مجلة الرسالة/العدد 319/من هنا ومن هناك
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 319 من هنا ومن هناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 14 - 08 - 1939 |
الحريم في نظر الغرب
إن حياة الحريم في قصور سلاطين آل عثمان لتمثل هذا الضرب من المعيشة الذي تصوره ألف ليلة وليلة، والذي تفنن الكتاب الأوربيون في وصفه ما وسعهم الخيال، ففيها الأجواء المفعمة باللذة وضروب المتع والتسلية المختلفة. ولقد ظل (الحريم) من الأسرار الغامضة التي تتضارب فيها الأفكار، حتى إذا زالت سلطة الخلفاء، وأبيح للجميع أن يدخلوا قصورهم الفخمة، كشف القناع عن الكثير مما كان يجري فيه. ولا شك أن رغبة الغربيين في تعرف أسرار (الحريم) في القصور العثمانية كانت أعظم من أية رغبة أخرى في إدراك أحوال الدولة أبان عهد السلاطين، وكان ذلك مدعاة لأن يكتب الكثيرون - آنا بالحق وآنا بالباطل - حول هذه الناحية، وتنافس الخيال والحقيقة في تصوير الحياة داخل (الحرملك) فكان نتاجهما هذه الكتب التي تطلع علينا بها - بين حين وأخر - دور النشر في الغرب. ومن الكتب القيمة الطريفة حول هذا الموضوع كتاب الذي وضعه المستشرق الإنجليزي بنزر، وكان ملماً باللغة التركية، عاش في الآستانة ردحاً طويلاً، وخبر الحياة التركية عن كثب. وقد وصف في كتابه هذا حياة القصور، لا سيما قصر سيراليو الذي كان يسكنه سلاطين آل عثمان من آلاف النسوة اللائى جيء بهن - أما بيعاً أو اقتساراً - ويصف منظر (الخصيان) وهم يرفلون في أزيائهم العجيبة، فلا عجب إذا اجتذب الغربيين هذا الوصف لحياة تكاد تكون من بنات الخيال، بل لقد يقصر الخيال في كثير من الأحيان عن أن يتطاول لبلوغ الحقيقة الماثلة في قصر سيراليون
يقول مستر بنزر في وصف الحرملك (إنه دنيا صغيرة، محكمة الإدارة، دقيقة السياسة، خلى إلا من النساء اللائى تعيش كل منهن من أجل واجب تؤديه. . . والحرملك، وإن كان مجتمع نسوة، إلا أنه كثيراً ما دبرت فيه المكائد، وشهدت جدرانه تدبير دسائس تقشعر لهولها الأبدان، كما كان حظ الكثير من نزيلاته الجميلات القتل بلا رحمة. وكم ضمت أمواج البسفور من فتيات غضب عليهن السلطان فأصبحن طعمة لحيتان البحر وأسماكه) أما الخصيان، فقد أخذ عددهم يزداد كلما اتسعت موارد السلطان. وكانوا في أول الأمر من البيض غير أنه سرعان ما حل محلهم السود لما طبعوا عليه من إخلاص لساداتهم، أ البيض فكانوا أهل دس وغدر وفتنة. ومنذ القرن السادس عشر أصبح الحرملك يدبر أمور الدولة من وراء ستار. ولما نفى السلطان عبد الحميد إلى سلافيك عام 1909م، أذنوا له أن يصطحب معه في منفاه بعض المقربات إليه. أما الباقيات ويجاوزن بضع مئات فقد أصبحن بلا عائل. وقد وصف ذلك كله فرنسيس ماك كلاج في كتابه (سقوط عبد الحميد) فقال: (لقد جمعن في قصر (ثب كابو) في حشد عظيم، وإذ كان أغلب النسوة في حريم السلطان قوقازيات، وكن يؤثرن على غيرهن لجمالهن الرائع، فقد أبرقت الحكومة التركية إلى مختلف القرى القوقازية تعلن إليها أن لكل عائلة الحق في استرداد فتاتها من حريم السلطان سواء أكان أبواها قد باعاها أم اغتصبت من بين ذويها. ومن ثم وفد على القسطنطينية الكثيرون من جبلي القوقاز يخطرون في ثيابهم العجيبة، وحددت لهم الحكومة يوماً توافدوا فيه على قصر (ثب كابو) واستعرضوا محظيات السلطان سافرات بلا قناع. وكم كان منظر الفتيات وهن يرتمين في أحضان آبائهن أو أخواتهن مؤثراً، بعد أن حيل بينهم وبينهم، ويئسن من لقائهن. . . فهذا أب يقبل أبنته وقد اغرورقت عيناه بالدموع، وهذا أخ يعانق أخته بعد أن ظنا أن لا تلاقي بعد. ولشد ما كان التباين عظيماً بين لباس هؤلاء الجبليين ولباس بناتهم وهن يرفلن في غالي الثياب وأبهاها. وسرعان ما جمعت كل فتاة ملابسها، وغادرت القصر غير آسفة عليه، فبلغ عددهن يومئذ مائتين وثلاث عشرة انثى، اما الباقيات فقد اختار منهن الأمراء من اختاروا. . .)
