مجلة الرسالة/العدد 32/العالم المسرحي والسينمائي
→ شذرات | مجلة الرسالة - العدد 32 العالم المسرحي والسينمائي [[مؤلف:|]] |
سيناريو سينمائي ← |
بتاريخ: 12 - 02 - 1934 |
كلمة صريحة حول الإعانة الحكومية للمسارح
لناقد (الرسالة) الفني
لم تكن للحكومة - إلى سنوات قلائل - أية صلة بالمسرح المصري
وبالعاملين فيه. وكانت دار الأوبرا الملكية ملحقة بوزارة الأشغال
فكأنها كانت في نظر الحكومة بناية من المباني لا داراً للفنون والآداب.
وبقي الأمر على هذا المنوال حتى وزارة الوفد الأولى التي كان يرأس
المغفور له صاحب الدولة سعد زغلول باشا فرأى مرقص حنا باشا
وزير الأشغال أن يولي المسرح في مصر قسطاً من عنايته واهتمامه،
فكانت المباراة الأولى التي اشترك فيها مديرو الفرق والممثلون
والممثلات، وكانت هذه المباراة هي أول اتصال مباشر بين الحكومة
والمسرح.
وقد ذكرنا في كلمة لنا (حول أزمة المسرح في مصر) كيف اضطربت سياسة الحكومة في اتصالها بالمسرح فعدلت عن طريقة المباراة بعد أَن أقامتها عامين متواليين على ما نذكر إلى سياسة الإعانة السنوية، وألفت في وزارة المعارف - بعد أن الحقت بها دار الأوبرا وأصبحت هي الوزارة المشرفة على الشؤون الفنية - لجنة تتفقد المسارح وتقدر للفرق وللممثلين المبالغ التي تمنح لهم في حدود الإعانة المقررة.
وسارت الوزارة في هذه الخطة سنوات برغم ما ظهر من فسادها وعدم جدواها، وبرغم صيحات الاستنكار التي رددها الكتاب والنقاد طوال هذه السنين. ويكفي أن نلقي نظرة عجلى على حالة المسرح المصري اليوم لنرى أن النقاد كانوا على حق في انتقاد هذه الطريقة، فلقد سار المسرح من سيء إلى أسوأ في هذه السنوات الأخيرة رغم ما بذلته الحكومة من إعانات سنوية، فلو أن هذه الطريقة كانت مجدية لاعانت على النهوض بالمسرح وعلى انتشاله من الهوة التي تردى بين جنباتها، ولكن حال المسرح قبل الإعانة كان خيراً منه بعدها، وفي ذلك ما يدعو للعجب حقا ولكنها دلالة حاسمة على أية حال على فشل طريقة الإعانة.
وكأن الوزارة ولجنة الإعانة تنبهتا أخيراً إلى هذه الحقيقة بعد أن ظهر جليا أن الإعانة لم تثمر الثمرة المنشودة، وأن المسرح قد هوى إلى الحضيض وانصرفت الجماهير عنه حتى اضطرت الفرق إلى إغلاق دورها حيال الكساد الذي منيت به. تنبهت الوزارة أخيراً إلى الحق إذ صدمت بالواقع الملموس فرأت أن تعدل عن خطتها القديمة إلى خطة أخرى، وقد نمى الينا أن لجنة الإعانة في اجتماعها الأخير في الأسبوع الماضي فكرت في تكوين فرقة من جميع المشتغلين بالمسرح من رجال وسيدات تحت اسم فرقة اتحاد المسرح المصري) وقد عرضت الفكرة على مديري الفرق الذين حضروا الجلسة فوافقت أغلبيتهم عليها وأبدوا استعدادهم للانضمام أليها وشكلت لجنة فرعية لتضع تفاصيل المشروع بالاتفاق مع مديريالفرق على أن يبداء في الحال وعلى أن تختص وزارة المعارف هذه الفرقة بالإعانة السنوية كلها.
