مجلة الرسالة/العدد 337/البريد الأدبي
→ من هنا ومن هناك | مجلة الرسالة - العدد 337 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
رسالة النقد ← |
بتاريخ: 18 - 12 - 1939 |
نهج البلاغة
إلى حضرة الأستاذ البارع الفاضل (سائل) من (العراق) في مجلة العرب (الرسالة).
(نهج البلاغة) يا أخي - من كتب إخواننا الإمامية، ومن الكنوز العربية، وهو مجموعة مصطفاة، وإن لم يحبره سيدنا عليّ (رضوان الله عليه) فقد انتقاه وحبره علويين كما زخرف محدثون و (كل حزب بما لديهم فرحون) وإن همهم تحقيق وتأريخ، فقد ابتهج الأدب واللغة. ولولا إبداع المبدعين أو صوغ الصياغين ما ورثنا هذه الثروة الفخمة الضخمة في الأدب العربي. وليس عندي اليوم مزيد على ما قلته في (نهج البلاغة) في (كلمة في اللغة العربية) وفي (الإسلام الصحيح) وإذا لم يكن ما خططته في الكتابين (كلمة الفصل) فربما كان (فصلاً من الفصول) المرْصَنة فيه.
محمد إسعاف النشاشيبي
في كلية الآداب
كتب الأديب عبد الرحمن بدوي في عدد الرسالة الماضي كلمة حاول الرد فيها على إشارة الدكتور بشر فارس ومقالات غيره من الجامعيين التي ظهرت متعاقبة في الرسالة تحت عنوان (في كلية الآداب) وكان الغرض منها ذكر ما ينعم به مدرس أجنبي عندنا من حظوة وما يلاقيه المصريّ المماثل له من ضيق. ونحن ندهش كيف لم يتعرض لنا غيره مع علمنا بانتشار ما أذيع هنا في الدوائر المسئولة وإحداثه ما يستحق من تأثير. ولولا الخوف من أثر ما قد يحدثه كلام الكاتب في نفوس بعض القراء ما تعرّضنا اليوم للكشف عن اغتصابه للدفاع وتهافته فيه.
يقول: (أما مسألة استقدام الدكتور بينس فهي في ذاتها أمنية تجيش في نفوسنا نحن المدرسين المصريين المستقلين أو المشتغلين بالفلسفة الإسلامية الخ)، والذي نعرفه - وأمامنا برامج دروس كلية الآداب لهذا العام - أن الكاتب لا علاقة له بتدريس الفلسفة السلامية في الكلية، وإنما هو طالب في قسم (الماجستير) فهو يتصف بغير صفته، وقد قال بعد ذلك إنه مصري يعز عليه الدفاع عن أجنبي إزاء مواطنين، ويحق له أن يعتذر عن ذلك ولا سيما إذا تذكر انتماءه إلى طائفة الشباب التي اشتهرت في حين ما بالعداء المتطرِّف لكل ما هو أجنبي. ألم تنشر (مصر الفتاة) صيف 1937 مقالاً تهكمياً عن هذا المدرس الأجنبي لما حظي إذ ذاك بمكافأة للسفر إلى باريس؟ وهذه المكافأة هي إحدى الحقائق التي ينكرها الكاتب ويحاول تكذيبها اليوم.
وعلى ذلك فإذا تعرض بدوي لما لا يعنيه، وتعامى عن الواقع الذي ثار له هو وإخوانه من قبل، فاغتصب الدفاع عما كاد يتم لولا ما كتب في الرسالة فهنالك ما أومن أنه دفعه إلى ذلك دفعاً، وبئس التوجيه في مثل هذه الحال، ومتى استقر التوجيه قام الشك. وعليه فإننا في هذه الكلمة نزدري دفاعه المغتصب، وإنما غرضنا أن نبين له كيف يجري قلمه بغير ضابط وهو يطلب العلم العالي.
