مجلة الرسالة/العدد 303/المسرح والسينما
→ رسالة النقد | مجلة الرسالة - العدد 303 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 24 - 04 - 1939 |
مدير الفرقة القومية وسكرتيره
وحكاية الأب لويس شيخو
لقيني أحد ممثلي الفرقة فقال وهو يبتسم ابتسامة تحمل الكثير من معاني
الفرح والشماته والانتقام، ويشير إلى مجلة مطوية في يده: هاهو ذا
العدد الأخير من (الرسالة) أحمله إلى حضرة المدير. قلت: ما الداعي
إلى اللهفة والمسألة بسيطة عادية؟ فأجاب: حقاً إن المسالة عادية
ولكنها غير بسيطة في نظر المدير وسكرتيره المحجل كما أسميته
أنت. قلت: أوضح، فقال:
اعتاد هذا السكرتير تقطيع مجلة الرسالة إرباً حتى لا يطلع حضرة المدير على ما ينشر فيها
قلت: ألا يطلع مديركم على كل ما تكتبه الصحافة في الفرقة؟
فقال: أحسب أن وفرة مشاغله المتنوعة لا تمكنه من ذلك، ولكن سكرتير الفرقة يطلعه من وقت إلى آخر على خلاصة بعض ما ينشر في الصحف
دعوت لهذا الممثل ولفرقته بالنجاح وانصرفت!
ولمناسبة هذا الحديث البسيط أروي القصة التالية:
ألف المرحوم الأب لويس شيخو الأديب العالم اليسوعي كتاباً اسماه (شعراء النصرانية) وطلب له لسبب من أسباب مهنته حشر طائفة من شعراء جاهليين وغير جاهليين قال إنهم نصارى؛ فانبرى له المرحوم الشيخ محمد الخياط أو خليل الخياط يفند مزاعمه ويعيد الفروع إلى أصولها ويصحح أغلاطاً عروضية ولغوية في الكتاب، ولم يأبه لصحيفة البشير لسان حال الجزويت التي لم تكن تتغاضى عن هنة ولو بسيطة تمسّ النصارى من قريب أو بعيد
ترقب الناس وقوع الواقعة بين البشير النصرانية وبين صحف المسلمين وتوجس عقلاء الطائفتين من تطورات الحملة الأدبية وانقلابها إلى ضدها
مضى الشيخ الأديب في نقده لا يصده عنه صاد، وهو يعلم أن للآباء اليسوعيين سلطة نافذة وطرائق ذات شعاب أخطبوطية فتاكة ولكنه لم يأبه لها لأنه كان ينافح عن حق لوجه الحق
صدرت جريدة البشير وتلتها مجلة المشرق في الصدور خاليتين من كلمة واحدة في الرد على الشيخ الناقد
شدد الناقد الحملة وزاد العيار. . . وأخيراً ذهب يدفع باب الجزويت يستطلع سر سكوتهم وكنه استلانتهم وهم الجبابرة الأشداء
رحب الآباء اليسوعيون بالزائر الناقد خير ترحاب، وأكرموه الإكرام اللائق بعلمه وأدبه، وأطلعوه على سرهم فقالوا إنهم ألفوا لجنة برياسة الأب لويس معلوف لدراسة نقده وتصحيح أخطاء وقع فيها كبيرهم الأب شيخو، ولم يدعوا الشيخ ينصرف إلا بعد الاتفاق معهم على مواصلة حملته الصارمة عليهم لإظهار الأغلاط التاريخية والعروضية واللغوية في كتابهم
أرجو ألا تنسى أن كتاب شعراء النصرانية محدود الغرض يطالعه الخاصة من الأدباء في حين أن الفرقة القومية أوسع مدى وأفسح أفقاً من الكتاب وأنفذ إلى مشاعر الشعب وأحاسيسه وخلائقه منه، وأن للفرقة القومية رسالة فرضتها وزارة المعارف حين إنشائها قالت: (إن غايتها رفع مستوى التأليف والتعريب المسرحي وترقية الإخراج وترقية الموسيقى المسرحية والغناء المسرحي بحيث تكون صالحة للتمثيل العربي والأجنبي، وإعداد الممثلين والمخرجين إعداداً فنياً صحيحاً) فأين الفرق بين جماعة ألفوا لجنة من خيرة علمائهم لتصحيح أغلاط في كتاب، من سكوت الفرقة القومية عن كل ما يقال فيها؟
دع عنك العمل الصبياني الصادر من سكرتير الفرقة لأنه غير مستغرب وقوعه منه، فجهل النعامة التي تطمر رأسها في الرمال كيلا ترى الصياد يماثل مجلة (الرسالة) لكيلا يقرأها مدير الفرقة
دع عنك أيضاً أن وزير المعارف ووكيله وآلافاً من الناس يقرءون الرسالة، فتقطيع عدد أو مائة عدد لا يصد الناس عن قراءة عيوب الفرقة وعلل إدارتها
حدثني صديقي قال: إن مدير الفرقة يعزو حملة الرسالة على الفرقة بسبب قبض يده عن إمدادها بالإعلانات، ولكنه دهش وتعجب حين قال له صديقي: إن الأساتذة تيمور، وطليمات، والحكيم، ورمزي، وناجي، ورستم، وفارس، أجمعت أقلامهم على طلب إصلاح الفرقة، وقد عددوا وسائل الإصلاح وأبانوا مواطن الضعف، وقد فعلوا ذلك لا طمعاً في أجر ولا رغبة في انتقام. فأجاب: إنه لم يطلع على ما كتبه هؤلاء الأساتذة!!