هذا وصف شاهد عيان لمنظر من مناظر ألف ليلة وليلة. أما قصر سيراليو فقد خيم عليه الصمت كأنما استوحش من ساكنيه، حتى إذا كان عام 1924 جعلته الحكومة التركية من المنافع العامة، وطبعت من أجله دليلاً يشرح للزائرين ما يبهم عليهم إدراكه، وإذا كان الزائر لمصر لابد له من مشاهدة الأهرام وأبي الهول، فإن نزيل القسطنطينية اليوم ليهرع قبل كل شيء إلى قصر سيراليو فيمتثل صورة الحريم والترف في قصور السلاطين ويرى روعة الفن وجلاله، وكم شهدت حجراته من مآس ومسرات!
النضوج وضبط النفس
إذا نظرنا إلى الطفل وجدناه اكثر من غيره تبرماً بالتعب. فإذا أصابه الجوع أو ناله قليل من البرد أو الحر أو شعر بتقييد حريته فلم يستطع أن يتحرك كما يشاء، أو اعترته هزة عنيفة بعامل من العوامل، فهو ولا شك عرضة للتهيج.
وإذا كان الطفل لا يعرف الأسباب التي تدعو إلى ما يشعر به من الألم، فإن احتجاجه عليه عادة يكون عنيفاً.
فإذا جاوز سن الطفولة وتعداها إلى سن النضوج، فإن شعوره بهذا التهييج يخف ويتغير. وليس معنى ذلك أن المراهق لا يشعر بالآلام إذا تعرض لها، ولكن شعوره بها يتغير كل التغير، حتى لا يبدو عليه شيء من مظاهرها.
فالشخص الذي لا يحتمل المشقات، ويضيق صدراً إذا لم ينل ما تصبوا إليه نفسه، ويهتاج لكل حادث، هو في الحقيقة شخص لم يصل شعوره إلى درجة النضوج. وكل إنسان ولا شك يكره أن يكون ذلك الرجل. فإذا أردنا أن نعرف حقيقة أنفسنا من هذه الناحية يجب أن نترك الحكم عليها للآخرين، وعلى الأخص هؤلاء الذين لا تجمعنا بهم روابط الصداقة.
فما مقدار الألم الذي يستطيع أن يحتمله عادة الرجل الكامل النضوج؟ إن نظرة بسيطة تدلنا على أن هناك اختلافاً كبيراً بين الأفراد من هذه الناحية. فقد رأينا أناساً يحتملون كسر العظام وقطع الأوصال، ورأينا بعضهم يقومون بإجراء العمليات الجراحية لأنفسهم وسمعنا بأشخاص تقطع أوصاله إرباً إرباً في بعض المحاكمات ليخونوا صديقاً أو يعترفوا عليه بما يؤذيه فلا يشكون ولا تتغير حالهم.
وعلى النقيض من ذلك نرى أناساً لا يطيقون أي نوع من أنواع الألم فيلجئون إلى العقاقير السامة كالكوكايين والمورفين لتخفيف آلامهم وكثيراً ما يعتادونها.
فهل هناك حد وسط بين هذين الحدين؟ هل توجد حالة طبيعية بين هاتين الحالتين؟ من المحتمل أن لا يوجد شيء من ذلك. وكل ما نستطيع أن نقوله: أن الرجل الصحيح يتجنب الألم بقدر الإمكان، فإذا ناله شر لابد منه فيجب عليه أن يتجلد له ويحتمله، ولا يفعل كما يفعل الطفل، وقد نستطيع أن نطبق هذا المبدأ على اوجه الحياة المختلفة، فنحن كثيراً ما نفعل أعمالاً لا نريد أن نفعلها، فبعضنا يرفعون عقيرتهم بالشكوى لأقل شأن، وبعضنا يتركون العمل الذي يشتغلون فيه بغير مبرر! فإذا فرضنا أنك أجبرت بحكم عملك على أن تكون مع شخص لا توده. فالرجل الناضج في هذه الحالة يحتفظ بشعوره نحو هذا الإنسان ويعامله بشيء من الحذر. أما شعور السرور الذي يتولانا في مجلس من المجالس، أو عند مشاهدة تمثيل إحدى الروايات، فقد يثير في نفوسنا شيئاً من الضحك أو الهياج، وقد لا نستطيع أن نتكتم هذا الشعور، إلا أنه من الواجب أن لا نشوش به على الآخرين كما يفعل الصبيان، فسواء كنا في حالة من السرور أو حالة من الألم فالواجب علينا أن نتعلم ضبط النفس وكبت الشعور وإلا كنا غير ناضجين.
