الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 316/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 316/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة - العدد 316
من هنا ومن هناك
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 24 - 07 - 1939


الثالوث البريطاني في البلاد العربية

(عن مجلة (في الباريسية)

منذ بدأت إنجلترا تتبع سياسة الحكم غير المباشر في البلاد العربية، لم تكتف بجنودها البواسل وطياراتها ودباباتها تذرع تلك البلاد، فبثت في رجالاً ذوي مقدرة نادرة وكفاية عالية للسير بسياستها في طريق النجاح. وذلك أن أعمال (لورنس العرب) قد أصبحت تقليداً يتبع ومثلاً يحتذي عند الإنكليز.

وقد تبدو مهمة هؤلاء الرجال على جانب من البساطة، ولكنها في الحقيقة على خلاف ذلك. فهم في حاجة إلى التدخل بين العرب واكتساب مودة الأمراء وثقتهم فضلاً عن البدو والدهماء. فلا تمر صغيرة ولا كبيرة في العروش الشرقية إلا كان لهم شأن فيها. وهم يحاربون أعداءهم في صمت وهدوء

ويتبين مما كتبناه عن الإمبراطورية العربية - يرمي إلى المقالات التي لخصتها الرسالة في أعداد سابقة - أن النضال في البلاد العربية يدور في ثلاث مناطق هي محور الدائرة في الشرق الأدنى. وهذه المناطق هي: الرياض عاصمة مملكة ابن السعود، وعمان عاصمة الأمير عبد الله، والقفار التي يشغلها فوزي القاوفجي ورجاله الذين لا يهابون الموت ولا تقف جرأتهم عند حد. فمن الطبيعي أن نجد خدام الإمبراطورية البريطانية الصامتين في تلك البقاع

وأول (الثالوث البريطاني العربي) هو (فردريك جيرارد بيك) ويعرف في الشرق الأدنى باسم بيك باشا. وقد كان هذا المارد الذي يبلغ طوله ستة أقدام، الذراع اليمنى للورنس مدى ثورة الصحراء

وقد كان بيك متصلاً كل الاتصال باللجنة التي نظرت في تقرير مصير الولايات العربية بعد اندحار الإمبراطورية التركية. واشتغل برهة مع الملك فيصل في العراق. ولم يلبث أن رحل إلى الرياض لمفاوضة ابن السعود، وجاءت فترة بعد ذلك كان فيها ضيفاً كريماً على شيوخ العرب الذين يرأسون القبائل الثائرة في الصحراء، ثم اتصل أخيراً بالأمير عبد الله أمير شرق الأردن وصار أحد مستشاريه المخلصين، وقد عين مديراً للأمن العام في ع حين صارت العاصمة لتلك البلاد. وهو على الرغم من وضعه أحسن النظم لاستتباب الأمن في عمان، يؤدي لدولته أعظم الخدمات

أما العضو الثاني من هذا الثالوث فهو (جون باجوت جلاب) ويعرف عند العرب باسم (أبو الحنك) لجرح كان قد أصاب ذقنه واستمر أثره إلى اليوم. وتنحصر مهمة جلاب في اجتياز الصحراء شرقاً وغرباً والاتصال بالبدو والأعراب في كل مكان. وهو يستعمل كل وسائل الانتقال وتحمله الطائرات إلى أواسط الصحراء حيث يأوي إلى أقرب الخيام. وقد تمضي أشهر عديدة لا يسمع به أحد أو يعرف له مستقرا. وهو يتكلم اللغة العربية الفصحى ويعرف لغات القبائل المختلفة وعادات العرب في كل منطقة. وهو يجيد الرماية إجادة عجيبة. وله مقدرة فائقة في معرفة النفوس. أما الغاية التي يرمي إليها فهي اكتساب ثقة الأعراب الذين يجوبون الصحراء. وقد نجح في حجزهم عن الاتصال بالثورة في فلسطين على الرغم من المجهودات التي بذلها المهيجون لإثارة هؤلاء البدو إلى حرب عامة للجهاد باسم الدين

ويقيم العضو الثالث من الثالوث البريطاني في الرياض عاصمة ابن السعود، ويدعى سان جون فيلبي. وله فضل كبير في اكتشاف الصحراء العربية وحضر موت ووضع كتب قيمة عنها

وسان جون فيلبي فوق ذلك صديق حميم لابن السعود، وقد اتصل به منذ وجه أول حملة ضد الأتراك. وهو جد مفتون ببلاد العرب وقد اعتنق الدين الإسلامي فيما بعد

وكان يناقض لورنس في زعمه أن بلاد العرب يجب أن تقسم إلى إقطاعيات تحت حكم الحسين وأبنائه، ويقول: إن لورنس يستبق الحوادث ولا ينظر نظرة عميقة إلى القوة التي وراء ابن السعود والوهابيين. وقد دلت الحوادث على أن فيليبي كان على صواب. فلم تمض بضعة سنين بعد هزيمة الأتراك حتى نجح ابن السعود في التغلب على الحسين ونشر لواءه على نجد والحجاز. وقد استمر حليفاً مخلصاً للدولة البريطانية بفضل سان جون فيليبي

