مجلة الرسالة/العدد 316/البريد الأدبي
→ من هنا ومن هناك | مجلة الرسالة - العدد 316 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
رسالة النقد ← |
بتاريخ: 24 - 07 - 1939 |
حول جناية الأدب الجاهلي
تحت هذا العنوان كتبت (الثقافة) في عددها الأخير كلمة بدأتها بهذه الجملة:
(أتتنا مقالات عدة من مختلف الأقطار العربية، بعضها في مناقشة الفكرة تأييداً أو رداً. . . وبعضها في سب ناشر مقالات (الرسالة) (لعله يريد (كاتب)) والتعريض بصاحب المجلة وتحليل الأسباب الداعية إلى ذلك. . .)
ولو كانت الثقافة من مواليد العام الماضي لشهدت في الرسالة معركة من أعنف المعارك الأدبية وأحماها بين الأستاذ سيد قطب وبين روح الأستاذ الرافعي. وكان الأستاذ قطب أمض أسلوباً وأشد لهجة من الدكتور زكي مبارك؛ وكان يأبى علينا أن نخفف من حدته أو نلطف من ألفاظه؛ ولكن الدكتور زكي يسمح لنا أن نسكن من سَوْرته بالحذف والتغيير حتى لتنخفض حرارته في بعض المقالات إلى النصف!
وكان الرافعي عضواً عاملاً في أسرة الرسالة وصديقاً حميماً لصاحب المجلة إلى أن استوفى آخر أنفاسه. وكان حين شبت هذه المعركة قد انتقل إلى جوار الله فلم يعد له لسان ولا قلم ولا صحيفة، فكان من الجائز حينئذ للذين لا يفهمون النقد إلا أنه انتقام وخصومة أن يكتبوا في (التعريض بصاحب المجلة وتحليل الأسباب الداعية إلى ذلك. . .). ولكن صديقنا الأستاذ أحمد أمين - متعه الله بطول العمر - له قلم ومجلة وأنصار؛ وهو صاحب رأي جديد في الأدب الجاهلي لم ينشره إلا بعد أن وطن النفس على مكروهه. وناقده أستاذ معروف له استقلاله في الرأي وأسلوبه في النقد ومكانته من الصحافة، فلا يمكن أن يوجه إلى خطة أو يحمل على رأي. إذن يكون من المجازفة والاعتساف أن يظن ظان بعدما عرف من مثل الرافعي ورأى من نشرنا النقد والرد عليه أن هناك أسباباً دعت إلى هذه المعركة غير خدمة الأدب في ذاته. وللرسالة والحمد لله قلم يستطيع متى شاء أن يدافع ويهاجم وينقد في حدود الأدب والحق والمنطق من غير حاجة إلى استخفاء أو استعداء
(الرسالة)
النعيم الحسي والروحي في الإسلام قرأت في (الرسالة) كلمة طيبة لحضرة الأستاذ محمود علي قراعة في مراجعة ما قررت في أحد الأبحاث الماضية من اعتراف القرآن بالنعيم الحسي في الفردوس.
والظاهر أن الأستاذ قراعة يرى أن القول بالنعيم الحسي ينافي القول بالنعيم الروحي لمن يرضى الله عنهم من المؤمنين.
وأقول بصراحة جلية: إن الإسلام يقوم على أساس القول بأن الإنسان مكوَّن من جسد وروح، وهو كذلك في الحياة الأخروية؛ فسيكون بعد الحساب جنة أو نار، جنة فيها أنهار وأشجار وأزهار، وقصور، وحُورٌ عِين كأمثال اللؤلؤ المكنون، ونار فيها جميع صنوف العذاب!
جنة حقيقية لا مجازية، ونار حقيقية لا مجازية.
تلك هي الحال التي سيصير إليها المؤمنون أو الكافرون بعد الحساب.
أما القول بأن الجنة والنار رموز لا حقائق، وأن الثواب والعقاب سيكونان مقصورين على الروح، فذلك قول وصل إلى بعض الصوفية من التأثر بالمسيحية.
