الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 300/رسالة العلم

مجلة الرسالة/العدد 300/رسالة العلم

بتاريخ: 03 - 04 - 1939


ما هي الحياة

وكيف ظهرت على الأرض؟

وحدة الأحياء والجمادات

للأستاذ نصيف المنقبادي

أثبتنا في مقالنا السابق وحدة الحيوانات (ومن بينها الإنسان) والنباتات وبينا أن النباتات الفطرية إنما هي الحلقة المتوسطة بينهما وقلنا أن هذا دليل على اشتقاقهما من اصل واحد؛ وهو الجمادات ونتكلم اليوم عن وحدة الأحياء والجمادات مستعرضين من جديد الصفات المشتركة بين جميع الكائنات الحية لنبين إنها ليست خاصة بها. بل توجد جميعها ولكن مبعثرة ومشتتة في الجمادات، كما أشرنا إلى ذلك في المقال السابق

ونقول إجمالاً من الآن أن تلك الصفات الموصوفة عادةً بالحيوية ليست لازمة للحياة ولا ضرورة لها، إذ أن هناك بعضاً من مظاهر الحياة - هي أهمها وأدقها - تقول بها مواد كيميائية وأجسام معدنية محضة لا يتوفر فيها شئ من تلك الصفات أو المميزات. ومن ذلك التخمر

فإذا سحقنا مثلاً كمية من النباتات الميكروسكوبية المكونة من خلية واحدة من النوع الذي يخمر المواد السكرية ويحولها إلى خمر (خميرة البيرة)، أو من النوع الذي يخمر الخمر ويحولها إلى خل، أو من النوع الذي يخمر سكر اللبن ويحوله إلى الحامض اللبني، ثم نقعناها في ماء معقم مطهّر ورشحنا الماء بعد ذلك، نحصل على سائل يخمر هذه المواد مما يدل على أن خواص الحياة ما زالت قائمة فيه. فهل لنا أن نقول أن السائل المرشح كائن حي؟ وإذا أغلينا هذا السائل إلى درجة المائة فوق الصفر فانه يفقد خاصة التخمير كأنه مات مقتولاً بالحرارة كما يحدث للكائنات الحية والواقع أن الذي يقوم بالتخمير وبمعظم أعمال الحياة في الكائنات الحية من هضم الأغذية على أنواعها، إلى تحليلها وامتصاصها وتركيبها من جديد داخل أنسجة الجسم وخلاياه إلخ إنما هي خمائر تفرزها غدد خاصة في الأجسام الحية المتعددة الخلايا أو كائنات حية أيضاً مكونة من خلية واحدة مثل النباتات والحيوانات الأولية الميكروسكوبية، وهذه الخمائر تذوب في الماء وتفعل فعلها وهي ذائبة فيه

والخمائر لا يمكن القول بأنها كائنات حية بالمعنى التام لأنه لا جسم لها ولا قوام، وهي لا تتغذى ولا تتنفس ولا تنمو ومع ذلك تبدو كأنها حية، وتقوم بأهم مظهر من مظاهر الحياة وهو التخمير على أن كل هذا لا غرابة فيه، لأن الخمائر التي تسلك مسلك الأحياء لم تخرج عن كونها مفروزة من أجسام حية، ولكن المدهش حقاً هو فعل المواد المعدنية الغروية، فقد توصل العلماء إلى تحضير كثير من المواد المعدنية والعضوية على هذه الحالة، ' وقد شوهد أن بعضها مثل الفضة أو المنغانيز وغيرها تخمر المواد القابلة للتخمر. فإذا وضع قليل منها في شراب السكر مثلاً لا يلبث هذا الشراب حتى يختمر، لا فرق في ذلك بين هذا التخمر وبين التخمر الذي تحدثه الكائنات الحية بفعل الخمائر التي تفرزها سوى أن التخمر يتم هنا بأسرع مما يتم في حالة التخمير الحيوي. وأول ما يتبادر إلى الذهن أن جراثيم التخمر العادية تسربت إلى ذلك السائل من الهواء أو من الماء أو من الأوعية العادية والأدوات المستعملة، ولكن الدقة في تعقيم كل هذه الأشياء لا تدع محلا لمثل هذا الاعتراض

واغرب من هذا فعل الكلورفروم المخدر في المواد المعدنية الغروية التي نحن بصددها؛ فانه يخدرها ويبنجها تبنيجاً ويمنعها عن مواصلة التخمير إلى أن يتطاير، ويتلاشى فتعود إلى فعلها هذا المدهش، وإذا أضيف إليها قليل من سبيانور البوتاسيوم وهو سم قاتل، فأنه يمنع فعلها التخميري بتاتاً؛ فكائن هذه المعادن هذه الجمادات المحمضة - ماتت مسمومة ولا يمكن أن تعود إلى أحداث التخمر إلا إذا أزيل عنها هذا السم ثم تحولت إلى معدنها الأصلي الجامد ومنه إلى الحالة الغروية من جديد، وعند ذلك فقط تبعث بعثاً، وتعود إليها الخاصة التي كنا نظنها مقصورة على الأحيان دون غيرها.

