مجلة الرسالة/العدد 320/من هنا ومن هناك
→ رسالة العلم | مجلة الرسالة - العدد 320 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 21 - 08 - 1939 |
هل تقضي الحرب القادمة على المدنية؟
(عن مقال للكاتب العالمي (ج. ب بريستلي))
طالما تردد على أسماعنا أن العالم إذا ابتلى بحرب عالمية جديدة فمعنى هذه الحرب القضاء على المدنية. وقد يبدو هذا الكلام صحيحاً، وقد ينفعنا لتذكير بعض الناس بأن الحرب لم تعد ذلك الحادث الخيالي الذي يسمعون به من بعيد. ولكن هذا القول في الحقيقة لا يحمل نصيباً من الصحة. وهو في نظري قول بعيد كل البعد عن الصواب، فأنا لا أستطيع أن أتصور أن العالم أجمع يتفانى في هذه الحرب
فمن المحتمل كثيراً إذا وقعت الحرب أن تترك ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا للخراب والإفلاس. ولكن من الخطأ أن نظن المدنية متاعاً موروثاً لتلك الدول فيقضي عليها إذا حل بها الدمار. فهذا قول ظاهر البطلان
إنني أرى مجرى المدنية يتحول عن أوربا الغربية. وأتوقع أنه إذا جاء مؤرخ بعد بضع مئات من السنين ليؤرخ هذه الفترة من الزمن، ويسجل التقدم الذي أحرزه العالم فيها سوف لا يقول إذن ماذا كانت تفعل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا
إنني أعتقد أنه سوف يرى بغير غموض أن حركة التقدم التي شملت العالم الحديث في هذا القرن، قد انتقلت من الأمم المعروفة بالأمم الصغيرة في هذا العصر إلى الأمم العظمى، ومن سكان الجزر الصغيرة إلى سكان القارات والممالك الكبيرة
ولمعرفة ذلك يجب ألا ننظر إلى ما تم وانتهى ولكن إلى ما يتم. مما لاشك فيه أن انتشار التعليم من أقوى الدلائل على هذه المدنية الجديدة. فحيثما يحل العلم محل الجهل، تقوم دعائم المدنية
إنني حينما أسمع كلمة انتهاء المدنية يتجه نظري حول العالم أجمع فأتذكر تلك الجامعات والكليات التي عمرت بها أوربا الوسطى وقد كنت أحاضر بها في الخريف الحالي. كم من أمثال هذه الجامعات في العالم؟!
قد يكون من السهل نقد نظام التعليم في تلك الجامعات التي أشير إليها. وقد نستطيع أن نقول إنه سيمضي زمن طويل حتى تكون كجامعات كمبردج واكسفورد وقد نجد الحجة أمامنا في ضعف المواد التي تدرس بها وعدم وصول طلابها إلى الدرجات العليا في التعليم
ولكننا إذا نظرنا إلى ماضيها المجدب وقسناه على تقدمها المحسوس نحو المدنية والرقي عرفنا كيف تأتي هذه الأمم بالمعجزات
إنني أجيل النظر حول العالم كما قدمت فأذكر الصين مثلاً وقد أنشئت فيها الجامعات وانتشرت في بلاد لا يكاد يسمع باسمها الإنسان. وإذا كانت اليابان قد دمرت بعضها في غزوها فإن تلك الجامعات تشاد في أماكن أخرى بعيدة عن أماكنها السابقة ولو أدى الأمر إلى بنائها وسط الكهوف والأحراج
وهكذا أصم أذني حينما أسمع كلمة الحرب وانتهاء المدنية. فهذا تشاؤم لا مبرر له ووهم لا أساس له من الحقيقة. إن المدنية تسير في طريقها. وهو على كل حال طريق ليس من السهل على القذائف والمدمرات أن تناله بسوء