والنظرية الإسلامية الصحيحة التي تعترف باللذات الحسية في الآخرة لا تمنع من القول بأن سيكون في المؤمنين من يكون نعيمهم برضوان الله أطيب من نعيمهم بما في الجنة من ثمرات وطيبات
وليت أمثال هذا الصديق يعرفون أن اللذات الحسية من طعام وشراب وعافية هي من نعم الله ذي الجلال، وهي مشتهاة في الدنيا والآخرة؛ وما كانت كذلك إلا بمشيئة بارئ الأرض والسموات
أنا يا صديقي راض بأن يكون حظي في الآخرة عند الحد الذي تقول فيه الآية الكريمة:
(فمن زُحْزِح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)
أما قضاء الأبد الأبيد بالتسبيح والتكبير والتهليل، فهو غاية سيطلبها رجل غيري؛ فقد قضيت حياتي في أكدار وأشجان، وقضاء الأبد في الفردوس هو الواحة التي أستظل بها من هجير هذا الوجود.
اشغلني عنك، يا رباه! بما سيكون في الجنة من أطايب النعيم. فإن بصري أضعف من أن يواجه نورك الوهاج، ولك الرأي الأعلى في التجاوز عن ذنوبي وآثامي.
زكي مبارك
توضيح مسألة
سيدي الأستاذ الجليل الزيات
تحية وسلاما، وبعد. فقد قرأت المقال القيم الذي كتبه الأستاذ كامل محمود حبيب في عدد الرسالة (314) عن المرحوم الأستاذ فليكس فارس، وقد وجدت في المقال أشياء استوقفت نظري وأرى من الواجب أن أنبه عليها بياناً للواقع.
وأول شيء استرعى بصري أن الأستاذ كامل حبيب وضع رقماً يدل على تاريخ مولد الأستاذ فليكس فارس، وتاريخ وفاته، والرقم هكذا (1886 - 1939)، ولكن الحقيقة أن الفقيد ولد عام 1882 في بلدة (صليما) بلبنان، وقد أخطأ في ذلك أيضاً الأستاذ صديق شيبوب إذ كتب في جريدة البصير في العدد الصادر في يوم الجمعة 30 يونيو سنة 1939 أنه ولد عام 1881 في بلدة (المريجات)، والذي نعرفه نحن شخصياً من الأستاذ فليكس فارس أنه ولد في 27 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1882، وقد أعلنت أسرة الفقيد أنه توفي عن سبع وخمسين سنة، وعلى هذا يكون تاريخ ميلاده موافقاً للسنة التي ذكرناها.
هذا والأستاذ كامل حبيب ذكر أن الفقيد سافر إلى أمريكا عام 1920، والذي نعرفه أن الفقيد لم يرحل إلى القارة الأمريكية إلا عام 1921. ومما يؤيد هذا الكلام آخر ما كتبه الفقيد والذي جاء في العدد الخاص من مجلة (المكشوف) عن مظاهر الثقافة في مصر، وكما جاء أيضاً في أكثر من مكان في كتابه (رسالة المنبر إلى الشرق العربي) ص 26 مثلاً.
هذا ومما نذكره للتاريخ عن سفره إلى أمريكا أنه اعتقل في (لونج أيلند) مع زميله الفنان جان دبس ستة عشر يوماً لسعايات سياسية وأفرج عنه بمساعدة صديقه الأستاذ أمين الربحاني
ويذكر الأستاذ كامل حبيب أن الفقيد تعرف على جبران وعلى أعضاء الرابطة العربية في نيويورك. والحقيقة أنها الرابطة القلمية التي كان عميدها جبران ومستشارها ميخائيل نعيمة (كتاب جبران خليل جبران لميخائيل نعيمة ص 171). وأما الرابطة العربية فمقرها في القاهرة على ما نعلم ورئيسها هو الأستاذ محمود بسيوني رئيس مجلس الشيوخ السابق.
