مجلة الرسالة/العدد 297/براعة استهلال العام
→ رسالة أمير المؤمنين الفاروق إلى الشباب | مجلة الرسالة - العدد 297 براعة استهلال العام [[مؤلف:|]] |
يهتمون به فهل يعرفونه؟ ← |
بتاريخ: 13 - 03 - 1939 |
ليس أدل على يمن هذا العام وإقباله، من براعة استهلاله. وبراعة
استهلاله تأييد قوة الإسلام، وتوحيد كلمة الشرق، بتوثيق الصلة بين
عرشين أثيلين بالمصاهرة، وتمكين الألفة بين شعبين نبيلين بالمودة.
والعرشان المصري والفارسي أعرق العروش في أصل الحضارة،
والشعبان المصري ولإيراني أسبق الشعوب إلى خدمة الفكر. والسامَّية
الممثلة في مصر، والآرية الممثلة في إيران، هما اليوم مناط الرجاء
في نهضة الشرق الإسلامي القريب والبعيد، لأنهما تجمعان شعبتي
الفكر البشري وما يميزهما من سمو الروح وبراعة الذهن وصوفية
الخيال وحب الحقيقة. فلا جرم كان زواج صاحب السمو الإمبراطوري
محمد رضا بهلوي ولي عهد إيران، من صاحبة السمو الملكي الأميرة
فوزية شقيقة صاحب الجلالة الفاروق ملك مصر، حادثاً سعيداً في
تاريخ الإسلام والشرق، سيكون له أثره المحمود في تبليغ الرسالة
المحمدية مرة أخرى إلى النفوس العانية التي ضلت سعادتها وراحتها
في ظلام القلق والحيرة والشك
نسجل هذا القران الميمون في هذا العدد الخاص بالهجرة، لأنه وقع في أوائل السنة الهجرية، ولأننا نرجو أن يكون للإسلام والسلام والمدنية من نقلة الأمير المصرية من القاهرة إلى طهران، ما كان لها من نقلة الرسول الأعظم من مكة إلى المدينة. وأنا لندعو الله مخلصين أن يحقق فيه للعرشين العريقين صوادق الرجاء، وأن يجعله للشعبين العظميين عهد الإخاء والرجاء، وأن يقرنه للعروسين الكريمين بالبنين والرفاء.
ابن عبد الملك
ذكرى الهج لإمام المسلمين الأستاذ الأكبر
الشيخ محمد مصطفى المراغي
شيخ الجامع الأزهر
في مستهل هذا الشهر العظيم بذكراه، أذعت على العالم الإسلامي نجوى لصاحب الهجرة صلوات الله وسلامه عليه، كان فيها تذكرة وفيها بلاغ. وليس شيء أحب إلى نفسي من إعادة هذا الحديث، فإن التذكير بسيرة رسول الله، وبهجرته في سبيل الله، شفاء لغل الصدور، وجلاء لرْين القلوب، وقوة لضعف الأنفس
إن دعوة الرسول الأعظم كانت في مكة أشبه بالغيث أنزله الله في يباب القفر، ففاض بعضه في سباخ الأرض، واحتبس بعضه في أصلاد الصخور، ثم نفّس الله عنه من شدة الضيق والحصر فانبثقت عنه الحواجز الصم، فجرى سيولاً في السهول والأودية، وتشعّب ينابيع في القرى والمدائن، يحمل الخصب والنماء، ويوزع الري والغذاء، فأحيا موات الأرض، وروى غُلة الناس، وكان منه العمارة والحضارة والخير
نعم كانت هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة هي هذا الانبثاق الذي انساح به الإسلام في أقطار الأرض يحمل الهدى للأرواح الحائرة، والسلام للنفوس المحروبة، والألفة للقلوب المختلفة، فسارت الإنسانية في طريق الحياة على ضوئه، تنعم بالإخاء في الدين، وتتمتع بالمساواة في الشريعة؛ فلا عصيبة تزرع الأحقاد وتنشر الفرقة، ولا امتياز في الجنس أو في اللون أو في الثروة يوجب الاستعباد ويقتضي الظلم. وحمل خلفاء الرسول رضوان الله عليهم أجمعين مصباح الهداية وزمام القيادة من بعده، ثم استاروا بسيرته، واستنوا بسنته، فأورثهم الله مللك الأرض، وملكهم مقادة العالم، فقادوه على بصيرة وساسوه عن دراية؛ فكان كتاب الله هو الدستور، وحكمه هو القاضي، وسنة رسوله هي الخطة. فلما ابتعد المسلمون عن مشرق النور وأعرضوا عن الذكر، غشيتهم الغواشي فضلوا وجهة أمرهم، وجهلوا غاية قصدهم، وتفرقوا شيعاً في الضلال، وتدفقوا أحزاباً في الباطل، وأصبح كلام الله على ألسنتهم ألفاظاً لا معاني لها ولا رَجْع منها، فأفلت من أيديهم زمام الأمر، وسلب الله من أعدائهم الرعب منهم، فتقهقروا إلى مؤخرة الركب، وساروا أتباعاً بعد أن كانوا أئمة، وإهمالاً بعد أن كانوا سادة. كل ذلك والإسلام هو الإسلام، أنواره لألاءة لا تخبو، ومنبعه ثَرَّة لا تنضب؛ ولكن المسلمين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، واستعزوا بغير سلطانه فوكلهم إلى غير راحم
أشهد أن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله: رجوع إلى الله في أمره ونهيه، وردُّ الخلاف إلى تنزيله ووحيه، وتأليف القلوب على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. وفي يقيني أن الضال متى أدمت قدميه وعورة الطريق، وأنهكت قواه مشقة الحيرة، عاد يلتمس الهدى من مصدره، ويبتغي القصد من دليله. فالإسلام كما كان المبدأ سيكون المعاد، وكما أنقذ العالم في الأولى سينقذهم في الثانية. ومادام الله عزه اسمه قد ختم به الوحي فلابد أن يجدد حبله كلما رث ليعتصم به اللاجئ ويجتمع عليه الشتيت ويفيء إليه الشارد.
إن آية الهجرة التي ظهر بها الإسلام وعلا فيها الحق هي الإخلاص للعقيدة والتضحية للمبدأ والمصابرة في الجهاد والمؤاخاة في الله. وهذه الصفات التي زود الله بها رسوله الكريم لتبليغ رسالته وتمكين أمره، هي عدة كل دعوة ووسيلة كل نهضة؛ وبدونها لا يتفق رأي ولا تجتمع كلمة ولا تؤدي سياسة. يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ولرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحمل بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون. يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) أسأل الله المسلمين عامة ولهذا البلد خاصة هَديْا وسدادا، وعونا وإسعادا، وألفة واتحادا، إنه واسع الفضل عظيم الطول سميع الدعاء.
محمد مصطفى المراغي