الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 30/التفاؤل والتشاؤم وهل لهما أسباب تاريخية

مجلة الرسالة/العدد 30/التفاؤل والتشاؤم وهل لهما أسباب تاريخية

مجلة الرسالة - العدد 30
التفاؤل والتشاؤم وهل لهما أسباب تاريخية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 29 - 01 - 1934


بعض غرائب الخرافات عند الغربيين والشرقيين

- 2 -

نباح الكلب في الليل

من الخرافات الفاشية عند أكثر الأمم وبين الفلاحين عندنا، التشاؤم من إهلال الكلب، أي الصياح بين الأنين والنباح الغير العادي في الليل، ويسميه أهل الشام (العواء المقلوب) وفيه يقف الكلب وقفة منكرة ينظر فيها إلى القمر، ويشرع في عوائه الغريب الذي يكاد يقرب من عواء الذئب، فيظن من يراه على هذه الحالة أنه يدعو على أحد، ويناجي القمر لعله يساعده على جعل هذه الدعوة مستجابة، فيتشاءمون من هذا الصوت ويقولون أنه نذير شؤم يقع منه موت لأحد الناس. وأسلافنا المصريون هم في الأغلب الأصل في هذه الخرافة، فقد كانوا يؤمنون أن عزرائيل يتشكل في شكل ابن آوى، وكانوا يرسمونه في حفلات الجنازة والموت والحساب، وابن آوى يشبه الكلب كثيراً في هيئته، وربما كان له وللكلب قديماً اسم واحد، أو ربما كان الاعتقاد سائداً بأن الكلب يتلاقح مع ابن آوى، فلما زالت عقائد المصريين من الناحية الدينية الرسمية بقيت بين الفلاحين وانتشرت بين عامة الأمم الأخرى.

وربما يرجع هذا التشاؤم إلى الاعتقاد بأصل النجاسة التي يوسم بها الكلب عند العرب، ولكن يجب ألا نبالغ في الاعتقاد بنجاسة الكلب فان من العرب من كان يجله ويرعاه، ويعرف له فضله في الأمانة والحرص على مصالح مولاه. وقد قال كتاب (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، تصنيف الإمام أبي بكر بن خلف المرزبان في سنة 381 هجرية:

(والكلب أيدك الله منافعه كثيرة فاضلة على مضاره بل هي غامرة لها وغالبة عليها. ولم تزل القضاة والفقهاء والعباد والولاة والنساك الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا ينكرون اتخاذها في دورهم، وهم مع ذلك يشاهدونها في دور الملوك. فلو علموا أن ذلك يكره لتكلموا ونهوا عن اتخاذها. بل عندهم أنهم إذا قتلوا الكلب كان فيه عقوبة.) وعلى هذا النسق مضى المؤلف يعدد فضائل الكلال، وأتى في الكتاب بطائفة من الأقوال البارعة والأبيات اللطيفة التي قيلت في الكلاب ومنها يتبين للقارئ نظر العرب لهذا الحيوان.

القط

يتشاءم بعض الناس بأن القط الأسود مجلبة للشر وطالع نحس وعنوان كل كارثة مقبلة. . . ويتطير الغربيون بالقط الأسود إذا عبر طريقهم. وكان الإنجليز حتى عهد قريب يحتفلون سنوياً بمدينة (شرفتيد) بالإتيان بقطة سوداء، رمز الظلام، ويضربونها بالسوط حتى تموت.

وربما يرجع هذا التشاؤم إلى سواده، والسواد رمز للحزن أو ربما يرجح إلى عقائد قديمة كانت شائعة عند القدماء بشأن سواد القط.

ولا يزال الايطاليون والهنغاريون يعتقدون بان القطة التي تنب فوق سطوح المنازل لابد أن تكون قد تقمصتها روح ساحرة شريرة. والبراهمة على العموم يعتقدون بحلول أرواح البشر في القطط. وذلك أيضاً هو اعتقاد أهل السيام الذين يقدمون للقطط على سبيل الهدية أقفاصاً من ذهب يضعونها في المعابد، وقد شوهدت قطة سوداء في موكب الاحتفال بتتويج ملك سيام في سنة 1926.

