مجلة الرسالة/العدد 307/شبح الحرب
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 307 شبح الحرب [[مؤلف:|]] |
المليك الطفل فيصل الثاني ← |
بتاريخ: 22 - 05 - 1939 |
للأستاذ محمود غنيم
هو الموت أن قامت على ساقها الحرب ... وإلا فحسب الناس ما يفعل الرعب
يلوح لهم في النوم والصحو طيفها ... ودون انتظار الخطب أن يقع الخطب
فُزعنا فلا جفن من الخوف مطبِق ... ولا مستقر في مضاجعه جنب
ولا أنف إلا عالق بكمامة ... ولا دار إلا شُق في جوفها جب
وما اكتوت الأيدي ولا احترق الحشا ... بجمر كجمر لا يشب ولا يخبو
فيأيها الليث المكشر للورى ... حنانيك إما الانصراف أو الوثب
مطامع غر الغرب ومض سرابها ... فأصبح يصلى نارها الشرق والغرب
كأني بها قامت وشُب أُوارها ... وقد جفت الأقلام وانطوت الكتْب
سفين بلج البحر يرميه مثله ... وسر بأعلى الجو يقذفه سرب
وبينهما تمشي المنايا كأنها ... طيور وأرواح الأنام لها حب
وغى لا الدروع السابغات موانع ... أذاها ولا مُجدٍ بها الصارم العَضْب
تثلم حد السيف وانقصف القنا ... وأصبح لا طعن هناك ولا ضرب
كأني بها ترمي مدافعها فلا ... يطيش لها سهم ولا مضرب ينبو
تدمر ما تأتي عليه لو أنها ... تصوَّب نحو الألب دُلئبها الألب
هي البرق خطافاً هي الرعد قاصفاً ... هي الشهب إذ تهوي من الفلك الشهب
فمن كان يصطاد الحمام بنبله ... فأن لنا نبلاً يصاد بها القطب
كأني بها والطائرات بغازها ... تجود كما جادت بوابلها السحب
يمد إلى الأرواح كفيه خلسة ... فلا الرأس مقطوع ولا الدم منصب
رقيق الحواشي لا تكاد تحسه ... وألين منه الصخر والمعدن الصلب
له قطرات لا يبل بها صدى ... ولا يابس تبقى عليه ولا رطب
إذا انتشرت في الأفق لم ترع حرمة ... لأنثى ولا شيخ علا رأسه الشيب
إذا انتشرت في الأفق تصرع كاعباً ... وتخنق أمَّاً خلفها طفلها يحبو
لقد شِيب بالسم الهواء فهل ترى ... يشاب من الأنهار رسائلها العذ أرى الغرب يدنو كالفَراش من اللظى ... أللقوم من إحراق أنفسهم إرْب؟
ويا رُب حرب منذ عشرين حجة ... بكل فؤاد من جراحتها ندب
أضرت بحزبيها وإن تم نصرها ... لحزب وقاسى ذل خذلانها حزب
إذا ما ذكرناها اقشعرت جلودنا ... إذ الناس كالأنعام قوتهم العشب
وإذ هم بأكناف الخنادق ما لهم ... مضاجع غير الترب لو نفع الترب
يقاسون حراً ما لضب بحمله ... يدان وبرداً ليس يحمله دب
وحشو أنوف القوم غاز مسمم ... وللنار في أجسامهم مرتع خصب
فيا لحروب لا تجف دماؤها ... ويا لشعوب كلما نهضت تكبو
أجدكمو يا قوم طال بنا السري ... ولم يسترح حيناً من السفر الركب
لقد سار نحو المجد قوم فأدلجوا ... ولم يعلموا أين انتهى بهم الدرب
ولو أنفقوا في الخير ما ينفقونه ... على الحرب عم الخصب وانقطع الجدب
ولم يبق طاو ليس يملك قوته ... ولم يبق عار ليس يستره ثوب
شعوب بعصر النور يفتك بعضها ... ببعض كما يعدو على الحمل الذئب
يمثَّل بالإنسان في الغرب بينما ... يعيش قرير العين في ظله الكلب
إذا قنص الليث الغزالة ساغباً ... فما ذنب شعب بات يقنصه شعب
ذنوب الضعاف العاجزين كثيرة ... وما لقويٍّ إذ تحاسبه ذنب
كأنْ ليس بين العالمين شرائع ... ولا خلفهم حشر ولا فوقهم رب
ولا في قوانين البرية رحمة ... ولا شيء في الدنيا يقال له الحب
ولم يبق معبوداً سوى القوت وحده ... فكل فؤاد مستهام به صب
عزاء لنا أن الحضارة أفلست ... فرونقها زيف ومنطقها كذب
إذا ما تمثلت الحضارة خلتها ... لباة لها جوف وليس لها قلب
سل العلماء الفاخرين بعلمهم ... أجاءوا بنور العلم أم ناره شبوا
تقدم فن الموت أي تقدم ... وسار بطيئاً عاثر القدم الطب
فظائع لم يحلم أوائلنا بها ... فيا ليت شعري ما الذي يضمر الغيب؟
فسحقاً لعصر النور سحقاً لأهله ... فكل بني حواء دأبهم السلب كذلك شأن الناس من عهد آدم ... تباينت الأشكال واتحد اللب
وحسب بني حواء عيباً حروبهم ... إذا لم يكن غير الحروب لهم غيب
(مدرسة الأورمان)
محمود غنيم