وإذا لوحظ أن في المادة الزلالية الموصوفة (الحية) التي تتكون منها خلايا الحيوانات (بما فيها الإنسان) وخلايا النباتات وكذلك في الخمائر التي تفرزها الحية أثرا من المواد المعدنية التي كان يظن البيولوجيون إلى عهد قريب إنها مواد إضافية لا شأن لها بالمادة الحية، وإذا قورن هذا بما تقدم بيانه من فعل المعادن الغروية، لأدركنا معنى النظرية البيولوجية القائلة بأن أداة الحياة أو أن الذي يقوم فعلا بأعمال الحياة في الكائنات الحية ليست المادة الزلالية الخاصة المسماة (بالبروتوبلاسم) وإنما هي تلك الزوائد المعدنية المحضة. وعلى هذا يكون الجزء الحي في الأحياء هو المعادن المذكورة أي الجمادات الخالصة، وما المادة الزلالية إلا قاعدة ترتكز عليها المعادن للقيام بأعمال الحياة. نعود إلى الصفات المشتركة بين الأحياء التي يقولون إنها تميز الحياة، لنبين إنها ليست وقفاً على الكائنات الحية بل إنها توجد جميعا بلا استثناء في الجمادات.

التكوين الخلوي والتكوين المعدني

قلنا أن الكائنات الحية مؤلفة من خلايا صغيرة لا ترى بالعين المجردة. ولكن هذه الظاهرة - أي جزئيات الجسم تكوينا دقيقاً - ليست خاصة بالأحياء، فان الأجسام المبلورة المعدنية التي يتكون منها معظم ما الأرض من مواد كجبال الجرانيت والرخام وكالأملاح العديدة المختلفة وغيرها، مكونة من بلورات متلاصقة؛ كما أن جميع الجمادات على الإطلاق مكونة من جزئيات صغيرة جداً وهذه الجزئيات مؤلفة من ذرات وقد اتضح بعد اكتشاف الراديوم والأجسام المتشععة المماثلة له الذرات مؤلفة من الكهارب وغيرها (تراجع المقالات النفسية التي جاد بها أخيراً يراع عالمنا المصري الدكتور محمد محمود غالي على صفحات الرسالة عن تكوين المادة)

التركيب الكيميائي

تتركب الأجسام الحيوانية والنباتية من مواد زلالية ودهنية وسكرية كما بينا في مقالنا السابق. ويظهر أن عدم وجود المواد المذكورة بحالتها هذه في الجمادات قد جعلها من قديم الزمان الحد الفاصل بين الأجسام الحية والأجسام المعدنية، حتى أن الكيميائيين كانوا يفصلون فصلاً تامَّاً بين المواد العضوية التي تستخرج من أجسام النباتات والحيوانات وبين المواد المعدنية، وأوجدوا بينهما هاوية سحيقة لا تعبر. ولكن العلم الحديث قد أزال هذا الحد واثبت وحدة المادة

وأول ما يلاحظ هنا على مواد الأجسام الحية وعلى المواد العضوية عموماً، أن العناصر المركبة منها الأوكسجين والهيدروجين والكربون والأوزوت والعناصر الإضافية الأخرى موجودة جميعها في الطبيعة، وتدخل في التراكيب المعدنية التي لا عداد لها بحيث لا يوجد عنصر من العناصر خاص بالأحياء دون غيرها

والواقع أن المواد المسماة بالحية، وعلى العموم المواد العضوية، مشتقة جميعها من الجمادات رأساً، وهي تتركب منها مباشرة في كل لحظة أمام أعيننا وعلى مرأى منا على الوجه المتقدم بيانه في المقال السابق. فمادة النباتات الخضراء (الكروفيل) تستعين بقوة الشمس وتحلل غاز الحامض الكربونيك المنتشر في الجو وتنتزع منه الكربون وتمزجه بالماء فتكون منه السكر والنشا والسيليلوز ومادة الخشب والمواد الدهنية والأحماض والقلويات العضوية الثلاثية. وفي الوقت نفسه تمتص جذور النباتات التراكيب الآزوتية من الأرض، وهذه تمتزج بالمواد الكربونية سالفة الذكر بفعل قوة الشمس أيضاً فتتولد المواد الزلالية الحية

