مجلة الرسالة/العدد 329/حوّاء
→ استطلاع صحفي | مجلة الرسالة - العدد 329 حوّاء [[مؤلف:|]] |
إلى نجمتي النائية ← |
بتاريخ: 23 - 10 - 1939 |
للأستاذ علي أحمد باكثير
قلبي يحن إلى عهودك ... وإلى رضائك أو صدودك
وإلى محيّاً ساهمٍ ... فيه الفضاء على عميدك
فيه شكاياتي وأح ... زاني وآلامي وياسي
وضناي فيه ووحدتي ... من غير آسٍ أو مُوَاسِ
يرثِى له قلبي فلا ... يرثِى لغير مُصَابه. . .
فكأنه المرآة يُبْ ... صر فيه قلبيَ ما به!
حتَّى إذا ما افترّ ثغ ... رُكِ عن ثناياك العِذاب
وهفا الضياء على لَمَا ... ك كأنه العسل المُذَاب
وتلألأت عيناك وان ... بثق الشُعاع الحالمُ
خطرَتْ لِي الدنيا بِفي ... كِ فكل شيء باسم!
خطرت كوجه الأُمِّ يب ... سم للوليد الراضعِ
يسري بعَيْنَيها على ... نَهَر النعيم الواسع!
عَقَلَ ابتسامتَها لأوَّل ... مرّةٍ في عُمره
فرنا بِطَرْفٍ فيه أوَّلُ ... خفقةٍ مِنْ فكره!
عقل الحقيقة كالخيال ... هناك في تلك الدقيقة
ولطالما مِنْ قَبْلُ كا ... ن له الحيال هو الحقيقة
أو كالوجود بدَتْ لِعَيْ ... نَيْ شاعرٍ أسرارُه
في لحظةٍ مِنْ وحيِهِ إنْ ... هتكتْ له أستاره
فكأنه لم يَدْرِ أوْ ... يَرَ قَبْلها في الكون شيا
أو كان صخراً مسَّه ... سرُّ الإله فقام حيَّا
يا نظرةً كُنْتُ الولي ... د بها وكنتُ الشاعرا!
والأمَّ كنت بها وكنْ ... تِ بها الوجود السَّاحِرا
ما كان ثَمّةَ غيرُ عي ... ن الله ترعانا حنان وكأنه مِنْ عَطْفِه ... إذ ذاك لم يخلُقْ سوانا!
يا ليت شعري هَلْ أَحسَّ ... بمثل ما أحسَسْتُ آدم
لما بدوتِ لعيِنِه ... حَوَّاَء في عهد تقادم؟
فهفا إليك كما هفوتُ ... وما له أمٌّ سواكِ
فرحمتِه وجرتْ على ... أطراف جُمَّتِهِ يداك!
أخْرجتِ آدم مِنْ جنا ... ن الخُلد لكن كُنِتها له!
أنقذته بهواك من ... تلك السآمة والملالة
فأحسَّ في الدنيا الشقا ... َء وكابَد الألم الكبيرا
فَازْدَادَ بِالسَّرّاء وال ... نَّعماء في الدنيا شعورا
ما بالُ آدمك الجدي ... د تركتِه في شِقوته؟
لم ترحمي بلواه إذْ ... أخرجتِه من جنَّته
قد كان يأمل إذ عصى ... مولاه فيك مزيد عطفك
ويح الشقيَّ. . . حَرَمْته ... مِنْ لطف مولاه ولطفك!
أهبطتِه من جَنَّتَيْ ... هِ فهام في الدنيا شريدا
يبكيك في المأوى ويب ... كي عهدك العهد السعيدا!
كيف السبيل إلى الرجو ... ع إلى نعيمي السَّالفِ؟
وشفاء حَرَّى مهجتي ... وسكون قلبي الواجب
وبأيّ وجهٍ بعد عصْ ... يانِيهِ ألقى وجه ربي؟
ولئن جَرُؤتُ فَمنْ لقلبي ... في يمينكِ. . . مَنْ لقلبي؟
أأجيئه مِنْ غير قلبٍ؟ ... كيف كيف يكون ذاكِ؟
ردّيه لي أطلُبْ رضا ... هُ حيْنَ لم أدرِك رضاك!
حوّاء ذات العدْلِ! فيْم ... عَدَلْت إلاَّ فيَّ وحدي؟
وعلامَ يا حَوّاء حافظةَ ال ... عهود نسيتِ عهدي؟
لم تُنْصفيني إذْ بَرَرْ ... تِ بآدمٍ وقطعتِ حَبْلي
وهو الذي ما إنْ حَملْ ... تِ به ولم تضعيه مِثلِي! أنا منكِ يا حوَّاء. . . أج ... در بالحنان. . . وليس منكِ
إن كنتِ منه فتلك بَع ... دُ مزيّةٌ تُقصيه عنك. . .
إن الحياة تَعُقُّ بِنتاً ... دأبَها وتَبِرُّ أُمَّا. . .
هلاّ سلكتِ سبيلها ... فقسمتِ لي بالبؤس نعمي!
أم شئتِ أن تلغي الوجو ... دِ لتبْدئي في الخلق طَوْرا؟
لم تُغفَرِ الأولى. . . أأجْنِئ ... فيكِ يا حوَّاءُ أخرى؟!
علي أحمد باكثير