مجلة الرسالة/العدد 311/رسالة العلم
→ كامل الخلعي وناحية الشذوذ في حياته | مجلة الرسالة - العدد 311 رسالة العلم [[مؤلف:|]] |
من هنا وهناك ← |
بتاريخ: 19 - 06 - 1939 |
جزيئات المادة
حركة الجزيئات سبب للعمليات الحرارية
للدكتور محمد محمود غالي
في مشاهداتنا اليومية دليل على التقسيم الجزيئي للمادة - حركة (الهابوش) حول المصباح - كيف انتصرت النظرية السينيتيكية في القرن الماضي - قوانين الضغط والحجم والحرارة تجد تفسيرها في الحركة الداخلية لجزيئات المادة - الحرارة عامل أساسي في حركة الجزيئات - الحرارة هي الحركة ذاتها
عندما تطالع مقالاً في صحيفة أو تقرأ موضوعاً في كتاب فيحدثك الكاتب في هذا أو ذاك عن الجزيء وعن الذرة تنظر إلى لهذه الموضوعات كأنها فروض علمية أكثر من نظرك إليها كمسائل عملية وحقائق ثابتة يعترف بها العلم التجريبي. ولكنك إذا أنعمت النظر فيما يعرض لك في حياتك اليومية من أحداث فإنك لست في حاجة إلى اللجوء إلى تجارب العلماء الدقيقة لإثبات الفكرة الذرية، بل إن شيئاً من الملاحظة والتأمل حقيق بأن يثبت لك بأدلة محسوسة أن المادة مكونة من جزيئات متناهية في الصغر تمثل في الواقع وسطاً منفصلة أجزاؤه وحالته غير مستمرة
موضوع يعجب لها لقارئ كيف يتسنى له أن يدرك النظرية الذرية من التأمل في بعض المظاهر التي يصادفها؟ وكيف تحمل هذه بين طياتها أكبر الأدلة على ثبوت بعض القضايا العلمية الدقيقة؟ لذلك نسرد للقارئ طرفاً منها
من العادات الشرقية أن نطلب في بيوتنا من الخادم كوباً من الماء البارد ونطلب منه في الوقت ذاته أن يضيف إليه نقطة أو بضع نقط من ماء الورد، ليكون للماء ونحن نشربه عبير نرتاح إليه. شيء من التأمل يدفعنا إلى فهم فكرة الجزيئات، إذ نعرف ونحن نتجرع ما في الكوب من شراب أن هذه النقطة من ماء الورد التي يعد حجمها ضئيلاً بالنسبة إلى حجم ما في الكوب من ماء، انتشرت قبل تذوقنا إياه في كل أنحائه، ولم يستأثر جزء من مياه الكوب بها دون الجزء الآخ هذه الظاهرة من امتزاج نوعين من السائل: الماء النقي المتدفق من المثلجة، وماء الورد المحفوظ في الزجاجة، لا يمكن أن تحدث إلا على حساب انتشار جزيئات صغيرة من ماء الورد بين جزيئات الماء الصافي، لأنه على صغر حجم نقطة الورد أصبحت موجودة في كل مكان بين جزيئات الماء
خاطر آخر: ليس ثمة ما يمنع أن نصب ما في الكوب في حوض كبير مملوء بالماء، إننا عندئذ نشعر بعبير الورد في كل أجزائه ولو بدرجة طفيفة، هذه القطرة الأولى امتزجت في الحوض الكبير الذي نعرف فيه أثرها بعبيرها والذي بات مسرحاً للجزيئات العديدة للنقطة من الورد، تكمن هذه الجزيئات تارة وتنتقل تارة أخرى في أرجائها المترامية
ولو أن هذه النقط كانت من الحبر بدل ماء الورد لحدث ثَمَّ تعديل طفيف في لون الماء داخل هذا الحوض لا شك يعم كل أجزائه التي تميل عندئذ إلى الزرقة بانتشار الجسيمات الصلبة الصغيرة للحبر في كل أرجاء الحوض الفسيح
كذلك نرى النوعين من الزجاج الملون، كلاهما أحمر اللون ولكنهما يختلفان في درجة الإحمرار، هذا الاختلاف الشديد في ألوان الزجاج أو أقمشة الملابس هو نتيجة لاختلاف نسبة جسيمات المادة الملونة بالنسبة للمادة المراد تلوينها