تجنيد الكلاب في الحروب
تدرب الكلاب في جميع أنحاء العالم للخدمة في الحروب. ففي روسيا أنشئت مدرسة في موسكو للكلاب، وفي اليابان أعدت أماكن فسيحة لتدريبها منذ 1933، وقد أعدت ميادين خاصة في بولندا وإيطاليا لتدريب الكلاب على الأعمال الحربية على اختلافها، وفي أستنيا تلازم الكلاب طلائع الجيش، أما في فرنسا فهي تدرب مع الجنود في كثير من الميادين.
وتستخدم الكلاب في حمل الرسائل إلى الفرق الطبية، وفي توصيلها إلى الحرس، حيث تجتاز الأماكن الوعرة، وتعبر الأنهار الواسعة لتوصيل رسائلها. وهي تدرك الممرضين في الميدان بما يحتاجون لتضميد الجراح، وهي تستطيع أن تحمل المؤن على ظهورها وتسير بها إلى مسافات بعيدة.
وقد كانت الكلاب تستعمل في الهجوم والدفاع منذ أقدم العصور. ويقول هيرودتس إن (سيرس) كانت لديه كلاب يستخدمها في الحروب. وفي كتاب بلوتارك أن الكلاب أبحث كتيبة (كورنيثيه) من الهلاك.
وكان فيليب المقدوني يستخدم الكلاب في حروب أرجول واستخدمها الرومان لحراسة الجيوش، وكان (السلت) يدربون الكلاب على مهاجمة الخيل، فتأخذها بخياشيمها وتسقطها في ميادين الحروب.
أما في القرون الوسطى فقد كثر استخدام الكلاب لهذه الأغراض، وقد كانت الفرق الأسكوتلندية تصطحبها على الدوام وكانت مدينة سان مالو تستخدم الكلاب في حراسة أسوارها إلى سنة 1770، وقد اتخذ نابليون الكلاب سنة 1799 لحراسة الجنود في مدينة الإسكندرية. واستخدم الألمان الكلاب لحماية الكتائب وحراسة الأقاليم والمعسكرات في سنة 1870.
وفي سنة 1895 قام كلبان بإمداد كتيبتين بالذخائر أثناء الحرب على أكمل وجه.
وفي سنة 1904 كان الجيش الألماني يستخدم 600 كلب من الكلاب المدربة على الحروب وآلافا من الكلاب الأخرى
أما فرنسا فقد بدأت تجنيد الكلاب في سنة 1916، وقد اجتمع في باريس 9000 كلب نظمت فرقا وأرسلت إلى الميادين للتدريب. وقد قامت تلك الكلاب بخدمات عظيمة مما كان ذكره موضع إعجاب المتحدثين.
آلة لقراءة الأفكار
اكتشاف عظيم سيحدث ضجة عظيمة في العالم! ذلك هو اختراع آلة لالتقاط الأفكار والخواطر التي تجول بذهن الإنسان! وليست هذه الآلة كالآلات المصورة التي يعرفها كل إنسان، ولا حلماً من أحلام رجال العلم. إنها مصورة تشتغل في كل مكان وليس إلا أن يرقد الإنسان على منضدة والآلة تسجل خواطره دون أي ألم أو ارتباك!
وللحصول على هذه المعجزة يكفي أن يكون عندك سلك موصل بآلة كهربائية وفلم نظيف وتحرك آلة تسجيل الخواطر. أنك لا تستطيع عند ذلك أن تخفي أسرار نفسك بحال من الأحوال.
قد تكون هناك بعض صعوبات في تسجيل خواطر بعض الناس ممن يفكرون في شئون مختلفة في وقت واحد، ولكن تلك الآلة تستطيع أن تركز ذهن الإنسان وتستخلص ما تشاء من أفكاره.
غير أنك عند تسجيل بعض الأفكار الهامة والمعلومات العلمية العظيمة، قد تصادفك خطوط مختلفة لعاطفة من العواطف الخاصة مما يستثير الضحك في بعض الأحيان.
ولا يستعصي على هذه الآلة إخضاع بعض العصبيين ومرضى الصرع والشواذ مما ينتظر أن يأتي بأجل الفوائد، ولا شك أن هذا الاختراع سيفتح أمام العلم باباً لا حد له من التفكير.
أي دنيا عجيبة سيلقى بنا فيها هذا الأكتشاف؟ وكيف نكون؟ وكيف تصبح حياتنا إذا كانت حتى خواطرنا لم تعد ملكاً لنا في هذه الحياة؟!
لقد مات جيتي وهو يقول: نور. . . نور! أين كانت هذه الآلة لترينا أي نوع من النور كان يريده الشاعر العظيم؟ أهو نور العبقرية ونور الروح، أم نور الشموع؟!