الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 347/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 347/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 347
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 26 - 02 - 1940


(وحي الرسالة) في رأي مطران

تفضل إمام الصناعتين وشاعر القطرين الأستاذ خليل مطران بك فأرسل إلينا الكتاب الآتي:

حضرة الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات

أشكر لك إهداءك إلي نسخة من كتابك (وحي الرسالة) وإنه حقاً لوحي رسالة

أقرر أنه وحي رسالة، وما أرمي بذلك إلى محاولة بديعية أستمد منها وسيلة سهلة للتقريظ، بل أرمي إلى غرض أبعد وأسمى، ذلك أنك منذ أجريت قلمك في الترجمة ثم في الإنشاء التزمت ما لم يلتزمه غيرك من سلامة العربية وفصاحتها مع قربها إلى التناول. وكان الأمر غير يسير فذللت له صعاباً، وخضت دونه غماراً. ويعلم الله وأهل الذكر ما يعاني الأديب في هذا المطلب، وإنه لوعر شاق. وإن إدراك الغاية فيه لفخر ما بعده فخر. وقد جعلت بلوغك هذه الغاية رسالة لك، وأعظم بها من رسالة مادام يتحتم على الناطقين بالضاد استبقاء الفصحى، وليس هذا فحسب بل تطوبعها، وهي لا تهي ولا تضعف، ولا تهن ولا تستخف، لأداء أدق الأفكار وأبدع المعاني في هذا العصر، بأصدق ما يكون البيان، وأروع ما يأتي الأسلوب، وأمتن ما تكون التراكيب، بين أصيلة ومتشبهة بها

أمتعتني بمراجعة تلك الفصول القيمة التي جمعتها بين دفتي كتابك، فما زادتني المراجعة إلا إكباراً لها وإعجاباً بها. وإني لأرجو أن يكون من أثرها في نفوس فتياننا، ردهم إلى محجة الصواب التي نكبتهم عنها مولدات عجيبة من مقاطر الأقلام في هذه الأيام.

فبارك الله فيك ومد في أجلك لتجيد وتزيد، وإليك في الختام خالص التحية مع فائق الاحترام.

المخلص

خليل مطران

هذا الكلام لأفلاطون

روت مجلة (الهلال) الغراء في آخر أجزائها هذا القول عازية إياه إلى عمر بن الخطاب (رضوان الله عليه): (لا تقصروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم) وقد جاءت (لا تقصروا) بالصاد، وهي بالسين، وما قيل في الإبدال في هذا الباب معلوم، بيد أن قصة (أبي صالح. . .) تقسرنا على أن نقصر (القسر) على الإجبار أو الجبر و (القصر) على الحبس. والقول المروي ينسبه ناسبون إلى علي (رضوان الله عليه). والحق الذي لا مرة فيه أنه إغريقي سليل إغريقيين، وقائله - كما أخبروا - هو الحكيم أفلاطون. وقد ترجمه أبو الفرج بن هندو فيما عرب من الحكم اليونانية في (الكلم الروحانية) وربما نقل القول من قبل. ولو شاء الخليفتان الثاني والرابع (رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة) أن يقولا شيئاً في هذا المعنى لقالا نقيض ذاك الكلام، إذ يستحيل أيما استحالة أن يرى صاحبا رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) أن لكل وقت آداباً، كأن الآداب (أزياء) نساء في المعاهر في باريس، فيوصيا أهل دهرهما بهاتيك الوصية العريقة في الإغريقية

قل: إن ذلك إنما يقوله ويوصي به يونانيون، رومانيون، أوربيون، أمريكيون، عربيون عصريون، لا صحابيون ولا تابعون ولا مهتدون بهديهم

يا كتاب، يا رواة، اعقلوا. . .

(طنطا)

(أزهري)

حول شمال أفريقية

1 - إلى حضرة نصير العروبة الأستاذ الكبير ساطع الحصري:

في جوابكم المنشور في العدد 339 من الرسالة الغراء على كلمة لي سابقة حول رحلتكم إلى (شمال أفريقية) ما يدعوني إلى الخجل إذ كانت سبباً في تألمكم. غير أني سررت لنتيجتها كما سر الشباب المغربي الطموح، فقد كانت باعثة لكم على إفادتنا بأشياء وإطلاعنا على أشياء. وكنت أود تحريضكم على كتابة فصول عن مشاهداتكم في المغرب، إذ نعد ذلك فرصة نرجو ألا تضيعوها علينا، لأن وجود العراقي أو المصري في بلاد المغرب (أندر من وجود المطر في القاهرة). وإذا وهبتمونا قليلاً من وقتكم ووصفتم للعرب في (رسالتهم) بعض بلادهم، فستشكركم العروبة قبل أن يشكركم أبناؤها.

