الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 288/استخبار صحفي (ريبورتاج)

مجلة الرسالة/العدد 288/استخبار صحفي (ريبورتاج)

مجلة الرسالة - العدد 288
استخبار صحفي (ريبورتاج)
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 09 - 01 - 1939


أبو الهول يتكلم!

اكتشافات أثرية هامة

(لمخبر الرسالة)

للأستاذ الأثري سليم بك حسن وكيل مصلحة الآثار اكتشافات كبيرة القيمة من الناحية الفنية والتاريخية فهو الذي أماط اللثام عن سر أبي الهول كما كشف كثيراً من الآثار التي وضحت لنا النواحي الاجتماعية في عصر الأسرتين الرابعة والخامسة. وقد زرناه في بيته الصحراوي بجواز أهرام الجيزة فوجدناه منهمكا في إعداد كتاب قد تزيد صفحاته على خمسمائة صفحة عن حصر الفرعونية.

وقد سمح لنا أن نشاهد حفرياته الحديثة، ونقدم إلى قراء الرسالة أخبار هذه المكتشفات التي غيرت كثيراً من النظريات التاريخية.

خرافة الكتابة.

(كانت هناك خرافة تقول بأن أهرام ملوك الأسرة الرابعة خالية من النقوش والكتابات، وقد ظلت هذه الخرافة قائمة إلى سنة 1938 إذ ثبت خطأها في 28 نوفمبر الماضي فقد وجدنا صورة الملك خوفو باني الهرم الأكبر منقوشة بالحفر البارز على أحد أحجار معبد الهرم الجنائزي كما وجدنا رسوماً ونقوشاً أخرى).

بهذه العبارة أعلن سليم بك حسن وكيل مصلحة الآثار عن اكتشافاته العظيمة القيمة التاريخية والفنية.

وبهذه العبارة وهذا الاكتشاف هدم كثيراً من النظريات، كما قضى على كثير من المؤلفات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والتحليل. فقد لاحظ علماء الآثار خلو أهرام ملوك الأسرة الرابعة من النقوش والكتابات، مخالفة بذلك مقابر أشراف الأسرة وكهنتها الذين ذكروا كثيراً من حوادث عصرهم وعادات قومهم. فاستنتجوا أن ملوك هذه الأسرة توخوا في مقابرهم أن تكون من العظمة والضخامة بحيث تنطق بجلائل أعمالهم وتتحدث عن حالة الرخاء في عهودهم. ولذلك ظهرت الأهرام بضخامتها التي ما زالت حديث العالم دون أن يظهر على جدرانها نقش واحد يدل على أسماء أصحابها.

الحلقة المفقودة.

ولكن هذا المنطق لم يرق لسليم بك، إذ كيف يذكر اسم الملك في مقابر الحاشية ولا يذكر في مقبرته هو؟ أضف إلى ذلك ما ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت، فقد قال إنه زار الأهرام ورأى نقوشاً على مبانيها؛ وبذلك تأكد لعالمنا المصري أن حلقة أثرية ما زالت مفقودة، وأن كثيراً من أسرار الهرم في الرمال مطمورة. . .

وبحث ونقب فوجد أن كل هرم له معبدان أحدهما جنائزي وهو إلى جوار الهرم من الناحية الشرقية، والثاني معبد الوادي وهو يبعد عادة عن المعبد الجنائزي بطريق. وعلى هذا الأساس بدأ أبحاثه فتوصل إلى الدليل القاطع بعد أن نقل رمال الصحراء من منطقة تزيد مساحتها على مائتي فدان. ففي الجانب الشرقي للهرم الأكبر وجد في معبده الجنائزي في 28 نوفمبر قطعة من الحجر الجيري الأبيض نقش عليها رسم الملك خوفو وهو يلبس تاج الوجه البحري، كما عثر على قطعة أخرى عليها رسم الملك وهو جالس على عرشه يحتفل بمرور ثلاثين عاماً على توليه العرش. وبهذه الأدلة القاطعة هدم النظرية القائلة بعدم وجود نقوش.

