مجلة الرسالة/العدد 339/البريد الأدبي
→ من هنا ومن هناك | مجلة الرسالة - العدد 339 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
المسرح والسينما ← |
بتاريخ: 01 - 01 - 1940 |
شمال أفريقيا والعروبة
صديقي الأستاذ الزيات
قرأت الكلمة المنشورة في العدد 336 من الرسالة الغراء بتوقيع (أبو الوفاء) وتحت عنوان (شمال أفريقيا والأستاذ الحصري)، ووقعت في حيرة عميقة، عندما علمت بأن الكاتب قد ظن أنني لا أعتبر تونس ومراكش من البلاد العربية. . . في حين أنه لم يخامرني أدنى شك في عروبة تلك البلاد في وقت من الأوقات. . .
لقد نقل الكاتب من مقالي (بين الوحدة العربية والوحدة الإسلامية) بعض العبارات التي قد تفسح مجالاً لمثل هذا الظن غير أنه لو التفت إلى الأسطر التي تلت في مقالي تلك العبارات، لوجد فيها ما ينفي ذلك الظن نفياً باتاً:
فقد قلت - بعد عشرة أسطر من العبارات التي نقلها الكاتب - ما يلي حرفياً:
(لا يمكن لأي عاقل كان أن يتصور حصول اتحاد بين القاهرة وبغداد وأنقرة وطهران وكابل. . . الخ دون أن نحصل اتحاد بين القاهرة وبغداد ودمشق ومكة وتونس. . .)
فأطمئن الكاتب بأنني لم أقل طول حياتي ولا لحظة واحدة: إن (شمال أفريقية التي تبتدئ من تونس وتنتهي بمراكش ليست بعربية)
بل على عكس ذلك، قلت - في المحاضرة التي ألقيتها في بغداد، على جمع غفير من الشبان - بعد عودتي من المغرب الأقصى: (إن مراكش أجمل البلاد العربية على الإطلاق) كما حاولت أن أصف مدينة مراكش وضواحيها بقولي: (إنها تجمع بين جبل لبنان وغوطة دمشق ونخيل بغداد، وتخلط الأرز والنخل والزيتون بأجمل الصور وأبدع الأساليب)
هذا وأود أن أطلع الكاتب على الأمور التالية، لإظهار مبلغ اهتمامنا ببلاد المغرب، كجزء مهم من العالم العربي
أ - لقد أسسنا في القصر العباسي الكائن في قلعة بغداد معرضاً دائماً لصور الريازة (العمارة) العربية. وخصصنا غرفتين من غرفه لبلاد المغرب، يرى الزائر فيهما صوراً شمسية مكبرة، لأكثر من أربعين بناية عربية، بينها القرويين والكتبية
ب - لقد أسسنا في الباب الأوسط من أبواب سور بغداد الباقي من العهد العباسي متحفاً للأسلحة، عرضنا فيه أنواعاً كثيرة من الأسلحة العربية، والقسم الأعظم من هذه الأسلحة يعود إلى مراكش وتونس، وكنا اقتنيناها باسم دائرة الآثار القديمة خلال رحلتنا الأخيرة
ج - لقد خصصنا غرفة لـ (فنون المغرب الأقصى)، في (متحف الآثار العربية) عرضنا فيها كمية من الأواني الخزفية والمصنوعات الجلدية كنا جمعناها خلال رحلتنا الأخيرة، لزيادة معرقة الناس بتلك البلاد العربية
ولهذه الأسباب كلها، قد تألمت من قراءة الكلمة التي تتهمني بإنكار عروبة أفريقية الشمالية. غير أن ألمي هذا، قد انقلب إلى سرور عميق، عندما قرأت العبارات التي ختم بها الكاتب كلمته وهي: (أن النزعة القومية المتأصلة في دمائنا تضطرنا أحياناً إلى إصلاح غلط إخواننا العرب فينا). . .
إنني أقدر هذه النزعة القومية، وأبجلها، حتى عندما ما تجور عليَّ، وتتهمني بما أنا براء منه. . .
أبو خلدون
ملحوظة: إنني مستعد لإرسال صور القاعات التي ذكرتها آنفا، حالما أطلع على عنوان الكاتب، لزيادة اطمئنانه على اهتمام مشرق العالم العربي بمغربه
الجواب حاضر!
