مجلة الرسالة/العدد 306/العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية
→ تأملات وتفكرات | مجلة الرسالة - العدد 306 العالم يتطلع إلى حدودنا المصرية [[مؤلف:|]] |
التاريخ في سير أبطاله ← |
بتاريخ: 15 - 05 - 1939 |
أربعون يوماً في الصحراء الغربية
للأستاذ عبد الله حبيب
- 3 -
تحدث المحرر في المقالين السابقين عن بعض مشاهداته في الصحراء الغربية فوصف سحر الصحراء، وأني في كلمات وجيزة على ذكر كثير من عادات العرب وصفاتهم، وتحدث عن حكامها ودون عنها معلومات عامة طريفة. وهو في هذا المقال يتحدث إلى القراء عن ساحل الصحراء الغربية وهطول الأمطار وموارد المياه على الساحل وسكة مريوط الحديدية وسكان الساحل وقبائل الصحراء الغربية حديثاً شائقاً طريفاً.
ساحل الصحراء الغربية
يمتد القسم الساحلي من الصحراء الغربية - وليس له اسم معين معروف - اسم من الشمالالغربي من الإسكندرية شرقاً إلى السلوم غرباً؛ ويبلغ طوله نحو 500 كيلو متر.
وقد أطلق عليه القرطاجنيون اسم (ساحل ليبيا) وورد ذكره في كتابات هيرودوت عند وصف رحلات الفينيقيين والقرطاجنيين إذ وصف سكان هذا القسم بما لا يخرج عن حالتهم في الوقت الحاضر وطرق معيشتهم بعد الفتح الإسلامي. قال: انهم يرتدون ملابس اللوبيين، وتضع النساء خلاخيل في أرجلهن ويرسلن شعورهن تنمو وتطول؛ ومن عاداتهم أن للزواج وقتاً ومعيناً، وهو عندهم عيد عظيم، إذ تحضر القبائل - عند افتتاح موسمه - أجمل الفتيات الراغبات في الزواجفيقفن أمام ملكهم ليختار لنفسه منهن زوجة جديدة قبل أي مخلوق آخر.
ولكن هذا الشعب قد انقرض الآن واندمج في القبائل العربية بعد الفتح الإسلامي، واصبح سكان هذا الإقليم من العرب قبائل أولاد علي.
والقسم الساحلي هو شريط رفيع من الأرض المتعرجة الصالحة للزراعة. ويتراوح عرضه من الساحل جنوبا بين 20 و 50 كيلو متر، وبتسع من جهة الشرق - العامرية - ثم يأخذ في الضيق عند ما يتجه غرباً، وينهي تقريباً عند السلوم حيث تقترب هضبة ليبيا الكب من الشاطئ وتدخل في مياه البحر
أما أسماء التلال ورؤوس الخلجان فلها تاريخ اثري قديم، ولا يزال العربان يعثرون على آثار ذات قيمة وخاصة من العصر الروماني. ونذكر من أسماء هذه التلال بعضها وهي: رأس الكنائس (وكانت تعرف برأس حرموم)؛ ومرسى مطروح وكانت تعرف براننيوم؛ وميناء النجيلة وكانت تعرف بجازيس، وميناء جرجوب وكانت تعرف بأيبس، والسلوم وكانت تعرف ببرانومس، ورأس الملح في طرابلس وكانت تعرف بأردينس، وميناء البردي وكانت تعرف ببترامجنا.
هطول الأمطار
تعد مسألة هطول الأمطار في هذا الإقليم من المسائل العجيبة حقاً، فبينا يهطل المطر بغزارة في مكان ما، إذ تراه ينحبس عن مكان آخر قريب من الأول جداً؛ غير أنه يهطل بحالة دائمة في مناطق معلومة مبعثرة عن الشاطئ يعرفها العرب انفسهم؛ ويستمر من ثلاثة أشهر إلى أربعة في السنة؛ تبدأ من أكتوبر أو نوفمبر وتنتهي في شهر إبريل؛ وفي بعض الأحيان يهطل المطر مرة واحدة وذلك في شهر مايو، ويسميه العرب (مطر البطيخ).
وبعد نزول الأمطار في الواحات كواحة سيوه مثلاً من الأمور النادرة؛ وإذا استمر سقوطها قليلاً سبب هدم منازل الواحة المصنوعة من (الجالوص) وقد حدث ذلك في سنة 1919 م؛ وكذلك في شهر إبريل سنة 1937 م؛ واستمر هطول الأمطار يومين كاملين؛ فأوقع ضرراً بالمنازل وهدمها، وبقى السكان هناك مدة بلا مأوى.
موارد المياه على الساحل
تنتشر في المنطقة الساحلية خزانات المياه الرومانية، وهي محفورة في الصخر بنظام هندسي عجيب يمنع تسرب المياه منها، وتبقى فيها لمدة سنين، وكان الرومان يستعملونها قديماً ولا يزال العربان يستعملونها إلى الآن؛ وبعض هذه الخزانات كبير الحجم يتسع في بعض الأحيان لآلاف من الأطنان تكفي لأعوام طويلة كالخزانات الموجودة في العامرية ومطروح وسلوم؛ وتهتم الحكومة بتنظيف هذه الخزانات وإصلاحها وطلائها بالأسمنت؛ وتوجد المياه كذلك في بعض آبار (جمامات) على الشاطئ ويسميها الغرب (بالثواني) وهي أكثر ما توجد في المناطق الرملية.
