مجلة الرسالة/العدد 354/رسالة الفن
→ الأدب في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 354 رسالة الفن [[مؤلف:|]] |
رسالة العلم ← |
بتاريخ: 15 - 04 - 1940 |
فوزية الجديدة:
أميرة الربيع
لها تاج الجمال والفرح والفن
للأستاذ عزيز أحمد فهمي
بإذن الله. . .
لما زغرد البارود سلاماً لمقدمها كانت ساعة أصيل احمرت الشمس فيها خجلاً منها فبدأت تتوارى إذ أشرقت فوزية
ولكنها قبل أن تمضي انتفضت عن مفاتنها، فهي إذ تتباعد كانت تلوّح للعيون بمنديلها الذهبي توديعاً وتمويجاً لنسمات أصيل من أصائل الربيع كان أسعد أصائله لما حمله الغيب إلى الوجود فوزية
وغمزت الشمس بعينها للأطيار غمزة فإذا هي كلها تشدو أغنيات السعادة والفرح بفوزية
وغمزت الشمس لأزهار غمزة فزهت، وانتعشت ونفثت في الجو من عطرها طيباً، وبعثت من ألوانها حلية وزينة لعيون فوزية. . .
كانت ساعة مباركة على الكون، وعليّ. ومن كان له أن يفرح مثلما كان لي أنا أن أفرح، فها هو ذا شهر مولدي يعود وقد عفا الله عني، أجرى قلم الفاروق عفوه، فوهب له على الربيع فوزية بوركت وبورك مقدمها
كان الشعب يدعو الله - كما كنت أدعوه - أن تكون صبياً تقر به عينا الملك، ولكن حكمة الله شاءت أن توائم بين الوليد وزمن المولد. فهذا الربيع أجدر به أن ينفتح عن زهرة، وهذا الأصيل الجميل كان أجدر به أن ينثر عند مطلعها كل ما أدخره له اليوم من جمال وحسن وروعة
وهذا أقرب إلى طبيعة الصبية
عشت للجمال والفرح والفن يا أميرتي فوزية. . .
إذا تقدمت بك الأيام، وشببت عن الطوق، ورأيت. . . فإنه لن ينطبع في ذهنك إلا ك صورة من الجمال والحسن، ولن تستقر عيناك إلا على كل بهجة وزينة، فهذا هو أول ما عرضت عليك الحياة من ألوانها. . .
إذا مرت بك السنون وسمعت. . . فإنه لن يطرق أذنيك إلا نغم حلو لين سلس كهذا الغناء الذي أنشدته الأطيار يوم مقدمك
إذا جازت بك الأعوام. . . وامتلأت نفسك حسناً فأغدقي على الدنيا من حسن نفسك كما يغدق على الدنيا من حسن النفس الفنان. . .
هذه الأفراح التي تشيع في نفسك أشيعيها في الكون شعراً، وليكن شعرك إحساناً فأسمى الشعر الإحسان. وكم شاعر يتلهف إلى الإحسان، وكم تستطيعين يا أميرتي أنت من ضروب الإحسان. . .
كلمة التقدير الحق من الأميرة فيها الغناء، ومن أقدر على التقدير الحق من أميرة الربيع التي لما طلعت رأت الجمال الحق أول ما رأت، وسمعت الغناء الصدق أول ما سمعت، واستنشقت العطر الأصيل أول ما استنشقت، فهي تعرف الجمال الحق من الجمال الزائف، وهي تعرف الغناء الصدق من الغناء الملفق، وهي تعرف روائح الله من روائح المعمل وما تؤلفه اليدان
أميرة الربيع! يا أميرة العفو والرحمة يا أميرتي. . . هلا شببت اليوم، فأنت عروس ومصر في مهرجان، ودولة الفن غير الدولة القاعدة فيه الآن. . .
قرب اللهم هذه الأيام. . . إذ يرفعون إليك أسماء الذين اختاروهم ليحيو المهرجان. . . فتقولين لهم: لا. . . لا تمنعوا عني خاملاً لأنه خامل، ولا تجيئوني بالمعروف لأنه قد تحدث بذكره الركبان، وإنما أريد أن أستمع إلى فلان وفلان. . . فأنت يا أميرتي قد فتشت قبل ذلك في المكتبة، وقرأت ما يكتبه هذا وما يكتبه ذاك. . . فعرفت بما منحك الله من طبع الحسن موطن الحق عند هذا، ومخبأ الزور عند ذاك. . . وأنت يا أميرتي قد أصغيت قبل ذلك إلى كل ما يذاع من اللحن والغناء، فعرفت أي هذا الغناء صدر من القلب، وأيه كان ضرباً على خشب العود، فهو ليس إلا غناء الأخشاب. . .
