الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 294/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 294/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 294
المسرح والسينما
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 20 - 02 - 1939


الفرقة القومية

نجاحها وفشلها

ووسائل إصلاحها

ينفرد الأستاذ محمود تيمور بك بين من أعرف من أصدقائي الأدباء، بطبيعة مسالمة، وخلق سبط منسجم، يحاول جهد المستطاع الابتعاد عن مسالك الخصام الأدبي ومواطن الشحناء. ومجمل ما قد تسمعه منه - إذا احتكت الآراء واصطدمت الغايات في موضوع قصة أو كتاب أدبي - رأى بيديه بدون ما تصلب أو تشدد، أو حد يوقفك عنده إذا توعرت وتصعبت. يفعل ذلك ولا تفارقه ابتسامة رخية تطوى تحتها كل شيء، وتجعلك لا تطالع في تقاطيع وجهه ما نم عن تكتم مقصود، أو في رفات جفونه عن نفس كظيمة، ولكني لمحت فيه في هذه المرة وهو يحدثني عن الفرقة القومية ما لا يتفق وما وصفت من طباعه. وأحسب مرد ذلك إلى ألم في النفس من أمل خائب. وهل من ألم أشد على نفس الأديب من صدمة يصدم بها من هذه المؤسسة الثقافية في مثل هذا الوقت؟

سألته ما رأيه في الفرقة القومية، هل نجحت في رسالتها أم فشلت؟ فأجاب:

الفرقة القومية نجحت وفشلت في وقت واحد. نجحت في أنها قدمت لنا بعض الروايات الفنية في إخراج مبتكر وتمثيل متقن، نذكر من ذلك: أهل الكهف، وتاجر البندقية، والجريمة والعقاب.

وفشلت في أن ما قدمته لنا من مثل هذه الروايات كان قليلاً جداً في السنوات الماضية التي اشتغلت فيها؛ وهذا يدل على أن المجهود المبذول من القائمين بأمرها ضعيف

والأقوال كثيرة في أسباب هذا الفشل، وقد عالجها بعض النقاد في حملاتهم على الفرقة، كما أن البعض الآخر أدلى برأيه في الدفاع عنها، فمن ذلك يقال: إن الفرقة تشتري الروايات ولا تمثلها إذ يتضح لها عدم صلاحيتها أو عدم رضا بعض المقامات.

كذلك يقال إن كثيرين من المؤلفين المصريين قدموا روايات جيدة ولكنها أهملتها لأسباب لا محل لذكرها. ولو صحت هذه الأقاويل لدلت على أن الإدارة ليست مستقلة تمام الاستق في عملها، وأنه يعوزها إدارة مركزة تتحمل كافة المسؤوليات

ويمكننا أن نتأكد من فشل الفرقة في عملها بمراجعة ميزانيتها المادية والأدبية، أي مقدار ما ربحته ومقدار ما قدمته من الروايات الناجحة لجمهور. وليس هناك سر إذا أذعنا أن الفرقة القومية تتكبد اليوم خسائر مادية جسيمة لولا الإعانة السخية التي تمدها الحكومة بها لكان قضى عليها في بدء عملها

أما الخسارة الأدبية كما أوضحنا سابقاً فالفرقة لم تقدم لنا من الروايات الناجحة خلال الأعوام الأربعة سوى ثلاث روايات أو أربع، وأنها لضعفها لجأت إلى استعارة روايات سبق تمثيلها كمجنون ليلى، وأنها تزمع في موسمها المقبل تمثيل روايات فرقة جورج أبيض القديمة، مع أن الروايات الإفرنجية الجديدة مثلاً تعد بالمئات، وأقصد بهذه الروايات تلك التي تساير نهضة الفن الحديثة. فمصر محرومة من هذا النوع، مع أن الوسائل كلها متوفرة لترجمة وإخراج هذه الروايات، كما أن مصر لها من المؤلفين المصريين المجيدين من يستطيع أن يمد الفرقة ويغذيها بروايات فنية