وكثيراً ما كانت القطة في القرون الوسطى سبباً في قتل صاحبتها من العجائز لاتهامها بالسحر وكانت القطة تعتبر دليلاً على ممارسة العجوز لهذا (الفن الأسود) في الخفاء لمساعدة الأرواح العديدة التي تسكن جسم القطة.

ومن الخرافات المصرية التي شاعت في العالم أن للقطط سبع أرواح أو تسعاً. وقد يعزى إلى هذه الخرافة بعض القسوة في معاملة القط، ولكن أصلها يرجع إلى حرمة القط بل إلى تقديسه، فقد كان قدماء المصريين يقدسون هذا الحيوان ويحنطون جسمه ويشيدون له المقابر، وكانت (بشط) ربة مصرية لها رأس قطة، وكان المصريون يعتقدون أن لها تسع أرواح.

وذكر المؤرخ اليوناني (هرا بللون) أن الإغريق كانوا يصنعون تماثيل القطط بمعبد الشمس بمدينة هليوبوليس، لأن عين هذا الحيوان تتبع الشمس في انتقالها في الأفق وقد عثر المنقبون في سنة 1890 على مقبرة كبيرة بجهة بني حسن موجودة بها جثث القطط المحنطة موضوعة في صفوف منظمة، ولسوء الحظ أن الفلاحين تشاءموا من وجودها فأحرقوها.

وبدأ الناس في فجر المسيحية يمقتون آلهة الأقدمين فاعتبروا القطة رمزاً للشيطان ومجلبة للشر.

قتل الثعبان

من أغرب العادات عند بعض سكان مصر أنه لا يرضى بقتل ثعبان البيت ويتشاءم من هذه الفعلة إذا حدثت، وقد كان الثعبان مؤلهاً عند أسلافنا. فالحرمة التي يحوطه به بعضنا الآن هي في الحقيقة حرمة دينية نسينا أصلها وغايتها وبقي رسمها.

نعل الفرس

يتفاءل الناس بنعل الفرس ويعلقونها على الحوانيت وأبواب المنازل لتجلب السعد لساكنيها. ومن وجد نعلاً في الطريق عد ذلك حظاً حسناً يستأنس به طول يومه بل طول عامه.

وأصل هذا الاعتقاد، أن نعل الفرس كانت في الزمن القديم رمز الربة (عشتروت) فكان كل نم بجد نعلاً يتفاءل بها كأن الربة عد أهدتها إليه، وربما يرجع أيضاً إلى أنها تشبه الهلال.

ونعل الفرس حديثة العهد في التاريخ لأنه لا يمكن أن يعدو تاريخ الحديد المصنوع منه. والحديد لم يعرف إلا منذ ثلاثة آلاف سنة. ولذلك قد يتوهم الإنسان أن الاعتقاد في حسن الحظ من النعال هو من مبتكرات المتمدينين الذين عرفوا الحديد، وأن المتوحشين لا علاقة لهم بهذا الاعتقاد، ولكن الحقيقة أن هذه الخرافة آتية من المتوحشين نزلت منهم إلى المتمدينين. فنعل الفرس تشبه الهلال الجديد. والمرجح أن الإنسان كان يصنع هلالاً من خشب أو عظم للتيمن، فلما ظهر الحديد صار يصنعه من الحديد. ثم لما عرف نعال الخيل استغنى بها الإنسان عن الأهلة القديمة وصار يعلقها على الأبواب والحوانيت بدلاً منها، للمشابهة، وبدلاً من أن يرسم الهلال. والأوربيون يتفاءلون بها مثلنا ويتعلقون بهذه العادة أكثر منا.

إبراهيم تادرس بشاي

يتبع