نعود إلى موضوع أحاديث الأدباء فنجمل أجوبة الأستاذ بشر فارس، وقد سألناه: هل المسرح في تقدم؟ وهل الروايات المترجمة أنفع لنا أم المؤلفة؟ وهل في المباراة ما يحفز المؤلف على التأليف؟ فأجاب:
(إن المسرح عندنا لا يزال في جانب النشأة، حتى جانب التكوين لم يبلغه، فكيف لنا أن نتكلم عن تقدمه أو تأخره؟ إنه يحق لنا أن نلقي مثل هذا السؤال: هل المسرح عندنا متجه في نشأته اتجاهاً مرضيَّا؟ والجواب قريب ذلك أنه لا بد للمسرح أيام قيامه من عناصر معروفة، منها المسرحيات المؤلفة والممثلون والممثلات والنظارة والمخرجون والناقدون. فإذا نظرنا إلى ما بين أيدينا في مصر وجدنا المسرحيات المؤلفة (ما عدا واحدة أو اثنتين (أهل الكف) لتوفيق الحكيم مثلاً) بعيدة عن طرائف الفن الخالص، بل مجراه على أسلوب طفلي، لأن المقدمين على التأليف المسرحي يجهلون مبادئ هذا الفن ويظنون أن اللغو والخطابة والنواح والتعريض والوعظ غاية الغايات. وإن كان لدينا ممثلون لهم دراية، قلت أو كثرت، بفن التمثيل فإن ممثلاتنا إلا أقلهن إنما يرين أن التمثيل إلقاء وهياج لقلة ثقافتهن وعجزهن عن الاتحاد بالنص. وأما النظارة فقد تعودوا مشاهدة لونين من المسرحيات: المهزلة التهريجية، والمأساة المفرطة، وكلتاها من النوع الأسفل، كما أنهم تعودوا الإخراج الواقعي، فمن المتعذر عليهم أن يميلوا إلى المسرحيات الضاربة إلى التفكير أو الشعر أو الاختلاج الباطني أو إلى الإخراج الإيهامي. ثم إن للفرقة مخرجاً أجنبياً وكان لها فيما قبل مخرج مصري حاذق هو الأستاذ زكي طليمات، ولكن الإخراج مرتبط بالمسرحية نفسها والممثلين والنظارة. وأما النقاد فلا أكاد أرى اثنين يحق لهم أن يعالجوا الكتابة في المسرح)
وقال رداً على السؤال الثاني: (الترجمة أولاً حتى يتهذب النظارة ويظفر المؤلفون بأمثلة يحتذونها بل يلتفتون إليها، والتأليف لمن يصيب من نفسه قدرة على وضع مسرحية تمتاز بالطرافة والقوة والاتساق والفكرة الناهضة) (أما الترجمة فالذي أراه أن الفرقة القومية ينبغي لها أن ترغب إلى الكتّاب الذين يجيدون اللغات الأجنبية إلى جانب العربية أن ينقلوا المسرحيات النفيسة إلى لغتنا؛ وأما التأليف فلا مباراة ولا رغبة إلى أحد من الناس، وإنما المؤلفون الحقيقيون - أعني المنجذبين إلى التأليف المسرحي من ذات أنفسهم لا الطامعين في جائزة - ينشرون ما يؤلفون، وللفرقة القومية أن تقبل عليه إذا رأت له شأناً)
وللدكتور فارس رأي طريف في النقد والناقد أؤجل نشره لفرصة مواتية لاتصاله برأي طريف أيضاً من نوعه قاله عالم غير سربوني
ابن عساكر