رعاياك من أهل الفن يا أميرة الربيع مشوقون إلى يوم من أيام الإنصاف. . . الحياة ثقلت عليهم، والناس انشغلوا عنهم، ومالوا إلى حيث يخلبهم سحرة مهرة لا الصدق عندهم، ولا الحق ولا الجمال. . . وإن هي إلا (الشطارة) والإعلان. . .
سترين ذلك عندما تتقدم بك الأيام. . . وستكرهينه. . . وسيكون على يديك تحطيم الأوثان. . .
سيعلمك أبوك. . . فكم جدد هو أيضاً في ملكه، وكن وحد الله لم يعبأ بالنصب ولا الأصنام. . . فهو الملك الذي عصف بالجمود، والذي جرف ما أعقبته لنا الأيام من وجل وخوف فأمننا من الخوف، وأبقى علينا ثلث حقه عندنا مثلاً ضربه لأولى الألباب منا لو أنهم تبعوه لأطعمنا جميعاً من الجوع، كما آمننا جميعاً من الخوف. . .
والأيام مقبلة. . . وستفرغ مصر من الحرب حين تفرغ منها الأمم، وسيرى عندئذ أولو الألباب وغيرهم أنه لا مفر من انتهاج الطريق الذي شقه أبوك المبارك وليد الشتاء. . . ومن للملك كوليد الشتاء له السيطرة على تدفقه ونشاطه كما أن لك السيطرة على الحسن والجمال. . .
يا أميرة الربيع. . .
كم يسعد عروبتنا أن يكون لك فن، ولماذا لا يكون لك فن وقد كان نبينا يستمع إلى الخنساء. . . فليكن في النبي شعرك، أو فاكتبي فيه نثرك، وخذي من أبيك حب الإسلام انظميه درراً، فقليلاً ما يفكر أهل الفن عندنا في الإسلام، وكثيراً ما يحسبه بعضهم تنظيما لعلاقة من في الأرض بمن في السماء فإذا نظروا إلى السماء تساءلوا. . . ما الذي في السماء؟
فدليهم أنت على الذي في السماء. . . قولي لهم: هو الذي سماه المسيح المحبة، والذي سماه القرآن السلام. ثم انشري بإيمانك وسلطانك بين الناس آيات المحبة وألوية السلام، وما أشد حاجتنا في مصر إلى أن ترفرف علينا وتظلنا، فليس ينقص وطننا إلا المحبة والسلام يشيعان فيه فإذا هو جنة الأرض، وموطن الرغد والأمان. . .
أعيدي على مسامع هؤلاء الخلق في مصر وفي غيرها تلك الأناشيد التي استقبلتك بها الدنيا يوم مولدك؛ وقولي للناس هؤلاء الذين يتخبطون خبلاً في هذه الأيام بماذا كانت تسبح العصافير للَّه: أطعمها، وسقاها، وأجرى لها الدفء ورعاها، وطيب لها الصبح وضحاها، وليلها إذ غشاها، فما حقد منها عصفور على عصفور، وما طغى منها واحد على أخيه. . .
وإنما كن يخفن النسر والصقر والعقاب، فلما سترهن الله بليله بتن وهن يقلن: حمداً لله الذي في الأرض وفي السماء. . . ألف حمد وألف شكر لله. . .
والنسر والصقر والعقاب، كلها أيضاً سبح لله. . . إن انقض واحدها على فريسة فهو أصدق الطلب، طلب القوة الجائعة، يأخذ من أصدق العطاء عطاء الضعف والفناء.
فعلمينا يا أميرة الربيع كيف نكون مع الحب والرحمة أقوياء. تسمعي إلى السماء، وقصي علينا ما سمعت من السماء. . .
هاتي الذي سمعت يا رحمة الله. . .
اللهم قرب هذه الأيام. . .
لست أطمع أن تقرئي اليوم هذا الذي أكتبه، فدونك ودون القراءة لم تزل أعوام، ولكني أسأل الله أن يقع هذا الذي أكتبه بين يديك في يوم قريب من الأيام، فلست أدري لماذا أشعر بأن تنبؤي لك فيه شيء من الإلهام. . .
لعلها الفرحة التي زفها الله إليّ على مقدمك، ولعله خيال صورته لنفسي عن زهرات الربيع ونسماته وملائكته الذين يبعثهم الله إلى الأرض هدى ورحمة، ولعله الرجاء في أن الله قد رضي عن الفن وأهله فهيأ لهم راعية وقديسة. . .
لعله هذا، ولعله حق لمسته عن غير قصد ولا تدبير. . . فإذا كان هذا أو كان ذاك فلست أطلب من الله أكثر من أن يحقق هذا الخيال. . . أو هذا الرجاء. . .
عشت. . . وعاش أبوك برَّا بك ورؤوفاً بالناس. . .
عزيز أحمد فهمي