وأما الملحوظة التي ذكرتم عقب جوابكم، فستصلكم مني في شأنها رسالة خاصة لمقركم بالعراق. والسلام عليكم ورحمة الله

2 - حضرة الأستاذ أحمد الكندي:

جاء في ردك المنشور في العدد 341 من مجلة الرسالة على كلمة سابقة لي ما يفيد أنني أنفي وجود الأباضية من (شمال أفريقية) وهذا ما لا تدل عليه كلمتي قط، لأني إنما نفيت وجودهم في المغرب الأقصى. وهذا نص كلامي (الرسالة339):

(أما الوحدة المذهبية، فالمغرب من أقصاه لأقصاه على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس وليس فيه طوائف دينية كالرافضة أو الأباضية أو غيرهما. . .)

وهو كما ترى صريح في نفي وجود الأباضية في المغرب الأقصى (مراكش) لا في جميع شمال أفريقية كما قد فهمت.

أما أنني لا أعتبرهم من الفرق الإسلامية فمعاذ الله أن أقصد ذلك لأني قد حصرت الأقليات الدينية غير الإسلامية بالمغرب في طائفة اليهود وبعض الأجانب من الذين أقاموا فيه بعد الحماية ثم عدت إلى الكلام عن الوحدة المذهبية بالمغرب، فنفيت أن يكون فيه طوائف دينية أعني بها المذاهب الإسلامية غير مذهب مالك

أما المذاهب الإسلامية في الشمال الأفريقي غير المغرب فهي زيادة على الأباضية (التي فصل الكلام عنها صاحب الأزهار في أئمة وملوك الأباضية) يوجد في تونس والجزائر وطرابلس وبرقة المذهب الحنفي والمالكي كما يحتمل وجود غيرها

وقياساً على استعدائك على عالم الأباضية إبراهيم طفيش كان ينبغي أن تستعدي على شيخ الإسلام الحنفي بتونس وقاضي الأحناف بعاصمة الجزائر وقاضيهم بطرابلس وبرقة، ومذهبهم أكثر انتشاراً وأعظم أتباعاً؛ وبهذا كان يتم لكم القول بأن (الحق أن النزعة الإسلامية المتأصلة في قرار نفوسنا تضطرنا لإصلاح أغلاط إخواننا فينا) كيف وهذا الاستعداد والاستنجاد من أصله قد بني على فهم خاطئ

وأنا فوق ذلك أحترم نقدك وغيرتك، ولي كامل الفخر بأن أكون أحد الذين يغارون على الإسلام. وعليك من الله السلام

(فاس)

(أبو الوفاء) (البستاني) أيضاً

قرأت في العدد (159) من السياسة الأسبوعية رداً على نقدي لأناشيد البستاني. وفي الحق لقد أعجبني من الأستاذين فؤاد البهي وتوفيق أبو السعد أن يتقبلا النقد في صدر رحب، وأن يستسيغا في هدوء؛ غير أني لا أستطيع أن أومن معهما بأنهما يريدان أن يعيشا (وهذا الشاعر في لحظات من السمو والقداسة والجمال. . .) لأنني مازلت أرى أن هذا العمل تعوزه الدقة والاهتمام، ويفتقر إلى العناية والأناة

وإذا كان المعربان قد ألقيا مسئولية الغلطات السابقة على عاتق (عامل المطبعة) برغم أن من ورائه من يراجع ويصحح، فلا ضير، فأنا أغتفرها جميعاً (عامل المطبعة)؛ ثم أعود إلى الأناشيد المنشورة في العدد (159) فأقول:

