مجلة الرسالة/العدد 343/رسالة العلم
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 343 رسالة العلم [[مؤلف:|]] |
القَصَصُ ← |
بتاريخ: 29 - 01 - 1940 |
الأسماك العجيبة
للأستاذ أحمد علي السيد
الأسماك الطائرة
قد تعجب إن علمت أن هناك بعض الأسماك تطير في الهواء، ولكنها الحقيقة، إذ أن بعض الأجناس البحرية تستطيع الطيران في الجو لمدة محدودة، ثم تهبط إلى مطارها وهو سطح الماء
ولما أن كان الطيران يقتضي تحوراً في شكل الجسم، فإن الزعانف الصدرية في هذه الأسماك قد اتخذت شكل الأجنحة. ويتراوح طول هذه الأسماك بين بوصات معدودات وبين قدمين وتعيش في البحار القطبية والمعتدلة
وأشهر الأجناس الطائرة هو المسمى ويعيش في البحر الأبيض والمحيط الهندي واستراليا والصين، والزعانف الصدرية طويلة تصل إلى الذيل وهذا مشقوق إلى شقين السفلي منهما أطول من العلوي. وطول هذه الأسماك يتراوح بين قدم ونصف وقدمين.
أما كيف تستطيع الأسماك الطائرة حفظ توازنها أثناء الطيران فقد قام جدل عنيف بين العلماء حول هذا الأمر فقال بعضهم: إن أجنحتها (وهي الزعانف الصدرية) تكون منبسطة أثناء الطيران كأجنحة الطائرات، وقال آخرون: إن هذه الأجنحة تكون في حركة مستمرة كما يحرك الطائر أجنحته إلا أن حركتها سريعة فيصعب على العين تميزها بوضوح
والنظرية الأخيرة هي المقبولة الآن لدى الأغلبية من رجال العلم، لأننا لو سلمنا جدلاً بأن الأجنحة تكون منبسطة ولا تتحرك فإن مقاومتها للهواء تكون محدودة بحيث لا تفي بإبقاء جسم السمكة في حالة اتزان في الهواء. على أن الفريقين المتجادلين يسلمان معاً بأن السرعة العظيمة لحركة هذه الأسماك في الماء وقوة اندفاعها من العوامل المساعدة على طيرانها في الفضاء. وأقصى مسافة تقطعها السمكة في الطيران في مرحلة واحدة خمسمائة ياردة، كما أنها لا تستطيع أن تطير لأكثر من نصف دقيقة. ثم تهبط إلى مطارها وتغوص في الماء، على أنها قد تستأنف مرحلة أخرى بعد أن تستجم وتأخذ كفايتها من الأكسجين المذاب في الماء لتتنفس. والأسماك الطائرة تطير في اتجاه مستقيم إن لم تقاومها التيارات الهوائية أو ترتطم بأمواج الماء، وترتفع في طيرانها قدمين أو ثلاث أقدام عن سطع الماء، إلا أنه في الجو العاصف قد يبلغ ارتفاعها أكثر من ذلك. والسؤال الذي قد يطرأ على ذهن القارئ هو إذا كانت الأسماك قد خلقت لتعيش في الماء فلماذا يطير بعضها في جو غير الذي خلقت لتعيش فيه؟ والجواب على ذلك أن طيرانها هو الهروب من عدو يطاردها، وأعداؤها كثيرون كخنزير البحر والدرفيل وغيرهما. على أنها إذ كانت تطير لتنجو من عدو يطاردها في الماء فقد لا تسلم أيضاً من عدو يطاردها في الهواء كالجَنْقلَة وسائر الطيور المائية، والأسماك الطائرة تصلح كغذاء شهي للإنسان
الأسماك الحاضنة -
