مجلة الرسالة/العدد 310/رأي في الرجال
→ في بلاط الخلفاء | مجلة الرسالة - العدد 310 رأي في الرجال [[مؤلف:|]] |
من مذكرات بلنت ← |
بتاريخ: 12 - 06 - 1939 |
للكاتبة الإنجليزية أرسولا بلوم
بقلم الآنسة الفاضلة (الزهرة)
إني أميل إلى الرجال وأختصهم بمودتي، فوق ما أختصّ السيدات، لأني - بعد استثناء حالات فردية قليلة - أجد أنهم يمتازون عنهن بالحصافة وبعد مراد الفكر وصدق المنزعة. كما أنهم أرحب منهن صدوراً، وأبسط خليقة، وأسجح عطفاً، وأسرعها فيئة، وأقدر على رد عرام المنصب، واحتمال الإساءة.
وفي إمكانك أن تتشاجر مع رجل وتصارحه بما تراه فيه حقاً وتلمصه وتعوّج فمك عليه، وبعد مضي عشر دقائق تعودان إلى مألوفكما من المصافاة والموالاة. ولكنك لا تستطيع شيئاً من ذلك مع سيدة، لأنها تذكر على الدوام الملام الذي كافحتها به مرة، وقد يندمل جرحها منه ويلتئم في الظاهر، إلا أنه يلتحم على نغل ويلثرق على غبرة، ولأقل لمسة يزرف ويمجّ دما. ً
والرجل يقول ما يقصد ويتمسك به. أما المرأة فلا تعرف على الدوام ما تقصد، ولذلك لا تستطيع التزامه، أو التمسك به. فقد تقول الأم لطفلها الملحاح: (لا يا حبيبي يجب ألاّ تعتلي غارب تلك الأرجوحة المعلقة فيما بعد). ولكنها لا تجد مفراً من الانصياع له، والنزول على رغبته تحت ضغط تماديه في اللجاجة. فترافقه إلى الأرجوحة مرة أخرى. أما الأب فيقول: (أسمع! دعنا من هذه الأرجوحة وتعال بنا نعود إلى البيت)
وإنك لتعرف المسلك النهج الذي ترده، والمشرع الواضح الذي تقصده مع الرجل، ولكنك لا تعرف متوجهك مع المرأة، لأنها هي نفسها، لا تعرف لها متجهاً ظاهر المنار. وإنك لتجد في الرجل رفيقاً صالحاً، وصفياً ودوداً، وخديناً مخالصاً. . . وإذا كنت في حاجة إلى مناصحته، فإنك تلقى فيه مشيراً صادق الضمير، يتحرى لك وجوه النصح، وينصّب لك ما يهديك إلى عواقب أمرك، ويبصرك مواقع رشدك، ولا يشير عليك بما تعتقد أنه رأي الصواب الذي طوعته لك نفسك، وحدثتك بالإقدام على فعله. أما المرأة فتدلس عليك الرأي مجاراة لك، وإشباعاً لرغبتك في إنفاذه، وإغراء لعزيمتك باتباعه، ولا يخطر لها أن تشير عليك بما تعتقد أنه أحمد لك في العقبى، وألزم للحوط من أمورك. وقد ارتدي قبعة جديدة، وأتطلّب رأي إحدى صويحباتي فتكره أن تزهدني فيها، وتميلني عنها، بعد أن شريتها. فتقول: (إنك تبدين فيها يا عزيزتي مدهشة فتانة!). وأسأل الرجل فيقول: (ما هذه القبعة؟ أهي صندوق فحم مقلوب. . .!) ومن الغريب أنه لا يريد أن يحدج بسوء حين يجهر بهذا القول. وإني لشديدة الإعجاب بصدقه وإخلاصه في صراحته. لأني أعتقد يقيناً أنه بفطرته محمود الملابسة، شهي المجاملة، لا يعرف كيف يدامل أو يدامج!
وليس من شأن الرجل أن يغتاظ بمثل السهولة التي تنال من المرأة، وتثير لحتدامها، فقد تستاء وتتكدر بل تستشيط غضباً إذا اعتقدت أن إحدى صويحباتها قد قلدت رسم ثوبها الجديد وسبقتها إلى الظهور به، أو أنها قد استمالت خادمتها القديمة النافعة، أو أنها قد أخبرت صاحبتها فلانة أنك تتهم سلامة ذوقها في الأزهار التي يطالعك بها فناء حديقتها! أما الرجل فلا يحفل شيئاً من هذا، ولا يزعجه تنديدك بنظام مغروساته وأزهاره، ما دام هو يحبها ويتعهدها بما يلزمها من السقيا والري.