لقد جاء في المقطع الأخير من النشيد الخامس والعشرين: وهنا من تنوء أقدامي بأثقال قلبي. (كذا) وهذه عبارة لا أستطيع فهمها على ما فيها من أخطاء في اللغة والمعنى معاً. فأول ما يجذب النظر في هذه العبارة هي كلمة: أقدامي. فهل كان للشاعر أكثر من قدمين؟ وهذه غلطة تكررت في المقطع الرابع من النشيد الثلاثين حيث كانت الترجمة: أقدامك في حمرة الورد. . . والشاعر هنا يعني قدمي الحبيبة. وفي التعبير اللغوي غلطة أخرى، فهناك فرق بين (تنوء قدماي بأثقال قلبي) وبين (تنوء أثقال قلبي بقدمي) والمعنى الأخير هو الذي يريده الشاعر في نشيده

وجاء في النشيد السادس والعشرين (لو تفضلت علي بزهرة برية فسأحفظها بين طيات فؤادي وإن لم أحظ إلا بشوك واخز) وهذا حديث فيه أخذ ورد بين الحبيبين يجب أن يكون هكذا:

- لو تفضلت علي بزهرة برية فسأحفظها بين طيات فؤادي

- وإن لم تفز مني إلا بالشوك؟ ثم يتم الحديث بينهما وسقط من هذا النشيد ثلثه الأخير وترجمته كما يأتي:

- ليتك ترفعين إلى وجهي نظراتك الحبيبة مرة واحدة. إذ تنفثين في حياتي السعادة الأبدية

- وإذا كانت حدجات قاسية؟ - إذن أدعها تخز قلبي

- نعم، نعم إنني أعرفك أيها السائل الرفيق، فأنت تطلب كل ما أملك

وبعد فإن زحمة العمل تحول بيني وبين أن أفند كل ما أجد في الأناشيد، وإن مقدرة الأساتذين كفيلة بأن توفر علي جهداً أدخره لأشياء أخر، والسلام

كامل محمود حبيب

مجلة العصبة في عامها السادس

دخلت زميلتنا (العصبة) في يناير عامها السادس وهي أقوى ما تكون إيماناً برسالتها العظيمة وصبراً على جهادها الجاهد. و (العصبة) - كما يعلم قراء (الرسالة) - مجلة شهرية للأدب والفن يصدرها في سان باولو الأستاذ المجاهد (حبيب مسعود) وتحررها جماعة العصبة الأندلسية، وهي بحق سفارة الأدب العربي بين أهله في الموطن وبينهم في المهجر، تصل ما بينهم بوشائج روحية من نسب الفكر والبيان والأمل والذكرى، وتلقي في روعهم على الدوام أن لهم تاريخاً ولغة وأدباً وأمة حتى لا يفقدوا على تراخي الزمن ونزوح الدار مقوماتهم الجنسية والوطنية فيذوبوا في عمار الأمم

وبين يدينا الآن عددها الممتاز الذي اعتادت أن تصدره في آخر كل مرحلة من مراحلها البالغة؛ وهو طرفة من طرف الأدب النادرة يقع في نحو 180 صفحة ويمتاز من سوابقه بغزارة مادته ووفرة صوره وجمال تنسيقه وتنوع موضوعاته، وكان المظنون أن يكون أبناء العروبة في أقطارها عوناً لهؤلاء الأدباء المجاهدين الصابرين على رفع لوائها في بلاد العرب، ولكنا نستنتج وا أسفاه من فاتحة هذا العدد وخاتمة هذه المرحلة أن الأدب الحر والصحافة الرشيدة هما في كل مكان تضحية ومحنة. فقد قال محررها الفاضل فيما قال:

(. . . أما عدتنا فمحدودة، لأن الفئة التي تقبل على صحيفة من طراز (العصبة) قليل عددها بالنسبة إلى تلك الفئة التي لا يهمها من الصحيفة غير أن تكون متحفاً للأشخاص لا معرضاً للأفلام

حبذا لو أننا عند آخر كل مرحلة نقول: لا علينا ولا لنا. غير أن (على) حليفتنا الأمينة. وما في ذلك لغز وإبهام، لأن ما ننفقه مستمد أكثره من المشتركين لا من موارد أخرى تغني عن الاشتراكات. ومع ذلك ليس للتذمر مجال في أنفسنا، لأن الجندي في ساحة الحرب لا يتطلب مائدة تبسط عليها ألوان الطعام والشراب ولا فراشاً وثيراً. وحسبنا من جهادنا أن نترك صفحة نقية في تاريخ الصحافة العربية في المهجر. . .)