قرأت الكلمة الكريمة التي نشرتها (الرسالة) لحضرة الأستاذ (م. ف. ع) في نقد كتاب (ليلى المريضة في العراق) وقد شاء له فضله أن يقول: إن بعضهم يمجد ذلك الكتاب حتى ليرتفع به عالياً إلى السماء. وكنت أحب أن يحدث القراء بوضوح عما لم يعرفوا من كتابي، ولو أنه فعل لعرفوا عن طريقه أن هناك فرقاً بين ما نشر في (الرسالة) وما لم ينشر. فالذي نشر في (الرسالة) هو الجزء الأول، وهو جزء مصقول: لأن الزيات - سامحه الله - كان يحذف منه أشياء. وقد ضاعت الأصول الخطية ولم يبق أمامي غير ما وعت صفحات (الرسالة) فاكتفيت به، وقليل النار غير قليل!
أما الجزء الثاني والثالث، فقد أنقذتهما من يد الزيات، فهما صورة صحيحة من عقلي وجنوني، وهما أعز على من الجزء الأول المهذب المصقول بالرغم مني. فمن أراد أن يعرف الفرق بين الأدب المقيد المرسل، فلينظر كيف كانت إساءتي إلى نفسي أجمل من إحسان الزيات حين حذف من الجزء الأول أشياء
ثم ماذا؟ يريد حضرة الناقد أن يمسكني بشيء، فما هو ذلك الشيء؟
تفضل فنقل فقرات جميلة من الجزء الثالث تكررت فيها كلمة (من) وسماه (منمنة) فما رأيه في كلمة (يا لك) التي كررها الدكتور عزام في كلمة نقلها الناقد نفسه؟ هل يسميها (لكلكة)؟
وما رأيه في معلفة زهير، وقد كرر كلمة (من) أربع عشرة مرة في عشرة أبيات؟
وكيف يحرم على ما قلبته الأجيال الطوال من زهير؟
وهناك فقرات للكاتب الشاعر لامرتين ورد فيها مثل هذا التكرار، فهل يحب أن أنقلها إليه ليعرف أن التكرار قد يكون جميلاً جداً إذا اقتضاه المقام؟ وهل يسره أن أفحمه بذكر شواهد من السور القرآنية كان فيها التكرار من أقوى عناصر البيان؟
وما تلك الكركرة الطهوية التي يشير إليها الناقد المفضال؟ هل يظن أن في أسلوبي مشابه من أسلوب الدكتور طه حسين؟ أنا أكرم على نفسي وعلى حضرة الناقد من أن يكون أسلوبي صورة لأسلوب قديم أو حديث، وإن يسرني أن أحاكي الكاتب:
زكي مبارك
شعراء الشرق والطبيعة الغربية
حضرة الأستاذ الفاضل الجليل محرر الرسالة
قرأت مقالة طويلة في جريدة يومية سياسية تعليقاً على التصحيح الذي نشرته في الرسالة بعنوان (شعراء الشرق والطبيعة الغربية). وكأن حضرة الكاتب الفاضل لم يحسن الدفاع عن أخي علي محمود طه المهندس فوقع في الإساءة إليّ. وأنا غير مؤاخذه على ما ظهر من مكنون نيته لأمرين: أما أولهما فلأنه (عابر سبيل) كما وقع مقالته. و (عابر السبيل) إن لم يكن موضع إكرام فهو موضع إشفاق. وأما ثانيهما فلأني لا أريد أن أنقل ميدان الأدب السامي من التصحيح إلى التجريح. . .
وأنا لم يؤلمني ثناء (الاجبشان مايل) على شاعرية صديقي علي محمود طه كما يتهمني حضرة (عابر سبيل) ولم يؤلمني إيثارها (علي محمود طه) بالذكر، فذلك موضع الفرحة لا موضع الألم. وإنما آلمني أن يضع كاتب (الاجبشان مايل) حجاباً على عينه وعلى أعين القراء ليقول لهم: أن شعراء الشرق الذين طافوا بالغرب أو عشوا فيه لم يهتموا بوصف جماله وهم أكثر الناس استجابة لداعي الجمال إذا أهاب
وأنا ما زدت في كلمتي في الرسالة الماضية على أن صححت وهم مكاتب (الاجبشان مايل). وإذا كنت قد ذكرت نفسي في عداد من ذكرت من الشعراء الذين وصفوا الغرب فهو أمر ما كنت لأذكره لولا أن أرادني عليه صديقان من أعلام الصحافة والأدب والعلم في مصر. وما كان من طبعي الحديث عن نفسي في مجلس أو مكتب. فتلك خطتي يعرفها عني أصدقائي ومعارفي