هؤلاء الرجال الثلاثة يقومون بخدمة بريطانيا في بلاد العرب، فإذا زالوا خلفهم آخرون وهكذا. وما دام لدى بريطانيا رجال على هذا الطراز فيحق لوزارة المستعمرات في هوايت هول أن تنام ملء عينيها. وسواء بعد ذلك صبر الأمير عبد الله، وشجاعة فوزي القاوقجي، ودهاء الحاج أمين الحسيني، فليس في مقدور أحد منهم أن يؤسس إمبراطورية عربية

وإذا ساعدتهم الظروف على ذلك، فلن يكون هذا إلا برضا وزارة المستعمرات، ما دام لديها هؤلاء الرجال الذين يعرفون أغراضها ولا يجهلون الطرق التي توصلهم إليها

الطرق تحكم أوربا

(ملخصة عن تايم آند)

أصبحت الطرق تحتل المكان الأول من اهتمام الدولة الأوربية حتى لقد صار من المحتمل أن تقع حرب عالمية من أجل طريق تمتد بضعة أميال في بولندا

ويرجع ذلك الاهتمام العظيم بأمر الطرق إلى إدخال السيارات في أنظمة الجيوش والاعتماد عليها في الحروب. ومن المعروف عند رجال الحروب أن النجاح فيها موكول إلى سرعة الانتقال. فالجيش الذي لديه الوسائل لنقل الرجال والأسلحة قبل غيره معقود له النجاح، ومن هنا جاءت أهمية الطرق، وصح القول بأن من يستولي على الطرق الحربية في أوربا هو الذي سيحكمها ولا محالة

وقد اشتد اهتمام ألمانيا في الأيام الأخيرة بتعزيز جبهتها بالطرق التي تحتاجها وقت الحروب، فتم منذ استولى هتلر على ذمامها ما لا يقل عن أربعة آلاف ميل من الطرق المعبدة لسير السيارات، وأصبح من السهل على ثلاثين ألف عربة من سيارات الانتقال، ومليون رجل من رجال الحروب أن ينتقلوا إلى أقصى الجهات في جهة ألمانيا في وقت لا يزيد على أربعة وعشرين ساعة

وقد أصبحت برلين الآن محاطة بأنسجة من الطرق الحربية من كل الجهات وهذه الطرق توصل بين جبهتها وبين الطرق الهامة في أوربا، فلا يكاد الإنسان يتأملها حتى يتساءل، من أي هذه الأنسجة تقفز الرتيلاء؟!

والطريق من برلين إلى وارسو (وموسكو) هي الطريق المؤدية إلى سهول شمال أوربا الشاسعة. وهذه السهول منبسطة في أكثر الجهات، وقد لا يزيد ارتفاع الجهات العالية بها على 600 قدم، وتمتد هذه الطريق من برلين إلى جبهة بولندا إلى بروبرج إلى سهل الفستيولا، ثم إلى وارسو، وقد تؤدي إلى موسكو

وقد عبر نابليون سنة 1812 هذه السهول، فاحتل وارسو وخط الفستيولا ثم تقدم منها إلى عاصمة روسيا. ومن هنا يتبين أهمية الطريق التي تطلبها ألمانيا إلى دانزج وشمال بروسيا داخل حدود بولونيا. فدانزج وشمال بروسيا مازالا كما كانا بالأمس المركز الممتاز الذي تتطلع إليه الأنظار لاقتحام وارسو وشرق بولندا. وكل ما تطلبه ألمانيا أن تضع يدها عليه - لا من أجل الطريق الذي تزعمه - ولكن لتصوب منه الضربة القاضية!

هتلر أو المسيح؟

(عن ذي لتراري جايد)

تدل الحوادث التي تتكرر في ألمانيا كل يوم على أن حكومة النازي تعمل على محو أثر الكنيسة في الحياة الألمانية. وقد ظهر حديثاً كتاب بعنوان (أزمة المسيحية) بيّن مؤلفه مستر وليم تيلنج ما يحدث في الكنائس الألمانية على اختلافها في العهد الحاضر. وماذا عسى أن يحدث في الكنيسة الألمانية؟ الجواب لا يحتاج إلى تفكير إذا ما نظرنا إلى النظام الذي يشمل ألمانيا الآن، فما يحدث للكنيسة هو جزء من السياسة العامة التي ترمي إلى محو كل نظام قائم إلى جانب النظام العام الذي وضعه النازي للبلاد

