مجلة الرسالة/العدد 327/من هنا ومن هناك
→ رسالة العلم | مجلة الرسالة - العدد 327 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 09 - 10 - 1939 |
ألمانيا وإيطاليا عند مفترق الطريق
(عن مجلة (باريد))
قد يخطر على بال الكثيرين ممن يتتبعون الحركة الفاشية في أوربا، أن الشعب الإيطالي والشعب الألماني مرتبطان برباط وثيق العرى، في الميول والعواطف، وأن مظاهر الحياة العامة متفقة في الدولتين المتحدتين
والحقيقة أن الصلة بين جماعة النازي في ألمانيا، وجماعة الفاشستي في إيطاليا، صلة بين الحكومتين فحسب من حيث وجهة النظر الخارجية، أو ما يسمى محور برلين رومه
وقد كتبت لادي درا موندهاي في مجلة (كانديان هوم) مقالاً في هذا الموضوع قالت فيه إنها زارت البلدين في الأيام الأخيرة، وخبرت أحوالهما عن كثب، وتستطيع أن تقرر أن الشعب الإيطالي ليست له ميول خاصة نحو ألمانيا، وقد سمعت كثيراً من النقد اللاذع ضد ألمانيا على ألسنة بعض الإيطاليين الذين لم يرتاحوا إلى تقليد إيطاليا لها
وقد راعها ما رأته من الفرق الشاسع بين مظاهر الحياة في كل من البلدين الدكتاتوريين. فقد دب الفساد إلى كل شيء في ألمانيا، فالطعام لا يخلو من الغش، والنقص يعتور كافة السلع المعروضة في الأسواق. أما في إيطاليا فالأمر على خلاف ذلك، إذ تستطيع أن تجد فيها ما تريد بغير مشقة. وفي ألمانيا تنتشر الجاسوسية في كل مكان فلا تمشي خطوة أو تتكلم كلمة إلا وعليك رقيب يعد عليك كل خطوة ويحصي كل كلمة فلا يمكنك أن تعيش ساعة بعيداً عن الشكوك التي تحيطك من كل جانب. أما في إيطاليا فحرية الكلام مكفولة ومباحة بصفة نسبية. وقد تمر في بعض شوارع ألمانيا فلا تجد غير بريق الملابس الحربية ومناظر الجنود تملأ الرحب. ولكنك في إيطاليا لا تبرح ترى أسراب السيدات المتأنقات يدلفن إليك من كل فج، والأهالي ينصرفون إلى أعمالهم بغير رقيب أو حسيب
وتقول ليدي درا موندهاي: لقد وجدت الحالة في ألمانيا على وجه العموم ثقيلة لا تطاق، ولقد اعتدت زيارة ألمانيا منذ خمس عشرة سنة وكنت أزورها أكثر من مرة في العام الواحد، ولي فيها أصدقاء كثيرون، فإذا حكمت عليها الآن فإنني لا أحكم عن جهل. لقد غابت مظاهر الحياة عن الوجوه، وغربت الابتسامة التي كانت تشرق على أفواه بعض العابرين في الطريق، ووصلت ملابس المرأة الألمانية إلى درجة بعيدة من البساطة، كما أن أدوات الزينة والطلاء قد أدركها العجز الشديد. وتقول ليدي درا موندهاي: إنها سمعت من الحلاق الذي تتردد عليه أن صناعة إصلاح الشعر وفن التجميل على وجه العموم قد أدركهما الفناء في ألمانيا. وقد أصبحت مظاهر الابتهاج في برلين أقل منها في المدن الصغيرة، إذ أن طرد اليهود والضغط على حرياتهم قد حرم هذه المدينة وغيرها من المدن الكبيرة مظاهر الأبهة والعظمة وعناصر التسلية المحبوبة، فمما لا شك فيه أن عنصر اليهود كان له أثر عظيم في حياة ألمانيا التجارية والاجتماعية والثقافية
أما في إيطاليا فإن القوانين التي شرعت لاضطهاد اليهود ليس لها أثر في الحياة العامة. وقد تجد كثيراً من الإيطاليين يتوددون إلى أصدقائهم اليهود ليثبتوا لهم الوفاء والإخلاص ولو كرهت الحكومة ما يفعلون.