على أن الكاتب المدافع لا يتردد في تعمد المغالطة. وبيان هذا أن الدكتور بشر فارس، وله الفضل في إثارة المسألة، أشار فيما أشار إلى (تلطف) ذلك المدرس الأجنبي للظفر بإدارة المكتبة العامة للجامعة. ولكن بدوي أفندي تكلم عن مكتبة الكلية ومكتبة معهد من معاهدها مع علمه أن الإشراف على مثل هذه المكتبات لا يحتاج إلى مدير. وأما إشادته بفضل المدرس المشار إليه في ترتيب المكتبة الخاصة بقسم اللغة العربية، فإننا نؤكد أننا لم نسمع من قبل مدحاً لهذا العمل، بل سمعنا من المختصين بفن المكتبات الشكوى منه. ويبرر شكواهم أن هذه المكتبة الفرعية لم يستقر لها نظام بعد، وأن وجودها على ما هي عليه معطل للنظام القائم في المكتبة العامة. وما دمنا ملزمين بالكشف عن تهافت السيد بدوي في دفاعه فإنا نزيد: كيف يأذن لنفسه أن يقول في وصف الشاب (بينس) بأنه (مستشرق ممتاز، وقطب من أقطاب الجيل)؟ وادَّعى أن الدكتور بشر تجاهل اسمه! أن (بينس) لا يحمل إلا الدكتوراه الألمانية العادية، وهي شهادة لا تقنع بها كلية الآداب ولا الجامعة الأزهرية من أعضاء بعثاتها إذ تلزمانهم نيل إجازة التدريس العالي في ألمانيا وهي (الهابلتاسيون). فضلاً عن أن دكتوراه (بينس) لم تقبلها جامعة باريس معادلة لشهادة (الليسانس في الآداب الفرنسية) يوم تلمس الرجل الانتساب إلى جامعة باريس ليظفر منها بالدكتوراه.
ومما يدل أيضاً على عدم تحوط المدافع في الكتابة أنه قال: إن (بينس) (بدأ يتبوّأ مركز الصدارة في حركة الاستشراق بعد أن انقضى الجيل السابق من المستشرقين أو كاد بعد موت المرحوم نلّينو). ألم يسمع الكاتب من أساتذته أنه لا يزال من المستشرقين على قيد الحياة أندادٌ لنلّينو العظيم ومن جيله، وبين قراء الرسالة من يعرف بروكلمَنْ ولتمْنْ وشيدَر ورِتَّر وفِشَر وهرتمَن في ألمانيا. ثم مارْسيه ودومامبين في فرنسا. ومرغوليوث ومِتْفُخ ورُسّ مثلاً في إنجلترا، وبالاثيوس في أسبانيا، ونيبرج في أسوج؟
ثم إن الكاتب يجدّ في ترويج البضاعة المزجاة فيترخص في استعمال الألفاظ ويسرف في سوء الظن ويقول: إن الدكتور بشر حرص على إرضاء شهوة صديقه (يعنينا) في أن ينال من هذا المدرس الأجنبي، والدكتور بشر وزملاؤه من الجامعيين لا يعنيهم أمر هذا المدرس على وجه التخصيص بقدر ما يعنيهم إنصاف المصري والرفق بماله، كما تعنيهم فوق ذلك مصلحة الثقافة إطلاقاً.
وأحب أن أختم هذه الكلمة بقولي للكاتب ومن دفعه إلى الكتابة إننا نعلم اليوم حق العلم أن كلية الآداب لن تستقدم (بينس) بالرغم من سعي بعضهم. والفضل في ذلك راجع إلى ما أثير في مجلة الرسالة.
(جامعي آخر)
1 - جائزة نوبل تمنح لأديب فنلندي
منحت جائزة نوبل في هذا العام لأديب بارع من فنلندا اسمه ? ?، وقد أجمع أهل الرأي في الأدب على أن هذا الأديب هو أعظم قصصي عرفته فنلندا في هذا القرن من حيث طرافة مادته، وخصوبة خياله، وغزارة بيانه.
ولد هذا الأديب سنة 1888، في أسرة فقيرة معدمة، بين أحضان إحدى القرى. فقضى طفولته، وشطراً من صباه، بعيداً عن المدن، بين غابات الصنوبر وشطآن البحيرات، ومال إلى الأدب والشعر مذ كان يافعاً. ثم انكب على المطالعة الشخصية حتى استطاع أن يصبح الأديب الأول في بلاده. فلما كانت سنة 1916 أخرج للناس كتابه الأول (الحياة والشمس) فبهر الناس بوصف رائع للطبيعة، يجذب ويغري. ثم أتبعه بكتابه الثاني (البؤس المقدس). وقد نقل هذا الكتاب إلى الفرنسية. ثم اختص بالأقاصيص، فأخرج: (وطني العزيز) و (بالقرب من الأرض).
وفي سنة 1928 أخرج (اعترافاته) فأحدث أثراً في فنلندا، وقد شبه الناقدون كتابه هذا، بالزهرة المتفتحة ذات الأريج العطر المسكر. لأنه كان فيه بعيداً عن التكلف والنحت، سهلاً متدفقاً رائعاً.