إبراهيم أدهم
سؤال إلى (المفكرين) من علماء المسلمين
أنا لست من الفقهاء ولا المحدثين ولكن لي من المشاركة في هذه المباحث ما يطوّع لي عرض هذا السؤال وتوجيهه توجيهاً قد لا يرضي المتمسكين بحرفية النصوص الشرعية، الواقفين عندما جاء في الشروح والحواشي، معترفاً بأن مستندي في الذي أقوله على الأحكام العامة والرأي والاجتهاد، لا على الدليل الأصولي والحجة الشرعية، وهذه الأحكام العامة التي أرجع إليها وأستند عليها هي:
1 - أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأن مبادئه لا يعتريها البلى ولا تفسدها الأيام
2 - إن الإسلام يجعل من المتمسكين به أرقى مجموعة بشرية في العلم والقوة والمال والحضارة
فكيف يتفق مع هذين الأصلين وجود أحكام في الفقه لا تصلح لهذا الزمان، وأحكام تجعل المسلمين دون الأمم الأخرى في مرافق الحياة؟ مثال الأولى أحكام البيع والشراء في فقه الشافعية مثلاً؛ فإن فيها ما يتعذر تطبيقه في التجارات الواسعة وما يخالف كثيراً من المتعارف عليه بين التجار، كأن يشتري التاجر المصري بضاعة من إنكلترا ويبيعها في سوريا من غير أن يتسلمها أو يراها، أو يشتري من المعمل أشياء لم تصنع بعد وتم العقد عليها. ومثال الثانية ما قام عليه الدليل الحسي من أن أمة متمدنة لا تستطيع اليوم الاستغناء عن المصارف (البنوك) ومعاملاتها وما قدر أن يقوم به بنك مصر من الأعمال العظيمة القائمة في الأساس على شيء من الربا. . .
أفنقول للتجار إن الإسلام يحول بينكم وبين اتباع الأسلوب السهل المعروف في التجارة ويعرقل أعمالكم؟ أو ندع أعمال البنوك مع ما هي عليه من اللزوم وما لها من الفوائد والمزايا؟ وكيف يكون التوفيق حينئذ بين هذه النتيجة التي تنتهي إليها وبين الأصلين الثابتين المتقدمين؟
أولا يصح القول بأن من أحكام الفقه ما هو مبني على أصل ثابت من كتاب أو سنة فهذا ما لا سبيل (فيما أعلم) إلى تبديله أو تغييره، ومنها ما هو مبني على عرف كان سائداً في عصر الفقهاء المجتهدين، وقد تغير العرف فيجب أن تتغير الأحكام المبنية عليه. أذكر أنه مر معنا عند درس (المجلّة) في كلية الحقوق أنه إذا باع الرجل دابة له واشترط على المشتري ألا يركبها في البلد مثلاً فالشرط لغو لا قيمة له، وقد بني هذا الحكم على اعتبار هذا الشرط ضاراً بالمشتري في حين أنه لا ينفع البائع، فألغوه على قاعدة (الضرر يزال). . . فإذا وجدنا فيه نفعاً للبائع كأن يكون البائع للسيارة سائقاً يشتغل بنقل الركاب على طريق معين، وأن يكون استعمال المشتري للسيارة على الطريق عينه مضراً به. . . فإنه يجب في هذه الحالة اعتبار هذا الشرط صحيحاً، فما هو قول علمائنا الأعلام؟
والربا؟ أليس الربا المحرم هو استغلال صاحب المال حاجة المستقرض وإرهاقه بالزيادة، وضم الزيادة إلى رأس المال عند عجزه عن الدفع (على طريقة الفائدة المركبة) حتى تستغرق الفائدة رأس المال أو تزيد، وأنه حرم لما ينشأ عنه من خراب للبيوت وتنازع بين الناس وتسرب البغضاء إلى النفوس؟ أو ليس هنالك فرق (عظيم) بين هذا الربا وبين معاملات المصارف. فأنت حين تعامل المصرف لا تستغل حاجته، ولا ترهقه بالفائدة بل هو الذي يعرضها عليك. فهو أشبه بشركة المضاربة ولا يشترط (فيما أظن) تقسيم الربح بالتساوي بين الشريكين، ولا مانع من أن يساهم المضارب ببعض المال. فإذا صح هذا أمكن أن نعد القائمين على أعمال البنك بمثابة الشريك المضارب، والمساهمين بمثابة صاحب المال، والخسارة تكون بالطبع على أصحاب رؤوس الأموال بنسبة أموالهم. بقي أن البنك لا يستعمل المال في التجارة ولكن يستثمره بطريق الربا أيضاً، وهي التي لا وجه لها عندي. فما هو قول علمائنا الأعلام؟
