مجلة الرسالة/العدد 301/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 301 الكتب [[مؤلف:|]] |
المسرح والسينما ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1939 |
كتابان
1 - التربية النظامية: تأليف البكباشي علي حلمي
2 - الجيش المصري في عهد محمد علي:
تأليف اليوزباشي عبد الرحمن زكي
- 1 -
لا شك أن القوة هي الأداة المسيطرة على كيان الأمم وحياة الشعوب، ولا شك أن النظام هو الأداة التي تهيئ للقوة وتعد النفوس والأجسام لاستكمالها، ونحن أمة في مطلع حياة جديدة، حياة الجهاد والنهوض، فأحوج ما نحتاج إليه إنما هو الأخذ بأسباب النظام ومظاهر القوة حتى نستطيع أن نحفظ كياننا ونأخذ مكاننا بين الأمم والشعوب. . .
وهكذا كتاب في (التربية النظامية) وضعه حضرة الفاضل البكباشي علي حلمي أركان حرب مدرسة البوليس والإدارة ومدرس نظام البوليس، والكتاب جملة طيبة من المعلومات الدراسية، والتجارب التي حصلها المؤلف الفاضل بالرحلات العلمية في مصر وخارجها، إذ تم له زيارة مديريات القطر، والمرور بأغلب الشواطئ المصرية، والواحات الخارجية، وبلاد النوبة والسودان، كما تم له زيارة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ويوغسلافيا وتركيا واليونان والحجاز وسوريا ولبنان وفلسطين. . . قال المؤلف: وقد عنيت أثناء هذه الرحلات بالبحث عن كل ما يتصل بالتربية النظامية وأنظمة البوليس والإدارة وأعمالها، والنظم القضائية والاجتماعية المرتبطة بالأمن العام وشؤون السجون والإصلاحيات ومصير المفرج عنهم وكل هذا إلى جانب ما اكتسبه بالخبرة من الخدمة الطويلة التي تبلغ نحو ثمانية وعشرين عاماً بين وحدات الجيش والحرس الملكي والتدريس والإدارة بالمدرسة الحربية، ومن هذا المعين استمد المؤلف مادة كتابه، وهو كما ترى معين فياض حافل بالدراسة والاطلاع والتجربة والمشاهدة والنظر والاقتباس فالمؤلف الفاضل قد حفِل لكتابه، ووفر له من المادة والمعلومات ما يكافئ خطر الموضوع الذي يعالجه، وهو موضوع مجهول في أكثر نواحيه من قراء العربية على شدة الحاجة إليه والرغبة فيه، ولقد وضع المؤلف كتابه على نسق قويم من النظام المرتب، والتقسيم المبوب، فهو يشتمل على ستة أبواب، وكل باب يشتمل على جملة فصول؛ ففي الباب الأول تكلم عن النظام وأثره في نهضة الأمم، وعلاقته بالفرد والمجتمع ومظاهره في الأمم الراقية في القديم والحديث، ومدى حظنا من ذلك، والوسائل التي تأخذ بأيدينا إليه، ولم ينس في ذلك القرية المصرية وإصلاحها الاجتماعي، ووسائل الثقافة العامة للشعب. وفي الباب الثاني تكلم عن سلامة الدولة، وتعاون الشعب والبوليس على حفظ الأمن والنظام واحترام القانون. ثم تكلم في الباب الثالث عن نصيب الجمهور في مكافحة الأجرام ووقاية الأمن من الجرائم والمعاونة على ضبط الحوادث. وفي الباب الرابع تناول الكلام على نظام المرور في الأمم الأوربية ومدى اهتمامها بشأنه وحاجتنا إلى الأخذ بنظمهم ووسائلهم. وفي الباب الخامس تكلم عن التدريب العسكري والتربية البدنية في المدارس والمعاهد والجامعات والمناهج التي قررتها وزارة المعارف في ذلك. فلما كان الباب السادس وهو آخر أبواب الكتاب تحدث المؤلف عن مفاخر الجيش المصري، فجاء في ذلك بعرض تاريخي شامل من عهد الفراعنة، أيام تحتمس الثالث حتى أيام جلالة الفاروق حرسه الله، إذ جعل للجيش من عنايته ورعايته أكبر نصيب، فسار الجيش في طريق النجاح إن شاء الله