وكان يؤخذ على أديب فنلندا الأكبر الإطناب وعدم الدقة، وهذا المأخذ لا يأتي من ضعف الشخصية المبدعة، ولكن من قلة إعمال الفكر والملاحظة. على أنه نجا من هذا العيب في كتابه الذي أسماه (ماتت في ريعان الصبى)، وقد ترجم إلى كثير من اللغات ويعد أروع ما أخرجه للناس.
ونستطيع أن نقدّم لهذه القصّة خلاصة موجزة لشأنها الكبير: فقد كان لزوجين من أغنياء القرويين ولد فرد، تزوج فتاة من أقرباء أبيه. ولم يلبث طويلاً حتى قضى أبوه ولحقت به أمه. فبدأ يعاني جفوة الزمان وإهمال الزوج. فقد كانت زوجه ضعيفة الخلق مريضة الجسم، لا تستطيع أن تشد أزره أو تساعده على تدبير أطيانه واستثمار أمواله. ولم يكن ذا بأس شديد أو حزم ماض أو إرادة صلبة، فبدأ الناس يسلبونه ماله، ويوقعون بينه وبين أعوانه، فاضطر إلى بيع أراضيه الواسعة وحقوله الشاسعة، وداره التي رأى النور فيها، ومنزله الذي عاش فيه أبواه ومن قبلهما أجداده. فخشي الذل، ورحل إلى قرية مجاورة وعاش فيها يُعاني ألم الفقر وبؤس العوز، ثم فجع في زوجته التي قضت نحبها أسيانة حزينة.
وعاش الرجل (غوستاف) مع ابنته (سليجا) التي تركتها زوجته من خلفها، وكان شديد الحب لها، والتعلق بها، ولكنه لم يمتّع بالعيش معها طويلاً، بل مات وعمرها خمسة عشر عاماً. فاضطرها اليتم والفقر إلى الخدمة في قرية مجاورة. وكانت حلوة العينين، عذبة الكلام، أنيقة الجمال؛ وكانت تؤثر الوحدة والانفراد إذا فرغت من عملها على الاختلاط بالناس. وما كان أحد ليستطيع معرفة ما يجول في خاطرها ويعجّ في نفسها. فلما تخطت العشرين من عمرها التحقت بخدمة شيخ كان أستاذاً في إحدى الجامعات فحنا عليها بلطفه وآثرها بعطفه، فذاقت الراحة وعرفت لهناء وساعدها الزمان، فعرفها شاب اسمه (أرماس) أتى من المدينة ليصيف، فتحابَّا وقضيا ليلة (تدنيه ويدنيها) حتى إذا كان طفل الغداة تلقى كتاباً ينبئه بمرض أصاب أمه وكاد يهلكها فتفارقا، وكان العام 1917 في أوائله والحرب مستعرة الأوار، والفوضى ضاربة إطنابها في كل مكان.
ومرضت (سيلجا) وما شفيت إلا بعد زمن طويل، وكان الأستاذ الشيخ قد اضطر إلى الرحيل، فتركته والتحقت بخدمة أناس آخرين، فعاودها المرض، وكانت تدعو ربها أن يعيد إليها (أرماس) وأن ينقذه من شر الحرب الأهلية التي قامت آنئذ وأن يقيه شر الجنود الحمر الذين هاجموا البلاد. وأضنى المرض جسمها فعجزت عن العمل، ولكن سيدتها أبقتها طمعاً في صُبابة مال كانت ادخرتها، وآوتها في غرفة حقيرة قطَّعت فيها أيامها الأخيرة وهي راضية مطمئنة لا تأبه بمرضها ولا تخشى الموت، معتقدة أنها ستلقى يوماً خطيبها الشاب الذي أحبته، والذي أصيب بمرض في صدره، وقطع الحمر رجله. وتفقدوها ذات يوم فألفوها ميتة وهي تبسم.
ويُعدُّ هذا الأديب مجدِّداً، فقد أعرض عن الأقوال السالفة والتعابير السخيفة التي لجأ إليها من سبقه من الكتاب، ولا تصلح الآن، وابتدع أقوالاً وتشبيهات كثيرة ترقص وتعجب.