حنان الأمومة ورعاية الصغار غريزة سامية وعاطفة نبيلة، ومن آيات الله أن هذه العاطفة التي تدل على شعور مرهف وإحساس عميق تتجلى أيضاً في بعض المراتب الدنيا من الكائنات الحية. وإننا وإن كنا نعلم جميعاً أن الأسماك تضع بويضاتها في الماء ليخصبها الذكر ثم تتركها وشأنها إلا أن بعض الأسماك تتعهد بويضاتها حتى تفقس وإذا ما خرجت منها يرقاتها تعهدتها أيضاً حتى تصبح قادرة على القيام بأمرها بنفسها ثم تتركها بعد أن تطمئن على مقدرتها وعلى أنها قد أصبحت غنية عن مساعدتها لها
ومن الأمثلة الرائعة لذلك أن جنساً من الأسماك المائية العذبة موجوداً في أمريكا الجنوبية وأفريقية واسمه تحمل الأنثى منه البيض في فمها ثم يحفر الذكر حفرة في قاع القناة حيث تضع الأنثى البيض ويتناوب الأبوان حراسته حتى إذا ما فقس وضعت الأم الصغار في فمها لمدة حتى تصبح هذه قادرة على أن تستقل بنفسها وحين تخرج هذه الصغار من الفم تبقى بجانب أمها مخافة أن يهاجمها عدو فإذا هاجمها فتحت الأم فمها بسرعة ودخلت الصغار
وفي بعض أنواع السمك - في مياه البرازيل يقوم الذكر بدور الحضانة فيحفظ البويضات في فمه حتى تفقس، وفي خلال هذه الفترة تفقد الأنثى والذكر شهية الأكل ما دامت البويضات في الفم، هناك نوع آخر من هذا السمك يعيش في غانا له طريقة عجيبة لحماية البيض، إذ بعد أن تضع الأم البويضات تضغط عليها بالجزء الأسفل من جسمها الذي يصبح في هذه المدة ناعماً إسفنجياً فتلتصق به البويضات وتحملها الأم حتى تفقس
وفي حصان البحر - يحمل الذكر جيباً يشبه الذي يحمله الكنغر، وفي هذا الجيب تضع الأم البويضات ثم تقفل فتحة الجيب بإفراز لزج فتصبح البويضات في أمان حتى تفقس
وفي أحد الأجناس القانطة بالمحيط الهندي تلتصق الزعنفتان الصدريتان وهما كبيرتان متقاربتان بالجزء الأمامي من جسم السمكة بحيث يتكون ما يشبه الكأس، وهذا الالتصاق لا يحدث إلا مدة إفراز البويضات فقط، وفي هذا الكأس تُحمل البويضات وتثبت في مكانها بسائل لزج من قنوات في خيوط تتكون داخل الكأس وتبقى البويضات حتى تفقس
وفي سمكة - تتكون كتلة البويضات ويلتف جسم الأنثى والذكر حول هذه الكتلة بالتبادل لحمايتها
وفي أسماك - يثقب الأب البويضات برأسه ثم يدفع تياراً مائياً بواسطة حركات نفسه إلى هذه الثقوب فيدخل الماء في البويضات وبذلك يمدها بالأكسجين الكافي، وفي هذه الفترة يكون الأب عصبياً جداً ويهتز جسمه باستمرار
وفي الأسماك الماصة - يوجد قرص على السطح السفلي للجسم تستطيع السمكة أن تلتصق بالصخور؛ وفي هذه الأسماك تضع الأنثى بويضاتها في محار فارغ ويتولى الذكر الحراسة بأن يلتصق جسمه بهذا المحار حتى يفقس البيض
وفي نهر الأمازون وروافده جنس من السمك الصغير تضع الأنثى بيضها على حافة النهر بحيث يكون قريباً ما أمكن من الماء؛ ولكيلا يجف البيض فإن الذكر والأنثى يتبادلان دفع الماء دفعاً قوياً نحو البيض بواسطة حركات ذيلهما ويتعهدان البيض على هذه الوتيرة حتى يفقس
أحمد علي السيد