مجلة الرسالة/العدد 288/رسالة المرأة
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 288 رسالة المرأة [[مؤلف:|]] |
رسالة الشعر ← |
بتاريخ: 09 - 01 - 1939 |
المرأة اليونانية
للآنسة زينب الحكيم
المرأة اليونانية الحديثة المتعلمة
زرت إحدى دور الآثار يوم الجمعة 5 من أغسطس سنة 1938. والدخول إليها بأجور مرتفعة للأجانب وزهيدة جداً للأهالي
بناء الدار فخم، أمامه حديقة كبيرة منسقة. رتبت محتوياتها وجلها من التماثيل الكبيرة والصغيرة، والآنية الخزفية، والغازات المنوعة الأشكال والمادة، وكذلك الحلي، رتب كل هذا بنظام علمي تاريخي وفني ملحوظ، مما يجعل الزائر يشعر بعد تركه الدار أنه استفاد شيئاً قيماً. فإن بساطة مظاهر الحجرات إنما يرفع القيمة العلمية التي امتازت بها درجات.
لا يوجد بالدار عمال كثيرون، ولا موظفون؛ والذين يتولون الشرح للزوار علماء وعالمات بالعاديات.
وكان يلتف حول كل شارح وشارحة جماعة يفهمون اللغة التي يشرح بها، فرأيت جماعة من الألمان، وجماعة من الإنجليز انضممت إليهم، وجماعة أخرى يشرح لها بالفرنسية، وجماعة رابعة تشرح لهم سيدة يونانية باللغة اليونانية.
كان صوت هذه السيدة مرتفعاً إلى حد مزعج، شوش على جميع المتفرجين، كما ظهرت عليها سمات الغرور، وعدم المبالاة مع أنها فتاة في ريعان الشباب أنيقة الهندام جميلة الوجه، عالمة بدليل أنها تتولى الشرح لعاديات بلادها. إذن كان من أول واجباتها أن تكون أيضاً مثقفة مهذبة بمعنى أن تتذكر تطبيق ما تعلمته من آداب الحديث والاجتماع عملياً وهي في طور اليقظة وإلاّ فمن شب على شيء شاب عليه. على أن هذه الناحية من النقص قد لحظتها بين كثيرات من السيدات اليونانيات المتعلمات.
المرأة اليونانية في بيتها
زرت بعض الأسرات اليونانية الكريمة في بيوتها، وكان من بين هذه الأسر، أسرة كاتب شهير، وكذلك زوجه كاتبة ذائعة الصيت.
زرتها أول مرة، فلم تكن السيدة موجودة لارتباطها بموعد سابق، فقابلني زوجها في حجرة مكتبه - وقد تبينت أنه رجل مهذب، يمتاز بسجايا الرجل الجنتلمان. أطنب كثيراً في مدح زوجته؛ مما دل على حسن تقديره لها واعتماده عليها، إذ قال: إنها ذراعه اليمنى في إخراج المراجع التي يحتاجها من المكتبة
قدم لي تحية الزيارة. . . قهوة، ولكن وضع معها على الصينية صحناً به مربى، وحوله ثلاثة أكواب بها ماء مثلج، ووضعت على كل كوب ملعقة صغيرة. استفسرت منه عن كيفية السلوك الذي يجب أن أسلكه؟!
قال: هذه عادة يونانية. يؤكل جزء من المربى ويشرب بعض الماء البارد ثم تشرب القهوة. بعد قليل ودعت الرجل وانصرفت على أن أحظى برؤية زوجه في الزيارة الثانية.
وفي اليوم الذي سبق تحديده ذهبت لزيارة هذه الأسرة ثانية، وجلسنا هذه المرة في حجرة مكتب السيدة الزوجة، وبعد التعارف وحضور حمى الزوج أيضاً، قالت الزوجة: تريدين معرفة شيء عن الحركة الاجتماعية في اليونان؟ قلت: نعم، وأريد أن أعرف كذلك شيئاً عن الحركة التعليمية بالنسبة للمرأة اليونانية، ويهمني كثيراً أن أصل إلى معلومات صحيحة. فقاطعتها أمها قائلة: إن نسبة المتعلمات من السيدات 60 %، والرجال بين 70، 80 %.
وعادت الزوجة وأخبرتني بنتف غير واضحة عن جملة أشياء مما أردت، وقاطعتها أمها مرات، وقاطعتها هي بدورها مرات، ونسيتا نفسيهما فارتفع صوتهما، وكثرت حركات أيديهما.
وسألت عن اسم سيدة أخرى من شهيرات نساء اليونان، فذكر الزوج اسم سيدة، فقلت تفضل بكتابته لي بغير الأحرف اليونانية حتى تسهل عليّ قراءته ونطقه صحيحاً.
قام الرجل وبحث عن قصاصة من الورق على مكتب زوجته، وما كاد يرفعها ويأتي بها إلى مقعده حتى انقضت عليه الزوجة معنفة بحالة شرسة، وأعصاب ثائرة، وغضب شديد، لجرأته على التعدي على منضدة كتابتها، وأخذ تلك القصاصة المشئومة. قابلها الرجل بابتسام ورحابة صدر، وسلك سلوك الرجل السميدع الذي صمم على ستر الموقف مهما كلفه ذلك. لكن الحقيقة التي لا يمكن الهروب من ذكرها، هو أن سلوك الزوجة ذاك، إن دل على شيء فلا يدل على أكثر من التربية الناقصة، والغرور الفاضح بمعلومات واهية لا تثمن ولا تغني إذا كان هذا هو تأثيرها في نفس تلك السيدة الجميلة الوجه الأنيقة الهندام الشرسة الطباع المغالية في تشويه جمالها الطبيعي بإسرافها في استعمال الأصباغ.
على أني أهيب بالقارئة الكريمة ألا تستخلص من هذا أن جميع سيدات اليونان المتعلمات كهذه الأمثلة التي اتفق أن رأيتها. إن من بينهن مثقفات أنيقات بحق عالمات بصدق. ولعل ذلك يتجلى في الشقيقات الثلاث الموجودة صورتهن بين هذه الصفحات.
وإن أنس لا أنس أبداً مناظر السيدات اليونانيات اللاتي اشتركن في الاحتفال بعيد الإنقاذ القومي في 4 من أغسطس 1938
لقد أتت من أجله السيدات اليونانيات من جميع أطراف بلادهن من الجزائر ومن القرى، كل فريق له طابع خاص وشخصية مميزة، ويتفق الجميع في الحسن والرقة، وحسن ذوق الأزياء التي ارتداها ممثلو وممثلات نحو مائة مكان باليونان.
وكلها يقصر دونها الوصف ويعجز عن شمولها الخيال، منها ما مثل اليونان القديمة، ومنها ما يزال يستعمل إلى الآن من تلك الأجيال السحيقة. فدعاني هذا إلى التفتيش في التاريخ اليوناني القديم، ليتسنى للقارئات استخلاص موازنة لأنفسهن بين المرأة اليونانية الحديثة والمرأة اليونانية القديمة. وموعدنا الأسبوع القادم إن شاء الله.
زينب الحكيم