الهند الطموح
(عن مقال للزعيم الهندي (جوهر لال نهرو))
إذا كانت الوطنية هي التي خلقت الأمم الأوربية منذ مائة سنة أو أكثر، وهي التي أقامت الدعائم للمدنية التي يكاد بناؤها أن ينهار في السنين الأخيرة، فمما لاشك فيه أن الوطنية هي القوة التي تحفز الأمم الشرقية التي تئن تحت نير الحكم الأجنبي للسعي وراء الحرية في هذه الأيام فألفت بين القلوب أبنائها وشدت من عزائمها وأطلقت روحها الحبيسة من عقالها، وتلك ناحية سامية في حياة تلك الأمم، تضيف نجاحاً جديداً إلى النجاح الذي نالته الحرية في تاريخ الإنسانية. ألا أنها على الرغم من ذلك لم تستطع الخروج بها عن تلك الدائرة الضيقة، إذ أن انشغال الأمم بالسعي وراء حريتها لا يترك لديها مجالاً للتفكير في شيء آخر، ولم تستثن الهند من هذه القاعدة. فالهند في كفاحها قد نسيت العالم برهة من الزمن ولم تفكر في غير شأنها. إلا أن القوة التي أحرزتها، والثقة التي أحياها النجاح في نفوس أبنائها، قد جعلتاها تفكر في دائرة أوسع وأعم
إن غزو اليابان لمنشوريا قد أوجد شيئاً من العطف على الصين، كما أن اغتصاب إيطاليا للحبشة قوبل باستياء شديد، كذلك المأساة التي حلت بوسط أوربا قد قابلها العالم بالأسف العميق، ونحن لطول تجاربنا للإمبراطورية البريطانية، لم نصدق شيئاً من وعودها للأمم الضعيفة، ولم نثق بمعاونتها في عصبة الأمم، لذلك كنا نتتبع سياستها الخارجية باهتمام، وقد أصبحت معارضتنا لنفوذ الإمبراطورية البريطانية جزءاً من سياستنا التي تعارض كل نفوذ إمبراطوري أو فاشي في أنحاء العالم
لذلك كانت بعثتنا إلى الصين، والمؤنة التي أرسلناها إلى أسبانيا باسم الهند، من الطرق التي اتخذناها لنبين سياستنا الخارجية، واستقلالنا بها عن بريطانيا. وأكثر من ذلك فقد اطرحنا جانب التفكير في أي مساعدة حربية إذا ثارت الحرب. أن الشعب الهندي وحده هو الذي سيقول إذا كانت الهند تدخل الحرب أولا تدخلها. وأي إرادة تملي عليه من الحكومة البريطانية ستقابل بالرفض. يجب علينا أن نقرر سياستنا الخارجية بأنفسنا، وكذلك سياستنا المالية والحربية، ولنا الحرية التامة في الارتباط بالأمم الأخرى
إن سلطان الإمبراطورية البريطانية يتلاشى أمام أعيننا، وليس لديها إزاء الهند غير طريقين: الطريق الطبيعي والمنطقي الذي يلزمها بالتنازل للهند عن حقها في تقرير مصيرها على قاعدة الحرية التامة وإلغاء المجلس الذي أقيم ليمثل إرادتها المطلقة
والطريق الآخر هو الذي تستطيع الهند أن تملي فيه أحكامها القاسية عليها حيث تصطدم بالوطنية الهندية. وإذا كان هذا الطريق سيؤخر حريتنا قليلاً إلا أنه مما لا شك فيه أنه سيؤدي إليها ويظهرنا على أمور لم تكن في الحسبان. من أجل ذلك نرى الحكومة البريطانية تتجنب مع الهند أي حركة من شأنها أن تدعو إلى العنف
إنها قد ترحب باتفاق ودي مع الوطنية الهندية يكون نتيجة إقامة المجلس الوطني، ولكن ذلك سيؤدي بلا شك إلى الطريق الذي ابتدأت منه، وذلك ما تخشاه