مجلة الرسالة/العدد 298/على قبر زوجها
→ مصرع خُبَيْب | مجلة الرسالة - العدد 298 على قبر زوجها [[مؤلف:|]] |
من برج بابل ← |
بتاريخ: 20 - 03 - 1939 |
للأستاذ محمود الخفيف
صَلَّتْ لدَى أَحْجَارِه خَاشِعَهْ ... ياَ قُدْسَ هَذِى الصَّلاَهْ
الله لِلزَّائِرَةِ الْجَازِعَهْ ... كَمْ هَدْهَدَتْهَا يَدَاهْ
تَطُوفُ فِي نَظْرَتِهاَ الضْارِعَهْ ... بِنَفْسِهاَ كُلُّ طُيُوفِ اَلْحيَاهْ
والصَّمْتُ في وَقفَتِهاَ الرَّائِعَهْ ... ياَ عَيْنُ لاَ يَبْلُغُ نُطْقٌ مَدَاهْ!
كَمْ يَسْحَرُ الأنفُسَ هَذَا الْجَمَالْ ... بَيْنَ الضَّنَى وَالْحَزَنْ
كَأنماَ تُبْرِزُ تِلْكَ الظِّلاَلْ ... من سِرِّهِ ما كَمّنْ!
وَالْمَوّتْ يُلْقِي مِن سِمَاتِ الجَلاَلْ ... ما عَلِقَ القَلْبُ بِهِ وافتَتَنْ
مَا كانَ إِلاْ للصِّبَي والدَّلاَلْ ... والْحُبِّ وَالزِّينَةِ هذا البَدَنْ
وَاهَا لِهذَا المُلْهَمِ الْقَادِرِ ... السِّحْرُ فِي رِيشَتِهْ!
لَوْ طُفْتُ بالواقِعِ لا الْخَاطِرِ ... ما زاد عن صُورَتِهْ
لا يَنْثَنِي عَنْ سِحْرِهَا ناَظِرِي ... إلاّ هَفَا قَلْبِي إلى رُؤُيَتِهْ!
كَمْ تَلِدُ الأَوْهَامُ للشْاعِرِ ... في مَسْحَةِ الفَنِّ وفي لَمْحَتِهْ
وُجُومُ هَذِى الغَادَةِ المطْرِقَهْ ... كَمْ رَفَّ قَلْبِي لَهُ
أَلْمَحُ فِيِه لْهفَةً مُوبقَهْ ... تَرْسِمُ لِي هَوْلَهُ
فِي شَفَتَيْهاَ لوْعَةٌ مُحْرِقَهْ ... من فَادِحٍ ما جَزِعَتْ قَبْلَهُ
مُمْسِكَةٌ إِيَّاهُاَ مُطْبِقَهْ ... فِي مَوْقِفٍ مَا إِنْ رَأَتْ مِثلَهُ
ياَ رَحْمَتَا لِلزَّوْجَةِ الثّاكلِ ... تَأْسَى عَلَى إِلْفِهَا
ذِكْرَانُهَا عَيْشَ الهوَى الزّائِلِ ... يَزِيِدُ في لَهْفِهَا
والوَجْدُ فِي هَيْكَلِهَا النَّاحِلِ ... تَحْمِلهُ ضَعْفاً عَلَى ضَعْفِهَا
كمْ عِنْدَ هذا الأثَرِ الماثِلِ ... تَبْتَعِثُ الوَحْشَةُ مِن خَوْفِها
إلاَّ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى قَبْرَهَ ... فَقَلْبُهَا دَامِعُ
كَمْ حَاوَلَ الدَّمْعَ فَلَمْ يَجْرِهِ ... مِنْ فَرْطِهِ جَازِعُ
ما يُشْبِهُ الصِّبْرَ عَلَى ثَغْرِه ... والهمُّ في أَحْشائِهِ لاذِعُ! لَوْ بَاحَ بالَمكْنُونِ مِن سِرِّه ... ما مَلَكَ الدَّمْعَ لَهُ سَامِعُ
قَدْ خَتَمَ المَوْتُ عَلَى حُبِّهِ ... فمَا لَهُ مِنْ فَنَاءْ
ياَ وَجْهَهَا ما إن تَبَدَّتْ بهِ ... إلاَ مَعَانِي الوَفَاءْ
ياَ صِدْقَ هذا الحُبُّ في هُدْبِهِ ... ياَ رَوْعَةَ الوَجْدِ بِهِ وَالولاَء!