ويتهم حضرة (عابر سبيل) شعراء مصر بأنهم قد قصروا عن إخوانهم شعراء الشام في وصف بلادهم ومهد أحلامهم ومراتع صباهم. وهو اتهام لا أجد له نصيباً من الحق ولا مؤيداً من الواقع. وإذا كان إخواننا شعراء الشام قد وصفوا لبنان الخالد والأرز الظليل قبل أن يصفوا الغرب، فإن إخواني شعراء مصر لم يقصروا في حق نيلهم وتاريخهم وبقايا مجدهم قبل أن يصفوا الغرب. ونهار هذه لقضية لا يحتاج إلى دليل؛ فشوقي وصف النيل بقافيته التي مطلعها:
من أي عهد في القري تتدفق ... وبأي كف في المدائن تغدق
قبل أن يصف (التيرول) في النمسا وإيطاليا في قصيدته التي يقول فيها:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري ... حتى أريك بديع صنع الباري
وصديقي الدكتور بشر فارس وصف الطبيعة المصرية في شعر لم ينشر، قبل أن يصف الفصول الأربعة في باريس وبرلين وفنلندا
وإذا كان ذكر الواقع يؤلم حضرة الأستاذ (عابر سبيل) فإنني أستأذنه في أن أذكر له لآخر مرة أن كاتب هذه الكلمة له قصائد في (النيل) تفضلت الأهرام الغراء فأفسحت لها مكاناً طيباً
وما نسى الشاعر مصري ممن أقاموا في أوربا الحنين الدائم إلى وطنه الغالي، ولم تشغله مرابع أوربا ومراتعها عن ذكر النيل وترانيم السنين فيه. . . فقد كان شوقي رحمه الله في أسبانيا وقلبه في مصر ولعل بشر فارس كان أقرب الناس روحاً إلى مصر وهو أبعد الناس عنها في شمالي أوربا
وهناك شاعر ثالث - لا نذكره هذه المرة لئلا يتألم عابر سبيل! - نشر في الأهرام سنة 1934 أبياتاً في الربيع يقول فيها:
يا طيور الربيع في أرض مصر ... أن قلبي إلى الحمى يتحرق
طال شوقي له وطال حنيني ... كل طير لغصنه يتشوق
وقد أرسل هذه الأبيات إلى مصر الغالية من مقاطعة (ديفون) الجميلة بإنجلترا
وبعد: فلقد أكسبتنا (لأجبشان مايل) بحديثها عن أخي المبدع علي محمود طه موضوعاً طيباً للكلام كما ذكر ذلك لي ولعلي طه، أحد أدبائنا العلماء
وأرجو أن أكتسب معرفة (عابر سبيل) القاهرة) حتى أؤدي له واجب الضيافة فهو له في عنقي دين
والشكر للرسالة الغراء أولاً وأخيراً
محمد عبد الغني حسن
معنى بيتين
سيدي صاحب الرسالة
في الصفحة السابعة من الجزء الأول من كتاب الأمالي لأبي علي القالي عثرت على الآتيين لشاعر لم يذكر اسمه، هما:
وما هاج هذا الشوقَ إلا حمامةُ ... تغنت على خضراءً سُمرُ قيودها
صدوحُ الضحى معروفة اللحن لم تزل ... تقود الهوى من مسُعِدٍ ويقودها
وقد التبس على معنى (سمر قيودها) في عجز البيت الأول. فأرجو شرحه على صفحات الرسالة الغراء.
(الخرطوم بحري)
ا. م. س
(الرسالة): البيتان من شعر لعلي بن عميرة الجرمي، وبعدهما:
جزوعُ جَمودُ العينِ دائمةُ البُكى ... وكيف بُكى ذي مُقلةٍ وجُمودُها مطوَّقةُ لم يضرب القْينُ فِضَّةً ... عليها، ولم يَعطلْ من الطَّوْقِ جيدُها
هكذا ذكر الأبيات أبو عبيد البكري في (سمط اللآلي شرح أمالي القالي). قال أبو عبيد: (ولم تختلف الرواية عن أبي علي يعني بها الشجرة وقيودها: أصولها وهم يصفون ما كان متمكن الري من الشجرة بالحوَّة والسواد).
وأما رواية (سمر قيودها) بالرفع فهو من صفة الحمامة، ويعني بالقيود قيود الحمامة وهي ما أحاط بساقها من صغار الريش.
