مجلة الرسالة/العدد 342/الفروق السيكلوجية بين الأفراد
→ بعد الفراق | مجلة الرسالة - العدد 342 الفروق السيكلوجية بين الأفراد [[مؤلف:|]] |
من عيون الأدب الإنجليزي ← |
بتاريخ: 22 - 01 - 1940 |
للأستاذ عبد العزيز عبد المجيد
الفروق العقلية (الذكائية)
في سنة 1857 ولد الفريد بينيه السيكلوجية الفرنسي الشهير، وتخرج في جامعة الصربون. ولما نال دبلوم التاريخ الطبيعي سنة 1890 عين مساعداً للأستاذ بوني مدير معمل علم النفس وعلم وظائف الأعضاء في الصربون. وفي سنة 1894 نال بينيه الدكتوراه، وتقاعد الأستاذ بوني فحل الأول محل الثاني في إدارة معمل علم النفس. ومن ذلك الحين بدأ كلاهما - وانضم أليهما آخرون - في تحرير مجلة (العام السيكلوجي) ' هذه المجلة لسان الحركة السيكلوجية الفرنسية. وفي هذه المجلة - التي سنشير إليها في مواضع مختلفة من هذا المقال - نشر بينيه كثيراً من المقالات عن الذكاء ومقاييسه والفروق الفردية. ولكن حياته الحافلة بالبحث والإنتاج لم تطل، فقد عاجلته المنية سنة 1911
بدأ بينيه تجاربه لمعرفة الفروق العقلية بين الأفراد بقياس الذكاء بالطرق التي كانت معروفة في عهده في معامل علم النفس، كطرق جولتن وكاتل - التي أشرنا إليها في مقالات سابقة - وكقياس سرعة الإحساس، وسرعة الحركة، وسرعة الرجع. ولكنه ما لبث أن نبذ هذه الطريقة التي سماها (طريقة الآلات النحاسية) وفكر في طريقة لا تحتاج إلى آلات بل إلى قلم وقطعة ورق وقليل من الحبر كما يقول هو
وفي سنة 1896 اختبر ثمانين طفلاً بعرض صور متشابهة عليهم، ومطالبتهم بالإجابة عن أسئلة وضعها لهم. وقد وصل بتجاربه واختباراته هذه إلى أن هناك ذكاء وراثيا وثقافة مكتسبة يجب التمييز بينهما، وأنه لقياس الذكاء الوراثي يجب أن تكون الاختبارات متعددة ومتنوعة بحيث نقيس كل مظاهر القدرة على التكييف، تلك القدرة التي سماها الذكاء
كذلك قرر بينيه أن الذكاء إنما يظهر في التصرفات التي تحتاج إلى بناء وتركيب أي أكثر من التي تحتاج إلى تحليل وفي معالجة الأمور التي تحتاج إلى تنظيم أكثر من أدراك هذه الأمور وتمييزها (أو في كلمة واحدة: الذكاء هو عملية تكوين وتركيب). ومن أجل ذلك استعمل بينيه لقياس هذا الذكاء اختبارات تحتاج إلى بناء وتكوين، كأن يعطي الط صورة مقسمة إلى عدة قطع ويطلب إليه تكوينها، أو قطعة نثرية محذوفاً بعض أجزائها ويطلب إليه ملء الفراغ بكلمات أو جمل مناسبة
راع رجال التعليم في باريس في بضع السنوات الأولى من القرن الحالي كثرة عدد المتخلفين في التحصيل من تلاميذ المدارس بالمدينة. ولم تكن تظهر على هؤلاء التلاميذ علامات الغباء أو ضعف العقل. وقد حاول أولو الأمر أن يعرفوا سبب هذا التخلف، أهو عدم الانتباه، أو إهمال المدرسين، أو قلة ذكاء التلميذ حقيقة، فكونت وزارة المعارف الفرنسية سنة 1904 هيئة - من أعضائها بينيه - لفحص الأمر سيكلوجيا، وإبعاد ضعاف العقول وإرسالهم إلى مدرسة خاصة بهم. وقد كان المتبع حتى ذلك الحين أن يعرف ضعاف العقول بطريق الفحص الطبي وآراء المدرسين
شرع بينيه في وضع مقياس موضوعي يعرف به درجات الذكاء بين الأفراد، ويستطيع به تمييز شواذ العقول من غيرهم. وكان كلما وضع نوعاً من المقاييس جربه ثم عاد إلى إصلاحه وتهذيبه ودراسة النقد الموجة له. وكان أول مقاييسه ما وضعه مع زميله تيودر سيمون سنة 1905. ويمتاز هذا المقياس بأنه وضع ليناسب أسناناً مختلفة، وبتدرجه، وبتدرج في الصعوبة وفقاً لنمو العقل. ولكي نعرف الفرق العقلي بين فردين أو أكثر يجب أولاً أن يكونا متساويين في السن حتى نقارن نتائج اختبارهم. ويمتاز هذا المقياس أيضاً بأنه لم يقصد به قياس الاستعدادات الخاصة، بل قياس الذكاء العام وفي سنة 1908 نشر بينيه وسيمون مقياساً منقحاً للذكاء، نجد فيه لكل عمر مجموعة خاصة من الأسئلة. فإذا ما أجاب الطفل إجابة صحيحة عن هذه المجموعة من الأسئلة كان عمره العقلي (ع. ع) يناسب عمره الزمني (ع. ز)، ويسمى ذكاؤه في هذه الحال متوسطاً. مثال ذلك أن يسأل الممتحن الطفل: (1) ما اسمك؟ (2) أنت ابن أو بنت؟ (3) ما عمرك؟ فإذا أجاب الطفل صحيحاً عن السؤالين الأول والثاني كان عمر الطفل العقلي (ع. ع) أربع سنوات، إذ أن تجارب بينيه المتكررة أثبتت أن الطفل متوسط الذكاء يستطيع أن يجيب مصيباً عن هذين السؤالين. ولما كان هذا المقياس عبارة عن مجموعة من الأسئلة تزداد صعوبة درجة بعد درجة كلما ازداد سِنُّ الممتحن أطلق عليه بالفرنسية أي المقياس السلّمي للذكاء. وعيب هذا المقياس أنه لا يعطي أي فكرة عن العلاقة بين العمر الزمني والعمر العقلي، فقد يتفق اثنان في عمر عقلي واحد - ست سنوات مثلاً - ويكون العمر الزمني لأحدهما خمس سنوات وللثاني عشراً.
