مجلة الرسالة/العدد 326/من هنا ومن هناك
→ رسالة العلم | مجلة الرسالة - العدد 326 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 02 - 10 - 1939 |
دانزج موطن النزاع
(ملخصة عن (باري ميدي))
لم يكن يخطر ببال أحد في السنين الأخيرة أن مدينة دانزج التي كانت
موضع نزاع الدول في غابر الأزمان، ستحتل المكان الأول في سياسة
أوربا المسلحة اليوم
وتعد دانزج من أقدم مدن العالم، فقد ظهرت في عالم الوجود منذ ألف سنة وكانت في العصور الوسطى تدعى (ملكة البلطيق) نظراً لمركزها الممتاز على شاطئ هذا البحر
وقد حاربت في سبيلها الأمم البروسية والدانمركية والبولونية، والبرانبرجرز، والتوتون منذ بدء القرن الثاني عشر إلى اليوم
فاحتلها الفرسان التوتون في بداية القرن الرابع عشر، ولكن سرعان ما انتهى أمد احتلالهم لها وصارت إلى أيدي البولونيين في سنة 1454، فتركوا لها الحرية في الاحتفاظ بقوانينها القديمة، وجعلوا لها الحق في سك العملة باسمها باعتبارها (مدينة حرة) تحت حماية بولندا. ولم تقع في أيدي بروسيا إلا سنة 1793، وبعد أربع سنوات من هذا التاريخ فتحها جيش فرنسي تحت قيادة (مارشال لففر). وظلت دانزج مدينة حرة في أيدي الفرنسيين إلى سنة 1813
ولكن الجيوش البروسية احتلت دانزج للمرة الثانية بعد موقعة (واترلو). لا لتكون تابعة لها إلى الأبد، فقد انتزعتها معاهدة فرساي من الريخ وعادت دانزج (مدينة حرة) للمرة الثالثة - تحت إشراف عصبة الأمم - وأعطيت بولندا الحق في استغلال مينائها، ومنحت كذلك الحق في تمثيلها من الناحية السياسية.
فدانزج لم تكن ملكاً للألمان إلا منذ سنة 1815 إلى سنة 1918 أي قرناً من الزمان. وقد ظل العلم البولوني يرفرف عليها منذ سنة 1454 إلى سنة 1793 أي ثلاثمائة سنة على التقريب. وقد أعطيت دانزج إلى بولونيا بحكوماتها الحرة ومساحتها التي تقدر بثمانمائة وخمسين ميلاً مربعاً، وسكانها الذين يقدر عددهم بمائة ألف نسمة، ليكون لها منفذ إلى البحر. فكانت هذه المدينة المنفذ الوحيد لتلك المملكة العظيمة حتى سنة 1928، وقد ازدادت الحركة بمينائها على أيدي البولونيين فوصلت إلى ثمانية مليونات طن سنة 1930 بعد أن كانت لا تزيد على مليونين قبل الحرب. فقد أنفقت بولندا مائة مليون من الجنيهات لاحياء هذه الميناء. وأنشأت قاعدة هامة للملاحة والتجارة في (جيدنيا) على مقربة منها. ومن المعلوم أن ثلثي تجارة بولندا التي يقدر عدد سكانها بـ 35000000 نفس تمر من تين الميناءين، وأسطول بولندا ليس له قاعدة غيرهما وتقع دانزج على مصب نهر الفستيولا ولهذا النهر صفة ممتازة في بولندا، فإذا ضمت دانزج إلى الرايخ أصبحت المواصلات الحيوية لبولندا تحت رحمة ألمانيا
فالفوهرر كما يظهر لا يريد أن يضم بلداً ألمانياً إلى الريخ، ولكنه يريد أن يعزل بولندا عن البلطيق، ويطوقها من البحر والبر حتى تضطر سياسياً واقتصادياً إلى الانضمام إلى الريخ، وهذه كارثة تدفعها الآن بولندا بكل ما لديها من قوة. وتريق دماء الملايين من أبنائها لكي تتحامى وقوعها
الفاشية في الهند
(عن مقال بقلم خواجة عباس أحمد)
نظرة بسيطة إلى خريطة العالم تدل على مقدار اهتمام القوات النازية والفاشية واليابانية بالهند. فالهند هي أقوى دعائم الإمبراطورية البريطانية في الشرق، وهي بكثرة سكانها، وأهميتها التجارية والسياسية ومركزها الحربي وحدودها المتاخمة لأفغانستان وإيران والصين وروسيا السوفيتية. . . تعد عاملاً قوياً في السياسة الفاشية فالهند الحرة حليفة للديمقراطية، يحسب حسابها إذا سارت مؤيدة لصفوفها، وهي عدو يخشى بأسه، إذا سارت تحت النفوذ الفاشي سواء من الوجهة السياسية أو الفكرية.
