مجلة الرسالة/العدد 301/المسرح والسينما
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 301 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 10 - 04 - 1939 |
الفرقة القومية
(يجب أن تكون حرة بعيدة عن البيروقراطية الحكومية)
بهذه العبارة استهل حضرة الأستاذ راشد رستم حديثه معي
قلت للأستاذ رستم: الفرقة القومية مؤسسة حكومية، هل قامت برسالتها الثقافية والفنية؟ فأجاب:
- لا شك أن للفرقة القومية رسالة يجب أن تؤديها. . . ولكن المسألة الآن ليست مسألة رسالة أدتها الفرقة أو لم تؤدها. إذ هي بنت سنوات قليلة، كما أنها ولدت في ظروف قاسية ولاقت صعاباً، بل ولا تزال الصعاب قائمة، بل وستلقى صعاباً شداداً عند نظر ميزانية الدولة فيما يخص الفن (ويا ويل الفن من أربابه وغير أربابه! سيلاقيها من أين ومن أين. . .) بل إن الفرقة القومية ولدت في زمان خيف فيه على التمثيل جميعه من طغيان السينما، ذلك الطغيان الذي خافت منه البلاد العريقة في التمثيل على تمثيلها، فما بالك بمصر!
على أنه لا بد من مطالبة الفرقة بأن تؤدي رسالتها نحو الفن وتظهر همتها في ذلك، وأن نرجو لها تحقيق ذلك، ونزيد على هذا الرجاء ألا نعيق طريقها، وأن يفسح الأدباء والغيورون على الفن صدورهم، ويعملون لتسهيل مهمتها دون العمل على تصعيبها
قلت: ألا ترى شذوذاً في تكوين لجنة القراءة وتقصيراً وإهمالاً في الإدارة يدعوان إلى التشاؤم من نجاح هذه الفرقة؟
قال: أول كل شيء لا يصح للعاملين والمصلحين أن يتشاءموا، ولا أعرف للتشاؤم معنى ولا موجباً
أما لجنة القراءة فلست واقفاً على دقيق أسلوبها في القراءة، ولكن يلوح لي أنها غير نظامية وأنها تتشدد مرة وتتساهل أخرى، وهذا لاشك عيب يجب الخلاص منه
كما أنه من الواجب أن يكون تكوين لجنة القراءة للفرق التمثيلية بحيث لا يقتصر همها على اللغة وما يخصها، وإنما فوق ذلك لا بد أن يكون أعضاؤها ملمين بفن الرواية، من وضعها وحوارها وعرضها كما يجب إدراك نفسية الجماهير وتتبع تطوراتها
قلت: ما هي الوسائل الفعالة لإصلاح المسرح؟ -: إنني أستشف من روح هذا السؤال ابتعاد فكرة التشاؤم التي جاءت في السؤال السابق، فالحمد لله!
بعد ذلك يجب أن نكون بنائين محافظين لا هدامين. وإنه لمن العدل ومن حب التمثيل والفن أن ننظر إلى الفرقة القومية الناشئة نظرة من يرى العيب فيعمل لإزالته، وليس كمن يرضى فلا يرى عيباً، ولا كمن يسخط فلا يرى إلا المساوي
الفرقة القومية حديثة العهد، وهي فضلاً عن هذا مؤسسة حكومية، ولا يصح لنا أن ننسى ما للمؤسسات الحكومية من مساوئ البيروقراطية، خصوصاً فيما يتعلق بأعمال فنية رفيعة، فإلى أن يتاح للفرقة الخلاص من هذه البيروقراطية الهادمة والتمتع بصبغتها الفنية الحرة لا بد لنا من:
أولاً: أن نعمل للإصلاح دون الهوى الشخصي
ثانيا: أن يعلم كل عامل - فني وغير فني - في نفس الفرقة أن له رسالة فيها يجب أن يؤديها عن طريق الإخلاص للعمل والاجتهاد فيه.