وتوجد الدواوير والزوايا بكثرة حول المناطق الغنية بالمياه وخاصة ما كان منها قريباً إلى الشاطئ. ويزرع السكان حولها الزيتون والتين والعنب وبعض أصناف الخضر.
سكة مريوط الحديدية
هي إحدى منشات الخديو السابق، وكانت تمتد قديماً إلى بلدة فوكة على بعد 120 كيلو من الإسكندرية. ثم نزعت قضبانها في أثناء الحرب العظمى سنة 1916 لأغراض حربية وانتهت عند بلدة الضبعة على بعد 102 ميل من الإسكندرية.
أما الآن فقد تم مدها إلى مرسى مطروح أي إلى مسافة 312 كيلو متراً من الإسكندرية ولهذه السكة تاريخ غريب: فقد كان الخديو السابق يزمع مدها إلى السلوم على حدود مصر - طرابلس، أي نحو 514 كيلو متراً من الإسكندرية. وكان غرضه من ذلك أن تقرب السفر إلى أوربا يومين، وكان يرمي إلى مد فرع آخر منها من مرسى مطروح إلى سيوة أي مسافة 300 كيلو متراً أخرى وذلك لنقل محصول البلح والفواكه واستغلال أملاكه الكثيرة التي يملكها في هذه الواحة. ويتضح لمن ينعم النظر في هذا المشروع أنه لا يأتي بالفائدة المرجوة منه ولا يسد تكاليفه الباهظة. ولقد أدى ذلك إلى تدخل المعتمد البريطاني في أمره وشرائه باسم الحكومة المصرية تفادياً من استخدامه لأغراض حربية.
سكان الساحل
يقطن المنطقة الساحلية قبائل من العربان الرحل تعرف بقبائل أولاد علي. وكلهم من البدو الذين يعيشون عيشة غير مستقرة فيزرعون الشعير والحنطة على الأمطار ويشتغلون في وقت الجفاف بنقل حاصلات بلح الواحات إلى الساحل ويعودون بالحبوب والسكر والشاي وسائر الحاجيات إلى الواحات ثانية.
والبدوي بطبيعته يفضل السير في الدروب المطروقة الظاهرة للوصول إلى مقصده، وهو لا يفكر في اختراق أرض مجهولة. ولكن إذا انفق أن أمطرت السماء وغمرت بعض الأراضي ونبتت فيها المرعى فسرعان ما يتجه إليها البدو من كل الجهات لترعى مواشيهم؛ ورعاية الماشية تتطلب السير في مختلف أراضي المنطقة، وبهذه الوسيلة يسير البدوي فيها فيتعرف على دقائقها جيداً. وللعربي خاصية حفظ الأشياء والمناظر الطبيعية والعلامات الأرضية فهي تنطبع في ذهنه لأول وهلة. على أن هذه الخاصية لا تتوفر لجميع البدو، بل هي تتوافر عند قليلين منهم يعرفون بالأدلاء. وللدليل البدوي مهارة عجيبة مدهشة في تعرف الطرق وسهولة ارتيادها وتمييز الجبال والتلال والقدرة على السير ليلاً في أشد الليالي حلكة وظلاماً.
قبائل الصحراء الغربية
يسكن صحراء ليبيا من النيل إلى جالو والكفره فريقان من البدو: السعادي والمرابطون، وهم جميعاً من نسل (سعدي). وهم ثلاثة فروع:
سعدي. وقد أنجبت جبريل وبرغوث وعقار. ومن ذرية جبريل: العواقير والعربيات والمغاربة والجوازي. ومن ذرية برغوث: عبيد والعرفة والفوايد. ومن ذرية عقار: علي والحرابي والهنادي وبني عونة والجمعيات، ومن ذرية علي: أولاد علي الأبيض وعلي الأحمر والسننة. وأولاد علي الأبيض هم: أولاد والسنافره والعزايم والأفراد. وأولاد علي الأحمر وهم: القنيشات والعشبيات والكميلات. والسننة هم: العزوة، والقطيفة، والمحافيظ، والعجنة.
ويسكن أولاد علي الصحراء الغربية.
أما (المرابطون) فهم أقدم من السعادي ولكنهم متفرقون وكل قبيلة منهم في حمى قبيلة من السعادي، ولعل ذلك يرجع إلى أن السعادي جاؤا البلاد فاتحين؛ ويعرف المرابطون أحياناً بالصدقان أو الأصدقاء. وأهم قبائلهم: زوي، والمجابرة، والمنفة، والموالك، والشواعر، والجرارة، والقطعان، والحونة والجبابل، والتراكي، والشهيبات والفواخر، وترهونه، والعوامة والصوانقة الخ. . .
وهؤلاء موزعون في الصحراء وفي حمى السعادي. وكل قبيلة منهم مسؤولة عن الدفاع عمن تحميهم من المرابطين.
ويقدر عربان هذه الصحراء بنحو 55 ألفا. وهم جميعاً معروفون بشدة الولاء والإخلاص لجلالة الملك وآل بيته الكريم لما لاقوه من عطف محمد علي باشا الكبير رأس الأسرة العلوية، وما منحه إياهم من امتيازات لا يزالون يذكرونها، ويفخرون بها ويتوارثونها جيلاً بعد جيل.
عبد الله حبيب
ملحوظة: أكثر ما ورد في هذا المقال والذي قبله من البيانات المفيدة مأخوذ مما دونه صديقنا الصاغ رفعت الجوهري مأمور مرسى مطروح عن الصحراء الغربية.