وما تنشئه الطبيعة بواسطة النباتات من المواد قد أمكن للإنسان أن يصنعه من مواد معدنية محضة، فقد توصل الكيميائيون إلى تركيب معظم المواد الحيوانية والنباتية ومشتقاتها من الجمادات مباشرة كالسكر والنشا، وبعض المواد الدهنية، ومواد الصباغة، وكثير من القلويات المستعملة في الطب، وجميع العطور وغيرها ذلك. ومن المدهش الذي يدعو إلى الإعجاب الكبير أنهم صنعوا عطوراً اصطناعية لا وجود لها في عالم النبات حيث لا توجد زهور تقابلها

ويجدر بنا هنا أن نخص المواد الزلالية بكلمة على حدة لأنها كانت إلى وقت قريب تعد معقل الحياة. فقد ثبت من تحليلها بطريقة علمية دقيقة إنها مكوّنة من امتزاج بعض الأحماض العضوية الآزوتية والفسفورية ببعض كالحامض النمليك وغيره. وما أن عرف العلماء ذلك حتى اخذوا يمزحون بعض هذه الأحماض ببعض على صور عديدة مختلفة. فنجحوا في وضع الجيلاتين والبروتين وزلال اللبن (مادة الجبن)، وزلال يدعى الكيراتين يدخل في تركيب أظافر الإنسان والحيوانات الفقرية الأخرى. وهذا النجاح يبشر بقرب الوصول إلى تركيب المواد الزلالية المسماة بالحية.

الشكل النوعي

فضلاً عما ثبت نهائياً وقطعياً من الكائنات الحية ليست ثابتة في أشكالها، بل إنها في تغير وتحول مستمرين في ملايين السنين بحكم ناموس التطور والتسلسل؛ نقول إنه فضلاً عن ذلك فإن هذه الظاهرة (الشكل النوعي) ليست من جهة شاملة لجميع الأحياء لأن بعض المكروبات غير ثابتة في شكلها، بل إنه تتشكل حسب البيئة التي توجد فيها بحيث لا يمكن تميز أنواعها إلا بمفعولها، وكذلك الحال بالنسبة للاميبا، وبالنسبة لبعض أنواع النباتات الفطرية السفلى من فصيلة الميكزوميست التي سبق لنا الإشارة إليها في المقال السابق. فانه لأفرادها شكل معين حيث لا غلاف ولا غشاء لخلاياها في معظم الأحوال

ومن وجهة أخرى فان لكثير من الجمادات ونعني الأجسام المبلورة، أشكالاً ثابتة وهي بلوراتها الهندسية تميز كل نوع منها من غيره

واوجه الشبه بين الكائنات الحية والأجسام المبلورة عديدة فمن ذلك أن الأنواع المبلورة القريبة التركيب كيمائياً قريبة الشكل هندساً، كما أن الأحياء كلنا اقتربت أنواعها اقتربت أشكالها

وكما تحدث أحيانا أن الأنواع الحية القريبة يتناسل بعضا من بعض مثل الحصان والحمار كذلك يحدث أحيانا أن الأنواع المعدنية القريبة كيميائياً تتبلور معا مثل حجر الشب فانه مؤلف من بلورات سلفات الألمونيوم وبلورات سلفات البوتاسيوم مشتبكة بعضها مع البعض وهناك ظاهرة كان يظن أن الكائنات الحية اختصت بها دون الجمادات وهي استعداد أفراد الحيوانات والنباتات الصلاح كل تشويه يحدث لها واستعادة شكلها الأصلي بقدر الإمكان، فإذا جرحت يلتئم جرحها، وإذا انقطع جزء منها لا يلبث حتى ينمو غيره مكانه، وعلى الأخص في النباتات والحيوانات السفلى وكذلك في أطراف أعصاب الحيوانات العليا والإنسان. وهذا ما يحدث للبلورات المعدنية المحضة، فإنه إذا كسرت بلورة من أحد أضلاعها ثم غُطِّست في سائل مشبع من مادتها أو فوق المشبع نراها تنمو على الأخص من جهة الجزء المصاب إلى أن يعود إلى حالته الطبيعية وشكله الأصلي فيأخذ مجموع البلورة في النمو