صلاح الدين المنجد
2 - خير الدين الزركلي الكاتب
قرأت في ثنايا نقد الدكتور بشر فارس لتاريخ الآداب العربية لبروكملن أن هذا المستشرق قد جعل خير الدين الزركلي في عداد الكتاب. على أن خير الدين ليس بكاتب، ولا يصح أن نسميه كاتباً لئلا تنهار شهرته، لأن ما أخرجه للناس في النثر ليس بشيء، اللهم إلا (أعلامه) وكلها جمع.
أما ميزة خير الدين فهي في شعره. ولقد كان - وأعني خير الدين الشاعر، لا خير الدين الموظف - من أرق شعرائنا وأنصعهم ديباجة، وأحلاهم شعراً؛ ولقد كان في طليعة شعراء سورية المطبوعين السباقين.
ونقد الدكتور بشر يبين للناس خلط بعض هؤلاء. . . وهل من الدقة ومن البحث والتحقيق جعل الشعراء كتاباً ومنح الألقاب من لا ألقاب لهم!
ص. ا شعراء الشرق والطبيعة الغربية
اطلعت في عدد يوم الأحد الماضي من جريدة (الإجبشان مايل) الإنجليزية على كلمة كتبها مكاتب فاضل بمناسبة قصيدة أخي الشاعر الأستاذ علي محمود طه (أغنية الجندول) التي غناها الأستاذ عبد الوهاب في الإذاعة المصرية.
وكل ما جاء في الإجبشان مايل خاصاً بشاعرية صديقي فهو حق؛ وصديقي شاعر مجيد له وثبات وومضات معروفة. إلا أن الكاتب الفاضل ذكر أن علي محمود طه (هو الشاعر الشرقي الوحيد الذي سحر بجمال الطبيعة في الغرب وسجل هذا الجمال في شعره الغنائي).
والواقع أن هذا الكلام بعيد من الحق كل البعد. ففي الشرق شعراء كثيرون اطلعوا على مباهج الطبيعة في الغرب وسجلوها في شعرهم قبل أن يشدو علي محمود طه ببيت، وقبل أن يزور أوربا زيارته العابرة بزمن طويل.
وإذا خلَّينا شوقيّاً وحافظاً ومطران فهناك كثير من الشعراء الشرقيين تغنوا بمحاسن الطبيعة الغربية في شعر عربي جميل.
أين إيليا أبو ماضي وقصيدته (العوسجة) وأين مخائيل نعيمة وقصيدته الخالدة (النهر المتجمد) وأين شكر الله الجر وقصيدته (شلال تيجوكا) التي نشرت بالمقتطف سنة 1932؟
ولصديقي العتيق (في الصداقة لا في السن!) الدكتور بشر فارس قصائده الغنائية الخالدة في وصف الطبيعة الأوربية، وقد نظمها متأثراً بالجو الغربي الذي عاش فيه زمناً طويلاً، وقد نشر المقتطف أكثر قصائده منذ سنة 1928 كقصائده الأربع (الخريف، والشتاء، والربيع، والصيف في باريس)، ثم الخريف في برلين. وآخر قصائده (في جبال بافاريا) التي نشرت في مقتطف مارس سنة 1937 وأعادت نشرها مجلة (الجمهور) البيروتية في العام نفسه.
وأغلب شعر (الشاعر القروي) في وصف مجالي الطبيعة في أمريكا الجنوبية. ولزميلي الأستاذ فخري أبو السعود شعر كثير في وصف الطبيعة الأوربية وخاصة مقاطعة (ديفون) الإنجليزية التي عشنا فيها زماناً.
ولكاتب هذه الكلمة قصائد كثيرة تنشر في مجلة المقتطف من سنة 1935 إلى الآن تحت عنوان (وحي إنجلترا) نذكر منها (ديفون الجميلة) (وأرض شكسبير) (وبحيرة دندرمير) والقرية النائمة - مقتطف ديسمبر سنة 1939، وقد سجلت تذكاراً لزيارتي القصيرة للجبل الأبيض بفرنسا قصيدة في مقتطف ديسمبر سنة 1937 عنوانها: (ثلاجة الجبل الأبيض). . .
محمد عبد الغني حسن
طبع الكتب الدينية
على أثر ما نشرناه من بعض الأخطاء في طبع أحد المصاحف التي ظهرت أخيراً، اهتم فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر بالأمر، وأخذ في تحقيقه تمهيداً لمنع تداول هذا المصحف.
وقد قابل فضيلته في مكتبه فضيلة شيخ المقارئ، وصاحب المطبعة التي طبعت هذا المصحف ودار البحث حول هذا الموضوع.