وقد شاع هذا المقياس في أوربا وأمريكا، فاستعمله ديكرولي في البلجيك، وجودارد في الولايات المتحدة، وبوبرتاج في ألمانيا وفيراري في إيطاليا
لم يمض على هذا المقياس ثلاث سنوات حتى نشر بينيه - باسمه وحده - مقياساً آخر منقحاً سنة 1911، وكان هذا آخر عمل قام به في حياته. وقد احتوى هذا المقياس على أربعة وخمسين اختباراً موزعة على السنوات المختلفة من سن الثالثة إلى السادسة عشرة. وكان هذا المقياس كسابقه يعين عمر الفرد العقلي من غير تحديد للنسبة بينه وبين العمر الزمني. وقد ترجم هذا المقياس أيضاً إلى لغات أخرى ولاقى رواجاً كبيراً في أمريكا. وفي سنة 1915 نشر البروفسور ترمان - بمعونة زملائه بجامعة استنفورد - ترجمة منقحة ومهذبة ومزيدة لمقياس بينيه سيمون وتعرف هذه الترجمة باسم (مقياس بينيه إستنفورد المنقح).
ويحتوي هذا المقياس على تسعين اختبارً، لكل سنة ستة اختبارات عادة. وهاك بعض هذه الاختبارات:
يطلب المختبر من الطفل البالغ ثلاث سنوات:
1 - أن يشير إلى أنفه ثم عينه ثم فمه ثم شعره، وينجح الطفل إذا عرف ثلاثة من أربعة
2 - يعرض المختِبر على الطفل مجموعة مكونة من (مفتاح، مليم، مبراة مقفلة، ساعة، قلم رصاص) ويطلب إليه أن يذكر أسماء ثلاثة أشياء من هذه الستة
3 - يعرض على الطفل صورة لمنزل هولندي (أو مصري) وأخرى لنهر، وأخرى لمكتب بريد، ويطلب منه أن يذكر أسماء الأشياء التي في الصور واحدة بعد الأخرى
4 - أن يسأل المختبر الطفل الابن (أنت ابن أو بنت؟) أو يسال البنت (أنت بنت أو ابن؟)
5 - أو يسال الطفل عن اسمه واسم أبيه أو عائلته
6 - أن يكرر الطفل وراء المختبر ثلاث جمل بسيطة مثل: أنا عندي كلب صغير. الكلب جرى ورا القط. في الصيف الشمس سخنة
ولم أذكر هنا طريقة الاختبار ولا نسبة النجاح في كل اختبار لأن هذا مما يطول ذكره، ولأن المقصود هنا إعطاء القارئ فكرة عن نوع الاختبارات المستعملة لقياس الذكاء
ويمتاز مقياس ترمان بأنه استعمل لأول مرة نسبة الذكاء المسماة بالإنجليزية وهي عبارة عن نسبة العمر العقلي إلى العمر الزمني مضروبة في 100،
وقد أصبحت هذه النسبة معتمدة في مقياس الذكاء وبها يمكن معرفة الفرق بين ذكاء فرد وذكاء آخر مختلف عنه في العمر. ووضع علماء النفس الجدول الآتي لمعرفة نوع ذكاء الفرد بعد اختباره
نسبة الذكاء الفردي
فوق 140
120 - 140
110 - 120
90 - 110
80 - 90
70 - 80
دون 70
النوع
عبقري
فائق جداً
فائق
متوسط
غبي
على شفا ضعف العقل
ضعيف العقل
فإذا فرض أن عندنا طفلاً عمره العقلي 9 سنوات وعمره الزمني 10 سنوات، وأردنا معرفة نوع ذكائه أجرينا العملية البسيطة الآتية:=90، وهي نسبة الذكاء، وإذا نظرنا إلى الجدول السابق وجدنا أن صاحبنا متوسط الذكاء.
(بخت الرضا - السودان)
عبد العزيز عبد المجيد