الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 34/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 34/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 34
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 26 - 02 - 1934


استقبال الكاتب الفرنسي جول رومان

في نادي القلم المصري

احتفل نادي القلم المصري في مأدبته إلى أقامها في مساء الاربعاء الماضي باستقبال الكاتب الفرنسي النابه جول رومان ضيف مصر والقى الدكتور طه حسين باسم نادي القلم هذه الكلمة تحية للكاتب الكبير

كلمة الدكتور طه حسين

سيداتي وسادتي:

سمعتم مني في المرة الماضية أني لا أحب الخطب في مثل هذه المجامع. وأني أوثر أن تكون مجامع حديث وسمر، وأن تكون مجامع نستريح فيها من عناء ما نتكلف أثناء النهار من الجد والبحث والقراءة والكتابة، وأوثر ان تكون هذه الاجتماعات كالساعات التي يظفر فيها الطلاب، بالراحة أثناء النهار، ولكني مضطر هذه الليلة إلى ان اتحدث اليكم قليلاً، وثقوا بأني لن اطيل. والذي يسرني ان اتحدث فيه اليكم، وواثق أنكم جميعاً تشاركوني فيه هو ان النادي - نادي القلم الذي أنشأناه - يظهر انه موفق، وان التوفيق قد كتب له منذ اجتماعاته الاولى فاذا ذكرتم اننا في اجتماعنا الماضي قد استقبلنا كاتباً من أكبر الكتاب الانكليز هو مستر هتشنسن وإذا لاحظتم اننا نستقبل الآن كاتباً من أكبر الكتاب الفرنسيين هو مسيو جول رومان عرفتم ووافقتموني على ان نادينا من حقه ان يتغبط بهذا البدء السعيد

واني لسعيد هذه الليلة بان أحيي ضيفنا تحية ملؤها الحب والاكبار. فالذين يقرأون كتبه لا يستطيعون إلا أن يتبينوا هذه العواطف القوية التي يثيرها في نفوسهم، وهي ليست الا عواطف محبة واكبار. فهو ليس من الكتاب الذين يبهرون الناس بحسن الفاظهم وروعة صياغتهم وإنما هو كاتب قبل كل شيء يصل إلى قلب القارئ. ويرفعه إلى ارقى ما يستطيع ان يرقى الانسان اليه من المثل الاعلى والكمال

والذين سمعوا منك محاضرتيه القيميتين في الليسيه والجمعية الجغرافية لا يستطيعون أن يقدموا اليه تحية خالصة هي تحية العقل للعقل، وتحية القلب للقلب، فلاول مرة نستطيع ان نسمع في مصر بين المحاضرين الذين يفدون اليها من الخارج ما يرفعنا من هذه الحياة اليومية إلى حيث يستطيع العقل ان يستريح، والذين سمعوه قد ذكروا أن المحاضرات ليست ميداناً للمسابقة في السماع، بل هي أيضاً مكان يستطيع ان يلتقي فيه المفكرون بالمفكرين وان يتحدث فيه الانسان إلى الانسان بما تعانية الانسانية من الآلام

وأذا كنا نستقبله ونحييه الآن فانما نستقبله ونحييه ككاتب من أكبر كتاب فرنسا الذين يمثلون العقل الفرنسي الحديث والادب الفرنسي الحديث، ثم اني لا أستقبله بهذه الصفة وحدها وإنما استقبله باعتباره كاتباً انسانياً فيه كل مميزات العقل الفرنسي، وكل مميزات الكتاب الفرنسيين واليونانيين القدماء، ثم هو لا يمثل ذلك كله، وإنما يمثل المثل الاعلى للانسانية كلها

فاذا حييته الآن فأنما احيي فيه العقل الفرنسي من جهة والمثل الاعلى للادب الانساني من جهة أخرى. . .

نهض مسيو جول رومان والقى الكلمة الآتية:

كلمة مسيو جول رومان

سيداتي وسادتي، واسمحوا لي أيضاً أن أقول زملائي وإخواني الاعزاء

إني لسعيد بأن امثل بينكم هذا المساء، وأقول لكم كيف تأثرت بما حيا بي به الكتاب المصريون من الرعاية والحفاوة، وأعرب عن شكري للكتاب المصريينالذين عنوا باستقبالي. وطبيعي أن يستحق هذا الشكر كتاب مصر - فالكتاب في كل بلد هم أهل الشكر. ثم إني لسعيد بان أكون الليلة في قلب نادي القلم المصري، ذلك النادي الفتي، بل أحدث مراكز القلم في العالم سنا، انني عضو قديم في نادي القلم، وقد اشتركت في تاسيس النادي الفرنسي، وكنت دائماً مندوب فرنسا في جميع مؤتمرات القلم الدولية؛ ولقد شهت أخيراً كل ما يهدد مجمع القلم من الصعاب وخيبة الأمل، حتى لقد خيل الينا أن مجمع القلم سيقضي نحبه. وكنا في العام الماضي في مؤتمر القلم الدولي بمدينة راجوزا نتخبط في معترك من الآراء والأفكار المضطربة. اجل، كاد مجمع القلم يذهب في راجوزا ضحية المثل الأعلى. ولم تكن الآراء المضاربة تضطرم حول مهنة القلم ذاتها، ولكنها كانت آراء إنسانية هامة رباه، إن هذا الموت لم يقع، ولكن حدث بتر ولعله بتر احتياطي؛ وسف يقوم المجمع من عثرته كرة أخرى، واني لانتهز هذه الفرصة لاقول لكم واذكركم بان العضوية في مجمع القلم تحتم بعض التعهدات نحو الانسانية عامة، أجل، لسنا كتاباً نتحدث عن مهنتنا فقط، ولسنا نريد الاجتماع للحديث والسمر فقط. بل نحن أيضاً رجال نخدم العقل والضمير ونعرف ما تفرضه علينا مهنتنا. وأبدع ما في مهنتنا أننا نقدم بعض الواجبات بعيداً عن مصالحنا الشخصية، ولما كنا خدام العقل فانا نتضافر على اداء الواجب ولا نعبأ بالأعتبارات السياسية ولا نخضع لحزب من الاحزاب، بل نحتفظ بالحق والواجب ولا نخضع لأي نظام سياسي لا يعترف بحق العقل والذهن، وكلما هدد المثل الأعلى وجب على أندية القلم في العاالم كله أن تثور على هذا الوعيد. إن سلطتنا ليست وهيمة؛ ولست أبالغ فأقول إننا نستطيع أن نقف البحر؛ ولكني أذكر لكم شيئاً مما حدث في راجوزا فقد تحدثنا عن سياسة الحكومة الالمانية في اضطهاد رجال الفكر، وتحدثنا من هذه المدينة الصغيرة بالتليفون مع المسئولين في المانيا عدة ساعات، واستطعنا أن نحمل الحكومة الالمانية على أن تخفف مسلكها نوعا ما وأن تمنع بعض الاعتداء على الفكر

سيداتي وسادتي: لست أعلم ما يخبئ المستقبل، فأنا نخاف كثيراً ونؤمل كثيراً، ولكي لست متفائلاً، فانا لم نخرج بعد من غمار الأزمة ونحن في غمر الصعاب، ولكني أعتقد وأكرر أن أعظم جريمة يرتكبها خدام العقل هي ان يعتقدوا في القدر الذي لا يخدم العقل، أجل إن أعظم جريمة نرتكبها هي أن ننحني أمام العاصفة فالخطر الذي نواجهه هو خطر انساني من علم الانسان، اراده ودبره الانسان، فنحن نستطيع ان نقاوم مقاومة انسانية، ويجب أن يعتمد علينا في كفاح هذه المصائب التي تهدد الانسانية وفينا نحن رجال الفكر والقلم تتمثل تلك القوة التي تحمي الانسانية من التدهو النهائي

واني لأرفع قدحي نخب مصر التي استقبلتني، ونخب فرنسا التي أمثلها كمندوب متواضع بل ونخب جول رومان

الاكاديمية الفرنسية والنساء

كانت وزارة المعارف الفرنسية قد رشحنت الكاتبة المعروفة مدام كوليت عضواً بالاكاديمية الفرنسية، ولكن بعض المغرضين لم ينضروا إلى هذا الترشيح بعين الارتياح، وحملوا على الفكرة حملات شعواء في الصحف والمجلات الادبية مستنكرين منح مقاعد الاكاديمية للنساء في الوقت الذي يضن بها فيه على نوابغ الكتاب والشعراء مثال: جيد وستراتي وجوليان بندو وغيرهم

وقد انضم إلى هؤلاء الساخطين بعض الشيوخ من اعضاء الاكاديمية ممن لا يزالون يرون ان المرأة الفرنسية لم تصلح بعد للاشتراك في الهيئات النيابية او المجامع العلمية والأدبية الرسمية.

ازاء هذا المعارضة القوية، عدلت وزارة المعارف عن رأيها وقررت اخيراً منح هذا المقعد لفرنسوا مورياك الناقد والكاتب المسرحي المشهور، والذي سبق ان أخرجت له في مصر رواية (المسحور) على مسرح الاوبرا الملكية في عام 1924 ورواية (بلانشيت) على مسرح رمسيس.

وقد فكرت بعض الاديبات الفرنسيات في تأسيس أكاديمية للآداب والفنون تكون خاصة بالنساء فقط، وسوف يفتح باب الاشتراك فيها لجميع الكاتبات والصحفيات من الجنس اللطيف بدون تمييز بين الجنسيات والاديان.