تغذي الأحياء والجمادات

لعل التغذي هو أهم مظاهر الحياة وأكبر مميز للكائنات الحية، ولكنه غير خاص بها أيضاً بل يحدث لكثير من الجمادات. فبقعة الهواء التي تبدو صغيرة على قطعة المعدن ثم تكبر إلى أن تنتشر على كل سطحه إنما هي تتغذى في الواقع من بخار الماء والحامض الكربونيك المنتشرين في الجو ومن مادة المعدن القائمة عليها، فتنمو وتتسع كما ينمو ويكبر الجسم الحي من التغذي. والبلورات الصغيرة المغموسة في ماء مشبع من محلول مادتها تتغذي منها فتنمو وتصبح بلورات كبيرة

على أن خير مثال لتغذي الجمادات بالمعنى الحقيقي التام ما هو حاصل في الآلات الميكانيكية فإنها تتغذى بالفحم أو البنزين أو البترول، وما الوقود إلا غذاء تلك الآلات تحترق فيها فتولد الطاقة (القوة) اللازمة لقيامها بأعمالها كما يحترق الغذاء بعد هضمه وامتصاص في الأجسام الحية فيولد فيها الطاقة اللازمة للقيام بأعمال الحياة ووظائف الأعضاء، وسنشرح في مقال قادم ناموس بقاء الطاقة ' وانطباقه على الكائنات الحية (بما فيها الإنسان)، وحسبنا أن نقول اليوم أن جميع القوى التي تعمل في الحيوانات (ومن بينها الإنسان والنباتات حتى التفكير والقوى العقلية ليس لها إلا مصدر واحد وهو الغذاء، أو بعبارة اصح الطاقة الكيميائية الكامنة في مادة الغذاء

التنفس في الأحياء والجمادات

ويلحق بالتغذي التنفس، وهو أيضاً ليس مقصوراً على الأحياء لأن الجمادات التي تحترق بسرعة أو تتأكسد ببطء إنما هي، تتنفس، أي أنها تمتص الأوكسجين من الهواء وتفرز الحامض الكربونيك وهذا التنفس بعينه، وقد عرف علماء الفسيولوجيا الحياة بأنها حريق أو تأكسد كما تقدم القول، وما الرئتان إلا مدخنة الآلة الحية الحيوانية، توصل الأوكسجين إلى الجسم وتخرج منه الغاز الناتج من ذلك الاحتراق، كما هو حاصل في الآلات الميكانيكية من جميع الوجوه

تحرك الأحياء وتحرك الجمادات

وليست الحركة وقفاً على الأحياء ولا هي خاصة بها، ولكنها تشمل الجمادات وتعم كل ما في الكون من الأجرام الفلكية إلى أصغر الذرات وما هو أصغر منها مما اكتشف أخيراً ونعني به الإليكترونات أو الكهارب وغيرها.

ومن حركات الجمادات التي تشبه حركات الحيوانات الأولية الميكروسكوبية الحركة المعروفة باسم حركة براون فإننا نشاهد في كثير من السوائل عند فحصها بالأولترا ميكروسكوب أجساماً صغيرة جداً في حركة مستمرة وهي لا يمكن أن تكون كائنات حية لأنها تشاهد في السوائل السامة الكاوية التي تقتل الأحياء وجراثيمها في الحال كالحامض الكبريتيك وغيره. ولاشك في أن تحرك هذه الذرات ناتج من تحرك جزئيات المادة المستمر كما شرح الدكتور محمد محمود غالي ذلك أخيراً على صفحات الرسالة.

ومن حركات الجمادات التي تكاد تكون اختيارية حركة الأجسام تحت تأثير الجاذبية أو الألفة الكيميائية، فإنه بمجرد أن تشعر هذه الأجسام بقرب بعضها من بعض تتحرك وتنتقل من تلقاء نفسها إلى أن يتصل الواحد منها بالآخر كأنما يعشق بعضها بعضاً. وأمر بعض المواد الكيميائية لبعض معروف في علم الكيمياء. فالماء مثلاً يصعد من تلقاء نفسه رغم جاذبية الأرض ويندفع إلى الطبقة العليا من الجهاز الخاص بمجرد إدخال غاز الكلور في هذه الطبقة العليا، ولا يهدأ له بال إذا فاز بالوصل منه شأن العاشق الولهان. وما عاطفة الحب التي يتغنى بها القصصيون والشعراء من قديم الزمان إلا ظاهرة كيميائية محضة ترجع في النهاية إلى تلك الجاذبية التي تدفع جراثيم التلقيح المذكرة (مثل الحيوانات المنوية وما يقابلها من النباتات) نحو بويضات الإناث مما سنشرحه في مقال قادم