الألمان يحشدون في مصانع الحكومة
(ملخصة عن (لاريفي هيدومادير))
لعل أهم مظاهر التغير في ألمانيا اليوم، هي تحويل عدد كبير من الأهالي، إلى مجرد عمال في مصانع الحكومة، ومما يستفاد من تقرير حديث عن لجنة العمال الألمانية، أن عدد المشتغلين بالمصنوعات اليدوية ممن تزيد سنهم على الستين، قد تزايد في الأيام الأخيرة؛ فأصبح 283000 بعد أن كان لا يزيد على 187000 في السنين الماضية وقد وجد بين هؤلاء العمال نحو ستين ألف عامل تزيد سنهم على السبعين، وتدل هذه الأرقام على أن الرجل في ألمانيا مطالب بأن يشتغل ويكدح، ولو تقدمت به السن وأنهكته السنون
وقد أخذت الحكومة في الأيام الأخيرة تستدرج أصحاب الحوانيت الصغيرة من العمال إلى مصانعها حيث تسخرهم في شتى الأعمال التي تطلبها حكومة النازي، وصدر مرسوم بإباحة إغلاق الحوانيت الصغيرة، إذا كان أصحابها قادرين على العمل في مصانع الحكومة، ويطبق هذا القانون على أصحاب الحوانيت الذين يعجزون عن دفع الضرائب
وقد تبين أن عدد المطاعم الصغيرة في ألمانيا قد نقص من 22800 سنة 1934 إلى 20000 في سنة 1938 وفي مايو سنة 1939 أعلنت الحكومة أنه من المحتمل إغلاق عدد يتراوح من 8000 إلى 10000 من المتاجر والحوانيت الأخرى على التدريج
ومما لاحظه البنك الأهلي الألماني في أحد تقاريره المالية أن 670000 نفس حشدوا فعلاً للعمل بالمصانع
وجاء في تقرير للدكتور ك. هابفور، وهو من كبار موظفي الحكومة، أن المليوني عامل الذين تحتاجهم ألمانيا لمصانعها تستطيع أن تجمعهم بشتى الطرق، ولو أدى الأمر إلى حشد العجزة والمقعدين إلى المصانع، ووضعهم في الأعمال التي يليقون لها
ويقول هذا الموظف: لا حرج على الحكومة في إرسال الموظفين والسعاة والخدم إلى المصانع وإصدار قانون السخرة إذا احتاج الأمر
وتقول صحيفة ألمانية: إن النساء في مصانع الحكومة يشعرن بشيء من الرهبة والخوف وهن يشتغلن تحت الرقابة الشديدة فتضطرب أعمالهن في كثير من الأحيان، وإن كن يرغبن في أدائها على أكمل الوجوه
فما هو السبب الذي يؤدي إلى اضطراب المرأة هذا الاضطراب وهي مقبلة على عملها برغبة حقه؟ إن مظاهر الخوف التي تحيط بها تدعوها إلى ذلك الارتباك، فهي معرضة لأشد التهم وأنكى العقوبات على الدوام وإن كانت تبذل ما في وسعها للقيام بعملها خير قيام؛ وتلاقي السلطات الألمانية صعوبة لا يستهان بها مع العمال وإن كانوا من خيرة الرجال الأخصائيين، فهم يتعمدون الإبطاء في إنجاز أعمالهم التي تتطلب السرعة والإنجاز وقل أن يولوها العناية الكافية، إذ أنهم مساقون إلى العمل في تلك المصانع تحت حكم الإرهاب
الطعام والخرافة
(عن
لم يخل عصر من الخرافات العجيبة حول الطعام الذي يأكله الناس. فقد كانوا في القرون الوسطى مثلاً، يتوجسون من تعاطي الفاكهة الطازجة، وكان أكثر الناس في ذلك العهد يعتقدون أنها تسبب الحميات ومما يروى أن جالينوس كان يعتقد أن أباه لم يعمر طويلاً لأنه كان يتحامى تناول الفاكهة، ولعل هذا كان أول باعث على انتشار هذه الفكرة. ومما جعل هذا الرأي يزداد رسوخاً في أذهان الناس على مر الأجيال ازدياد عدد من يموتون بالزحار والتيفوس في أشهر الصيف. وقد مضت قرون عديدة قبل أن يستطيع الناس أن يعرفوا أن هذه الأمراض تنتقل إلى الإنسان مع الماء الذي يشربه. وكانوا يحرمون على الطبقة الدنيا تناول الخضروات، فكان طعامهم مقصوراً على الكراث والبصل والجرجير والحمص ومنتجات الألبان. ومن ثم كان الأغنياء يترفعون عن تناول الزبد، ويعدونه من طعام الفقراء
وكانوا في تلك العصور يستقبلون الفاكهة الجديدة بتحفظ شديد، فلما ظهرت الطماطم في القرن التاسع عشر، كانوا يضعونها على المائدة لأجل الزينة فحسب، فلما بدأت تظهر في الأسواق العامة، وأخذ البعض يقبلون على شرائها، شاع بين الناس أنها تسبب مرض السرطان فكفوا عن أكلها، وما زالت هذه الفكرة المضحكة متسلطة على أذهان العامة والخاصة إلى عهد قريب
أما الخرافات حول الطعام في العصر الحديث، فأكثرها يدور حول الرشاقة، ومحاولة تخفيض الوزن. ومما لا شك فيه أن زيادة السمن تأتي من تناول كمية من الطعام تزيد على حاجة الجسم؛ فالرجل الذي يتعاطى مقداراً كبيراً من الطعام يزيد على المقدار الذي يستهلكه الجسم لابد أن يزيد وزنه. ولا شيء يمنع جسمه من التضخم، إلا التمرينات الرياضية التي تعادل هذه الزيادة في الطعام. ومن الجهل الفاضح ما يتحدثون به عن صلاحية بعض الأطعمة لإزالة السمن أو المساعدة على الرشاقة، فلا يوجد طعام قابل للهضم والتغذية يؤدي إلى تخفيف الوزن. وإن كان بعض الأطعمة أقل من البعض في التغذية
ومن العقائد الخاطئة التي أعتقدها الكثيرون، أن الخبز القديد أقل من الخبز المعتاد في زيادة السمن. وهذا مخالف للواقع كل المخالفة. إذ أن تقديد الخبز لا ينقص منه شيئاً غير الماء ويبقى الخبز كما هو.