الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 340/في النحو

مجلة الرسالة/العدد 340/في النحو

بتاريخ: 08 - 01 - 1940


قد لا يكون

لأستاذ جليل

قال الأستاذ أحمد بك العوامري في (بحوث وتحقيقات لغوية متنوعة) في مجلة (مجمع فؤاد الأول للغة العربية):

(نسمع كثيراً، ونرى في الصحف نحو: قد يجئ محمد اليوم، و (قد لا يجئ)؛ ونحو: (قد نكون لا منصفين إذا قلنا كذا. . . وهو ما لم يرد في كلام العرب. فقد قال ابن هشام في المغنى: وأما (قد) الحرفية، فمختصة بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس. وهي معه كالجزء، فلا تنفصل منه بشيء، اللهم إلا بالقسم أ. هـ ونحو هذا في القاموس. وقال في شرحه عند قوله المثبت: اشترطه الجماهير أ. هـ فلإصلاح العبارة يعتاض من (قد لا يجئ) مثلا قولك: (ربما لا يجئ).

أقول: وقال ابن يعيش في شرح المفصل: (أعلم أن قد من الحروف المختصة بالأفعال، ولا يحسن إيلاء الاسم إياه، وهو في ذلك كالسين وسوف. وهي (أي قد) بمنزلة الألف واللام التي للتعريف، فكما أن الألف واللام اللتين للتعريف لا يفصل بينهما وبين المعرّف كان هذا مثله إلا أن قد اتسعت العرب فيها لأنها لتوقع فعل، وهي منفصلة مما بعدها (فيجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم)، لأن القسم لا يفيد معنى زائداً، وإنما هو لتأكيد معنى الجملة، فكان كأحد حروفها). وقال الرضيّ في شرح (الكافية): (ولا يفصل قدمن الفعل إلا بالقسم).

قد عناني من أمر هذا البرزخ، هذا الحائل: (لا) ما عني الأستاذ الفاضل العوامري فاستقريت وفتشت فوجدت ما أنا ممليه اليوم في (الرسالة) الغراء. ولو أدمنت على التنقيب لضممت إلى هذا (الإملاء) شيئاً كثيراً:

1 - كتاب (الأم) للإمام الشافعي الجزء (3) الصفحة (65): (. . . كما أكره للرجل أن يشتري السيف على أن يقتل به، ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه أنه يقتل به ظلماً، لأنه (قد لا يقتل) به، ولا أفسد عليه هذا البيع)

2 - لسان العرب. الجزء (2) الصفحة (311): قال الخليل بن أحمد: الأمور على ثلاثة أنحاء، يعني على ثلاثة أوجه، شيء يكون البتة، وشيء لا يكون البتة، وشي قد يك (قد لا يكون). . .

3 - الخصائص لابن جني الجزء (1) الصفحة (19). . . كما أن القول (قد لا يتم) معناه إلا بغيره

4 - الأنموذج في النحو للزمخشري الصفحة (102): ولا لنفي المستقبل، والماضي يشرط التكرير و (قد لا يتكرر) نحو لا فعل

5 - إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن للعكبري الجزء (1) الصفحة (135): (أن قد صدقتَنا) أن مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف، وقيل أن مصدرية و (وقد لا تمنع) من ذلك

6 - الفروق لأبي هلال العسكري الصفحة (182): الفرق بين الطاعة وموافقة الإرادة أن موافقة الإرادة قد تكون طاعة، و (قد لا تكون) طاعة

7 - شرح شذور الذهب لابن هشام الصفحة (138): تنعت أي باسم الإشارة كقولك يا أيهذا، والغالب حينئذ أن تنعت الإشارة كقولك:

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟

و (قد لا تنعت) كقوله: (أيهذان كلا راديدكما) ومثل ذلك في الصفحة (205) والصفحة (395)

8 - شرح الكافية للرضيّ الجزء (2) الصفحة (373): وأما المنقطعة (يعني أم) فـ (قد لا يتقدمها) الاستفهام، وقد يتقدمها الاستفهام بالهمزة أو بهل. . .

9 - المقابسات لأبي حيان التوحيدي الصفحة (181): سئل أبو سليمان هل يجوز أن يقال: الإنسان ذو نفس كما يقال هو ذو ثوب وذو مال؟ قال: أما على التحقيق فلا، وذلك أن الإنسان قد يكون ذا ثوب وذا مال و (قد لا يكون) ويستحيل أن يكون الإنسان إنساناً إلا وهو ذو نفس إلا على السعة والمجاز. . .