ومن حركات الجمادات تحرك نقط المواد الرغوية المعدنية المحضة من تلقاء نفسها كما تتحرك الحيوانات الأولية ذات الخلية الواحدة واستمرار هذه الحركة بضعة أيام في التجارب البديعة التي قام بها العالم البيولوجي بوتشلي. ولولا ضيق المقام لشرحناها بالتفصيل

على أن حركة الجمادات المماثلة لحركة الكائنات الحية من جميع الوجوه إنما هي حركة الآلات الميكانيكية نتيجة احتراق الفحم أو البترول أو البنزين فيها كما أن حركة الأحياء هي نتيجة احتراق المواد الغذائية في العضلات المحركة لها

التأثر في الأحياء وفي الجمادات

نقول إن التأثر ليس خاصاً بالأحياء بل إنه يوجد في كثير من الجمادات، وإذا شئت فقل في كلها مع التفاوت. فالمواد المفرقعة تتأثر بل وتغضب وتنفجر عند أقل لمس. ومواد التصوير الشمسي تتأثر بالضوء، ولهذه المناسبة نذكر أمر اللوحات الفوتوغرافية الملونة، فإنه إذا سلط عليها نور أحمر تلونت في الحال باللون الأحمر، وإذا سلط عليها النور الأخضر تلونت في الحال باللون الأخضر. فأملاح الفضة التي على هذه اللوحات لا تتأثر فقط بالضوء بل كأنها تدافع عن كيانه ضده لأنه يقتلها بأن يحللها ويحولها إلى مواد أخرى. فعندما يسلط عليها النور الأحمر تتلون في الحال باللون الأحمر لأن هذا اللون يمنع دخول الأشعة الحمراء؛ وكذلك الحال عندما يسلط عليها النور الأخضر أو غيره. أفلا تكون غريزة حب البقاء القائمة في الإنسان وفي جميع الحيوانات من نوع هذه الظاهرة الغريبة؟ وما الفرق بين هذه اللوحات الفوتوغرافية - هذه الجمادات المحضة - وبين بعض الحيوانات التي تتلون بألوان مختلفة حسب البيئة التي توجد فيها

ومن الأمثلة على تأثر الجمادات ما هو معروف في علم الصوت من أنه إذا دق إنسان على وتر من آلة موسيقية، فإن الوتر المقابل له في الآلة القريبة منها يتأثر ذاتياً ويهتز من تلقاء نفسه اهتزازاً خفيفاً، ولكنه يظهر جلياً بواسطة الآلة المكبرة للصوت

وقد وضع السيربوز العالم البيولوجي الهندي الكبير الذي زار مصر سنة 1928 جهازاً دقيقاً بديعاً لإثبات تأثر المعادن بالكهرباء يدل على أنها تتعب وتضعف اهتزازاتها إذا تكرر تسليط الكهرباء عليها مدة طويلة متعددة. وإذا استراحت مدة من الزمن عادت الاهتزازات التي تحدثها فيها الكهرباء إلى قوتها

النتيجة

يتضح من كل ما تقدم إنه لا يوجد أي فرق جوهري بين الكائنات الحية وبين الجمادات، وأن كل ظواهر الحياة توجد في الجمادات، بل إن بعض الجيولوجيين يرجحون أن الجزء الحي فعلاً في الحيوانات (ومن بينها الإنسان، وفي النباتات هو المواد المعدنية الغروية التي تدخل كميات قليلة منها في تركيب خلاياها. وقد ثبت أن المادة الحية تشتق رأساً من الجمادات على الدوام تحت أعيننا وعلى مرأى منا بفعل قوة الشمس بواسطة مادة النباتات الخضراء (الكلوروفيل) بحيث لا يوجد عنصر خاص بالأحياء. كما أن القوى التي تعمل في الأحياء وتديرها هي من القوة الطبيعية المحضة ومشتقة منها وليس شيء آخر خلافها

وكلما تقدم العلم تلاشى ذلك الخيال الذي كانوا يعتقدون فيما مضى أن له وجوداً خاصّاً قائماً بذاته مستقلاً عن المادة. وما الحياة في الواقع إلا تفاعلات كيميائية أو بالأحرى طريق بطيء أو تأكسدات مستمرة، فهي ظاهرة طبيعية مثل باقي ظواهر الطبيعة

نصيف المنقبادي المحامي

دبلوم في الفسيولوجيا العليا الحيوانية والنباتية

من كلية العلوم بجامعة باريس (السوربون)