ويمكننا إنصافا للفرقة أن نقول أن من دواعي فشلها سببا عالمياً يشكو المسرح منه على وجه العموم، ألا وهو طغيان السينما. إنما يمكننا أن نعالج هذا الداء بوسائل في استطاعة المسرح صد تياره القوي، فلقد ثبت للفنيين أن لكل من الفنين المسرحي والسينمائي ميدانه المستقل، فإذا فهمنا ذلك حق الفهم، استطاع المسرح أن يعمل في ميدانه دون أن يخشى قضاء السينما عليه

والفرق بين السينما والمسرح أن الأول يعني بالمظاهر إذ يعطينا أروع المناظر بصورها المفصلة وجوها الحقيقي، بينما المسرح لا يطلب منه في الوقت الحاضر مثل هذه الزخارف الدقيقة، لأنه مهما أوتي من الدقة في إظهارها فانه يعجز دائماً عن تأديتها على وجهها الصحيح، ولكن يطلب منه العناية بإبراز الفكرة ناضجة قوية كما يعنى بروح الانسجام الواجب بين الممثل والجمهور، وهذا ما نطالب به الفرقة

- ماذا ترون من علاج للإصلاح؟

- لعلاج الفرقة وإصلاحها أوجه اذكر منها ما يأتي:

أولاً: هو ما سبق لنا ذكره من ضرورة تركيز الإدارة واستقلالها استقلالاً تاماً أي جعلها تتحمل مسؤولية أعمالها وحدها أمام وزارة المعارف، وتوضيحاً لذلك نقول أنه يجب ألا تتلقى الإدارة أوامر لتنفذها، بل يجب أن تصدر هي الأوامر وتتحمل مسؤولية إصدارها. ويجب أيضاً أن يكون للجنة القراءة رأي استشاري فقط وتكون هي ضمن الإدارة المشرف عليها مدير الفرقة

ثانياً: يجب دعوة المؤلفين المصريين بصفة جدية، والعمل على تشجيع مؤلفاتهم بكافة الوسائل. وحسبنا أن الجمهور هو الذي سيصدر حكمه على هؤلاء المؤلفين أو عليهم، كما أن هذه الدعوة ستمهد لمؤلفين المغمورين طريقاً إلى تبوئ مراكزهم بحق

ثالثاً: إيجاد مسرح دائم للفرقة تمثل فيه طوال الموسم ليتم الاتصال بينها وبين الجمهور

رابعاُ: أرى أن يتبع في نظام المرتبات التي تدفع لهيئة الإدارة والممثلين النظام الآتي:

يدفع للموظف نصف مرتبه الحالي والنصف الآخر يكون بمثابة أسهم تدر عليه ربحاً يقل أو يكثر وفق نجاح الفرقة أو فشلها. والمقصود بذلك إشعار العامل في الفرقة موظفاً كان أم ممثلاً بمسؤولية نجاح الفرقة، وإن عليه واجباً يؤديه كأنه يعمل لفرقة هو أحد أصحابها، وليس موظفاً يتقاضى مرتبه الشهري، وسيان عنده نجحت الفرقة أو فشلت كما هي الحال الآن

خامساً: أرى تحبيباً في المسرح وتقليلاً من منافسة السينما له أن ترخص الإدارة أسعار الدخول رخصاً نسبياً بحيث تكون أسعار نصف كراسي الصالة تساوي ثمن الكرسي في السينما، وتكون أسعار النصف الآخر من الكراسي مخفضة أيضاً. كذلك يجب عمل تخفيض خاص لطلبة وطالبات المدارس، والموظفين، وأعضاء الهيئات الأدبية، والنوادي، والصحفيين بأن يكون لهم حق الدخول بنصف الأجرة

سادساً: يجب تحديد التذاكر المجانية تحديداً دقيقاً فلا تبعثر ذات اليمين وذات الشمال، كما يشاع ويقال، بعثرة زهدت الناس في الفرقة تفادياً لما يقال عن هذه الدعوات التي تأتيهم بالمجان أو تطرح عليهم طرحاً. انتهى

أشار حضرة الأستاذ الفاضل تيمور بك إلى أشياء أرى لزاماً علي توضحيها، وهي استقلال الإدارة، ونفوذ لجنة القراءة، والسعي إلى قبول بعض الروايات ورفض بعضها فالإشارة وحدها في مثل هذا الموقف لا تفي بالمرام ولذلك سأعود إليها في فرصة مواتية ابن عساكر