بين ناقد وموسيقار
نشرت (الرسالة) في عددها السابق (338) مقالاً للأستاذ عزيز أحمد فهمي تحدث فيه برأي موزع في اتجاهات عدة أقحمها في دائرة الفن. والعابر بحديثه لا يشك في أن أهداف الكاتب اتجهت في غالبها اتجاهاً شخصياً استعان له بعدة أسماء لشخصيات مشتهرة الشأن في المجتمع المصري ما بين شعراء وموسيقيين وكتاب. وإنه ليحزنني أن أتكلم على غير عادتي فأصارح القراء بما صدمني من امتعاض شديد حين طالعت حديث الكاتب ووقفت على وجهته الأصيلة التي قد ترمي إليها نفسه لا قلمه، وهي محاولة الغض من شخصية الموسيقار النابه النابغ الأستاذ محمد عبد الوهاب على حساب الحديث عن فنه، وإني مع تقديري وإعجابي لكثير من الأبحاث الفينة التي يعرض لها الأستاذ عزيز فهمي على صفحات الرسالة، إلا أنني أرخص هذه النزعة المتفشية بين الأدباء والفنانين المصريين على الإطلاق وهي أخذ الطريق من بعضهم على بعض، والاعتصاب لكل ذي خطوة جديدة في فنه بالغض والتشهير
يا قومنا! إن الفنون لا تمرع في مثل هذه الأجواء الملوثة بالشحناء والسخائم، فدعوا حملة المشاعل يسيرون في طريقهم إلى إنقاذ هذا الوطن المسكين من الجمود الذي ضرب على الفنون الرفيعة فيه. ومن هاجت في قلبه عبقرية النقد فليعلم أن للفن عرضاً يصان ويشان. ومن كان في روحه وإحساسه بريق من إشفاق على سمعة الفن في بلاده، فعليه بالنقد العف البريء والتوجيه السديد. . . وإلا فما كان أغناني عن هذه النبأة التي أهجس بها في سبيل حق لا أعرف ولا يعرف معي إنسان أين مكانه من الأرض!
(م) إنشاء مكتبة إلى جانب ضريح أبي العلاء
زار مسيو بونور مستشار المعارف في المفوضية الفرنسية العليا ببيروت، معرة النعمان في شمالي سوريا، للإشراف على إنشاء قبر للشاعر العربي الفيلسوف أبي العلاء المعري
وقد درس مسيو بونور، وهو من كبار الأدباء المستشرقين مع السلطات المحلية مشروع إنشاء مكتبة عربية وأجنبية إلى جانب القبر، تجمع فيها مؤلفات الشاعر والكتب التي تحدثت عنه وعن أدبه وشعره في جميع اللغات والأمصار. على أن يجري الاحتفال بافتتاح هذه المكتبة بعد تشييد الضريح والبناء المجاور الذي سيضم مدرسة للذكور والإناث بحضور مندوبي جميع الممالك الشرقية والأقطار العربية وممثلي جامعاتها وكبار أدبائها وشعرائها
وسيكون هذا المهرجان على مثال المهرجان الألفي لشاعر إيران الفردوسي الذي أقيم منذ سنوات في طهران
وتتقبل بلدية المعرة منذ الآن مع الشكر كل ما يريد المؤلفون والعلماء والمستشرقون وأصحاب المكاتب الخاصة في الأقطار العربية وغيرها إهداءه إلى هذه المكتبة من الكتب المطبوعة والمخطوطة والمجلات التي تحوي أبحاثاً خاصة بأبي العلاء على أن تسجل كل كتاب على اسم مهديه في سجلات البلدية والمكتبة. والبلدية مستعدة لدفع أجور البريد لهذه الكتب المهداة إذا لم يلصق عليها مهدوها الطوابع اللازمة. وهي على ثقة من أن هذا المشروع سيلقى ما يستحقه من المساعدة والتشجيع في جميع الأقطار العربية وغيرها من البلاد الكثيرة التي تعرف أبا العلاء المعري وتحرس على إحياء ذكراه
حديث أبي هريرة في ذم الشعر
قرأت ما جاء في عدد 338 من مجلة الرسالة الغراء عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً فَيَرِيَهُ خير له من أن يمتلئ شعراً) وهذا الحديث رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن وغيرهم عن أبي هريرة وغيره، وقد جاء في وراية ابن عدي جابر (لأن يمتلئ جوف الرجل قيحاً أو دماً خير له من أن يمتلئ شعراً مما هجيت به) والروايات يفسر تعضها بعضاً كما هو مشهور في علم الحديث، ولا يصح أن يفهم من رواية أبي هريرة ذم الشعر على إطلاقه، وتهجين حسنه وقبيحه، وهذا مع أني لم أسقه هذا المساق، لأن أصل كلامي في تفضيل بعض الشعر على بعض، لا في ذم الشعر على الإطلاق. وقد جاء عن النبي ﷺ في الشعر أيضاً (إنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح) رواه الدارقطني في الإفراد عن عائشة، والبخاري في الأدب، والطبراني في الأوسط، وابن الجوزي في الواهيات، عن عبد الله ابن عمر، والشافعي والبيهقي عن عروة مرسلاً
وجاء فيه أيضاً: (إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً) وهو حديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم
عبد المتعال الصعيدي