ويتكون المعبد الجنائزي من مساحة واسعة تقع شرق الهرم الأكبر وأرضها من حجر التولوريت الأسود الذي أحضره الملك من الفيوم. وقد نحت إلى جوار المعبد ثلاثة مراكب رمزية يستعملها الملك بعد عودته عندما يتمثل إله الشمس في طوافه حول الأرض. واثنتان منها توازيان الهرم وطول إحداهما 55 متراً وطول الثانية 50 متراً، ويختلف المركب الثالث عن سابقيه وهو فريد في نوعه. لأن الوصول إلى قاعه يكون بدرجات كثيرة مما لم يشاهد في المراكب الأخرى. وقد كانت جدران هذه المراكب مغطاة بالحجر الجيري الأبيض الذي وجدت آثاره في المنطقة. وينتظر أن يكشف رفع الرمال التي تغطي تلك المنطقة عن كثير من المعلومات والآثار. ويطمع علماء الآثار أن يجدوا تمثالاً للملك خوفو الذي لا يوجد له تمثال في كل متاحف العالم غير التمثال الصغير الذي وجد في العرابة؛ وقد وجدت تماثيل ولكنها محطمة.

كيف رفعوا أحجار الهرم.

وهناك اكتشاف آخر يكشف عن كثير من مقدرة قدماء المصريين، فإن كثيرين يظنون أنهم كانوا يرفعون الأحجار الضخمة إلى مواضعها بجرها على مستويات مائلة. وكلما تم بناء طبقة رفع المستوى المائل إلى أن يتم البناء كله فيزال ما حوله من مستويات. وقد عثر سليم بك على بكر ضخم مصنوع من الجرانيت الغرض منه رفع الأثقال ونقلها، وهذا يدل على انهم كانوا يستعملون الآلة الرافعة كما نفعل الآن.

سر أبي الهول.

وأدت الحفريات الحديثة شرق الهرم الثاني إلى كشف كثير من غموض أبي الهول حتى أصبح في حكم المقرر أن الملك خفرع باني الهرم الثاني هو الذي أمر بنحته في الصخر. وذلك لما يشاهد من اتفاق فن البناء في معبد أبي الهول والهرم. وقد وجدت حول أبي الهول أكثر من 200 لوحة أهداها إليه كبار الزوار عندما كانوا يحجون إليه مما يدل على ما كان له من مكانة مقدسة.

وكلمة (أبو الهول) محرفة عن كلمة (بوحول) وهي لفظة إسرائيلية معناها (مكان حول) و (حول) إله محلي في فلسطين. فلما نزل الإسرائيليون بأرض مصر أقاموا في جوار أبي الهول وعبدوه بدلاً من أحد آلهتهم لما بينهما من تشابه. وبمضي الأعوام صحف لفظ (بوحول) فأصبح (أبو الهول). أما اسمه الفرعوني تبعاً لنصوص أقدمها يرجع إلى الأسرة الثامنة عشرة فهو (حر أم آخت) ومعناها (هوراس الذي في الأفق). وحرفه اليونان إلى حرماخيس. ويقول سليم بك (إن الإسرائيليين أقاموا في تلك المنطقة مدة طويلة، وإنهم تركوا مصر إلى الشام من طريق بجوار الأهرام، وما زالت قرية الحرونية تحتفظ باسم الهرم إلى الآن).

فن القدماء.

وبكشف مقابر كبار موظفي الأسرتين: الرابعة والخامسة. أميط اللثام عن كثير من غوامض التاريخ، فمن مقبرة (نتربو) يمكننا أن نعرف ترتيب ملوك الأسرة الرابعة. كما بينت المقابر الأخرى أن أولاد خفرع ليسوا أربعة فقط بل هم خمسة عشر ولداً وبنتاً.