ولقد دأبت الدعاية الفاشية على بث بذور العداء نحو بريطانيا واستغلت لذلك الحركة الوطنية وأملها أن تجتذب إليها القلوب، وتستهوي النفوس. ولهذه الحركة الجديدة قصة قديمة. فمن المعروف أن رجال السياسة الألمانية كانوا على اتصال دائم ببعض الهنود الثائرين في منفاهم في أوربا إبان الحرب العظمى. وكان حلم ألمانيا بإنشاء إمبراطورية ألمانية تمتد من برلين إلى بغداد فدلهي، يشعل فيها ضياء الأمل؛ فلجأت إلى مد يد المساعدة إلى هؤلاء في منفاهم، وعادوا بدورهم ينشرون الدعوة إلى المطالبة بحرية الهند بمعاونة الألمان
ولكن وجهة نظر الزعماء الهنود اتجهت في السنين الأخيرة اتجاهاً مخالفاً لدول المحور.
ولم يغب عن البال الحماس الذي كان يقابل به زعماء تلك الدول منذ ثماني سنوات، حين كان الشباب يقرنون أسماءهم بأسماء مازيني وجاريبلدي ودان برين وغيرهم من الزعماء. وكان الهنود الذين يعودون من دراستهم بألمانيا يتغنون بالاشتراكية الوطنية، وكنا في الهند نمدح اليابان ونعطف عليهم، ونقابل بالزهو والإعجاب كل انتصار لهم على الروس: كأمة أسيوية تنتصر على أمة أوربية
فما كاد يظهر العهد الدكتاتوري على حقيقته، وتنكشف نيات أصحابه بظهور أعمالهم، حتى تغيرت الحال وأخذ الهنود ينفضون عنهم ويشعرون بالاستياء عند ذكرهم؛ فاضطهاد ألمانيا لليهود ذلك الاضطهاد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، وقتل الاشتراكيين في إيطاليا وغزو الحبشة العزلاء كان لها أسوأ الأثر في نفوس الهنود الذين أعلنوا سخطهم على هذه الأعمال بواسطة المجلس الوطني
فالدعاية النازية والدعاية الفاشية قد أخفقتا كل الإخفاق في اجتذاب نفوس الهنود الذين أعلنوا رأيهم بلسان المجلس الوطني
إلا أن بعض النفوس المولعة بالأسرار والأعاجيب، من الهندوس والمسلمين، قد تأثرت إلى حد ما بتلك الدعاية التي تنسب فلسفة هتلر إلى الهند وسزم في معاملة المنبوذين، وتنظر إلى البابا من ناحية الديانة البوذية التي يدين بها سكانها، وتحرك عوامل الضغينة في نفوس المسلمين - الذين يميلون بطبيعتهم إلى العرب - بإثارة مشكلة فلسطين. ومهما تبلغ تلك الدعاية من المقدرة على التضليل، فلن تزيل من النفوس أثر تلك الأعمال التي تقضي على آمال المدنية في العصر الحديث
تجفيف مياه بحر الروم
(ملخصة عن (ذي أمريكان ويكلي)) وضع مهندس ألماني مشروعاً عجيباً لتخفيض مياه بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) ستمائة قدم بإقامة سد عظيم على بوغاز جبل طارق المتقارب الشاطئين.
ويقال إن إيطاليا التي تطلب مزيداً من الأرض، سوف يمنحها هذا المشروع ما تريد من الأرض الواسعة، لا من الدول الأخرى التي تمانع في ذلك كل الممانعة، ولكن من البحر. ومن المعلوم أن إيطاليا تريد أراضي متاخمة لمستعمراتها، وهذا من السهل أن تحصل عليه إذا نفذ هذا المشروع.
ولكن ماذا عسى أن تقول فرنسا واليونان ومصر عن هذا المشروع؟ إنها ولا شك ستستفيد أصقاعاً فسيحة من الأرض الخصبة؛ وستكون لديها فرصة عظيمة لاستغلال القوى المائية في مختلف الصناعات.