إن الإسلام إذا كان لكل زمان، فإنه يجب أن يكون لكل زمان فقهه، والفقه الذي يقرؤه الطلبة في الأزهر وغير الأزهر لم يوضع لزماننا، وإنما وضع لأزمان مضت. وأنا معجب أشد الإعجاب بالفقهاء المتقدمين، فإنهم لم يدرسوا وقائع أزمانهم ويضعوا لها الأحكام فقط، وإنما فرضوا الفروض وبحثوا عن أحكامها. فأين فقهاؤنا الذين بحثوا في المسائل الفقهية الناشئة عن الراديو مثلاً وحكم سجود التلاوة عند سماع القارئ فيه، وحكم الاقتداء بالإمام الذي تسمع قراءته في الراديو والمسائل الناشئة عن وسائط النقل الحديثة والسفر بها.
والمسائل التي حدثت في العرف التجاري وغير ذلك مما تشعر بالحاجة إلى معرفة حكم الله فيه. على أنني أذكر هنا بإكبار بحث فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد شاكر في الطلاق فإنه يعد مثلاً كاملاً في هذا الباب. فمتى يعمد العلماء إلى الكتابة في مشكلات المسائل على هذا النمط، ومتى يلغى من الأزهر الفقه الموضوع للقرن التاسع والعاشر ليحل محله فقه القرن الرابع عشر. مع العلم بأن منبع الاثنين الكتاب والسنة عماد الإسلام. هذا الدين المرن الصالح لكل زمان ومكان؟
هذا سؤال أوجهه إلى (المفكرين) لا الحافظين من علماء المسلمين!
(دمشق)
علي الطنطاوي
حول الروحيات والمعنويات في الإسلام
أستاذنا العزيز الزيات:
وبعد فقد أساء بعضهم فهم ما ذكرناه عن ابن عابدين ج 3 ص 215؛ ولذلك يجب ذكر ما قاله كاملاً: (قال السيوطي قال ابن عقيل الحنبلي جرت مسألة بين أبي علي بن الوليد المعتزلي وبين أبي يوسف القزويني في ذلك، فقال ابن الوليد: لا يمنع أن يجعل ذلك (يريد اللواط) من جملة اللذات في الجنة لزوال المفسدة لأنه إنما منع في الدنيا لما فيه من قطع النسل وكونه محلاً للأذى، وليس في الجنة ذلك، ولهذا أبيح شرب الخمر لما ليس فيه من السكر وغاية العربدة وزوال العقل. فلذلك لم يمنع من الالتذاذ بها. فقال أبو يوسف الميل إلى الذكور عاهة وهو قبيح في نفسه. . . ولهذا لم يبح في شريعة بخلاف الخمر، وهو مخرج الحدث، والجنة نزهت عن العاهات. فقال ابن الوليد: العاهة: هي التلويث بالأذى؛ فإذن لم يبق إلا مجرد الالتذاذ. . . والظاهر أن المراد بالحرمة هنا القبح إطلاقاً لسم المسبب على السبب أي قبحها عقلي بمعنى أن يدرك بالعقل وإن لم يرد به الشرع كالظلم والكفر. لأن مذهبنا أنه لا يحرم بالعقل شيء أي لا يكون العقل حاكماً بحرمته، وإنما ذلك لله تعالى بل العقل مدرك لحسن بعض المأمورات وقبح بعض المنهيات. فيأتي الشرع حاكماً يوفق ذلك. فيأمر بالحسن وينهى عن القبيح، وعند المعتزلة يجب ما حسن عقلاً، ويحرم ما قبح، وإن لم يرد الشرع بوجوبه أو حرمته. فالعقل عندهم هو المثبت، وعندنا المثبت هو الشرع والعقل آلة لإدراك الحسن والقبيح قبل الشرع. وعند الأشاعرة لاحظ للعقل عبد الشرع بل العقل تابع للشرع فما أمر به الشرع يعلم العقل أنه حسن، وما نهى عنه يعلم أنه قبيح. . . فلا تكون اللواطة في الجنة على الصحيح لأنه تعالى استقبحها وسماها خبيثة والجنة منزهة عنها، وفي الأشباه حرمتها عقلية فلا وجود لها في الجنة، وقيل سمعية فتوجد. . .)