ثالثاً: أن يزداد عدد الذين يفهمون الفن (عارياً) جنب الذين يفهمونه (اعتبارياً) وذلك في إدارة الفرقة، إذ لا بد من وجود هذين العنصرين في الإدارة
رابعاً: أن تبني للفرقة دار خاصة للتمثيل
خامساً: أن تبعث البعوث للممثلين والمخرجين
سادساً: أن تزيد الحكومة للفرقة مواردها المالية وتسهل عليها مهمتها، وألا تضن عليها بالمعونة من كل نواحيها، وبكل مظاهرها مثلما تفعل مع معهد اللغة العربية، لأن رسالة الفن قوية في حياة الشعوب قوة معاهد اللغة. بل إن الفن هو الذي يجعل اللغة حية متحركة غير جامدة
سابعاً: أن يكون أعظم اهتمام الفرقة موجها لتنشيط التأليف المسرحي المصري فتجود بالمال والمكافآت والجوائز والإقدام على تمثيل الرواية المصرية المؤلفة
- هل يحسن أن نستعين بالروايات الأوربية أم يجب أن نشجع التأليف المصري ونقدمه على سواه
- لا شك في أن من أول الواجبات تشجيع التأليف المصري؛ وإذا كان لا بد أن يقال الحق، فإن الفرقة بدأت بتشجيع هذا التأليف المصري، بل والذي أعلمه يقيناً أن مديرها خليل بك مطران جعل همه الأول منذ اللحظة الأولى أن يكون افتتاح عمل الفرقة برواية مؤلفه من مؤلف مصري، وقد تم له ذلك
وأظهر به مبدأه الذي يريد إعلانه، وهو تفضيل الروايات المؤلفة من مؤلفين مصريين
على أنه يلوح لي أنها استعانت بالرواية المترجمة أو المقتبسة، كي تجعل لها اسماً بين رواد التمثيل، وقد تعودوا ذلك، لكي تجذب إليها الجمهور، وكذلك لكي تعرض أنواع الروايات المختلفة التي احتوتها عصور التمثيل القديمة والحديثة حتى يتكون عند الجمهور الذوق الروائي فيقبل على هذا التمثيل الراقي. غير أني أرى أن يكون معظم مجهود الفرقة موجهاً إلى تشجيع التأليف، وإلى خلق مؤلفين مصريين، وإلى إيجاد طائفة من هؤلاء المؤلفين
أما الموضوعات فأنها معروضة في حياة العالم فهي كثيرة متوفرة مستمرة، والمهم أن يوجد المؤلف الذي يأخذ منها مادة لروايته.
وليس من مانع أن تمثل الفرقة روايات أجنبية كما تفعل كل الأمم، ولكن الأهم أنها تخلق أولاً مسرحاً مصرياً ممتازاً برواياته وبمؤلفيه.
وقال عن لغة الرواية وصياغتها (إن لكل رواية ما يناسبها، غير أنه يجب أن تتراوح لغة المسرح بين أرقى أنواع الفصحى، (وليس معنى هذا اللغة المعقدة المقعرة) وبين السهلة الكلامية الصحيحة النظيفة (وليس معنى هذا اللغة المبتذلة)
هذا وفي التاريخ المصري القديم والحديث مجال واسع للتأليف؛ فإن مادة التاريخ وحوادثه تجذب الجمهور، كما أنها تربي الروح القومية، والأمة عطشى إلى من يسقيها ذلك وأريد هنا لفت النظر إلى مادة التاريخ لجذب هذا الجمهور النافر
ثم ختم كلامه بشهادة طيبة لمدير الفرقة الواسع الصدر، فلولا تحمله وصبره وجلده في هذه السن، ولولا مكانته الشخصية البارزة لضاعت الفرقة. فهو دعامة ارتكزت عليها الفرقة يعرف فضلها كل واقف على دخائل الأمور ثم حمد تحمس سعادة العشماوي بك لرسالة الفرقة وإنقاذه سفينتها من الغرق.
أبن عساكر