كذلك من السهل معرفة مخلوط من البروم والكلوروفورم من رائحة الأخير، وإذ كان العلماء يستطيعون بعد ما سردناه من أمثلة أن يميزوا نسبة الأوكسجين والأزوت في الهواء بكل تفاصيلهما بدراسة أطيافهما، ابتداء من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق بنفسجية، فإن لهم في هذا طريقة في التحليل الطيفي ليست من عمل الرجل العادي، ومع ذلك فهم يصلون إلى النتيجة ذاتها التي تتلخص في أن الأوكسجين والأزوت مادتان مركبة كل منهما من جزيئات كماء المثلجة وماء الورد، بحيث إذا اعتبرنا قدراً صغيراً من الهواء الذي نستنشقه نجد فيه دائماً هذين المخلوطين بنسبة معينة هي التي يعرفها العلماء من التحليل الطيفي كما أن الورد أو الحبر امتزجا مع الماء بنسبة معينة، هيا لتي تميزها حاسة الشم أو النظر التي تقوم في هذه العملية بما تقوم به الأجهزة الدقيقة في تجارب العلماء المتقدمة
ومع ذلك فإنه من غير المعقول أن مادتين مستقلتين تندمجان أو تختلطان أو يتداخل بعضها في البعض الأخر إلا إذا فرضنا وجود جزيئات صغيرة لكل منهما وأن هذه الجزيئات تتحرك فتنتشر بعضها بجوار البعض
في مشاهداتنا اليومية عندما يقرع الجرس في إحدى المدارس يخرج الطلبة جميع الفرق إلى فناء المدرسة، ويختلط جميعهم بحيث يصح في كل لحظة أن ترى طالباً من فرقة معينة محاطاً بطلبة من جميع السنين الأخرى، بحيث أن في كل بقعة من فناء المدرسة يوجد طلبة من جميع الفرق تتحدث وتجري وتلعب، كل منهم مستقل بذاتيته، ولا يمنع هذا أن دقة أخرى من الجرس واتفاقاً كان نتيجة التدريب والتهذيب، يجعلان هذه الشخصيات المستقلة والجزيئات المبعثرة تتجمع مرة أخرى في صفوف منتظمة بحيث نرى بعد مرور فترة من الوقت هذه الأفراد تدخل فصولها كل على مقعده الذي كان عليه منذ أمد قصير
كذلك لا بد من أن هناك عملية طبيعية تجعلنا نفصل مرة أخرى ماء الورد من الماء وجسيمات الحبر من ماء الحوض ونزيل عن الأقمشة ألوانها ونفصل الكلوروفورم من البروم، كما أن ثمة عملية أخرى تفصل الأكسيجين من الأزوت بحيث تصبح جزيئات الأكسيجين بمفردها منفصلة في وعاء معين وجزيئات الأزوت في آخر، كما يجتمع طلبة فرقة معينة في ردهة معينة وطلبة الفرقة الأخرى في الردهة المجاورة
إنما سردت للقارئ ما تقدم ليدرك أن في مشاهداته اليومية وعملياته العادية يجد منطقاً للفكرة الذرية، بحيث أن فكرة الجزيء ووحدته هي في الواقع نتيجة فعلية أكثر من أن تكون عملاً من قبيل الفروض
على أننا سنرى فيما نتابعه أن هذا الجزيء مكون مما يسمونه الذرات، وقد كان للكيمياء الدور الأكبر في معرفتها. وسنرى أن كل ما نعرفه في الكون محصور في عناصر مختلفة لا يزيد عددها عن 92 عنصراً، وأنها تبدأ من الهيدروجين أخف هذه العناصر وتنتهي بالايرانيوم أثقلها، وان الاختلاف بينها راجع إلى التركيب الذري. وسنرى بعد ذلك أن العلماء توصلوا إلى حسر الستار عن حقيقة هذه الذرات، وأنهم استطاعوا أن يضغطوها تارة (أعمال ويهدموها تارة أخرى (أعمال رذرفورد وموريس دي بروي وجوليو وفرمي وأخيراً برايش)، وأنهم في ذلك أعلنوا على المادة حرباً ضروساً لا نعرف مداها، ولا نعرف إلى أي حد يبلغ أثرها، وهم في ذلك كمن أعلن علينا حرباً شعواء مدمرة عبثت بنا نتيجة لطمع الطامعين، حرباً جالبة للأسى وقعت في أثنائها قنبلة تطايرت شظاياها في فناء المدرسة السابقة، فدكتّها دكاًّ ومزقت الأطفال فتطايرت أشلاؤهم ظلماً وعدواناً، واختلط الأمر وعم الذعر والخراب، فلا جرس يعيد القوم إلى فصولهم ولا شخص واحد منهم نستطيع التعرف عليه. هذا التهدم المدرسي شبيه بالتهدم الذري الحادث في ذرات الجزيئات وهو يشغل بال العلماء اليوم، وسيكون موضوع أحاديث لنا في الرسالة لخطورته وأهميته ولئن كان التهدم في مثال المدرسة نتيجة الجبروت، دليلاً على الفناء، فهو في جزيئات المادة وذراتها انتصار للعلم ومفخرة للعلماء، حتى أن فريقاً منهم يفكر جدياً فيما قد يكمن وراء هذا التهدم من أسباب تمكننا من تسخير المادة تسخيراً يختلف عن تسخيرنا لها اليوم واستخدامها بطرق تختلف عن كل ما ذهبنا إليه
ونعود للجزيء الشخصية الكاملة التي تحوي قطرة واحدة من ماء الورد ملايين الملايين منه فنقول إن جزيئات الورد هذه وتلك التي هي من الماء مستقلة في ذاتها استقلالاً تاماً وإن ما يظهر لنا من أن مزيج الماء والورد أو البروم والكلوروفورم أو الأكسيجين والأزوت مندمجة جزيئاته في الآخر هو مظهر لفعل حواسنا التي لها قوة محدودة في تمييز الأشياء، وإن وجود ماء الورد في كل نقطة من الحوض الكبير أول دليل على تركيبه الحبيبي وأنه مكون من جزيئات عديدة هي التي انتشرت بين جزيئات الماء الصافي في أرجاء الحوض كما ينتشر الطلبة في أرجاء المدرسة
هذه الأمثلة ومثال المرونة في الأجسام الذي قدمناه في مقالنا السابق ترجح الفكرة الذرية للمادة، ولكن لا تقيم عليها الدليل القاطع، وهكذا وبالغم من كل ما ذكرناه ظل العلماء في حاجة قصوى إلى حجة أخرى تكون مستقاة من مصدر آخر.
إن نجاحاً كبيراً أحرزته العلوم الطبيعية للفكرة الذرية الحديثة أتى عن طريق ظاهرة أخرى. فقد تكونت بجوار الظواهر التي ذكرناها مجموعة أخرى من الظواهر تفسر الذرية وتنتصر لها؛ وهذه المجموعة تتجلى في الظواهر الخاصة بالتغييرات الحرارية، وبذلك قدمت ظاهرة الحرارة في الأجسام حجة جديدة لم يفكر فيها الذريون الأقدمون، وعلى أكتاف التقدم الحراري بالطريقة التي تمت في القرن الماضي وضع الطبيعيون للذرية أساسها الحقيقي
ولكي نفسر العلاقة بين الحرارة والذرية، نذكر للقارئ الفكرة الأساسية لهذه العلاقة: وهي أن الجسيمات المادية صلبة كانت أم سائلة أم غازية في حالة هياج دائم وحركة مستمرة، وأن ثمة علاقة بين هذه الحركة وما نسميه حرارة الجسم. فكلما كانت حرارة الجسم مرتفعة كانت جسيماته اكثر حركة ونشاطاً. هذه النظرية التي كانت من أكبر الانتصارات العلمية للقرن الماضي يسمونها (النظرية السينيتيكية)
صفة من الحركة، وهي تقرر أنه في حالة الغازات تتحرك جزيئاتها حرة حركة غير منتظمة في جميع الجهات، وفي حالة السوائل تتحرك الجسيمات حرة أيضاً في جميع الجهات، ولكنها لا تتركه، وفي حالة الأجسام الصلبة تتذبذب هذه الجزيئات في مكانها دون أن تنتقل فيه.
مثال نقدمه للقارئ ليفهم النظرية السنيتيكية: في القاهرة بجوار النيل والحدائق والمياه يكثر في فترة معينة من السنة نوع من البعوض الصغير يطلقون عليه (الهابوش) يغدو حراً طليقاً في الفضاء، وتتصادم هذه الكائنات الصغيرة المتحركة في كل اتجاه مع كل ما تقابله، وطالما تضايق الإنسان لدنوها من الوجه أو العين، وهي على هذا النحو تشبه جزيئات الغازات في حركتها الدائمة غير المنتظمة.