هذا ولقد ظن بعض القراء أن معنى وجود خلاف في الرأي فيما يتصل بوجود هذا الفعل في الجنة أو عدم وجوده، أن الشريعة الإسلامية، لم تنكر هذا الفعل لأنها لم تقرر الحد عنه، وفاتهم أن عدم الحد عنه لا لخفته بل للتغليظ حتى رأى الجمهور تكفير مستحلها، وأن بعضهم يرى حد الفاعل والإحراق بالنار، وهدم الجدار والتنكيس في محل مرتفع باتباع الأحجار والجلد والتعزير والسجن حتى الموت أو يتوب، ولو اعتاد هذا الفعل قتله الإمام سياسة.
هذا وقد قال لما بعض العلماء إن الذين يرون رأيننا في روحية اللذات في الجنة يجب تكفيرهم أو على الأقل رميهم بالضلال والعياذ بالله، لأن رأي الروحانية يتنافى في رأيهم مع أصل النصوص، والواقع أن هؤلاء يتجاهلون ما يجب أن يعرفوه من أن اللذة سواء أكانت حسية أم معنوية تتصل أكبر ما تتصل بالتفاعلات النفسية وتقرب كل القرب من الروح، فالسمع والبصر والشم واللمس والذوق حواس الإنسان الخمسة يمكن أن تضم إليها الحاسة الفنية التي يضمها بعض الكتاب وبذا نكاد نتفق في إعزاز الجزء الروحي في كل حاسة وإكبار شأنه وفهمه أنه أسمى جزئياتها. فأنت إذا رأيت منظراً جميلاً هل تستطيع أن تقدر لطربك الروحي من رؤية هذا المنظر أقل من تسعة أعشار ما يشع عليك من سرور. ولقد كان جمال يوسف الصديق شاغلاً لأهل مصر عن الإحساس بألم الجوع، حتى أنهم كانوا إذا جاعوا (كما ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين الجزء الرابع) نظروا إلى وجهه فشغلهم جماله عن الإحساس بألم الجوع، وحتى قطع النسوة أيديهن لاستهتارهن بملاحظة جماله حتى ما أحسسن بذلك كما قص لنا للقرآن الكريم. وكذلك يمكن القول عند ذكر الحاسات جميعاً. فليطمئن هؤلاء العلماء الذين أسرعوا فكفروا مع أن التكفير إثم عظيم لا يكفره إلا عفو من ظلموه ليطمئنوا لأنا نفهم أن الإنسان كما يمكنه أن يسمو بلذاته الحسية إلى حيث مرقاة الروح، يستطيع أن ينزل بها إلى حيث يريد من النزول. فعند سماعك لغناء تستطيع أن ترقى به وتستطيع أن تجعله ينزل بك، فإذا سمعت غناء من ذي صوت جميل لتقديس الله بالتفكر في جمال الحناجر التي خلقها فأنت رجل روح تتمتع بلذة السماع وهي لذة حسية وترتفع بها إلى جعلها ترقى بروحك وبنفسك، وأما إذا كنت تسمع صوتاً جميلاً من جميل وتريد بسماعك ومن حركات المغني تحريك شهواتك، فأنت نازل بلذتك الحسية إلى الحضيض، ولذا قرر السهروردي حل الغناء في الأولى وحرمته في الثانية
