مجلة الرسالة/العدد 300/رسالة الفن
→ رسالة العلم | مجلة الرسالة - العدد 300 رسالة الفن [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 03 - 04 - 1939 |
الموسيقى الإيرانية
للأستاذ محمد السيد المويلحي
لم يتح للموسيقى المصرية لسوء الحظ - ولسبب لا أدريه - أن تشترك في الاحتفاء بمقدم سمو ولي عهد إيران، كما فاتها حظ الاشتراك مع باقي الفنون العليا في التعبير عما خالج مصر من عواطف الفرح وخوالج البهجة والمرح. . اللهم إلا تلك الحفلات الهزيلة الشاحبة التي لم تقو على إعطاء سمو ولي العهد الإمبراطوري الصورة الحقة للنهضة الموسيقية المصرية الشابة التي طفرت إلى ذروة رفيعة مرموقة موموقة. . .!
وقد سمعت بعض الشائعات التي تقول بأنها أبعدت لأنها غير مفهومة من سموه؛ فعجبت لهؤلاء الذين طيروا هذه الشائعات لأنهم لا يعلمون أن موسيقانا بل وجميع الموسيقى الشرقية إطلاقاً من أصل فارسي، فكيف تنكر الأذن موسيقى نشأت على سماعها منذ الصغر؟ وكيف لا يستسيغها سموه وهي التي خلفت في وطنه؟ إن العبرة ليست بالكلام العربي أو الإيراني وإنما بالموسيقى التي تصور وتترجم في حدود الذوق الشرقي!
إن (السلّم) العربي لم يخلق في مكة أو المدينة ولا في تركيا أو مصر، وإنما خلق كما هو الآن في إيران ثم انتقل إلى بلاد العرب حين غزوها للفرس مع باقي الفنون والعلوم الإيرانية. وظل هكذا حتى انتقل إلى بلاد الترك الذين عرفوا كيف يستخدمونه جيداً فركبوا منه نغماتهم وموسيقاهم التي أضفت على الموسيقى الشرقية لوناً زاهياً واستحدثوا نغمات: النوا أثر، وشط عربان، والحجاز كاركرد، والفرح فزا، والكرد. . . إلخ
وليكون القارئ على بينة بالسلّم سنكتبه له:
(1) يكاه (2) نيم قرار حصار (وهي لفظة إيرانية يسميها الترك (كابا) (3) قرار حصار (4) تيك قرار حصار (5) عشيران (6) نيم قرار عجم (7) قرار عجم (8) عراق (9) كَوِشْت (10) تيك كوشت (11) راست (12) نيم زير كولا (13) زير كولاه (14) تيك زير كولاه (15) دوكاه (16) نيم كرد (17) كرد (18) سيكاه (19) بوسالك (20) تيك بوسالك (21) جهاركاه (22) نيم حجاز (23) حجاز (24) تيك حجاز
هذا هو السلّم الفارسي الذي استعمله الشرق قاطبة واستخرجوا منه حسب استعدادهم الفني وقدرتهم الموسيقية أنغامهم وألوانهم التي تتفق وأذواقهم ومشاربهم، وهو يتكون من ديوان (أوكتاف) سبعة مقامات: ثلاثة كبيرة وأربعة صغيرة (وهي التي يتكون منها النغم الشرقي الذي لا يعرف الماجيور، والمنيور أو الميجيير والمنيير كما ينطقها الفرنسيون. . .
وقد ابتكر الإيرانيون النغمات الآتية التي لم يكن الشرق يعرفها حتى سمعها منهم وهي:
الدوكاه (البياتي) والأصفهان، والعجم عشيران، والعراق والحجاز، والسيكاه. . . الخ. . .
وهي نغمات فارسية أصيلة تدل على قدرة عالية ومكنة متمكنة لا حد لها. . .!
قد يقال إن السلّم عربي، ولكن الأسماء هي الفارسية؛ وربما يستدل على هذا بما قاله الدكتور (هنري فارمر) من (أن ابن مسجح تعلم فن الغناء الفارسي، وتلقى أيضاً بعض الدروس عن الموسيقيين الروم العازفين منهم على (البريطين) وعلماء الموسيقى النظرية، واستعان بما تعلمه في غربته على وضع نظام للنظرية الموسيقية رضى به رجال الموسيقى في عصره. على أن هناك ما يدلنا على أن ابن مسجح رفض الطرق الفارسية والرومانية التي رآها غريبة عن الموسيقى العربية. ومن هذا يستدل على أن هذه النظم الموسيقية المنقولة من الخارج لم تكن سابقة لنظرية الموسيقى الوطنية العربية. قد يقال هذا، ولكن أليس فارمر هو القائل:
(ليس من العسير الوصول إلى معرفة الزمن الذي انتقل فيه العرب فعلاً من طريقة الديوان الواحد (الأوكتاف) إلى طريقة الديوان المضاعف أو الجمع التام، ففي أيام إسحاق الموصلي والكندي ويحيى بن علي والفارابي وإخوان الصفاء كانت أوتار العود الأربعة تسمى من الأعلى إلى الأدنى: زير مثنى، مثلث، بم، والاسمان الأول والأخير فارسيان)
فكيف يستعين الإنسان بأسماء غريبة عن لغته. ثم يدعي بعد هذا أن السلم له؟ إن العقل ليقف قليلاً متسائلاً:
كيف يوفق العرب إلى خلق السلم ثم لا يوفقون إلى خلق الأسماء فيسمونها بأسماء إيرانية بحجة أن نفوذ الفرس أدّى إلى هذا!
ثم إذا فرضنا جدلاً أن السلم لا يمت إلى الإيرانية إلا بالأسماء فقط فكيف عجز العرب إلى اليوم عن تعريبها وتسميتها بأسمائها؟!
هذا من الناحية الشكلية والعقلية (للسلم) الذي لا نزال نستعمله إلى اليوم بأسمائه الإيرانية من مئات السنين. وقد حرصنا ألا نسهب فيه من الناحية التحليلية الفنية البحتة حتى لا يتسرب الملل إلى نفس القارئ أما من الناحية التاريخية فإن الفرس قد سبقوا العرب في الاهتمام بالموسيقى اهتماماً عظيماً حتى تأثر العرب بها تأثيراً كبيراً، و (طويس) أول من غنى بالعربية غناءً إيقاعياً، تعلم الغناء من الفرس، وكذلك سائب خائر الذي تأثر بنشيط الإيراني ونقل مثل غنائه إلى العربية وحاكاه في العزف على العود بعد أن كان العرب لا يعرفون في غنائهم إلا (القضيب)
وابن مسجح الذي احتج به الدكتور هنري فارمر كان أول من نقل الغناء الفارسي إلى العربية وقد أخذ عنه ذلك - كما قلنا قبلا - ابن محرز ومعبد وابن سريج والغريض.
ولعل في هذه العجالة الصغيرة ما يعطي القارئ صورة عن الموسيقى الإيرانية، وفضل الفرس في هذا الميدان الذي سبقوا جميع الشرق فيه حتى يعلم الجميع أن الموسيقى لم تقم بواجبها الحق أو لم تمكن من ذلك أمام سيد البلد الذي ترعرعت فيه الموسيقى وازدهرت ازدهاراً نقل عنه الجميع. . .!
محمد السيد المويلحي