مجلة الرسالة/العدد 295/المسرح والسينما
→ رسالة النقد | مجلة الرسالة - العدد 295 المسرح والسينما [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 27 - 02 - 1939 |
الفرقة القومية
// لا غرضا ثقافياً حققت ... ولا روائع المسرحيات الأوروبية أذاعت
الأستاذ إبراهيم رمزي، مدير التعليم الحر، واحد من أوائل الأدباء الذين عنوا بإحياء المسرح المصري، وبذلوا في سبيله جهوداً ذات قيمة، وغيرة كان يجب أن تقابل بالثناء الخالص والشكر الجزيل. إلا أن عوامل لا أعرف بواعثها - قد تكون مادية لبست جلباباً على غير قدها - قد حولت الأستاذ رمزي عن طريق القويم، فجعلته يسلك مسلكاً في التأليف باللهجة الدارجة وفي تجريح الفصحى أراه ويراه معي كل غيور على اللغة العربية التي ارتضتها مصر وسواها من الأقطار المجاورة أو النائية عن شبه جزيرة العرب، أن تكون لغتها الدينية والقومية ولغة حكوماتها الرسمية. إنه خروج على آدابها وقواعدها، ونكوص يخالف سنن الترقي والتقدم، ولوثة تلوث نهضة مصر الثقافية، وما خلا ذلك فالأستاذ رمزي ما برح يعمل للمسرح المصري بروح الأديب المخلص لفنه
قلت له: الفرقة القومية مؤسسة حكومية، هل حققت الغرض الثقافي والفني، وهل عملت على ترقية المسرحية المصرية وأذاعت روائع المسرحيات الغربية؟ فأجاب:
- ليس من السهل الجواب على هذا السؤال إلا إذا استهدف الإنسان لعتاب الأصدقاء والأحباب، ولكني تعودت أن أكون صريحاً فيما له علاقة بمصلحة قومي ووطني، ولذلك لا أتردد في أن أقرر:
أن الفرقة القومية لا تستطيع أن تحقق غرضاً ثقافياً كبير الشأن في هذه المدة القصيرة لأنها إنما تعمل حتى الآن لجمهور المثقفين وعليه المصريين الذين ليسوا في حاجة إلى ثقافتها. على أني لا أدري كيف ينتظر منها التثقيف وهي إلى اليوم لم تتخط القصة المترجمة والمقتبسة التي لا علاقة لها بمجتمعنا المصري، كما أنها على كثرة ما أخرجت لا تشتغل إلا أياماً معدودات في العالم كله وتقتصر على مدينة القاهرة ولا تنتقل إلى أي بلد من عواصم المديريات.
لا يا سيدي، الفرقة لم تحقق غرضاً ثقافياً ولن تحقق غرضاً، وأحب أن أقول هنا إن القيود الكثيرة التي كبلت بها أيدي المشرفين عليها، والمبادئ العجيبة التي تتحكم في مراميها، يمكن أن تنهض معها فرقة بعمل كالذي يرمي إليه اسمها. واعتقد في النهاية أنها فرقة موجودة وعمل من الأعمال التي لها نظائر في بلدنا ينفق عليه لقصد عظيم لا يتحقق منه شيء كثير
أما تحقيقها الغرض الفني فكل ما يمكن الإجابة في صدده أن الممثلين يقومون بأدوارهم أحسن قيام، والإخراج لا بأس به لأنه ليس إلا نقلاً لإخراج ظهرت به في فرنسا الروايات المعربة وأكثرها منقول عن الفرنسية
جوابي عن سؤالك: هل عملت الفرقة على ترقية المسرحية المصرية وإذاعة روائع المسرحيات الغربية، هو: لا، ثم لا، وأخيراً لا، لأنه بلغ من المشرفين على هذه الفرقة (وعندهم الروايات المؤلفة) أن يؤثروا عليها الروايات المقتبسة والمنقولة ومنها السخيف وغير السخيف لسبب واحد هو أن مخرجهم أوربي، ولأن إخراج الروايات العربية ليس في مقدوره، وإخراج الروايات العصرية يحتاج إلى من يدرك دخائل الظروف المحلية، ولأن المشرفين على هذه الفرقة ليسوا كلهم ممن يشعرون تمام الشعور بالواجب القومي في هذا الزمن الأسود.
أما كونها أذاعت روائع المسرحيات الغربية، فالجواب عنه: لا يصح أن يكون ذلك مؤاخذة للفرقة لأنها لم تظهر منها إلا القليل وذلك بحكم الضرورة، فالروائع لا عد لها وهي لم تتأسس إلا منذ أربعة أعوام، على أنها تميل الآن إلى التقرب من الجمهور فهي تعطيه شيئاً من غير الروائع يستطيع أن يستمتع بما فيها من بساطة سطحية
قلت: إذن هل أنت متفائل؟
فأجاب: كلا لست بمتفائل، لأن الهمة الواجبة لمثل هذا العمل الذي تمده الحكومة بمالها وجاهها وقوتها يحتاج إلى نفوس أقوى، وأيد أشد، وعزائم غير هذه العزائم، عزائم مخلصة فعلاً ومضحية فعلاً
على أني يا سيدي وقد وضعت للمسرح ما تعلم من القصص التاريخي الكثير وغيره من القصص العصري باللغة العربية السليمة أعلن جهاراً أن المسرح المصري يجب أن يكون أولاً للشعب أي للتسعين في المائة من أهله من المصريين، أي باللغة الدارجة المهذبة ومكملة بما تحتاج إليه من الألفاظ في اللغة العربية السليمة كما نفعل الآن في أحاديثنا وخطبنا ومساجلاتنا ونترك هذا النفاق الذي نعيش عليه في هذه الأيام!
أما العشرة الباقية في المائة فحسبهم هذه الفرقة القومية وروايتها ولغتها العربية القرشية أو لاتينية الشعوب الشرقية
انتهى كلام الأستاذ إبراهيم رمزي بنصه. وعندي حديث ممتع للأستاذ عمر سري بك تناول فيه هذه الناحية تناول الرجل الخبير وأوضح موقف وزارة المعارف المتناقض في مساعدتها للفرقة القومية الحريصة على اللغة الفصحى وفي مساعدتها لفرقة أخرى تعمل على ترويج العامية. وسننشره قريباً
ابن عساكر