أَحْسِبُ هذا القَلبَ فِي وَثبِهِ ... يَخْفِقُ لاَ فِي الأَرْض بَلْ في السَّمَاءْ
عَزَائها فِي الأرْض هذا الأثَرْ ... تَسْعَى له زائِرَْه
ياَ حُفرَة مِنْ تَحْتِ هَذَا الحَجَرْ ... طَافَتْ بهَا نَاظرَهْ
ياَ وَطرَّاً مَا مِثْلُهُ مِنْ وَطرْ ... تَحْيَا عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ الذَّاكِرَهْ
أنّى لَهَا مِنْ دُونِهِ مُصْطَبَرْ ... في عِيشةٍ باتَتْ بهاَ سَادِرَهْ؟
ذِكْرَانُهَا أَنّ بهَذَا التُّرابْ ... حُطَامَ أَوْصَالِهِ
كَمْ تَصِلُ القَلْبَ بَهذَا اليَبَابْ ... وَصُمَّ أَطْلاَلِهِ
يُطْفِئُ هَذَا الذّكْرُ بَرْحَ العَذَابْ ... في قَلبِهَا المُسْتَسْلِمِ الوالِه
مَنْ فَاتَه فِي العَيْشِ عَذبُ الشُراب ... يَعِيشُ بالوَهْمِ عَلَى آلِهِ
أَنّي لها مِنْ دُونِهِ مَوْئِلُ ... يَوْمَاً بهَذِي الدُّنَي
ما إن لها سُؤلٌ ... ولا مَأمَلُ=بَعْدَ ذُبُولِ المُني
هَيْهاَتَ يَفْنَى حُبَّهَا الأوَّلُ ... أَيُّ هَوّىً ينْسَخُ هذا السَّنا؟
مَا حَمَلَ القَلْبُ وما يَحْمِلُ ... يَرْسِمُهُ لِلْعَيْنِ هذا الضّنَى
يَا قِطْعةً مِنْهُ بهذا الوُجُودْ ... هَلْ دُونَهُ مِنْ أَمَلْ؟
تَرِفُّ في مرآه بِيضُ العُهودْ ... وما انطَوَي مِنْ جَذَلْ
يَا لَمْحَةَ الماَضِي ورَمْزَ الخلودْ ... والُمْرتَجَى في عَيْشِهِ المُقْتَبَلْ
بأَيَّ سُؤْلٍ أمُّهُ لاَ تَجودْ ... أَيُّ عَنَاءِ فِيِه لا يُحْتَمَلْ؟
يَا لاَعِباً بِالزَّهْرِ فِي يَوْمِهِ ... لم يَدْرِ غَيْرَ الزَّهَرْ
لَمْ يَدْرِ بَعْدُ الشَّوْكَ مِنْ يُتْمِهِ ... أَوْ يَلْقَ وَخْزَ الإبَرْ
في شُغُلٍ بِالزّهْرِ عَن أُمِّهِ ... وعن دواعي وَجْدِهَا بالصِّغَرْ
وُقِيتَ مَا يَخْبَأُ مِنْ لُؤْمِهِ ... دَهْرٌ كفى مِنْ لٌؤْمِهِ ما ظَهَرْ ياَ حَالِماً مَا أَيْقَظَتْهُ الْحَيَاهْ ... ياَ لاَ هِيًا لاَ يَعِي
يَزِيدُ مَعْنَى يُتْمِهِ أَنْ أَرَاهْ ... في ذَلِكَ الْمَوْضِعِ!
غداً بِهَذَا القَفْرِ يَبْكِي أَباَهْ ... يَسْقِي تُرَابَ القَبْرِ بِالأدْمُع
وَيُوجِع القَلْبَ حَدِيثُ الرُّواه ... عَنْ ذَاهِبِ وَلّي وَلَمْ يَرْجِع
لا تَحْبِسِي الدَّمْعَ عَلَى قَبْرِهِ ... أَيَّتُهاَ الْجَازِعَهْ
عِظامُهُ تَهُفُو إلى قَطْرِهِ ... طوفي بِهاَ دامِعَهْ
تَوَدُّ لو تَمْضِي لدي ذِكرِهِ ... جُفُونُها طِائَعةً هَامِعَهْ
فَيَغْلِبُ الدَّمْعُ عَلَى أَمْرِهِ ... والنَّارُ في مُهجتها لاَذِعَهْ
الخفيف