وقد اعتزم فضيلة الأستاذ الأكبر اتخاذ التدابير لتنظيم الإشراف على طبع القرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير والفقه والتوحيد وما إلى ذلك من الكتب الدينية، بحيث يراجع بعض حضرات العلماء هذه الكتب في أثناء طبعها، فلا يؤذن لدور الطباعة في إصدارها إلا بعد هذه المراجعة، إذ يرى فضيلته أن وقوع أي خطأ في هذه الكتب، قد يقوم عليه حكم شرعي غير صحيح، أو يتخذ منه دعاة التأويل وسيلة لتضليل العامة.
تاريخ الأمة المصرية
أصدر معالي وزير المعارف قراراً بترجمة كتاب (تاريخ الأمة المصرية) من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. وقد جاء في ديباجة القرار أنه بالنسبة لما لهذا الكتاب الذي ألفه جماعة من المؤرخين الفرنسيين برياسة المسيو جبربيل هانوتو والذي شمله بالرعاية السامية صاحب الجلالة المغفور له الملك فؤاد الأول، من القيمة العظيمة في تصوير تاريخ مصر في عصورها المختلفة.
ولما كان من الخير أن يعم به النفع ويستطيع الرجوع إليه والانتفاع به جميع المثقفين في مصر والشرق العربي من الذين لا يحسنون اللغة الفرنسية، وتحقيقاً لما ينبغي من إغناء اللغة العربية بأن تنقل إليها أمهات الكتب الجامعة في العلم والأدب والفن، فقد تقرر ما يأتي: تؤلف لجنة لترجمة كتاب (تاريخ الأمة المصرية) إلى اللغة العربية في أسلوب قريب يسير ولمراجعة هذه الترجمة.
يكافأ المترجمون والمراجعون على ما يبذلون من جهد.
يشرف الدكتور طه حسين بك على هذه الترجمة تحقيقاً لما ينبغي بين أجزائه المختلفة من الوحدة والاتساق.
والكتاب في ستة أجزاء نيط كل جزء منه بمترجم من وزارة المعارف ومراجع من كلية الآداب.
الجيش المصري قبل عهد محمد علي باشا
تناول أحد الكتاب الأفاضل خطاب العرش، فنقده نقداً أدبياً طريفاً على صفحات (الرسالة)، غير أنه أنكر ما جاء في هذا الخطاب من أن عهد محمد علي باشا كان أول عهد لظهور الجيش المصري في الوجود.
ولكن التاريخ يحدثنا بوضوح أن مصر لم يتكون فيها جيش مصري صميم من أبنائها الخلصاء قبل عهد محمد علي باشا الكبير بزمن طويل. ولا يمتد هذا الزمن إلى الفتح العربي فحسب، بل إلى ما قبل ذلك أيضاً. إنه يمتد إلى حكم البطالسة لهذه الديار. فمنذ حكمت مصر الملكة كليوباترا، وأدت سياستها إلى الاحتلال الروماني حوالي سنة 30 قبل الميلاد، فقضى بذلك على جيش مصر قضاء مبرماً. وظلت البلاد مزرعة للرومان نحو 670 سنة حتى استنقذها منهم العرب، ومن هنا انتقل إليهم أمر احتلالها حتى ولوا أمرها أحمد بن طولون سنة 254هـ وذلك في خلافة العباسيين.
وأحمد بن طولون رجل تركي، ولكنه صنع بهذه البلاد كما صنع محمد علي باشا من بعده إذ أداه بعد نظره إلى إصلاح مرافقها والسهر على مصالحها وتدبير أموالها وتثميرها وتكوين جيش قوي لها. ثم أعلن الناس باستقلالها.
هذا ما صنعه ابن طولون، غير أن أبناءه لم يحافظوا على استقلال مصر كما حافظ، ولم يدافعوا عنها كما دافع. أما أبناء محمد علي باشا فقد حافظوا على هذا الاستقلال ودافعوا عنه، ولا يزالون مدافعين. . . ليس هذا كل الفرق بين الرجلين، بل هناك فرق لا ينسى، وهو أن بن طولون لم يستخدم في جيشه جنوداً مصرية من صميم أبناء البلاد كما فعل محمد علي، بل كان جيشه من المماليك الأتراك الديالمة. وقد أخطأ بعض المؤرخين المعاصرين ودونوا في الكتب المدرسية الحالية أن أول من استخدم المماليك الأتراك في مصر وجلبهم إليها واستعان على تثبيت سلطانه، خلفاء الفاطميين تشبهاً منهم ببني العباس. والواقع أن أول من فعل ذلك هو أحمد بن طولون، فقد ذكر القلقشندي في صبح الأعشى ما نصه عند الكلام عن ابن طولون: (وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك. وهو أول من جلب المماليك الأتراك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها). وقال ابن إياس: (قال ابن وصيف شاه: فلما تم أمر الأمير أحمد بن طولون في ولايته على مصر واستقامت أحواله بها استكثر من مشتري المماليك الديالمة حتى بلغت عدتهم أربعة وعشرين ألف مملوك).