اشتراك (العصبة) في السنة ستة دولارات أمريكية وعنوانها:

, 1812

بين بشر وشاكر

الزلزلة تفيد في اللغة معنى الاضطراب والتقلقل، ولكن هل هذه الإفادة تجيز أن يقال إن (الأذن تزلزل طربا) بمعنى الاضطراب والتقلقل؟

الدكتور بشر فارس يجيز هذا، لأنه يرى مجاورة في لغة العرب بين الزلزلة والطرب، وهو يسوق على ذلك الشواهد ويعزز رأيه بنصوص من كلام البلغاء، ولكن يغيب عنه أن هذه المجاورة - في كل الشواهد التي جاء بها - تعتمد على أساسين: جواز الاضطراب والتقلقل على الشيء أولاً، وإن كان الإحساس والشعور بهذا الاضطراب والتقلقل ثانياً.

وقد لمس الأصل الأول منهما الأستاذ المحقق محمود محمد شاكر، ومن هنا كانت موضع مؤاخذته على صاحبه أن يقول: (أذني زلزلت طربا). وهو يقرر أن شرط مجاز الزلزلة أن يكون الشيء يتحرك ويضطرب ويتقلقل. ومن هنا يصح عنده القول إن الرجل يتزلزل، والأقدام والأيدي والرؤوس والقلوب وما إليها من سائر أعضاء الإنسان المتحركة حركة ما، وكذلك الحيوان كالإبل جاء راعيها (يزلزلها)، ولكن لا يصح عند ظنه القول بأن الأذان تتزلزل من الطرب أو الغضب (أو تحت تأثير أي انفعال آخر)، لأن الأذن لا تتحرك، وهذا صحيح!

ولكن الدكتور بشر فارس يرى الأذن تهتز طبلتها على جانب المماثلة لحركة مصدر الصوت، ومن هنا يجوز عنده أن يقال إن الأذن تتحرك ويصح رأيه في أن الأذن تتزلزل طرباً. ولكن هذه الحركة الاهتزازية لا يمكن الشعور بها، وشرط مجاز الزلزلة ليس الحركة وحدها، وإنما الحركة أولاً، ثم وجوب الشعور بها ثانياً. ومن كل الشواهد والأمثلة التي دارت على قلمي المتناظرين تجد أن الإحساس والشعور بالحركة شرط مجاز الزلزلة للشيء المتحرك. ومن هنا نرى أنه لا يجوز لغة القول بأن الأذن تطرب (أو تنفعل) زلزلة، لأنه لا يمكن الإحساس والشعور بحركة اهتزاز طبلة الأذن. . .

على أن تخريج الدكتور بشر بالموضوع طريف، وطرافته تجيء من جهة أن كل عضو من أعضاء الحس تهتز دخائلها. وهذا الاهتزاز حين ينتهي إلى مراكز الإحساس في الدماغ يحدث الشعور بالإحساس. ومن هنا يمكن أن نقول إن العينين تتزلزلان من الجمال. . . ومن الواضح سخافة مثل هذا المجاز!. . .

ومن المهم أن نقول إن نزعة الدكتور بشر فارس التجديدية، وجريه وراء مذهب المجددين المغرقين في تجديدهم في الغرب، هي التي أملت عليه هذه الصورة الشعرية النابية عن الذوق وفن اللغة عامة والمجاز خاصة. ألا ترى بيراندللو يقول في مسرحية له: (واضطربت أذنها وتقلقلت من موسيقى الجاز المزعجة التي كانت تدق في القاعة) (أنظر فردريك نارديللي في كتابه - الإنسان المقدس - حياة وآلام بيراندللو، الترجمة التركية، استانبول 1939 ص 118 - 119). إن في هذه الصورة أصلاً لتعبير الدكتور بشر: (أذني زلزلت طرباً)؛ الموروث من طبيعة بدوية، أعرابية، فجاء متخذاً هذا الكساء. والدكتور بشر على الرغم من حبه للتجديد فيه لوثة أعرابية على حد تعبير أسود بن أبي خزيمة (البيان للجاحظ ج 1 ص 70 طبعة مصر)

(الإسكندرية)

إسماعيل أدهم