ثم ما قال هؤلاء العلماء في لذة النظر إلى وجه الله الكريم؛ وهي لذة روحية بحتة تفوق كل اللذات. . . الحق أنهم ظنوا بجهلهم لروح الإسلام وتعاليمه الصحيحة، أن حسية اللذات تمنع من روحانيتها، وفاتهم أن اللذة معنى لا يحس وأنها إذا نسبت لما ينتجها فليس هذا إنزالاً لها من عالمها إلى عالم المادة أو الحس. ولكن الذي نؤمن به كمسلمين صادقين أن في الجنة لذات روحية وحسية، وإنا كمؤمنين صادقين نرى أن لذات الجنة الحسية لذات راقية تسمو بالروح، إذ لا لغو في الجنة ولا تأثيم، وأن أكبر لذات الجنة التي سينعم بها المؤمنون روحية. هذه عقيدتنا التي يجب أن يؤمن بها كل مؤمن صادق.
محمود علي قراعة
فن منحط برغم ذلك
كتب الأستاذ أنور كامل في بريد العدد الماضي من الرسالة كلمة عن جماعة الفن والحرية بعد أن شعر أن الكلمة المنشورة في العدد الأسبق تحت عنوان الفن المنحط تمس الجماعة التي ينتمي إليها رغم أن الكاتب لم يشر بتاتاً إلى جماعة (الفن والحرية) وهذا التصرف من الأستاذ كامل له مغزاه. . . وقد أتيح لي أن أطلع على بعض ما كتبه ورسمه بعض المنتمين إلى تلك الجماعة وأرسلت بعضه لمحرر الرسالة، ولعله المعنى بالذات في تلك الكلمة التي أثارت الأستاذ كامل ودفعته إلى كتابة كلمته. . .
وإني أقول للأستاذ إن الفن الذي يبشر به ويروج له فن منحط رغم كل ما يقال فيه، وإن الجماعة التي تتسمى باسم الفن والحرية لا تفهم الحرية إلا على أنها فوضى لا ضابط لها ولا قانون - كما أن مسايرة الفن الأوربي في تخبطاته الأخيرة ليست حرية بحال من الأحوال. بل هي عبودية عمياء، وهذا هو ما تفعله جماعة الفن والحرية!! فليشرح لنا الأستاذ على أي أسس تقوم آراء جماعته - وإني على استعداد تام لمناقشة كل ما سيدلي به الأستاذ في الدفاع عن آراء جماعته. ولعل صفحات الرسالة تتسع لكل ما سيكتب في هذا الموضوع والكسب للفن على كل حال.