ويتبين مما جاء في هذا الكتاب أن هناك حملة مدبرة لمهاجمة آراء الكنيسة وفلسفة الكنيسة ومالية الكنيسة. والقول بأن العقيدة في هتلر تعادل العقيدة في السيد المسيح، والثقة بأعضاء النازي كالثقة بالقديسين الأكرمين، وهذا أمر لا يقبله رجل مسيحي بالطبع لأنه كفر وتجديف، ولكنه هو الواقع بكل أسف! فالطريقة التي يحيا بها هتلر غب انتصاراته تتخذ المراسم التي كان يستقبل بها رجال الدين في العصور الغابرة، ومذهبه الفلسفي الذي يلغي إلى جانبه كل تفكير وكل علم من رؤوس الناس هو مذهب ديني كما يظهر لا مذهب سياسي. وقد قبلت الكنيسة تلك المظاهر خاضعة، ولم تحاول أن تعارض هذه الديانة السياسية إلا في أحوال عارضة

ويقول مستر (تيلنج) إن شباب الجيل الحديث الذين انتزعهم النازي من أيدي القساوسة، وأسلمهم إلى النظام السياسي الذي يسود ألمانيا الآن، سيفقدون على التدريج عقيدتهم في كل شيء، حتى اعتقادهم في ديانتهم الجديدة. فإذا تيقظت الكنيسة إلى ذلك، تسنى لها أن تضم إليها هؤلاء الشباب، وتقودهم إلى حركة تقضي لا محالة على ذلك النظام

إن القوة التي تعارض النازي لا يمكن معرفتها الآن بجانب الضغط الذي يسود ألمانيا، إلا أن التاريخ قد علمنا أن كل قوة تقوم على محو العقائد من النفوس، لابد أن تتجرع من الكأس التي تقدمها لها

حذار من الأذكياء المتعالين!

(بقلم دكتور جوبلز وزير الدعاية الألمانية)

لا نقصد بهذه الكلمة أن نمس الرجل المفكر المخلص الذي يخصص علمه وكفايته وتجاربه لخدمة أمته، فإن الفكر الألماني يتألف من هؤلاء الرجال المفكرين؛ ولكن مما لاشك فيه أن هناك فرقاً شاسعاً بين المفكرين الذين على هذا الطراز وغيرهم من أدعياء الفكر. فليس كل من يحظى بنصيب من التعليم، وشيء من المقدرة على الظهور ممن يسمونهم بالمتعلمين، هو في الحقيقة من الأذكياء أو المفكرين. إن مثل هذا الرجل من بقايا متعلمي الجيل الماضي قد أخطئ في توجيهه، ونشأ على طريقة عقيمة في التعليم؛ فهو في الحقيقة لم يكن سوى مجموعة من العلوم نمت في ظل نوع من الذكاء الزائف. أما تأثير هذا الرجل في المجتمع فهو أشد وأنكى من تأثير الجاهل البسيط، إذ أن اكتشافه للناس ليس بالأمر اليسير.

والرجل الذي على هذا الطراز يريك الجبن حكمة، والنزق حزماً، والكبر شجاعة، والذبذبة قوة وثباتاً. . .

فإذا عرف خطره على المجتمع، فإن خطره على المجتمع الألماني أشد وأعظم؛ لأن الألمان بطبيعتهم لهم غرام خاص بتلك الفضائل في عنصرها الأصيل. أما الرجل المفكر المتعلم الذي يعمل ويناضل لإحياء وطنه وحرية بلاده، فهو ومن على شاكلته يتبوءون الآن مراكزهم في الحكومة الاشتراكية الوطنية، أو يسيرون خلفها متحمسين مزهوين

إن الفكر التقليدي الذي يصد عن المثل العليا أو يصدف عن الحكمة والمنطق، ثم يستخف بهذا المسلك المعيب، هو في الحقيقة جبان قصير النظر. فلا يزال يرى أن العلم والتربية والمكانة لم تخلق جميعها إلا لما يريده هو ويراه. وكل من تحدثه نفسه بأن يسلك سبيلاً غير سبيله فهو خارج على العرف، ومن ثم يجب أن يكافح وتعارض أعماله وتوجه إليها حملات النقد والتفنيد

ولا ضرر من هذا الرجل في أيام السلم إلا أنه قد يكون محقق الضر حين تشتد الأزمات السياسية، فيجتمع هو وأمثاله زمراً تنقصها ملكة الفهم والحكم على المواقف الدقيقة ليظهروا مخاوفهم ومخاوف الآخرين باسم العلم الزائف الذي يدّعونه

إن هؤلاء المفكرين التعساء لا يزالون يقابلون كل عمل من أعمال الحكومة الاشتراكية الوطنية وأعمال الفوهرر بكلمة (لا) ومن المحتمل أن يظلوا كذلك إلى الأبد. وليس في نيتنا أن نضم أحداً منهم إلينا لا لأننا لا نستطيع ذلك، ولكننا لا نريد أحداً منهم على الإطلاق، إذ أنهم حمل لا فائدة فيه