وبعد قليل فتح الفاطميون مصر سنة 358هـ فاشتهروا باستخدام كثير من الجنود المرتزقة من أمم شتى، فتكوَّن الجيش في عهدهم من أتراك وعرب ومغاربة ومصامدة وصقالبة وروم وعبيد وغيرهم. وكان عدم التجانس بين فصائل الجيش الفاطمي سبباً قوياً لنزاع طال بين هذه الأجناس أدى إلى زوال الدولة.
وخلفها صلاح الدين الأيوبي عام 567هـ فقضى على نظام الجيش الفاطمي المضطرب، ورغب في توحيد جنس فصائل جيشه، ولكنه بدلاً من أن يتجه إلى أبناء مصر فيتخذ منهم حاجته من قادة وجند، استعار ذلك من الجنس الكردي.
وفي أواخر الدولة الأيوبية استكثر الملك الصالح الأيوبي من شراء المماليك الأتراك ونشأهم تنشئة عسكرية وأطلق عليهم اسم (البحرية) وهم الذين انتزعوا حكم البلاد من يد الأيوبيين سنة 648هـ وأسسوا دولة المماليك. . .
وفي عهد هذه الدولة الجديدة أصبح شراء المماليك الجدد وتزويد الجيش منهم سنة متبعة لبث زهاء ثلاثة قرون انقسمت فيها جنود المماليك إلى طوائف متنابذة كان تنابذها وبالاً على مصر، على الرغم من خدماتها الجليلة التي يعترف بها التاريخ.
وقد زالت دولتا المماليك بواسطة الاحتلال العثماني عام 923هـ ولم يعد في مصر جيش خاص بها لا من أبنائها ولا من الطارئين عليها. وتضافرت عليها الكوارث في ذلك العهد البغيض حتى أنقذها من براثن العثمانيين هذا العصامي النابه محمد علي باشا. وكان من جملة ما قام به وفي مقدمة حسناته إلى مصر أن دفع أبناءها إلى ميدان الجندية وفتح لهم المدارس الحربية وغرس فيهم معنى المصرية الصحيحة ونبه روح الإقدام والتضحية ونال من وراء ذلك جاهاً عريضاً وملكاً كبيراً. وعاد جيش مصر لأول مرة في التاريخ بعد زمن البطالسة.
محمود رزق سليم
ذكرى ابن الهيثم
ستحتفل الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية في الساعة السادسة من يوم الخميس 21 ديسمبر بقاعة الاجتماعات الكبرى بالجامعة المصرية بذكرى الحسن بن الحسن بن الهيثم العالم العربي الذي عاش في القاهرة، بمناسبة مرور تسعة قرون على وفاته. وسيكون الاحتفال تحت رياسة الأمير محمد عبد المنعم رئيس الشرف للجمعية، وسيلقي كلمة الافتتاح حضرة صاحب السعادة أحمد لطفي السيد باشا مدير الجامعة، ثم يعقبه معالي الأستاذ مصطفى عبد الرزاق بك وزير الأوقاف السابق؛ ثم يتكلم عن ابن الهيثم من نواحيه الرياضية والطبيعية والفلكية والهندسية الأساتذة: الدكتور علي مصطفى مشرفة بك عميد كلية العلوم، ومصطفى نظيف بك أستاذ الطبيعة بكلية الهندسة، والدكتور محمد رضا مدور مدير مرصد حلوان، والدكتور محمد محمود غالي بمصلحة الطبيعيات. وكلهم من أعضاء مجلس إدارة الجمعية. ثم يتناول الدكتور حجاب مدير مكتبة الجامعة الموضوع من الناحية الببليوغرافية. والاحتفال بذكرى عالم من علمائنا العظام على هذه الصورة العظيمة عمل عظيم يسجل لهذه الجمعية الجليلة بالحمد والشكر.