10 - مفاتيح الغيب للرازي الجزء (4) الصفحة (130): (ثم ههنا بحث آخر، وهو أن العداوة والصداقة تمنع أن تحصل باختيار الإنسان، فإن الرجل قد يبلغ في عداوة غيره إلى حيث لا يقدر البتة على إزالة تلك الحالة عن قلبه، بل (قد لا يقدر) على إخفاء تلك العداوة. ولو أتى بكل تكلف وحيلة لعجز عنه. ولو كان حصول العداوة والصداقة في القلب باختيار الإنسان لوجب أن يكون الإنسان متمكناً من قلب العداوة بالصداقة وبالضد. وكيف لا نقول ذلك والشعراء عرفوا أن ذلك خارج عن الوسع؟ قال المتنبي:

يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل

والعاشق الذي يشتد عشقه قد يحتال بجميع الحيل في إزالة عشقه ولا يقدر عليه. ولو كان حصول ذلك الحب والبغض باختياره لما عجز عن إزالته) ومثل ذلك في الجزء الثالث الصفحة (19) والجزء الثاني الصفحة (352)

11 - الإيضاح للخطيب القزويني الجزء الأول الصفحة (106): (. . . لأن الجملة (قد لا تكون) طلبية كقولنا: نعم الرجل زيد)

12 - الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي الجزء (2) الصفحة (200): (وغائبات الأمور (قد لا تكون) معلومة) ومثل ذلك في الجزء (4) الصفحة (8)

13 - البصائر النَّصِيرية لزين الدين الساوي الصفحة (4): وقد يتردد في أمور بعد إدراك المحسات وانتزاع القضايا منها، و (قد لا يجد) إلى الحكم الجزم في بعضها سبيلاً

14 - الفرزدق - وبين الحليفتين عصبة حروف، عصبة أمم. . لا (لا) فقط، والفعل ماض فالخطب أطم -:

فقالت: سوى ابني لا أطالب غيره ... و (قد يك عاذت) كلثم وغلابها

أرى ابنَي نفيل من يكون أباله ... وعما ف (قد يوم الرهان تمهلا)

على من جرى والرافعين أكفهم ... إلى كل فرع كان بالمجد أطولا

تلكم أقوال نحويين ولغوين وأدباء وعلماء متقدمين ومتأخرين، فليس ذاك القول بجرَدى عصري كمما حسب الأستاذ العوامري حتى نحايده. وإن لم تقله العربية الأولى فقد نطق به الآلي تلوتَ كلامهم، وفيهم من فيهم. والنحاة يقولون كثيراً: (هذا جائز وإن لم يرد) وإذا أنتجت الحاجة في الحضارة العربية هذا المسمى بالمولد فجاء من (الكُنْه) (اكتنهه) وما أشبهه، وتقبله الأدب والعلم، ألا يسوغ أن يُتبحبح في (القواعد) بعض تبحبح يُمد اللغة العربية، فتجئ قاعدة مولدة كما جاءت الكلمة المحدثة. وقد قرأنا في (الكليات): (كل مبتدأ عقب بان الوصلية فإنه يؤتى في خبره بالا الاستدراكية أو بلكن مثل (هذا الكتاب وإن صغر حجمه لكن كثرت فوائده) وذلك لما في المبتدأ باعتبار تقييده بأن الوصلية من المعنى الذي يصلح الخبر استدراكا له، واشتمالاً على مقتضى خلافه)

والمثل الذي أورده أبو البقاء إنما هو محدث والقاعدة مولدة

وإذا قال أبو حيان في شرح التسهيل: (العجب ممن يجيز تركيباً ما في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر. وهل التراكيب العربية إلا كالمفردات اللغوية، فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد كذلك لا يجوز في التراكيب. لأن جميع ذلك أمور وضعية، والأمور الوضعية تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان. والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة أن علم النحو موضوعه أمور كلية، وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتركا معاً في الوضع) - قيل لشارح التسهيل: إن القوم في الحضارة قد أحدثوا - محكمين مدققين - ألفاظاً ما عرفتها العربية السالفة. وإذا كان ذلك ولم ينكر فهل يُصدُّ (احتياج) أحدث لفاظاً رأى إحداثه، أن يبدع - محتاطا - تراكيباً؟

وهنا هذا الحديث: إن اللغويين لم تحوّش كتبهم ألفاظ اللغة كلها، وقد فر شيء كثير. فهل يستطيع الناحي أن يقول معتزاً: (علُمنا علُم إحاطة) وقد استقْرًت قواعدنا كل تركيب في كلام العرب، وما فرّط (الكتاب) من شيء

هل يستطيعنَّ. . .!؟

(ن)