مجلة الرسالة/العدد 344/رسالة الشعر
→ الأدب في سير أعلامه | مجلة الرسالة - العدد 344 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
من وحي الطبيعة المصرية ← |
بتاريخ: 05 - 02 - 1940 |
نجوى
اذكري قلبي. . .
للأستاذ محمود محمد شاكر
اذكُري قلبي. . . فقد يَنْضَر من ذِكِراك عودي
أنا غُصنٌ في رياضِ الدَّهرِ ظمآنُ الصَّعيدِ
صوَّحتْني غُلّةُ الوجْدِ وأَجَّتْ في بُرودي
ومشتَ ناراً على أنوارِ زَهري ووُرودي
فهيَ أَلقاءٌ على أَرْضيَ آثارَ وقودِ
فاذكري قلبي. . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
أنا غصنٌ كخيالِ السَّيفِ في وَهمِ الطريدِ
ناحلُ الشخصِ، قضيفُ العودِ، خُمصانُ الغُمودِ
لوّحتْني وَقْدَةُ الشمسِ على وجهي وجِيدي
كمْ شُعاعٍ غارَ في قَلبِيَ كالسهمِ السديدِ
عَبّ في مائي، فغاضَ الماءُ كالحُبِّ الشّرُودِ
فاذكري قلبي. . . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
أنا غصنٌ شاخصُ الطَّرْفِ إلى رِيٍّ بعيدِ
أَسَرَابٌ هُوَ أم ماءٌ؟ فيا ويحَ جُدودي!
أثْبتتني حيثُ أشتاقُ إلى الماءِ البَرُودِ
هِيَ أشواقٌ من الموتِ كأشواقِ الحَسودِ
ترَكتْني مُوقَدَ الغُلّةِ كالصَّبِّ الحَقُودِ
فاذكري قلبي. . . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
أنا غصنٌ حائرُ الأحلامِ كالنائِي الشريدِ
غُرْبةُ الرُّوحِ تَهاوتْ بي إلى أرْضِ الجُحودِ قذفتْنِي همةُ الأحرارِ في ذُلِّ العبيدِ
الصدَى، والجَدْبُ، والغرْبةُ، سجني وقيودي
مَزَّقتْ نَضرَةَ أيَّامِي بأنياب الخمودِ
فاذكري قلبي. . . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
أنا غُصنٌ يُفزِعُ الفجرَ بليْلٍ من رُكود
يتلقّى مَوْلدَ الشمسِ بأحزانٍ هجُود
لوْ بكيَ عُودٌ من الوَحشة في ذُلِّ الوُجود
لأَذابتْ شَخصِيَ الآلامُ. . . كالدَّمع البَديدِ
أنكرتْني الشمسُ والفجرُ ودُولاتُ العهودِ
فاذكري قلبي. . . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
أنا غصنٌ فارَقتْه الطَّيْرُ رَبَّاتُ العُقودِ
مُسكِراتُ الزَّهرِ والنَّوْرِ بألحانِ النشيدِ
نغَمٌ همْسٌ كهمسِ الغيثِ للرّوْض المجُودِ
وشبابٌ ضاحكُ النُّورِ بترْجيعٍ فَريدِ
وأنا. . . الحسرة والأنَّاتُ لحْنِي ونشِيدي
فاذكري قلبي. . . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
غُصُنٌ عارٍ. . .، وأغصانكِ في بُرْدٍ جديدِ
قد كساكِ الرِّيُّ والنَّعمةُ من وَشْيِ البُرُودِ
وتَحلَّى عُودُكِ الريَّانُ نُوَّارَ الخُدُودِ
فإذا النشوَةُ هزَّتكِ بأنفاسي. . . فمِيدي
وإذا غَنَّاكِ ساقِي الطَّيْرِ لحْني أو قصيدي
فاذكري قلبي. . . فقد يَنضَر من ذِكراك عودي
محمود محمد شاكر