وقد زّين المؤلف كتابه الفاضل بكثير من الصور والرسوم، يوضح بها فكرته، ويشرح غرضه، وعنى على الخصوص بالصور الشمسية لأسلحة الجيش الحديثة في نظامه الجديد، فجاء الكتاب في بابه وافياً يشبع العقل، أنيقاً يمتع الذوق. وإنها ليد كريمة أسداها المؤلف لأمته، وبرنامج شامل وضعه للذين يعنيهم الترقي بالأمة المصرية في مدارج الرقي والنهوض، والأخذ بأسباب النظام والقوة والبناء السليم. وإنا لنرجو أن يكون المؤلف الفاضل قدوة صالحة لإخوانه ومن هم في مثلعمله ممن يحصرون مواهبهم ومعلوماتهم بين جدران الوظيفة، وفي حدود الرسميات، وإنها لحدود ضيقة تقتل المواهب وتودي بالنبوغ، وإن من الخير لأنفسهم ولأمتهم أن يجلوا معلوماتهم وتجاربهم للناس فيفيدوا ويستفيدوا
- 2 - وهذا الكتاب آخر هو في الواقع حلقة تتصل بنظام الكتاب السابق، وضعه مؤلفه الفاضل اليوزباشي عبد الرحمن زكي أمين المتحف الحربي عن (الجيش المصري في عهد محمد علي باشا الكبير) ولقد كان الجيش في عهد محمد علي - كما يقول المؤلف - هو كل شيء، ومن أجله كان كل شيء. فلخدمته أنشئت مدارس الطب والهندسة والفنون العسكرية، ولنهضته قامت صناعات الأسلحة والذخائر والملابس، ولتموينه كان العمل على تقدم الزراعة والتجارة والعمران، ومن ثم استطاعت البلاد أن تقوم بأعباء الكفاح الحربي ومطالب الإمبراطورية الناشئة، وأن تحقق مطامع العاهل العظيم
وخبرة المؤلف الفاضل تتصل بالعمل، وتتصل بالتاريخ، وعلى هذا المعنى جرى في تأليف كتابه، ففيه رواية التاريخ، وخبرة العامل. فهو من ناحية يتكلم عن تاريخ الجيش في عهد محمد علي ممهداً لذلك بمقدمة عن قوات الدفاع قبل محمد علي، ثم يتحدث عن جهود البطل العظيم في خلق الجيش، ومواقع إبراهيم وانتصاراته برواية التاريخ المستمدة من أوثق المصادر مما كتب الإفرنج والعرب ومما هو محفوظ من السجلات والوثائق التاريخية بقصر عابدين العامر، ومن ناحية أخرى يتكلم المؤلف عن الجيش في ميدان العمل، وهو في هذا يفسر الرواية بالدراية، ويعلل للتاريخ بالعلم والواقع، وهذه الناحية هي لا شك أهم ما في الكتاب، لأن الدراسة العلمية للتاريخ الحربي ليست مما تقتضيه الحاجة العلمية فحسب! بل هي كما يقول الأستاذ شفيق غربال - مما تقتضي به الحياة القومية المستقلة وعمادها الذود عن الوطن. وفي تلك الدراسة يجد أولياء الأمور الإجابة عن الكثير مما يعترضهم من مسائل الدفاع، كما يجد فيها رجال الجيش ما يفيدهم في مسائل الحرب وشئون التعليم العسكري
ولقد حرص المؤلف الفاضل على شرح وقائع التاريخ بالصور والرسوم والمصورات الجغرافية، وجاء في آخر الكتاب بثبت حافل من الأرقام والإحصائيات التي تنطق بعظمة الجيش في عهد محمد علي وضخامته، وحسن نظامه وترتيبه، وكأنه يقول: هذا ما فعل أجدادنا فأين جهادنا؟! والواقع أن كتاب المؤلف خدمة علمية قومية، فهو يسد حاجة المؤرخ الباحث، ويفيد الجندي المجاهد. وإنها لخدمة يشكر عليها ذلك المؤرخ الفاضل، والجندي الباسل. وما أشد حاجتنا إلى مثل هذه المؤلفات النافعة في مطلع حياتنا الجديدة.
محمد فهمي عبد اللطيف