ولعل بريطانيا وغيرها من الدول التي تعول على الملاحة في هذا البحر هي وحدها التي تخشى الخسارة من تنفيذ هذا المشروع. ولكن هذه الدول قد لا تتأثر بتنفيذه إذا أنشئت الممرات والخلجان التي تسهل لسفنها السير وتجعل حركة الملاحة متيسرة على الدوام
ومما يجعل هذا المشروع محتمل التنفيذ أن مياه البحر الأبيض المتوسط بطبيعتها تسير نحو النقصان. فإن الأنهار العظيمة التي تصب فيه، وهي نهر إلبو الإيطالي ونهر الرون الفرنسي ونهر النيل المصري وبعض الأنهار الصغيرة - تعد قليلة لا تعوض المياه التي يفقدها هذا البحر بالتبخر. ولا بد من وصول فيض من المياه إليه عن طريق البحر الأسود وبوغاز جبل طارق الذي يمده بمياه المحيط الإطلنطيقي
فإذا وضع سد محكم على بوغاز جبل طارق، ووضع سد آخر على باب البحر الأسود بوغاز الدردنيل، فإن مستوي مياه البحر الأبيض يهبط بالتدريج، إذ أن مقدار المياه التي يفقدها بالتبخر ستزيد على المقدار الذي يصب فيه
وإذا كان المشروع يرمي إلى تخفيض مياه هذا البحر ستمائة قدم فحسب، فمن الميسور بعد أن يتم هذا التخفيض أن يسمح لمياه البحر الأسود، ومياه المحيط الأطلنطي أن تصب فيه بمقادير معينة تمنع الخطر المنتظر من حبس هذه المياه
فالمشروع كما هو ظاهر لا يستعصي على التنفيذ، وهو من المشروعات التي تدر الخير والنفع على كثير من الأمم الواقعة على هذا البحر.
أما الاعتراض الذي يوجه إليه فهو اختلال سطح الأرض بعد أخذ هذه المقادير العظيمة من المياه، وتعرضها للزلازل والبراكين التي تقتلع صخور هذا البحر بعد زوال ذلك الثقل العظيم عنها، وقد يعود بركان أذنة وبركان فيزوف إلى الانفجار من جديد
لذلك كان علماء طبقات الأرض وحدهم دون سائر العلماء هم الذين يعارضون في تنفيذ هذا المشروع، ويرفعون صوتهم بالتحذير من الإقدام عليه. ومما يقولونه بهذا الصدد أن الزلازل قد تكون من القوة بحيث تحطم السدود والحواجز المراد وضعها، بحيث لا يمكن إصلاحها وتعيد فيضان المياه إلى البحر
الجوائز الأدبية في فرنسا
(عن مجلة الآداب والفنون)
في فرنسا كثير من الجوائز الأدبية التي ما زالت أكبر مشجع للأدباء على الإنتاج. فهناك جوائز المجمع العلمي الفرنسي وجوائز المجامع الأدبية، وجائزة (النهضة) وجائزة النقد، وجائزة (الجزائر) الأدبية، وغيرها من الجوائز الفردية
وقد نال الجائزة الكبرى للآداب هذا العام الكاتب جاك بولانجير، تقديراً لإنتاجه الجيد. ونال جائزة الرواية الكاتب (أنطون دسانت اكسوبيري) من أجل كتابه المسمى (أرض الرجال) الذي يعد من الكتب الرائعة وإن كان لا يعد رواية حقا. ونال جائزة (لويس بارتو) الكاتب شوفاليير شيخ معهد غرونوبل
أما جائزة (النهضة) فلم تعط - كما علمنا - لأحد بعد، وقد قدم إلى جمعية هذه الجائزة التي تضم كبار الأدباء، ومنهم إدوارد هريو، كثير من الكتب والروايات. ويقولون إن الجائزة ستعطى للكاتب (ماريوس ريشارد) مؤلف رواية (جان التي ذهبت) لأن له كثيراً من الأنصار. وربما زاحمه (رايموندمّييه) مؤلف (مَلَك الثورة)، و (كريستيان ميغره) الذي سحر أناساً كثيرين بروايته المشهورة (ما يزالون رجالاً)
وفي الجزائر جائزة أدبية قيمتها 10 آلاف فرنك، وستعطى في نهاية هذا العام لأعظم كتاب يستهوي الجمهور سواء أكان موضوعه في الأدب أو التاريخ أو الاقتصاد السياسي أو علم الآثار أو علم الاجتماع. وتعطى هذه الجائزة للجزائريين وللفرنسيين فيها أما جائزة النقد وقيمتها 6 آلاف فرنك، فقد نالها لهذا العام (جوهن شاربانتير) النقادة الكبير للروايات في (ميركورد فرانس) وقد لاقت هذه الجائزة الرضى التام. وجوهن شاربانتير هذا أيرلندي فرنسي الأب، وهو في إنتاجه الأدبي يعني بإنكلترا وفرنسا معاً فلقد أصدر فيما يتعلق بإنجلترا: (صديقتنا إنجلترا) و (التصوير الإنكليزي)، ثم أصدر (تطور الشعر الغنائي في فرنسا بين 1830 - 1930) ثم (الشعر الرمزي)، إلى جانب دراسات كثيرة نقدية كتبها عن (تيودور بانفيل) و (جان جاك روسو) و (الفرد دموسيه) و (بودلير) و (فولتير).
فمتى تنظم عندنا جوائز كهذه لتشجيع الأدباء. . .؟ الحقيقة أن هذا الشرق لا يعرف إلا قتل الأدباء والاستخفاف بهم. . .!