مجلة الرسالة/العدد 289/رسالة الشعر
→ رسالة المرأة | مجلة الرسالة - العدد 289 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
فلسطين ← |
بتاريخ: 16 - 01 - 1939 |
من جحيم التقاليد
التي في الأصفاد!. . .
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
(إلى ملهمتي. . في قيود الرجعية الغاشمة التي لا تدين
بشرعة الحب العليا وتنكر على الهوى أزلية أنواره في قلوب
العشاق!)
يا قُدْسَهَا! هَلَّتْ كَوَحي الإلهْ ... عَلَى نَبِيٍّ أَسْكَرَتهُ الصَّلاَهْ!
عَلَى جَناني وهْوَ غِرُّ الصِّبَا ... أَذْهَلَ دُنْياهُ ضَبابُ الحَيْاهْ
على صَباحي وهْوَ طِفْلُ السَّنا ... مِنْ وَحْشة الأَيام يَبْكي ضُحاه
حَيْرَانُ. لا أيْكٌ، ولا زَهْرَةٌ ... ولا خَمِيلٌ يَتَحَسَّى شَذاهْ
ولا مُنَى تُشْرِقُ فيهِ، ولا ... شعاعُ أحْلاَمٍ يُنَاجي سَناهْ
حَفيفُ قُبلاتِ الْهَوَى عِنْدَهُ ... لَمْ يَدْرِ حتَّى في اللّيالي رُؤَاه
ولذَّةُ الَّجْوَى وَأّسْمَارُها ... لَغْوُ الأَحَاديثِ، ولَهْوُ الشِّفاه
كنْتُ فَناَء في دِيارِ الْبلَى ... خاصَمَهُ الْبَعْثُ فألْقَى عَصاه
كنْتُ بُكاَء سَرْمَدِيَّ الأَسَى ... أجْفَانُهُ لَمْ تَدْرِ ماذا شَجاه
كنْتُ أَنيناً في حَشا طائرٍ ... شَلتْ أغانِيهِ أكُفُّ الرُّماهْ
كُنْتُ حَنيِناً غَامِضًا، في دَمِي ... شِعْرٌ. وَلكنْ أَيْنَ منِّي لُغَاه؟
كُنْتُ وما كنْتُ ولكِن هوًى ... ظَمْآنُ، لم تَرْو اللّيالي صَداه
ظَمْآنُ! لا خِلٌ، ولا صاحِبٌ ... إلاَّ شَقاءٌ سابَقَتْني خُطاه
حًتَّى أهَلَّتْ فِتْنَتي، مِثلَما ... حَيّا النَّدى زَنْبقةً في فَلاهْ
أَلْقَتْ عَلَى رُوحي شعاعَ المُنى ... والسَّحْرَ، والشَّعْرَ، وخَمْرَ الْحَياه
عَذْراءُ لا مِنْ أيِّما آدَمٍ. . ... نِسْبَتُها في الكَوْنِ فَنُّ الإلهْ! وَجْهٌ. . حَرَامٌ يا فَمِي وَصْفُهُ! ... ما كانَ خَلْفَ السِّترِ إلاَّ صَلاه
صَوَامِعُ الرُّهْبانِ أّلُقَتْ لهُ ... سِرَّ الْقَرَابين، وَتَابَ الْعُصاه
لَهُ هُدُوءُ النَّبعْ في وَاحَةٍ ... سَجْوَاَء لَفّ الطَّيْرَ فيها كَرَاه
ما نَوْرَة الْفُولِ؟ وما طِيُها ... إنْ شَعْشعَتْ عِطرَ الْهَوَى صَفْحَتَاه
وَما لَها (بابِلُ) مَشْدُوهَةُ ... (هارُوتُ) يَنْعَاهَا لنار الرُّقَاهْ؟
حُوريَّتِي مَرَّتْ بها أَمْ رَنَتْ ... مِنْهَا إِلَى السِّحْرِ عُيونٌ سَواهْ؟
اللهَ لي. . . يا ثَغْرَها رَحْمَةً ... فَالْكَرْمَ أَطْيافٌ لِتِلْكَ الشِّفَاهْ
صَوْتُكَ لَحْنٌ عَبْقَرِيُ الصَّدَى ... أَفْنَى ولا يَفنَى بِسَمعِي صَداهْ
إِنِّي مِنَ الطِّينِ. . . فَطَهِّرْ فَمِي ... كَيْمَا يُنَاغِيكَ بِدُنْيا هَواهْ
وَيَنْقُلُ التِّسْبِيحَ عَنْ خَافِقٍ ... أَلْحانُهُ تُعْجِزُ جِنَّ الرُّوَاهْ!
مَنْ لَفَّ هَذا الحُسْنَ عَنْ عَبْدِهْ؟ ... وَمَنْ بِهذِي الأرْضِ عَنِّى زَوَاهْ؟
قَوْمُكِ يا آسِرَتي! مَا زَكا ... عَنِّي لَدَيْهِمْ فِي العُلاَ أَيُ جَاهْ
جَدِّيَ (فِرْعَوْنُ) لَدَى كِبْرِهِ ... كَمْ أَطْرَقَتْ دُنْيا وَخَرَّتْ جِبَاهْ!
وَالْفَنُّ زَادِي وَعَفَافُ الهَوَى ... أّقْدَسُ مَا حُمِّلَ يَوْمًا سُرَاهْ
هذا الرَّخيمُ الشَّدْوِ فِي أَنْمُلِي ... نَايٌ يَرُوعُ الدَّهْرَ ضافي صِبَاهْ
مَا لِي يَدٌ فِي سِحْرِهِ. . فَاسْأَلِي ... فسِرُهُ الْعَالِي بَعِيدٌ مَدَاهْ
مِنْ وَحْيِكِ انْهَلَّتْ أَسَاكِيبُهُ ... وَمِنْ هَوَاكِ الْعَذْبِ أَشجَى بُكاهْ
إِمَّا تَرَنّحَتْ بِإِعْجِازِهِ ... آلِهَةُ (الأوُلُمْبِ) خَرُّوا جُثَاهْ
مَاذَا؟! وَأَهْلُوكِ عَلَى غَفْلَةٍ ... مَرُّوا بِوَادِي الحُبِّ صُمًا قُسَاهْ
لَمْ يَسْمَعُوا النَّجْوَى. . وَلَمْ يَرْحَمُوا ... فِي حُسْنِكِ المَعْبُود نَارَ الشَّكاهْ
غَنَّتْ لَكِ الأَصْفَادُ شِعْرَ الأَسَى ... وَالْعَابِدُ النَّائي يُغَنِّي لَظَاهْ!
محمود حسن إسماعيل