على أن هذه الحرية المطلقة تصبح محدودة إذا وجدت هذه الكائنات قريباً من طريقها الأعمى نور مصباح؛ فهي في هذه الحالة تتجمع بالمئات والألوف تدور حول المصباح وترتطم به.
هذه الاجتماعات الليلية تختلف عن الاجتماعات الاختيارية التي تحدث لنا معاشر الإنسان عندما نتوجه للاجتماع في قاعة للمحاضرات أو ناد أو حفلة؛ فأن هذه المخلوقات المسكينة لا تذهب مختارة إلى حيث يسطع الضوء القوي، ويتألق المصباح، بل إن ثم (تأثيرات فوتوكيميائية) - وإفرازات معقدة تحدث داخل أجسامها نتيجة للضوء، تأثيرات تجد تفسيرها اليوم في الكيمياء الطبيعية. هذه التغييرات الكيميائية الطبيعية التي سببها الضوء تحرك عضلاتها حركة إجبارية وتوجه هذه المخلوقات التعسة أرادت هي أم لم ترد نحو مصدر الإضاءة. هذه الألوف من الكائنات تدور وتعلو وتهبط ويصطدم بعضها ببعض وبالمصباح ويستمر هذا فترة طويلة، وهى في هذا تمثل عندي جزيئات السائل التي تتحرك بداخله في جميع الاتجاهات كما يصطدم بعضها ببعض، وكما أن هذه المخلوقات عاجزة عن أن تترك الصباح، كذلك جزئيات السائل داخل الكوب عاجزة عن أن تتركها، وليس خروج أحد هذه المخلوقات بعيدا عنً منبع الضوء إلا حادثاً نادراً يحدث تحت تأٌثير عوامل خارجية مثل هبوب الهواء شديداً في اتجاه معين بحيث يكون سبباً لبقائها حية فترة أخرى من الزمن، وهي في نجاتها من المصباح، بعامل الهواء، تشبه الذرات المائية التي تخرج من السائل تحت عامل التبخر
وتمر الساعات ويطول الليل ويتكرر اصطدامها بالمصباح الساخن وتفقد نشاطها في المقاومة فيلتصق الكثير من هذه الكائنات بالصباح الكهربائي أو السقف الحامل له، وتقترب ساعتها الأخيرة فنرى طبقة كثيفة مكونة من آلاف الآلاف قبل موتها متلاصقة في مكانها تتذبذب يميناً ويساراً قبل أن تفقد كل أمل في أي حركة وقبل أن تصبح في عداد الأموات. هذه المخلوقات المتلاصقة المتمايلة طوراً إلى اليمين وتارة إلى اليسار تشبه عندي جزيئات الأجسام الصلبة التي لا تستطيع أن تنتقل في مكانها ولكنها تستطيع أن تتذبذب فيه
وهكذا في هذه المخلوقات التي نطلق عليها (الهابوش) نرى صورة صادقة لما يحدث في المادة على أشكالها الثلاثة المعروفة الصلبة والسائلة والغازية
هذه الحركة الداخلية بين جزيئات المادة الواحدة ومعرفتنا إياها كانت انتصاراً للنظرية السينيتيكية، وقد نشأ عن ذلك في بادئ الأمر أن وجد العلماء تفسيراً لضغط السائل أو الغاز على جدران الأوعية التي تحتويها، ذلك أن تصادم جزيء واحد لا يحدث أثراً واضحاً محسوساً، ولكن العدد الكبير من المصادمات الفردية الحادثة في الثانية الواحدة يسبب ضغطاً موزعاً بالتساوي وناتجاً من مجموع الضغوط الفردية
على أن تحديد مقدرتنا بالإحساس هي تجعلنا بدل أن نشعر بمصادمات عديدة منفردة نشعر بضغط موزع توزيعاً منتظماً. هذه المقدرة المحدودة في الإحساس هي التي تجعلنا نخطئ طبيعة وعمل هذه المجموعات للجزيئات فنشعر في العادة بضغط منتظم لجسم متصل