نصري عطا الله سوس
للحقيقة والتاريخ: بيان وتصحيح
لما قرأت ما نشرته الرسالة منذ أعداد من نبأ (المجلة الأدبية) التي ستصدر في دمشق، والمحاضرة التي ألقيت في بعض النوادي عن (التأليف والمؤلفين) وأحاديث (الراديو) عن شعراء دمشق، ورأيت ذلك كله مجتمعاً في عدد واحد، والى جنبه ذكر كتاب نشر حديثاً ووصفه بأنه (آية في التحقيق والتدقيق)، ظننت أن الله قد (بعث) الحركة الأدبية في الشام، واستخفى الطرب حتى حدا بي إلى الإسراع بالعودة إلى الديار، لأشارك في جَنْي بواكير هذه الثمرة الطيبة. . . وعدت فإذا المجلة (مشروع) من هذه المشروعات التي يطيب لبعض الشيوخ المتقاعدين وبعض الشبان المتبطلين الكلام فيها ليوهموا أنفسهم أنهم (يشتغلون) ولم يتحقق منه إلا اجتماع دعا إليه أحد الأدباء، وخبر لا أدري من بعث به إلى الرسالة، ذكر فيه أشخاص متماثلون متقاربون في شهاداتهم ومنازلهم زملاء في التدريس، فرفع بعضهم إلى المنزلة العليا وقيل عن بعض إنهم (متأدبون ناشئون) فحقدوا على الرسالة، والرسالة لا ذنب لها. . . وإذا المحاضرة التي ألقيت ونشرت كاملة في صدر (الهلال) تشتمل على دعوة (قوية) إلى ترك الثناء بالباطل، والى النقد الصريح. ونحن اتباعاً لهذه الدعوة، وامتثالاً لأمر صاحبها، نعلن أن المحاضرة أرقى بقليل من كتاب (الوسيط) الذي يدرس للطلاب، وأنها خالية من الإحاطة بالموضوع، ومن التحقيق العلمي، ومن (الشيء الجديد)، وأنها عبارة عن نتف من هنا ونتف من هناك، جمعت بأسلوب خطابي يثب فيه المؤلف من عصر إلى عصر، فيذكر أشياء لا ندري لماذا يذكرها، ويهمل أشياء لا ندري فيم أهملها، ثم يختمها بكلام طويل في وصف المؤلف الذي (يريده). وأما أحاديث الراديو، فلم تلق بعد، وأظن أن هذا الشاب العامل المد سيكون أدنى إلى التوفيق من سادتنا الكهول الذين أخذوا شهرة من الدهر فناموا عليها، واطمأنوا اليها، وأهملوا الإنتاج القيم، وإذا الحركة الأدبية (لا تزال) ميتة أو مغشياً عليها قد صرعتها السياسة وأحداثها، فأحببت أن أنشر هذا البيان في الرسالة لا بغضاً لدمشق فما يدعي محبتها أكثر مني إلا كاذب، ولكن حفزاً للهمم وإظهاراً للحقيقة، ولئلا يسجل في الرسالة غير الحق. وأنا أتمنى والله أن يكون الأمر غير ما أقول ولو عدت كاذباً. . .
ع. ط.
فرقة تمثيلية من المشايخ
شهدنا في دار الأستاذ علي الطنطاوي اجتماعاً تمهيدياً لتأسيس فرقة تمثيلية تضم كبار المشايخ المشتغلين بالعلم والأدب؛ الغاية منها إرشاد الناس إلى المنهج الأخلاقي والعمل للإصلاح عن طريق التمثيل. وقد حضر الاجتماع الأستاذ الكبير الشيخ عبد القادر المبارك والأستاذ الشيخ عبد القادر الطنطاوي. وقد تبرع أحد الوجهاء الذين حضروا الاجتماع بأرض واسعة يبنى فيها مسرح عظيم، وبالنفقات اللازمة للتمثيل. وسيقوم حضرات الأساتذة بالتمثيل فعلاً، في الرواية الأولى التي يعدها الآن الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي.
(دمشق)
(ص. م)
المرحوم فليكس فارس
ستقام حفلة تأبين كبرى للمرحوم الأستاذ فليكس فارس بدار المحفل الأكبر الإقليمي بشارع يونج رقم 2 بالإسكندرية وذلك في تمام الساعة السابعة والنصف من مساء الاثنين 24 يوليو سنة 1939 والدعوة عامة.
عائشة والسياسة
وقع في هذا المقال المنشور بالعدد (314) من (الرسالة) سهو، وهو أن الحاشية (الأغاني 5 - 130 طبع دار الكتب) موضعها آخر العمود الثاني (ص 1350) لأنها تعين مصدر الحادثة المذكور ثمة، ولا علاقة لها بالعنوان.