أما من جهة الفن فقد وجدت في هذه المنطقة تماثيل كثيرة حافظ فيها الفنان على تصوير وجه صاحبه بكل ما فيه من عيوب، لأن المصريين اعتقدوا بخلود الروح والحياة الأخرى، كما اعتقدوا أن الروح تزور جثتها. ولذلك وجب حفظها بالتحنيط، وزيادة في الاحتياط رأى المصري القديم أن يلجأ إلى مادة أصلب وأقوى على مقاومة الدهر وعبث الأيدي بدلاً من جثته الهشة فنحت التماثيل لتزورها الروح إذا فقدت الجثة أو تلفت. ولذلك وجب أن تكون الصورة صورة أصلية من صاحبها حتى لا تضل الروح عنها إذا أرادت زيارتها.

وكثرة هذه التماثيل أو قلتها ترجع لسطوة الميت وغناه؛ ففي مقبرة (رع ور) مثلاً وجدت بقايا 120 تمثالاً. ويلاحظ أن تماثيل الأغنياء كانت دائماً تمثل الترف بأجلى صوره، فإذا كانت لصانع دقق الفنان في إبراز التفاصيل فيبدو كل شيء على طبيعته. فترى آثار الجهد على وجه الخباز أو العجان حتى أصبحت تلك التماثيل قطعاً حية تقود الفنان الحديث.

زيارة الأحياء للموتى

وليست زيارة الأحياء للموتى بنت اليوم، ففي مقبرة الكاهن (فيفي) سرداب به حجرة لها نافذة صغيرة أعدت ليطل منها الناس فيرون تمثال الكاهن وإلى جانبيه زوجته وابنه وابنته فترى في عينيه نظرة الاطمئنان وكأنه ينظر إليك. كما ترى جلد الذكور ملوناً بلون أحمر بينما جلد الإناث أبيض. وحتى الملابس والعقود لم ينس المثال أن يصبغها بألوانها الطبيعية التي مازالت ثابتة حتى الآن. فإذا زرت التمثال فقد زرت أصحابه. وليست هذه المقبرة هي الفريدة في نوعها بل إن الحفريات كشفت عن ثلاث مقابر بها هذه الظاهرة

ومن كشف مقابر الأشراف في تلك المنطقة عرفنا كثيراً من عادات القدماء وحياتهم الاجتماعية من سمر وغناء ورقص، ففي مقبرة (كاجوا) كاهن الملك خفرع نجد (أوركسترا) كاملاً مكوناً من ستة أزواج من الموسيقيين، ويتكون كل زوج من شخص يلعب على آلة موسيقية كالمزمار أو الناي أو القيثار وشخص آخر يصفق له تلك التصفيقة التي مازلنا حتى الآن نصفقها إذا حركت إحساسنا أوتار الموسيقى البلدية

ولأول مرة نجد فوجين من الراقصين والراقصات تتوسطهم راقصة عارية، وهي ظاهرة لم تعرف من قبل النقوش الفرعونية. وهكذا لم يترك الفراعنة شيئاً إلا وضعوا هم بذوره ليتبعهم العالم الحديث في جده ولهوه.

ولم يكن كشف هذه الآثار والوصول إلى هذه الحقائق من الأمور الهينة فقد احتاج إلى عزيمة قوية وصبر طويل ومجهود جبار. فقد استمرت الحفريات برياسة سليم بك عدة سنوات نقلوا خلالها مقادير كبيرة من الرمال، ففي كل يوم كانت العمال تنقل ألف متر مكعب أو أكثر من الرمال، فإذا عرفنا أن العمل كان يستمر ثمانية أشهر في كل سنة قدرنا كم من المجهود احتاج إخراج هذه الآثار إلى عالم المرئيات

وإنه لمن شقاء مصر أن تطغى الأعمال المكتبية على كل شيء وتفسد على العلم كثيراً من الجهود الناجحة حتى يقول سليم بك حسن: (إن أكبر خطأ ارتكبته في حياتي هو أني قبلت منصب وكيل مصلحة الآثار)

(الشتوي)