مجلة الرسالة/العدد 307/المليك الطفل فيصل الثاني
→ شبح الحرب | مجلة الرسالة - العدد 307 المليك الطفل فيصل الثاني [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 22 - 05 - 1939 |
للآنسة زينب الحكيم
صورة صاحب الجلالة الملك فيصل الثاني تدل على شخصية طامحة للعظمة. . . رجل صغير في الثالثة من عمره، يمتاز بسمات النجابة، والنظرة اليقظة، والرجولة البادية آثارها في يديه المعقودتان وراء ظهره، ولباس الضابط الذي يحتوي هذه الشخصية الكبيرة الوثابة على الرغم من حداثة السن ومن الطفولة البريئة، إنما يشير إلى النفع والمساعدة والتضحية. ويكمن في قسماته غموض عميق
لقد كان لي شرف مقابلة جلالة والده المغفور له الملك غازي الأول، وكان ذا شخصية كريمة، وسجايا عربية سمحة، وهمة بدوية نافذة مع تقلب الظروف حوله
انصرفت من حضرته، وقد أثر في نفسي طلاوة حديثه، وإيمانه بالاعتماد على نفسه بعد الله في الأخذ بيد شعبه إلى مراقي السمو والفلاح؛ مستمداً من شعبه الكريم الهمة والشجاعة.
إن في سيرة فيصل الأول وابنه الراحل بسبب الحادث المشئوم، ما يظهر للناس كيفية البلوغ إلى العظمة؛ ولهذا فكانا ملكين من أحكم الملوك وأعظمهم.
إني قوية الأمل شديدة الرجاء في أن يهيئ قادة الرأي في العراق أجمل الفرص للمليك العزيز فيصل الثاني، لأن يتصفح تاريخ أبيه وجده، فهو سفر ذو صفحات زاخرة، فيها إصلاح وتجديد، وفيها حِكم وعبر، وفيها قدوة حسنة
لعمري ماذا تكون رسالتك (يا غازي) رحمة الله عليك وأنت في عالم الأبدية إلى الأحياء؟ لسوف تتكلم من عالم الحقيقة ولسوف تُسمع كلماتك ويطاع أمرك بحماس وينفذ بقوة
إني استمع موسيقى رسالتك بين طبقات الأثير، ولا تلبث الرسالة أن تصل إلى إدراك الأحياء. وأشعر أن أول رسالة منك هي لابنك العزيز وستكون نفسه أسرع لالتقاطها، وكنت الأب العطوف عليه وهو شديد التعلق بك. إن رسالتك إليه رسالة معنوية صامتة، تدركه فترحمه من انزعاجه لفقدك، وتقوي من عزيمته لتكوين مستقبله الذي سيكون زاهراً بإذن الله.
أما الرسالة الثانية: فهي إلى الزوجة الثكلى؛ وهي رسالة من شهيد ينعم برضاء ربه، رسالة زوج تحرر من قيود الملك وعناء الشكليات، ولذلك فهي رسالة عطف غامر طاهر، ترد عليكِ بعض لهفتك يا والدة فيصل الثاني وتقوي من احتمالك للمصيبة، وتستنهض همتك لإدراك روح غازي في ابن غازي (فيصل طفل اليوم)، وبفضلك وحزم رعايتك يكون رجل الغد المسؤول.
من أهم ما لفت نظري وأنا أتتبع تاريخ حياة الملكة فكتوريا الطريقة التي اتبعتها في تربية أولادها. روي عنها أنها كلما أرادت اختيار مربية لأولادها، كانت تكلف بعض خلصائها أن يبعثوا إليها ببعض من يثقون بهن من المربيات، وكانت لا تقابلهن في بادئ الأمر، وإنما تأمر بأن تقدم المربية إلى الأطفال مباشرة وهي تراقبها معهم من وراء ستار. وكان يتوقف قبولها أو رفضها للمربية على تلك المقابلة الأولى مع أطفالها. سئلت مرة عن السر في قبولها إحدى المربيات وقد أثنت عليها دون تحفظ وودت لو كان جميع المربيات مثلها فقالت: لقد رأيت فيها حنو ألام الطبيعي وتضحيتها الصادقة في معاملة الأطفال مما دعاني إلى الظهور لها من وراء السجف لأشكرها وأشعرها برضائي عنها
وهكذا كان لها رأي خاص بالنسبة لاختيار الرائضين من الرجال، وكانت تختار من تتوسم في معاملاته للأطفال الأمراء في غير وجودها سمات الأبوة الرصينة.
والسيدات العراقيات على ما خبرت من أحوالهن، أمهات صالحات بارات مضحيات، وسيدة البلاد الأولى. . . أم فيصل الثاني. . . تبزهن جميعاً في يقظة الانتباه، وصدق النظرة، وقوة الطموح.
نرجو للعراق وأهل العراق السلامة من كل مكروه، وأن يسلم رجاله العاملون، بفناء الخصومات، واندثار الشرور التي تعكر صفو النفوس وتهد أركان الوطن المفدى.
رحم الله سيد البلاد الراحل وعزى أهله وشعبه أجمل العزاء.
زينب الحكيم