ونحن نسجل هنا أولا عدول الوزارة عن خطتها القديمة، وهذا اعتراف صريح منها بفشلها، وهي خطوة طيبة على أية حال. أمافكرة تأليف فرقة تضم جميع المشتغلين بالمسرح فمن العسير أن نكون لها أو عليها قبل أن نطلع على تفاصيل المشروع وعلى النظام الذي سيوضع لهذه الفرقة. والفكرة من حيث هي لا بأس بها، بل لعلها العلاج الوحيد لانتشال المسرح من الوهدة التي سقط فيها، وتضافر هذه القوى مجتمعة له خطره ولا شك، وهذه الفرقة إن تحقق وجودها ستجذب الشعب ايها ما في ذلك ريب، وستكون تحت تصرفها بطبيعة الحال طائفة صالحة من الروايات لتمثلها. وأعني الروايات ألا نموذجية التي ترجمها بعض الأدباء تحت إشراف الوزارة عن شاكسبير وابسن وموليير وراسين وغيرهم من أقطاب الفن المسرحي في العالم، كما أن مبلغ الإعانة سيكون العماد الذي يمون الفرقة بما تشاء من وسائل الاستعداد المسرحي في المناظر أو الملابس أو الأدوات المسرحية جميعا على اختلافها وتنوعها. وفي النهاية نستطيع أن نقول أن هذه الفرقة تتوافر بين يديها من القوى المادية والمعنوية، ما ينهض بها إلى الذروة الفنية التي نطمع فيها وينشدها أنصار المسرح وهواته في مصر.
قلنا أن الفكرة من حيث هي فكرة حسنة لا بأس بها في مجملها، ولكنها ككل فكرة في العالم قد لا يعدو جمالها الخاطر والفكر فإذا لم تخرج للناس في ثوب القشيب الذي يلائم جلالها وخطرها بدت شوهاء ووئدت في مهدها وكان الفشل نصيبها المحتوم وهذا ما نخشاه.
على أن الزوارة إذا أخذت بالحزم ووضعت لهذه الفرقة نظاماً داخلياً محكماً يضع الكل على قدم المساواة وعهدت بتنفيذه إلى أيد مخلصة قديرة لا تعرف الأغراض سبيلاً أليها ولا الأهواء مدخلاً إلى قلوبها، وأعلنت أنها ستأخذ بالشدة والعنف كل من يحيد عن هذا النظام وتقصيه عن العمل وتحرمه حرماناً مطلقاً من إعانتها، لو أحس القوم هذه النية الصادقة وهذه الإرادة القوية والعزم النافذ من الوزارة، لسارت الأمور على أحسن ما يرام ولرجونا لهذه الفكرة النجاح والتوفيق. وأخوف ما نخافه أن تلين قناة لجنة الإعانة ويجد فيها البعض مغمزا يهدمون عن طريقه هذه الفكرة، أو لعلهم ينتظرون حتى يخرج المشروع إلى حيز الوجود وتبدأ الفرقة عملها فيضربون ضربتهم.
على أن من الخير أن تعلن الوزارة من الآن في لهجة حاسمة إنها عدلت نهائيا عن خطتها القديمة ولن تتبع سياسة توزيع الإعانة بين مديري الفرق والممثلين بأية حال؛ وأن هذه الفرقة (فرقة اتحاد المسرح المصري) هي التي ستخصها بإعانتها كلها، فإذا لم تتألف هذه الفرقة فلن ينال أحد مليما واحدا من الوزارة. وأني لأعتقد - في رأيي الضعيف - أن كلمة كهذه من الوزارة سيكون لها صداها في جميع الأوساط، وستكون من أكبر العوامل في إنجاح المشروع، وأشد ما أخشاه أن تنكص لجنة الإعانة، إذ تصطدم في خطاها الأولى لتحقيق مشروعها الجديد ببعض العقبات فتفضل العافية والراحة على الجهد ومقاومة الصعاب، وتقرر صرف الإعانة على النحو المتبع في السنوات الماضية. وأن تفعل لتكونن قد أجرمت في حق الفن وفي حق هذا البلد الذي يطمع أن يكون له من مظاهر الثقافة الحقة ما لغيره من سائر البلدان.