هذه المصادمات الفردية التي تسبب تفسر رأساً القانون الأساسي الذي يربط الضغط بالحجم في الغازات والذي تعلمناه جميعاً في المدارس وهو القانون القائل: إنه عندما نقلل حجم غاز إلى النصف مثلاً فان ضغطه يزيد بمقدار الضعف. والواقع أنه عند ما نضغط الغاز إلى نصف حجمه الأصلي فإنه لا يكون لجزيئاته فراغاّ لحركتها سوى نصف المقدار الأول، وعلى ذلك فإنها تضرب في الثانية الواحدة السطح الجانبي للإناء الحامل للغاز ضعف عدد المرات الأولى قبل تقليل حجمه. هذا التضعيف في عدد المصادمات يسبب نفس الزيادة في الضغط، وهى ظاهرة ممكن قياسها بطريقة مباشرة
على أن النظرية السينيتيكية للغازات تأخذ في محل الاعتبار أيضاً العامل الحراري، وبهذا انتهى العلماء إلى قانون أعم من القانون السابق، بحيث إذا رفعنا درجة الحرارة لغاز معين فإن سرعة جزيئاته تزيد، ويزيد بهذا الأثر الذي تحدثه هذه المصادمات وينتج عن ذلك زيادة في الضغط، فزيادة الضغط بتسخين الغاز مع حفظ حجمه ثابتاً تنشأ عن زيادة القوة الحادثة من كل مصادمة فردية
هذه الفكرة وغيرها أمكن وضعها في الوضع الرياضي حتى أصبحت النظرية السينيتيكية لا تفسر المظاهر المختلفة بشكل نوعي فحسب. بل أصبحت تفسر كل التغييرات الكمية الحادثة في كل هذه الظواهر. وهكذا انتصرت النظرية السينيتيكية وأخذت مكاناً ممتازاً في العلوم الطبيعية، حتى أننا لا نعرف اليوم طبيعياً يطعنها أو يضعها بشكل جدي محل الشك
ولم تقف الدراسة الكمية عند الحد الذي ذكرناه من تفسير قوانين الحجم والضغط والحرارة بل إن سباق الجزيئات الذي لا نظام له والذي يتبع خطوطاً منكسرة، هي نتيجة تصادمها المستمر، أمكن دراسته من الناحية الكمية دراسة أدت إلى حساب عددي للاحتكاك الداخلي للسوائل والغازات الذي يعد العقبة في هذه الحركة بالتصادم المستمر
على أن سرعة هذه الجزيئات كبيرة لدرجة عظيمة ففي درجة الحرارة العادية تبلغ سرعة جزيئات الهواء داخل غرفنا حوالي كيلو متر في الثانية، أي ستة أضعاف أكبر سرعة نعرفها للطائرات الحربية الحديثة، وهي بهذا تزيد سرعتها عن كل ما نعرفه من المركبات الأرضية
لقد اكتفينا حتى الآن بأن نقرر أن رفع الحرارة يزيد في سرعة الجسيمات، وأن ثمة علاقة بين الحرارة والتهيج الجزيئي، ولكنا نريد أن نقدم للقارئ أمراً جديداً، نريد أن نقول إن هاتين الظاهرتين أمر واحد
هنا تستوقفنا أزمة جدية في التفكير الطبيعي الحديث. ونكرر القول بأنه ليس هناك حالة خاصة بالحرارة وحالة أخرى خاصة بالحركة بمعنى أن الحركة ليست نتيجة للحالة الحرارية بل إنها هي الحالة نفسها
هذا النوع الجديد على معارفنا والذي أدخله ليبننز أصبح أمراً عادياً في العلوم الطبيعية لدرجة أن الطبيعيين يطبقون هذه المعارف الجديدة دون أن يعيروها أي التفات، ومع ذلك فإنه مما لا شك فيه أن ما نذكره هنا مدعاة للاستغراب للشخص العادي الذي يميل إلى أن يعتقد أن الحرارة تسبب زيادة في الحركة، أكثر من أن يميل إلى الاعتقاد بأن الحرارة هي الحركة بذاتها، وليس لنا أن نطالب القارئ بتصديق ذلك قبل أن نحدثه في المقال القادم عن انتصارات روبير ماير وبولتزمان التي أحدثت انقلاباً عظيماً في التفكير الحديث
محمد محمود غالي
دكتوراه الدولة في العلوم الطبيعية من السوربون
ليسانس العلوم التعليمية. ليسانس العلوم الحرة. دبلوم
المهندسخانة