بيد أني أعتقد أن السيد (آدم) مزهوّ بذاته، وأعرف أنني إذا كنت أبغي النجح لمطلب أقصده، فليس عليّ إلا أن أثني على مهارته ثناء جماً، وأمتدح اجتهاده وشهامته، وأتغنى بمواهبه وحكمته. . . وأعرف أن معدته هي نقطة الضعف فيه. . . وأنه قل أن يوجد في الرجال مَن لا يستخفه طبق شهي مصنوع من (مايونيز الخبياري، وجراد البحر (الجمبري). . .)
وإنك لا تجد للرجل ضريباً في صدق صداقته، وهذا سبب من أعظم الأسباب التي تحفزني على أن أمحص الرجل صافي ولائي
وأعتقد كذلك أن الرجال في غضون عشر السنوات الأخيرة قد كيفوا ذواتهم تكييفاً معجباً، وفاق ما استلزمته التغييرات والتطورات الحديثة. فقد مضوا إلى ميادين القتال، وقارعوا في سبيلنا، وجاهدوا جهاد الأبطال للذود عن أوطاننا، ولاقوا الأهوال، وأفنوا زهرة العمر في الخنادق الضيقة الملوثة بالجراثيم والأوبئة، وواجهوا الموت في المغاور والمخابئ الصماء. ثم عادوا وماذا وجدوا؟ وجدوا عالماً غريباً أفرغ في قالب لا عهد لهم به من قبل. بل وجدوا عالماً جديداً، احتلت فيه المرأة مقام السؤدد
ووجدوا أننا قد سلبناهم أعمالهم ووظائفهم، إذا أطلقنا عقال التقاليد، وعدنا غير ذلك الجنس اللطيف الضعيف؛ وأصبحنا الجنس القوي، الآخذ عليهم المهلة والأنف. ولو أن الأمر كان على العكس، فكانت المرأة هي التي عادت من الحرب، ووجدت كل هذا التطور، لما تأخرت لحظة عن اغتصاب السلطة من الرجل، ومحاربته ومناجزته، بذلك الأسلوب الجبار القاسي العنيف الذي تتوخاه في جميع منافحاتها ومقارعاتها. . .
ولكن الرجل لم يفعل أي شيء من ذلك. بل جلس ساكناً وأخذ ينظر ويراقب سير الأمور. ولعله عرف أننا سنملّ هذا التغيير الجديد على توالي الوقت؛ ولعله كان حكيماً في ألمه وعنائه، وما قاساه من خشونة العيش وضيقه في تلك الخنادق الوبيلة الضيقة فأبى أن يناوش ويداحل، واعتقد أنه وقف موقفاً نبيلاً تجاه جميع تلك التصرفات.
وإني لأجزم بأن الرجال مدهشون بوجه الإجمال: فهم أصدقاء خلصاء، ومحبون كرماء، ومنافسون شرفاء، وهم السواعد اليمنى القوية التي تتمنى أن تتكئ عليها في أحايين، أوفر السيدات استحواذاً على الحرية، وأوفاهن استمتاعاً بنيل حقوق الأمة. وإنني لأوثر الجنس النشيط الخشن على الجنس اللطيف في جميع هذه الأحوال، لأننا لا نستطيع أن نكون من نظرائه وعدلائه في نبل شعوره ومناقبه العالية وصفاته النادرة التي تتجلى في ميادين المباريات والمنافسات. ولقد كشف لي ابني الحدث هذه الحقيقة الرائعة إذ كنت أتلهى معه بالمصارعة، وكان له الغلب عليّ في جميع الحلقات، من بدائيها إلى نهائيها؛ وإذ كنت سجينة بين ذراعيه لم أفتر عن منازلته. وإني لآسف أن أقول: إن غريزة نسوية وحشية قد طغت على إحساسي بقواعد الشرف المتفق عليها في المباريات والمصارعات، وجعلتني أنقضّ عليه في تلك اللحظة خلسةً، وأعضه في محاذرة وتيقظ. . . فزاح ذراعه وتفرّس في وجهي مؤنباً وقال: (أواه منك يا امرأة!). وإن خير ما أعتقده في صفات الرجل ومميزاته هو هذا الذي بدر من ابني. . . والذي يحملني على المجاهرة في غير منّ ولا تصدق بأن الرجل يجعل النزاهة رائدة على الدوام في النزال والمصاولة. . .
(الزهرة)