ بالأحلام أنْ مهِّدِى ... لِيَ الاماني، والنعيمَ العتيدْ
والحُبَّ، والشِّعْرَ وعهدَ الصِّبا ... والعيش نَضراً، والخيالَ الوليدْ
لا أرتضِي بالنَّزْرِ منها ولا ... أطمعُ إلاَّ في الشُّعاع المديدْ
فأمعنَتْ في ضحكها واغْتَدَتْ ... تَسْخَرُ من آمال غِرٍّ عنيدْ
فخِلتُ أنَّ الضحكَ منها رِضىً ... وضِحكةُ الهازئِ نارُ الوعيدْ
لقيتُها في سكَرَات الرُّؤَى ... تَنْشُدُ أيامي وتبكي الوُعُودْ
تجُود للدهرِ بأحلامها ... وهْوَ بما تطلبُهُ لا يِجودْ
تبوحُ بالأسرار في سَهْوِها ... وسِرُّنا قد وثَّقَتْهُ العُهُودْ
درَيْتُ في عُزْلتها ما مَشَى ... في خافقٍ واهٍ وفكرٍ كَدُودْ ورُحْتُ أبكي أملا لامعاً ... أنأتْهُ عنِّي عاثراتُ الجدُودْ
يا طيفَها جدَّدْتَ عُمْرَ الأسى ... ونِلْتَ من قلبي المنالَ الشديد
نضَّرْتَ يا غامضُ تَذْكارَها ... وحِصنْكَ الممنوعُ جَهْمُ الوصيِد
أيَّتها الذكرى أثَرْتِ الجوى ... فهل لما تذْكِينَهُ من مزيد؟
علاَمَ زرْتِ اليومَ خِلَّ الشجا ... إيناسكِ الطَّائف يضنيِ الوحيد
أبليْتُ في ذكراكِ نضْرَ الصِّبا ... وعهدُكِ الآيِبُ غضُّ جديد
مَلَّ صراعَ العيشِ نَدْمانُه ... وضجَّ من قفر الحياة الجليدْ
يخبط في يهماَء مستْعديا ... على معَنِّيه العزيزَ الحميدْ
يَصرُخُ إن مَرَّ بصحرائها ... ماذا نلاقي في ظلامِ اللحودْ
خذ بي أيَا غيبُ إلى مأمنٍ ... يزيح عن روحي عبء القيودْ
فنادت الأقدار في جرْيها ... لما يَحِنْ أن يستريح الطريدْ
نجوز دنيانا سِراعا ولا ... نستطيع أن نمشي مشياً وئيدْ
فهل ترى نقعد في ساحها ... أم ليس للرائد يوماً قعودْ
السير يضنينا وما نأتلى ... نَشقُّ في الأطواد سُبْل الصعودْ
تمضي بنا الأيام في فسحةٍ ... راعبةٍ ليس لها من حدود
حتى إذا ما العمرُ أمضى بنا ... مطافهُ ثم طوانا الهمُودْ
عدنا إلى كون بعيد المدى ... يطيبُ للمتعَبِ فيه الرقودْ
هناءة الأيامِ ممزوجةٌ ... بالصاب والعمر خيالُ الهجودْ
أفراحُنا يمشي عليها الأسى ... ولهوُنا يغتالُ منا الجهودْ
نضيعُ في غيهب هذا الرَّدى ... ولا يردُّ النوْحُ منا الفقيدْ
لا تحسدنْ بالله عِقدَ الهوى ... كم في وصال الحبِّ عاشت صدودْ
ولا يهولنّكَ شكُّ الورى ... رُبَّ يقينٍ فائضِ من جحودْ
قال شبابي لِنَؤوِم الصبا: ... كيف تمتعْتَ بنضر السعودْ
فقال: في الغفلة عن عالمٍ ... ما فاز بالمأمول منه الرشيدْ
هاتِ أغانيَّ وعَدْ بالمنى ... وانهبْ خطى العمر فكلُّ يبيدْ وانس الورى وانشر على ما مضى ... من نعمة النسيان ضافي البرودْ