انتحار روائية انجليزية

اشتهرت دورثي ادوارد الروائية الانجليزية بأقاصيصها الصغيرة التي كانت تودعها نظرياتها الخاصة عن الحياة العصرية، ونالت من وراء ذلك شهرة أدبية واسعة، خاصة في الولايات المتحدة، وطبع بعض رواياتها أكثر من مائة طبعة وذلك وهي لم تتجاوز العقد الثالث من العمر.

وقد وجدت جثتها في صباح ذات يوم ملقاة إلى جانب السكة الحديدبالقرب من كيارفلي بانجلترا، ويستدل من التحريات التي أجراها بوليس سكوتلانديارد على أن الكاتبة بعد أن زارت لندن، وحضرت بضع حفلات موسيقية استقلت القطار حيث عثر على جدثتها في صبيحة اليوم التالي ولا يعلم ان كانت قد تعمدت الانتحار أم سقطت اثناء اجتيارزها عربات القطار في الليل.

وتقول مجلة (جون أوف لندن) أن روية دورثي الاخيرة (نفسية في مرقص) قد ترجمت إلى معظم اللغات الحية وبلغ ما بيع منها زهاء النصف مليون نسخة! الكاتب لنمسوى هرمان بير

توقى أخيراً الكاتب النمسوي الكبير هرمان بير في الحادية والسبعين من عمره! ولد في لنز سنة 1863، ودرس في فينا وبرلين. وكان (بار) منذ أربعين عاماً من زعماء الأدب الالماني الحديث؛ وكان بالأخص من مؤسسي الحركة الادبية التي عرفت في أواخر القرن الماضي باسم (النمسا الفتاة) وكان من زعمائها مع بار، ارثر شتزلر وفون هو فمانشتال. وظهر بير في مستهل حياته الادبية بالتأليف المسرحي واختص منه بناحية (الكوميديا)؛ ومثلت رواياته في أشهر مسارح فينا ولاقت في أوائل هذا القرن شهرة واسعة، ثم اشتغل بار بالنقد الادبي والصحافة. واشترك مدى أعوام في تحرير جريدة (دي تسايت) (الوقت) النمسوية ثم في جريدة (نويه فينر جورنال)؛ وكان يختص بكتابة النقد الادبي والتاريخ. وتزوج بير من الفنانة الشهيرة أنا ملدنبورج، وهي موسيقية ومغنية بارعة اشتهرت في حفلات سالزبورح برائع فنها ورخيم صوتها. ولما انتقلت أناملدنبورج إلى ميونيخ لتعمل في مسارحها تبعها زوجها وغادر موطنه، وأقام معه في ميونيخ وقضى فيها أعوامه الأخيرة حتى توفى

ومن أشهر قطعة التمثيلية (الاتفاق) (1911) وفيها يعالج فكرة اجتماعية هي تسامح الزوج المنبوذ نحو خيانة زوجته واعترافه بحبها الآخر كوسيلة لاستثارة عطفها واستعادة ودها و (الغبي والعاقل) (1912) وفيها يعالج فكرة الحكمة وهل هي اتباع الواجب أم اتباع الهوى. ومن أشهر رواياته (نماذج للحب) (1929)

حق المؤرخ في التصوير والتفسير

هل يحق للمؤرخ أن يكون حراً في تصويره وتقديره للشخصيات المعاصرة التي يعرض لها؟ هذه مسألة طرحت أخيراً على القضاء الفرنسي لمناسبة ظهور كتاب جديد للمؤرخ الفرنسي الشهير (رايمون ريكولي) عن (الجنرال جوفر) القائد العام للجيش الفرنسي في أوائل الحرب الكبرى، وقد تناول المؤرخ حياة الجنرال جوفر والحوادث العسكرية التي خاضها وعلق عليها بآرائه وتقديراته. فرأى القائد لانرزاك ولد الجنرال جوفر ان في الصورة التي يقدمها مسيو ريكولي، وفي بعض آرائه وتعليقاته اخطاء ومآخذ تعتبر سباً لذكرى والده، ورفع أمام محكمة السين قضية مدنية يطالب فيها مسيو ريكولي بالتعويضات

وقد أثارت هذه القضية اهتماماً كبيراً. وانتهت بعد مرافقات ومذكرات طويلة بانصاف التاريخ والمؤرخ. ومن رأى المحكمة أن مسيو ريكولي لم يتعد حقوق المؤرخ وانه لم ينشر وقائع مزيفة أو مشوهة، وانه في تقديره وتعليقه لم يتجاوز ما هو حق للمؤرخ في عرض التاريخ وكتابته. ولهذا رفضت قضية القائد لانرزاك.